صفعة الموت.. ومواجهتها فـي النهاية!
تاريخ النشر: 27th, November 2023 GMT
تمرُّ على الإنسان فترات وهو يشاهد لحظات المريض الأخيرة، فلا يستطيع تقديم أكثر ممَّا قَدْ قدَّم له من عناية طبيَّة. وهنا اللحظة، الَّتي يدرك فيها الشخص المحتضر لأوَّل مرَّة، أنَّ الموت قريب. ولعلِّي هنا أقول ـ يا إلهي ـ أليست تلك هي الصفعة الوجوديَّة، خصوصًا وأنَّ العادة المعتادة، أن نسمحَ لأفكار الموت بالبقاء في مكان ما بعيد عن عقولنا، باتَتِ الآن مستحيلة؟!.
وعَلَيْه، وبشكلٍ مقارب، يجِبُ أن لا ننسى أنَّ هذا الوعي قَدْ يؤدِّي أيضًا إلى حدوث أزمة شخصيَّة بالنسبة للعديد من المرضى الَّذين يعانون من أمراض مزمنة خطيرة، خصوصًا وأنَّ أزمة معرفة الموت ستكُونُ ربَّما نقطة تحوُّل وجوديَّة أو محنة وجوديَّة نتيجة الإصابة بمَرض عضال وتبعاته. وهنا مُعْظم النَّاس يدركون على المستوى الفكري، أنَّ الموت أمْرٌ لا مفرَّ مِنْه، وقَدْ تسمع ذلك ـ على سبيل المثال ـ من مَرضى السرطان عِندما تتغيَّر حياتهم على الفور، في اللحظة الَّتي يقول فيها الطبيب إنَّه مُصاب بالسرطان، مع العِلم أنَّ دِيننا الحنيف أوصانا بالصبر والاحتساب عِند البلاء ولكن حتمًا تلك هي الطبيعة البَشَريَّة.
مع ذلك يجِبُ أن أشيرَ إلى أنَّ صدمة مواجهة الفناء الخاصِّ بك لا يجِبُ أن تحدُثَ في تلك اللحظة. ربَّما تنظر إلى نَفْسِك في المرآة وتدرك فجأة مدى نحافتك، أو تلاحظ أنَّ ملابسك لَمْ تَعُدْ مناسبة لك. بل ـ أستطيع القول ـ بأنَّها ليست بالضرورة لفظيَّة أو بالضرورة، ما قَدْ يخبرك به الآخرون… لعلَّها روحك الَّتي ستخبرك، أو ربَّما تخبرك عيون الآخرين!
بطبيعة الحال وفي عصرنا هذا، كُلُّنا نعيش مع احتمال الموت في أيِّ لحظة. وكُلُّ واحدٍ يعرض لنَفْسِه مسارًا معيَّنًا لحياته، فيتوقع فترة حياة معيَّنة يرتب فيها أنشطته ويُخطِّط لحياته، ولكن بعد ذلك قَدْ يواجه الفرد فجأة أزمة، أكانت بسبب المرض أو الصدفة، وبالتَّالي هنا مسار ذلك الإنسان من المحتمل أن يتغيرَ فجأة!
وبلا شك، وفي هذه الأزمة، يشعر البعض بالاكتئاب أو اليأس أو الغضب، أو الثلاثة معًا. فيحزنون، ويتصارعون مع فقدان المعنى. كيف لا؟ وكُلُّ جانب من جوانب حياة ذلك الفرد سيكُونُ مهدّدًا بالتغيُّرات الَّتي يفرضها المَرض ـ أجارنا الله وإيَّاكم، وشفى مرضانا ـ. وحتمًا لعددٍ قليل من المرضى، تلك الأزمة قَدْ تثير أو تخلق مشاكل نَفْسيَّة دائمة. بالمقابل فإنَّ عددًا من النَّاس يواجهون الأزمة، ثمَّ يعودون إلى حالة الإنكار، ثمَّ يعودون مرَّة أخرى إلى الأزمة، وربَّما أكثر من مرَّة تمرُّ عليهم هكذا لحظات.
ومهما يكُنْ، فهنا يبرز الإيمان بالله، وإدراك معنى الابتلاء والصبر عَلَيْه، حينها يعيش ذلك المريض بوعي بالموت، وفي الوقت نَفْسه توازنه مع البقاء منخرطًا في الحياة. إنَّها ـ إن استطعت القول ـ القدرة على الاحتفاظ بالازدواجيَّة. وهنا سواء كان النَّاس قادرين على إيجاد هذا التوازن أم لا، فإنَّ الأزمة الوجوديَّة لَنْ تدومَ، فلا يُمكِن للمَرضى البقاء لفترة طويلة في حالة من القلق الحادِّ. فالأجدى معايشة الابتلاء ومحاولة العيش بقدر من القوَّة والصبر، خصوصًا إذا كان من حَوْلَه، مُحبِّين وصادقين في دعمه.
طبعًا بالنسبة لمُعْظم الأشخاص، فإنَّ معرفة كيفيَّة التكيُّف مع العيش مع مرض يهدِّد الحياة هي عمليَّة معرفيَّة صعبة ولكنَّها ضروريَّة. فعِندما يظهر المَرضى على الجانب الآخر من الأزمة الوجوديَّة، تجد أنَّ العديد مِنْهم أصبحوا أفضل حالًا بسبب هذه الأزمة. بل ومن المرجَّح أن يكُونَ لدى هؤلاء المَرضى تعاطف أعمق مع الآخرين وتقدير أكبر للحياة المتبقية!
ختامًا، يجِبُ أن يعيَ ذلك المَريض (المُبتلَى بذلك الدَّاء العضال ) ويواجه حقيقة أنَّه سيموت يومًا. فإذا كان شخصًا متجنبًا للحقيقة، ولا يحبُ التفكير في هذه الأشياء، فهو ـ للأسف ـ ملزم بالواقع الَّذي لا يسمح بذلك. كمحاولة التظاهر بأنَّك لا تحتاج إلى مظلَّة مع زخَّات المطر، ولكن عِندما يكُونُ الطقس بشكلٍ حقيقي ممطرًا… في النِّهاية عَلَيْك أن تتعايشَ مع المطر!
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
حسام موافي: الموت المفاجئ ظاهرة.. وهذه أبرز أسبابه
كشف الدكتور حسام موافي، أستاذ طب الحالات الحرجة بكلية طب قصر العيني، أهم وأبرز أسباب الموتى المفاجئ.
وأوضح حسام موافي خلال برنامجه "ربي زدني علمًا"، المذاع على قناة "صدى البلد"، الأمراض الوراثية المتعلقة بالقلب، وعوامل الخطورة في الشريان التاجي والتدخين وارتفاع الكوليسترول ومرض السكر من أهم أسباب الموت المفاجئ.
ظاهرة الموت المفاجئوأكد حسام موافي، أن الموت المفاجئ أصبح ظاهرة عالمية، ويجب الانتباه لها؛ للوقاية منها.
وأشار حسام موافي إلى أن أبرز أسباب الموت المفاجئ قد تكون صامتة، لكنّها تؤثر بشكل خطير على صحة القلب.
وأوضح موافي، أن هناك بعض الوسائل الطبية الدقيقة لتشخيص اضطرابات القلب، مثل جهاز "الهولتر"، الذي يُستخدم لتسجيل دقات القلب على مدار 24 ساعة أو أكثر.