رشاد العليمي في مؤتمر المناخ بدبي : التصدي لمخاطر التغير المناخي أمر في غاية التعقيد
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
حذر الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي من المخاطر المتزايدة للتغيرات المناخية على الدول النامية والاقل نموا، مع تباطؤ الجهود العالمية في التعامل مع تداعياتها الكارثية، وفي المقدمة الالتزامات المرتبطة بالحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية.
وأعرب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عن تطلع الجمهورية اليمنية الى احراز تقدم حقيقي في الجهود الجماعية لمواجهة المتغيرات المناخية، والمخاطر المتسارعة التي تتهدد حاضر، ومستقبل كوكب الارض.
وقال الرئيس في كلمة اليمن امام مؤتمر المناخ (كوب28) الذي انطلقت اعماله بدبي أمس الخميس بمشاركة قادة دول ورؤساء حكومات ووفود تمثل نحو 200 دولة، ان الاهداف التي يلتقي حولها قادة العالم كل عام، تضعهم امام مسؤوليات ثقيلة، والتزامات حاسمة يجب الوفاء بها لحماية كوكبنا، في ظل تزايد مخاطر التغيرات المناخية مع كل ارتفاع جديد في درجات الحرارة التي وصلت ذروتها القياسية هذا العام.
ولفت الى التحديات الامنية والاقتصادية والسياسية بالغة الصعوبة التي يواجهها اليمن، جراء الحرب المستمرة التي ترفض المليشيات الحوثية كل المبادرات لوقفها، وانهاء المعاناة الانسانية الاسوأ في العالم، موضحا بان ذلك يجعل الجهد الوطني في التصدي لمخاطر التغير المناخي أمر في غاية التعقيد، ويتطلب أعباء إضافية تفوق القدرات الشحيحة في الاصل للمؤسسات الحكومية.
اضاف "ها نحن اليوم نجتمع في رحاب مدينة دبي بدولة الامارات، على امل ان نرى تقدما حقيقيا في الجهود الجماعية لخفض الانبعاثات، وبناء القدرة على التكيف، وتعزيز تمويل برامج المناخ، وخصوصا ذلك الموجه إلى دولنا الاقل نموا التي تزداد خسائرها عاما بعد اخر".
واوضح الرئيس انه "على الرغم من التقدم المحرز، هناك الكثير مما يجب فعله للحد من التغيرات المناخية، او التكيف معها، والتخفيف من اثارها، حيث تتأخر الجهود في الحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، كما ان الدول النامية والاقل نموا، ماتزال تدفع الثمن الاكبر لهذا التباطؤ في التنفيذ.
واستعرض فخامة الرئيس في هذا السياق التأثيرات المدمرة للتغيرات المناخية في اليمن "التي صارت موعدا سنويا للمعاناة، في ظل تشعب الجبهات التي تعمل عليها الدولة من الوفاء بالالتزامات الحتمية للمواطنين، الى الدفاع عن الكرامة والحرية ضد مشاريع المليشيات الحوثية والمنظمات الإرهابية المتخادمة معها، التي كان اخرها عمليات القرصنة المنظمة، والسطو المسلح على السفن التجارية في المياه الإقليمية، والدولية".
وقال "في الشهر الماضي، شاركنا اهلنا في محافظات المهرة، وسقطرى وحضرموت اياما عصيبة في قلب أسوأ عاصفة مدارية يشهدها بلدنا المنكوب بحرب المليشيات الحوثية المدعومة من النظام الايراني".
وتابع فخامته" هذا يعني اننا لسنا أفضل من العام الماضي، وفيما يبدو لن نكون أفضل في الأعوام المقبلة، اذا استمرت استجابتنا للمتغيرات المناخية على هذا النحو من الإجراءات المحدودة، وغير القائمة على العدالة، والانصاف، والمسؤوليات المشتركة".
واشار الى ان إعصار "تيج" جعل مدنا بأكملها معزولة عن محيطها، وتسبب بأضرار جسيمة في الخدمات الأساسية، كما جرفت الفيضانات حيازات زراعية واسعة، "واحالتها الى كومة من الأحجار، والرمال التي طمرت في طريقها كل شيء، بما فيها ابار المياه، وخطوط الشبكة الكهربائية، والاتصالات، ودفعت مؤقتا بآلاف السكان بعيدا عن منازلهم ليضافون الى ملايين المشردين من بطش المليشيات الحوثية الإرهابية على مدى السنوات العشر الماضية".
