قبل أيام، وبينما كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يخاطب ضباط الجيش الأمريكي في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن، ويدعو الإدارة الأمريكية إلى زيادة المساعدات من أجل الحفاظ على الديمقراطية والحريات في الغرب، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يصرخ تزامنا، وفي مكان آخر يبعد 5 كيلومترات في العاصمة نفسها: "أنا صهيوني".



قالها الرئيس الأمريكي، في الملأ وفي العلن، خلال حفل "إضاءة الشمعدان" التقليدي في البيت الأبيض، بمناسبة عيد "حانوكا" المعروف عربيا باسم "عيد الأنوار" اليهودي، معترفا بأنّه قبل سنوات قد زجّ نفسه في مشاكل وانتقادات عندما قالت "ليس عليك أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا".. لكنّه عاد وأكد السير بالخطأ نفسه، بل أصر عليه من خلال القول اليوم مجددا: "أنا صهيوني".

بايدن أكد مواصلة إدارته مساعدة إسرائيل "حتى تتخلص من حركة حماس"، معتبرا أنّ التزامه بسلامة الشعب اليهودي وأمن إسرائيل وحقها في الوجود، كدولة يهودية مستقلة "لا يتزعزع".

ثم لاحقا، ألمح بايدن إلى رغبة بلاده في جعل أوكرانيا تدخل في "محادثات سلام" مع روسيا، معتبرا أنّ واشنطن "وصلت إلى نهاية قدرتنا على مساعدة أوكرانيا".

ويبدو أنّ هذا الخطاب المستجدّ بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لم يدفع زيلينسكي إلى إعادة النظر بخطابه أو تحديثه، ولهذا يشعر المراقب لتحركات الرئيس الأوكراني وسلوكه في طلب المساعدات المتواصل، أنه يأتي مؤخرا من خارج سياق الأحداث الدائرة حول العالم، خصوصا بعد أن حمل بايدن أقوى دولة في العالم على الاصطفاف خلف إسرائيل بشكل أعمى، فأفقدها أكثر وأكثر دورَ الوسيط النزيه.

لم يدرك زيلينسكي الذي ناشد واشنطن مواصلة دعم كييف عسكريا وحذّر من أن وقف هذا الدعم سيدمر الديمقراطية في أوروبا، أنّ إدارة بايدن نفسها هشّمت مفاهيمَ ديمقراطية كثيرة، يوم أعلنت أنّها إلى جانب إسرائيل في ارتكاب الجرائم وقصف المستشفيات وتدمير المنازل فوق ساكنيها في قطاع غزة، ويوم غضّت الطرف عن استهداف الصحافيين.

بل أكثر من ذلك، فإنّ سلوك واشنطن خلال الحرب أمسى يهدّد الحريات في الولايات المتحدة نفسها، وقد بدا هذا الأمر جليا في طريقة التعامل مع النخب الأمريكية المعارضة لهمجية إسرائيل، وهو أمر لم تشهده أمريكا من قبل.

إذ يكفي التذكير بما واجهته مديرة جامعة "هارفارد" كلودين جاي قبل أسابيع، وذلك يوم عبّرت عن رأيها بالقول إنّ التظاهرات التي يقوم بها بعض طلاب الجامعه احتجاجا على جرائم إسرائيل هي "حرية تعبير"، فتم وصمها بمعاداة السامية وأحيلت إلى الاستجواب في الكونغرس، ومورست عليها الضغوط من أجل الاستقالة، ناهيك عن اتهامها بالسرقة الأدبية في أربع أوراق بحثية.. ولولا حكمة مجلس أمناء الجامعة لما بقيت كلودين جاي في منصبها في أعرق جامعات الولايات المتحدة وأكثرها حديثا عن الحريات وحقوق الإنسان!

يعرف زيلينسكي أنّ واشنطن باتت في مكان آخر بخلاف صراع بلاده ضد روسيا، ويعرف أيضا أنّ واشنطن تتهيأ من أجل الدخول باكرا في حملة سباق رئاسيّ تبدو صعبة على الإدارة الديمقراطية، التي بدأت قاعدتها الشعبية تتزعزع منذ الدعم الأعمى لبلاده قبل نحو سنتين، ثم ازدادت مداميك تلك الإدارة زعزعة نتيجة دعمها الأعمى لإسرائيل ضد فلسطينيي قطاع غزة.

