علقت صحيفة الغارديان البريطانية في افتتاحيتها على قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي اختتمت أعمالها في ليتوانيا يوم الأربعاء، والتحديات الهائلة التي تنتظر دول الحلف. ومن أبرز التحديات التي تهدد الحلف احتمالية انسحاب الولايات المتحدة من الحلف، خاصة إذا عاد دونالد ترامب، للبيت الأبيض مرة أخرى، وهو ما سيترك أوروبا في أزمة أمنية وعسكرية.

ولفتت الصحيفة إلى أنه لم يكن هناك أي احتمال لحدوث مفاجآت في هذه القمة خاصة فيما يتعلق بانضمام أوكرانيا، التي لم يكن لها أن تنضم وهي في حالة حرب، كما لا يمكن منح العضوية بأثر رجعي وسط الصراع. كما أن المادة الخامسة في الحلف، التي تحدد مبدأ الدفاع الجماعي- أي هجوم على أي عضو يتم التعامل معه على أنه هجوم على الجميع، مخصص للردع وليس لشن الحرب. كما أنه لم يكن هناك حتى فرصة الحديث عن جدول زمني لانضمام أوكرانيا مستقبلا، ورغم أن قرارات الناتو يتم اتخاذها بالإجماع إلا أن الولايات المتحدة مؤثرة وهي تكرر دائما أن عضوية أوكرانيا “أمر بعيد المنال”. الصين والولايات المتحدة: لماذا تشدد بكين إجراءات تصدير مواد أساسية تستخدم في صناعة رقائق الكمبيوتر؟ هناك خلافات كبيرة حول أفضل السبل لضمان أمن أوكرانيا في المستقبل، مع تقليل مخاطر التصعيد الروسي الآن. فالناتو يبدو أقوى وأكثر اتحادا مما كان عليه قبل غزو روسيا، التي تحاول استجماع قواها بعد تمرد فاغنر. قبل أربع سنوات، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن الحلف “ميت دماغيا”، لكنه عاد واعترف مؤخرا بأن الغزو الروسي لأوكرانيا أعاد إحياء الحلف. ومن أبرز ما تحقق خلال هذه القمة، كان توسيع الحلف ليصبح انضمام السويد مسألة وقت بعد موافقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتخلي المجر عن اعتراضها، فضلا عن انضمام فنلندا كعضو جديد. وكان هناك أيضا الاتفاق على خطط عسكرية أكثر تفصيلا، وزيادة الالتزامات تجاه أمن أوكرانيا، وإن كانت لم تحقق كل تطلعات كييف، التي تواجه مشكلة في هجومها المضاد الذي لم يحرز تقدما كبيرا، وتحتاج إلى الضغط أكبر من أجل المزيد من دعم الناتو دبلوماسيا وعسكريا. لكن هذا الضغط لن يعجب أوروبا، واعترض وزير الدفاع البريطاني بن والاس، ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، على إلحاح أوكرانيا وعدم تقديمها “الامتنان” للمساعدات التي تحصل عليها. واضطر الناتو لتعزيز قوته والتوسع في العضوية تحت ضغط الضرورة ولم يكن الأمر اختياريا، نظرا لأن التحديات التي تواجه أوروبا تتجاوز حدود روسيا. وكان جوزيب بوريل، رئيس الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، قد أوضح تحديات أخرى تواجه أوروبا في خطاب ألقاه في الخريف الماضي، وقال إن العالم المثالي الذي تعمل فيه الولايات المتحدة على توفير الأمن، بينما تعمل الصين وروسيا على تحقيق الازدهار في العالم، لم يعد موجودا. كما حذر من وجود تهديد داخلي أيضا، “داخل بلادنا…اليمين المتطرف آخذ في الازدياد.” وهناك تحدٍ كبير يتمثل في احتمال فوز دونالد ترامب، وعودته لرئاسة الولايات المتحدة، والمعروف أنه كان يناقش بجدية الانسحاب من الناتو. فهل يمكن أن يؤدي الضغط على الكونغرس والبنتاغون إلى حدوث مثل هذا التهديد في المستقبل؟ ربما. وإذا ما حدث هذا فإن الأمن الأوروبي بدون الولايات المتحدة سيكون تحديا عسكريا كبيرا، كما سيتطلب إعادة تقويم واسعة النطاق. فبدون وضع واشنطن كل الترتيبات، يكون اتخاذ القرار أكثر صعوبة. حتى بدون رئاسة ترامب الثانية، فإن عودة الولايات المتحدة إلى أوروبا سوف تتأثر بالتوتر المتزايد مع الصين. وبينما ارتفع الإنفاق العسكري في جميع أنحاء القارة الأوروبية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، هناك تساؤلات حول ما إذا كان تغير موقف أوروبا يتوافق تماما مع الواقع، خاصة فيما يتعلق بمعدل إنفاق ألمانيا. لكن الوفاء بالوعود من شأنه أن يشجع الولايات المتحدة على الاستمرار في المشاركة، وعلى استعداد أوروبا لعالم لا تصنعه واشنطن. إن الحاجة إلى “إبقاء الأمريكيين في الداخل” ليست مشكلة جديدة، لقد كانت جزءا أساسيا من المبدأ التأسيسي للناتو، كما وصفه، بشكل غير رسمي، أمينه العام الأول. لكنها نادرا ما كانت أكثر صعوبة. (بي بي سي)