واشار الى ان الحكومة اليمنية، وقفت وحيدة في مواجهة اعباء هذه الكارثة، قائلا " لم يكن لديها الشيء الكثير لتقدمه لإعادة اصلاح الطرق المدمرة، وجبر ضرر الناس، ومساعدتهم على التكيف مع المتغيرات المناخية ".
واكد الرئيس اهمية العمل بتوصيات الدورة السابقة من مؤتمر المناخ، التي تشدد على ضرورة أن تشعر كافة الدول النامية، خصوصا تلك الغارقة في النزاعات المسلحة، أن أولوياتها يتم التجاوب معها، وان ظروفها الاستثنائية مأخوذة بعين الاعتبار، وأنها تتحمل مسئولياتها بقدر إمكانياتها، وبقدر ما تحصل عليه من دعم وتمويل مناسبين.
واشار رئيس مجلس القيادة الرئاسي الى المبادرات اليمنية الايجابية للتخفيف من الانبعاثات الغازية، بما في ذلك الجهد المجتمعي الواسع للتحول نحو الطاقة الشمسية التي قد تصل قدرتها التراكمية الى حوالى 400 ميجاوات على مستوى البلاد، متعهدا بتشجيع هذا الجهد، والبناء عليه، وجعله اكثر امانا واستدامة.
واختتم رئيس مجلس القيادة الرئاسي كلمته بالتشديد على مبدأ "الوحدة من اجل التنفيذ" الذي اختارته هذه الدورة شعارا لها، قائلا ان ذلك هو ما نحتاجه الان للوفاء بالتزاماتنا الوطنية، والدولية.
وتابع: "والأهم من ذلك بالنسبة لنا ايها القادة، هو تحلي مفاوضيكم بالمرونة والتعاطي المسؤول والجاد مع احتياجات بلداننا النامية والاقل نموا التي تتحمل العبء الاكبر للانبعاثات، وتتخلف عن ركب الجهود الجماعية للتخفيف منها، والتنبؤ بها، او التكيف معها".
اضاف: "هذه هي الفرصة السانحة امامكم لتكونوا القادة الذين أسهموا بالفعل في انقاذ الكوكب، وحمايته لأجيال عديدة قادمة
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
الحوثية والاستبداد المستحدث
عندما نُمعن النظر في الاستبداد المستحدث الذي تمارسه جماعة الحوثي، فإننا لا نواجه مجرد سلطة انقلابية كلاسيكية استولت على مؤسسات دولة وانقلبت على دستور، وإنمـا نقف أمام ظاهرة أكثر تعقيدًا: بنية شمولية هجينة، تمزج بين العصبية السياسية والتمكين العقائدي، وبين الخطاب الثوري والواقع القمعي. هذا الشكل من السلطوية الجديدة لا يتوسّل الشرعية السياسية بقدر ما يفرضها بسلطة الوحي، ولا يفاوض المجتمع إلا بالهيمنة الرمزية والعنف المؤسسي، في محاولة لصياغة مشهد يُشبه الدولة في مظهره، ويُخالفها في جوهره. هذا، الاستبداد الذي تمارسه جماعة الحوثي لا يُشبه الاستبداد في صوره الكلاسيكية؛ لأنه لا يرتكز على أدوات القمع المتعارفة من سجنٍ وتنكيلٍ وتحكمٍ بالمؤسسات، وإنما يتجاوزه إلى إنتاج وعيٍ سلطوي جديد، يحاول أن يعيد تعريف المجتمع والهوية والسلطة والتاريخ من نقطة صفر أيديولوجية قائمة على الحق الإلهي المزعوم والطاعة غير المشروطة.
هذا الاستبداد الحوثي لا يمثل انقلابًا سياسيًا على منظومة الدولة فقط، إنما هو بالأساس: مشروعٌ شمولي لإعادة صياغة الإنسان اليمني ليكون ملائمًا لشكل سلطة لا ترى في المواطن إلا تابعًا، وفي الفكر إلا تهديدًا، وفي التنوع إلا خطيئة يجب تصحيحها.