وربّما لهذا السبب عادت أصوات ترتفع داخل الولايات المتحدة لتطالب كييف بالتركيز على الاحتفاظ بالأراضي الأوكرانية الحالية، والبدء بـ"مفاوضات السلام" مع روسيا بحلول نهاية عام 2024 (بحسب صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن مسؤولين أمريكيين).. وهي الأفكار نفسها التي بدأت تتسلل أيضا إلى القارة الأوروبية، حيث لم يتمكن الاتحاد الأوروبي من الاتفاق على ميزانية تتضمن تمويلا طويل الأجل لأوكرانيا.

وعليه، يبدو أنّ أوكرانيا ستقع في الأشهر القليلة المقبلة ضحية المصالح الدولية، وكذلك ضحية الأولويات الأمريكية، وربّما تذعن للنقص في المساعدات الغربية، فتكتفي بإعلان انتصارها في "معركة" قبول طلب انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي مؤخرا، على الرغم من الواقع المرير الذي يكشف بدوره أنّ هذه الدعوة وهذا القبول، تعتريهما صعوبات جمّة، نظرا إلى تلكؤ بعض الدول مثل المجر والنمسا وسلوفاكيا وعدم حماستها لدفع تلك المفاوضات قدما.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل دعم أوروبا إسرائيل امريكا أوروبا دعم اوكرانيا مدونات مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

كيف تعامل اللوبي اليهودي مع استبعاد إسرائيل من زيارة ترامب للمنطقة؟

واشنطن- ولَّدت الزيارة الخارجية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب لدول الخليج حالة من الذعر الهادئ بين منظمات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، والدوائر البحثية والفكرية القريبة منها.

واعتبرت هذه الدوائر أن تركيز ترامب الأساسي على إبرام الصفقات الضخمة يتفوَّق على أهداف السياسة الخارجية التقليدية، مما يعرقل كثيرا من أعمال الضغط والمناصرة في الكونغرس للترويج لعلاقة قوية بين أميركا وإسرائيل، فضلا عن دعم نهج تل أبيب في علاقتها مع واشنطن.

وتسببت زيارة ترامب، التي بدأت بالسعودية وتعقبها قطر والإمارات، والتي اعتبرها ترامب "تاريخية"، في ارتباك لوبيات إسرائيل، التي رأت أن الزيارة ربما تدشن عهدا جديدا من علاقات واشنطن بإسرائيل تتغير فيه علاقات الدولتين الخاصة بصورة تبتعد عما عرفته من تناسق وتناغم شبه كامل خلال العقود الماضية.

على النقيض

كذلك أثار قرار ترامب عدم زيارة إسرائيل في أول رحلة دولية له إلى الشرق الأوسط حالة من الغضب في أروقة منظمات اللوبي اليهودي الأميركية، ورفعت من حرارة تساؤلات حول إذا ما كان البلدان على طرفي النقيض حول كيفية التعامل مع عدد من قضايا المنطقة.

وفي حين أن ترامب سيكون على بُعد رحلة قصيرة بالطائرة من إسرائيل، تقل عن الساعتين، بيد أنه ليس من المقرر أن يتوقف فيها كما فعل في زيارته للسعودية قبل 8 سنوات، وبدلا من ذلك اختار زيارة قطر والإمارات.

إعلان

وفي الفترة التي سبقت الزيارة، أشارت تقارير إلى أن ترامب غير راض عن قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شنَّ هجوم كبير آخر على قطاع غزة، ويعتقد أن تدميره أكثر سيُصعِّب إعادة البناء.

وزادت خلافات الطرفين حول الحرب على القطاع، خاصة مع رغبة إدارة ترامب في وقف القتال بما يؤدي للإفراج عن بقية المحتجزين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ودخول المساعدات الغذائية والإنسانية لغزة.