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

متى تتراجع الولايات المتحدة؟

لم تُعرف الولايات المتحدة يوما بتقديم تنازلات سياسية أو إنسانية طوعية، لا تجاه الشعوب ولا حتى تجاه حلفائها. سياستها الخارجية قائمة على منطق الهيمنة، واستخدام كل أدوات الضغط: الحروب، والحصار، والانقلابات، والقواعد العسكرية، والإعلام، والابتزاز الاقتصادي، والاغتيالات. ومع ذلك، يعلّمنا التاريخ الحديث أن هذا الوحش الجبّار لا يعرف الانحناء إلا إذا كُسرت إحدى أذرعه، ولا يتراجع خطوة إلا إذا أُجبر على التراجع.

من فيتنام إلى العراق، ومن أفغانستان إلى غزة واليمن.. أمريكا لا تفاوض إلا تحت النار، ولا تعترف بالخصم إلا إذا فشلت في سحقه.

في غزة.. قنابل أمريكا لا تنتصر

منذ أكثر من عام ونصف، تشنّ إسرائيل حرب إبادة على قطاع غزة، بدعم مباشر من أمريكا عسكريا وسياسيا. مئات آلاف القنابل أُلقيت على السكان المدنيين، عشرات آلاف الشهداء، وتجويع وتدمير ممنهج، ومع ذلك لم تُحقق إسرائيل أيا من أهدافها العسكرية: لا القضاء على حماس، ولا تحرير الأسرى، ولا إعادة السيطرة على غزة.

صمود المقاومة مستمر، والقدرة القتالية لم تنهَر، بل أُعيد تنظيمها رغم شدة الضربات.

الدعم الأمريكي بلغ ذروته: حاملات طائرات، جسر جوي عسكري، فيتو سياسي، ومع ذلك.. الفشل واضح.

ثم جاءت لحظة الاعتراف: "أمريكا تفاوض حماس!" الصفعة الكبرى لهيبة أمريكا جاءت عندما بدأت واشنطن، عبر مدير "CIA" وغيره من الوسطاء، التفاوض غير المباشر مع حماس نفسها -من كانت تصفها بالإرهاب المطلق- بهدف تحرير أسير أمريكي لدى المقاومة.

هنا انكسر القناع: من تقصفه بالصواريخ وبالفيتو، تجلس إليه لتفاوضه من أجل رهينة أمريكية واحدة! وكأن أرواح آلاف الفلسطينيين لا تهم.

وفي اليمن.. من نار الحرب إلى موائد التفاوض

1- الدعم الأمريكي لحرب اليمن: منذ انطلاق "عاصفة الحزم" في 2015، دعمت الولايات المتحدة التحالف السعودي- الإماراتي سياسيا وعسكريا ولوجستيا، عبر صفقات سلاح ضخمة، وتزويد الطائرات بالوقود، وتوفير الغطاء الدولي في مجلس الأمن. الحرب أدّت إلى أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث، قُتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين، ودُمرت البنية التحتية، وفُرض حصار خانق على الشعب اليمني. ورغم كل هذه الأدوات، لم تستطع أمريكا ولا حلفاؤها القضاء على أنصار الله (الحوثيين) ولا السيطرة على الشمال اليمني. بل على العكس، تطورت قدرات الحوثيين لتصل إلى ضرب العمق السعودي والإماراتي، واستهدفت حتى مواقع استراتيجية في أبو ظبي والرياض.
الحصيلة: القوة المفرطة والنتائج الهزيلة.