منذ اللحظة الأولى للسيطرة على صنعاء، لم تكتفِ الجماعة بالاستيلاء العسكري، بل شرعت بسرعة ملحوظة في هندسة البنى الإدارية والدينية والتعليمية والإعلامية وفق تصورها العقائدي. فتمت عسكرة الدولة من الداخل عبر إحلال مليشياتها أو ما يسمى: بـ “المشرفين” محل الأجهزة الإدارية، ليصبح القرار السياسي والإداري ممزوجًا بولاء ديني طائفي، لا ينتمي إلى فكرة المواطنة بقدر ما يستمد مشروعيته من علاقتك العمودية بالقيادة. وهكذا، انقلبت هرمية الدولة، ولم يعد رئيس القسم يقرر، بل من يُسمى بـ”المشرف الثقافي” أو “المشرف الأمني”، وهؤلاء لا يخضعون للمساءلة، لأنهم لا يمثلون دولة بل جماعة. وأمام هذه السلطة الجديدة، لم يعد اليمنيون متساوين أمام القانون، إلا بدرجة إمتثالهم للولاء للفكرة الحوثية، ولم يعد الحكم يُبنى على التعاقد الاجتماعي، وإنما على “الاصطفاء الإلهي”، وبدلا من أن يُطالب المواطن بالحق، تُفرض عليه الطاعة الجبرية.
وهنا يمكننا القول، بأن: الاستبداد الحوثي ليس مستندًا إلى سطوة السلاح فحسب، بل إلى منظومة موازية تُنتج المعنى، تعيد قولبة القيم، وتُسند المفهوم السياسي بالمفهوم اللاهوتي، فتُصبح “الجماعة” معادلًا للقداسة، و”الزعيم” ظلًّا للوصاية الإلهية، و”المشروع السياسي” مُمثلًا للإرادة العُلوية. وهذا أخطر ما في الأمر: أن التسلّط الحوثي يُمارس من داخل وعي يُعاد تشكيله ليُسلِّم بالتفوق العقائدي كأساس للسلطة، فتغدو المعارضة خروجًا على المقدس لا فقط على السياسي. ولأن هذا الاستبداد يشتغل على البُنى الثقافية والاجتماعية والدينية للمجتمع اليمني، فهو يسعى لتقويض كل ما يمكن أن يمثل “إرادة مستقلة”. المؤسسات صودرت، التعليم أُعيدت صياغته، الإعلام احتُكر، الخطاب الديني خضع للرقابة والتوجيه، حتى العادات المحلية أُعيدت كتابتها. وكذلك الأعياد الرسمية تحوّلت إلى طقوس طائفية، المناسبات الاجتماعية فُرض عليها سلوك رمزي موحَّد، النشء أُجبر على ترديد الشعارات في الطابور الصباحي، والمجتمع أُعيد هندسته ليستوعب بنية “المجاهد المؤمن” و”العدو الداخلي”.
أخطر ملامح هذا الاستبداد أنه لا يكتفي بالسيطرة، وإنما يُفرغ الفضاء العام من التعدد. التعددية لا تُحارَب بالقوة، بل تُبخّس وتُسفَّه وتُقدَّم كترفٍ لا يليق بـ”الأمة الثائرة”. والفرد لا يُعامَل كمواطن ذي حق أساسي وصاحب كرامة إنسانية، وإنما باعتباره مخلوق ملحق بمشروع فوقي، لا يُقاس بدوره الإنتاجي أو مشاركته الاجتماعية، بل بقدرته على الانضباط ضمن سرب موحَّد من الطاعة والشعارات والولاء. لقد تحوّل الوعي الجماعي في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة الحزثية إلى فضاءٍ مرتبك، تتشابك فيه مشاعر الخوف والاضطرار والمقاومة المكتومة. فالسكان، الذين يعيشون في ظل الحصار والمعاناة والقصف والأزمات الإنسانية، لا يجدون متنفسًا للاعتراض، ولا أدوات للتعبير، ولا شبكات آمنة للتنظيم، مما يجعل المقاومة – حتى لو كانت فكرية – محفوفة بثمن باهظ. وهنا، يُحقن الاستبداد بشيء من “القوة السلبية” التي يضطر إليها الناس حين لا يجدون خيارًا.
هذا التحوّل أنتج نظامًا قائمًا على ولاء قَبَلي مذهبي، يعمل على مكافأة المطيع ومعاقبة المستقل، فأُقصيَ الكثير من الأكاديميين والمثقفين والخبراء من مناصبهم لمجرد أنهم لا ينتمون للجماعة، وأُحِلّ محلهم أفراد بسطاء فكريًا، تم تأهيلهم عبر دورات دينية مكثفة في ما يُعرف بـ”المسيرة القرآنية”، ليكونوا أدوات طيّعة لنشر خطاب الجماعة والتجسّس على ما تبقى من أنفاس حرة.
لم يكتفِ الاستبداد الحوثي بالقمع المباشر، وإنما انخرط في عملية غسيل ممنهجة للوعي العام، من خلال تغيير المناهج الدراسية، وتوجيه الخُطب في المساجد، وتحويل المدارس إلى ساحات ترديد شعار “الصرخة”، وزراعة مفهوم العدو الأميركي الصهيوني في عقول الأطفال على حساب قضايا الحرية والعدالة والعيش الكريم. لقد تم إنتاج أجيال جديدة لا تُدرّس الجمهورية كمبدأ، بل “الولاية” كقدر، ولا تعرف ثورة 26 سبتمبر إلا بوصفها حدثًا من الماضي لا يتوافق مع الرؤية الجديدة للسلطة. وفي الإعلام، فرضت الجماعة رقابة صارمة، وأغلقت الصحف والمواقع المستقلة، ولم يعد ثمة مجال لنقدٍ أو تحليل خارج إطار خطابها الرسمي، الذي يُقدّم الحرب بوصفها “جهادًا مقدسًا”، والمعارض بوصفه “مرتزقًا”. حتى المفردات نفسها أعيد تشكيلها: “العدوان” بدل الحرب الأهلية، و”الصمود” بدل المجاعة، و”الرهان على الولاء” بدل الخطة الاقتصادية.
حتى الإنسان البسيط الذي يبيع في السوق، أو يدرّس في المدرسة، أو يعمل في حقل أو دكان، لم يعد في مأمن من بطش المنظومة الحوثية. يُفرض عليه دفع “الخُمس”، ويُجبر على حضور الدورات التثقيفية، وعلى إغلاق محله في ذكرى “الصرخة”، وعلى تزيين حائطه بصور القادة. البيروقراطية الحوثية صارت أداة للنهب والفرز العقائدي؛ إذ لا تمر معاملة إلا بعد إظهار الولاء، ولا يُمنح تصريح إلا بعد التعهد “بعدم المساس بالمسيرة”، ولا تُنقل جثة إلا بتصريح من “اللجنة الأمنية”. وفي الحياة اليومية، أُخضعت النساء لما يشبه وصاية اجتماعية مقنّعة، فانتُزع حضورهن من المجال العام، وحُدّت حركتهن في الفضاءات المدنية.
أما الفن والإبداع، فقد أُخضِع كلاهما لتقييم أخلاقي من منظور الجماعة، فأُغلِقت المعارض، وخُصصت قوائم سوداء للمغنين، وجرى اعتقال ممثلين وأكاديميين فقط لأنهم طرحوا فكرةً لا تتوافق مع “الإجماع العقائدي”. وتم أيضاً التضييق على المشتغلين بالحرف والفنون، وأُعيد تعريف مفاهيم “الهوية الثقافية” وفق تصوّر ضيق، يرى في التنوع تهديدًا وفي الاختلاف طعنًا في قداسة المشروع. النساء، على وجه الخصوص، كنّ أكثر من دفع ثمن هذا النظام الجديد؛ فبعد أن بدأت المرأة اليمنية تحرز بعض التقدم في التعليم والحضور المدني، تراجعت بشكل صادم في فضاء الحوثيين. لم تعد ترى نفسها في المدرسة أو الجامعة أو منظمات المجتمع، بل في ظلال الحجاب المفروض، والخطاب المحافظ الذي لا يعترف بدورها خارج البيت، وفي نظرة الرقيب الذي يراها مشروع “فتنة” يجب إخفاؤه لا طاقة يجب إطلاقها.
ويزداد هذا النموذج الاستبدادي خطورة كونه يمارس سلطة معنوية رمزية، لا فقط بالقانون، بل بخطاب تعبوي ديني يُحوّل الطاعة إلى طقس، والزعيم إلى ظلّ الله، والمعارضة إلى خروج على المقدّس. ومن هنا، يصبح الاستبداد أكثر رسوخًا، لأنه لا يكتفي بإخضاع الجسد، بل يعمل على كسر الروح، على جعل الناس يؤمنون بأن الخضوع هو الطريق الوحيد للنجاة.