2- فشل الاستراتيجية الأمريكية وتحول الموقف: مع تراكم الفشل، والانقسام داخل التحالف، والضغوط الحقوقية والإعلامية العالمية، بدأت أمريكا تغير خطابها، وانتقلت من مربع "دعم الحرب" إلى مربع "الدعوة للسلام"، ومن تصنيف الحوثيين كـ"إرهابيين" إلى التفاوض معهم بشكل غير مباشر. تراجعت واشنطن، ودعمت اتفاقيات الهدنة، وبدأت تروج لخطاب "إنهاء الحرب" حفاظا على ماء وجهها، في وقتٍ لم تحقق فيه أية نتائج استراتيجية تبرر كل هذا الدمار والدماء.

3- التفاوض مع الحوثيين بعد التجاهل والتصنيف: من كانت أمريكا تنكر شرعيتهم وتدعو لعزلهم، باتت ترسل عبر وسطاء من سلطنة عمان رسائل تفاوضية مباشرة، بل وتضغط على السعودية للقبول باتفاقات طويلة المدى معهم، بعد أن فشلت في إخضاعهم بالقوة. هذا التراجع لا يعكس تغيرا في المبادئ، بل هو ترجمة عملية لفشل الخيارات العسكرية، وكأن أمريكا تقول: "نحن لا نتحدث معكم إلا إذا فشلنا في سحقكم"، وهذا ما حدث.

أفغانستان والعراق

في أفغانستان: بعد 20 عاما من الاحتلال، وإنفاق تريليونات الدولارات، انسحبت أمريكا ذليلة من كابل، ووقّعت اتفاقية مع "طالبان"، بعد أن فشلت في إنهائها رغم كل التفوق الجوي والتكنولوجي.

وفي العراق: رغم الاحتلال الشامل، ما زالت أمريكا غير قادرة على فرض إرادتها السياسية كاملة، واضطرت إلى الانسحاب جزئيا، بينما تتعرض قواعدها لضربات متواصلة حتى اليوم.

ما الذي نتوقعه؟

من المقاومة:

- الثبات والتطوير.

- عدم الاستسلام للضغوط الدولية.

- تطوير أدوات المقاومة، إعلاميا وعسكريا.

- فضح التناقض في المواقف الأمريكية أمام العالم.

- استخدام كل انتصار ميداني لفرض وقائع سياسية جديدة.

من الشعوب:

- كسر الوهم الأمريكي.

- فضح الهيمنة الأمريكية بوصفها مصدر الحروب والفقر في منطقتنا.

- دعم قضايا التحرر لا كـ"تضامن إنساني" بل كـ"صراع وجودي".

- الضغط على الحكومات المتواطئة، ورفض كل تطبيع أو اصطفاف مع واشنطن.

ومن الحكومات:

- عدم الثقة بالقاتل.

- من يتخلى عن عملائه في كابل وبغداد لن يدافع عنكم إن حانت لحظة الحقيقة.

- الاعتماد على القوة الذاتية والشراكات العادلة، لا على الوعود الأمريكية.

- دعم المقاومة لا يضعف الأمن، بل يُعزز التوازن ويمنع الانهيار الكلي أمام إسرائيل.

الخلاصة: ما جرى ويجري في فيتنام، والعراق، وأفغانستان، وغزة، واليمن؛ يؤكد نفس المعادلة: أمريكا لا تتراجع إلا إذا عجزت عن التقدم خطوة أخرى. فما تسميه "تفاوضا" هو غالبا نتيجة لهزيمة ميدانية أو مأزق سياسي لا مخرج منه إلا ببوابة من كانت تحاربه، بينما التوسل إلى "عدالة واشنطن" هو وهْم سقط في كل الميادين.

مقالات مشابهة

  • خبير أمريكي يرجح انسحاب ترامب من المفاوضات بشأن أوكرانيا: حاولنا دون جدوى
  • متى تتراجع الولايات المتحدة؟
  • د. جمال القليوبي يكتب: حلف الأطلسي في طريقة إلى التفكك
  • الرئيس الفرنسي: تايوان قد تصبح أوكرانيا جديدة
  • الغارديان: استياء من استعداد بريطانيا لتوقيع اتفاقية تجارية مع دول الخليج
  • ماكرون يحذَر الصين: أبعدوا كوريا الشمالية عن أوكرانيا وإلا ستجدون الناتو في آسيا
  • ماكرون يحذر الصين من إبقاء كوريا الشمالية بعيدة عن حرب أوكرانيا أو المخاطرة بتدخل الناتو في آسيا
  • بيدرسون: هناك إجماع دولي على دعم الحكومة السورية
  • ماكرون يهدد الصين بتوسيع تواجد "الناتو" في آسيا
  • «يونيفيل»: هناك ضرورة للتوصل لحل دائم ومستدام في جنوب لبنان