لكن مقابل هذا التصاعد الممنهج، يبقى السؤال المُلح: لماذا لم تخرج مقاومة فكرية بحجم هذا التوحّش؟ الجواب ليس في ضعف الناس، بل في حجم القمع، وفي تفكك الطبقة الثقافية التي إما صُمتت، أو انسحبت، أو تم ترهيبها، أو وقعت في حبائل الاستقطاب المناطقي والسياسي. وحدهم قلائل ما يزالون يكتبون، ويُحرضون، لكنهم معزولون، أو في المنافي، أو تحت تهديد دائم.
هذا هو وجه الاستبداد المستحدث: ليس فقط طاغية يرفع عصاه، وإنما منظومة كاملة تُعيد تعريف الحق والحقيقة والهوية الوطنية، وتُنتج مواطنًا جديدًا مطواعًا، مجردًا من ذاكرته، لا يسأل، ولا يحتج، بل يكرر: الموت لأمريكا… الموت لإسرائيل… اللعن لأعداء القائد… النصر لله. إنه صوت يجلجل في الفراغ، لكن خلفه قلوبٌ تنزف صمتًا، وتُوقن أن اليمن ذات يوم، رغم كل شيء، ستعود. لا بوعد مُسلّح، بل بخُطى الوعي العائد من المنفى، من رحم الأرض، من شعلة لم تنطفئ.
إن فداحة أن هذا الاستبداد يُقدَّم للداخل وللعالم بوصفه “صمودًا” في وجه “العدوان”، وتُحشد له القصص، وتُنسج له التبريرات، ويُستغل في معادلات إقليمية كأداة مساومة. وقد تحوّل هذا الاستبداد إلى ما يشبه المقاومة، وصار الابتلاع يُسوَّق على أنه إنقاذ، وصارت القبضة تُعرض كأنها احتضان. وبين هذا وذاك، غُيب صوت الناس، وماتت في ضمائر البعض ذاكرة الدولة، وذُبحت الجمهورية في صمت، بلا موكب جنائزي، أو نشيد وداع. وهنا يكون لزامًا القول إن المشكلة ليست فقط في الجماعة، بل أيضًا في الفراغ الذي أتاح لها ما لم يكن ممكنًا. تفكك الدولة، ضعف النخبة، تواطؤ كثير من القوى، صمت المثقف، خذلان الإعلام، وتوزيع الولاءات بلا مشروع وطني، كل ذلك كان البيئة المثلى لهذا الاستبداد الجديد أن يُزهِر كأبشع ما يكون الإزهار. فالحاكم لا يحكم بمفرده، بل بما تمنحه له الهشاشة من فرص.
ومع ذلك، فإن هذا الاستبداد مهما بدا محكمًا، يظل هشًّا في جوهره، لأنه لا يمتلك الشرعية، بل يُدير الخوف. لا يُقنع، بل يُرهب. لا يربط الناس بفكرة، بل يُقيّدهم بسوط. والتاريخ أثبت أن مثل هذه البنى، مهما طالت، تنهار، لأن الناس في النهاية لا يقبلون أن يتحوّل الوطن إلى سرداب، أو العقيدة إلى قيد، أو الحكم إلى نصّ واحد يُقرأ كل صباح على إيقاع القهر.
الاستبداد المستحدث في اليمن ليس نهاية الحكاية، بل ذروتها المأساوية. لكن ما بعدها يمكن أن يكون النهوض… إذا وُجد المشروع، وُجد الصوت، وُجد الأمل، وُجدت الإرادة التي تكتب التاريخ لا تُعيد نسخه. ومتى وُجدت الإرادة، ينهار القيد، وتُفتح الأبواب… لا بالسيف، بل بالحقيقة.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةللأسف لا توجد لدينا رعاية واهتمام بالفنانين واصبحنا في عالم...
انا لله وانا اليه راجعون حسبنا الله ونعم الوكيل...
أنا طالبة علم حصلت معي ظروف صعبة جداً و عجزت اكمل دراستي و أ...
نحن اقوياء لاننا مع الحق وانتم مع الباطل...
محمد عبدالخالق سعيد محمد الوريد مدير بنك ترنس اتلنتيك فليوري...