وكانت إسرائيل قد فوجئت بمفاوضات إدارة ترامب المباشرة مع حماس بشأن إطلاق سراح الأسير الأميركي عيدان ألكسندر، وقبل ذلك فوجئت عندما أمر ترامب بإنهاء الهجمات العسكرية على الحوثيين في اليمن، من دون أن يشترط أولا أن يتوقفوا عن قصف إسرائيل، التي فوجئت أيضا بمفاوضات ترامب المباشرة مع إيران حول برنامجها النووي.

من جهتها، غردت منظمة أيباك -عبر حسابها على منصة إكس- معلقة على أنباء إفراج حماس عن عيدان ألكسندر، وقالت إن "حماس شر خالص، لا يزال إرهابيو الإبادة الجماعية يحتجزون 58 شخصا، بينهم 4 أميركيين، في أنفاقهم الإرهابية أسفل غزة، 585 يوما من الجحيم، يجب على حماس إطلاق سراحهم جميعا!".

الانفتاح على سوريا

وأعلن ترامب "وقف" العقوبات المفروضة على سوريا "من أجل منحها فرصة للعظمة" وتطبيع العلاقات بين أميركا وسوريا، والتقى ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، وقال إن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو سيجتمع مع نظيره السوري هذا الأسبوع.

ووصف ترامب هذه التحركات بأنها خدمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان.

وسبق أن دعت الحكومة الإسرائيلية لعدم تخفيف العقوبات عن الحكومة الجديدة في سوريا، بسبب ما اعتبرته مخاوف بشأن علاقاتها بالمتطرفين الإسلاميين.

وعلى موقع مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي جهة بحثية مقربة جدا من اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة وحكومة إسرائيل اليمينية، كتب حسين عبد الحسين، الباحث في المؤسسة أن "إعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا مكافأة لا داعي لها لشرع، الجهادي الذي لم يتب بالدرجة التي وعد بها ذات مرة. وبالمثل، من الجيد أيضا اختيار قطر -حيث تعيش قيادة حماس حياة فاخرة- مكانا للقاء عائلات الرهائن الإسرائيليين".

إعلان

وكانت أميركا قد صنَّفت سوريا دولة راعية للإرهاب عام 1979، وفرضت عقوبات عليها عام 2004، وعام 2011 وعقب قمع نظام السوري السابق للاحتجاجات المناهضة لحكومة، شددت واشنطن عقوباتها على دمشق، وحرمتها بذلك من الوصول إلى الأنظمة المالية العالمية.

وتعليقا على إعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا، غرَّد روبرت ساتلوف، مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، المعروف بقربه من منظمة أيباك، كبرى منظمات اللوبي اليهودي في أميركا، قائلا: "مفاجأة أخرى لإسرائيل في ما أصبح الآن نمطا للعلاقات الأميركية مع حكومة نتنياهو".

تجاهل شروط التطبيع

من جهة ثانية، أعرب 9 من الأعضاء اليهود الديمقراطيين في مجلس النواب -في خطاب بعثوا به إلى الرئيس ترامب- عن "مخاوف بالغة" بشأن التقارير التي تفيد بأن إدارة ترامب تخطط لإبرام اتفاق بشأن التعاون بمجال الطاقة النووية مع السعودية دون تطبيع الأخيرة مع إسرائيل.

وجاء في رسالة الديمقراطيين "نعتقد اعتقادا راسخا أن أي نقاش حول المحادثات النووية أو المعاهدات الدفاعية يجب أن يكون مرتبطا صراحة باعتراف السعودية بإسرائيل وتطبيع العلاقات بين البلدين".

ودعم تجمع "النواب الديمقراطيون من أجل إسرائيل (دي إم إف آي)" رسالة الأعضاء الـ9، وقال في بيان له "نشارك المخاوف الموضحة في الرسالة من الديمقراطيين في مجلس النواب إلى الرئيس بأن الإدارة الأميركية قد تفصل محادثات التطبيع بين إسرائيل والسعودية باتفاقية طاقة نووية محتملة بين أميركا والسعودية".

وتابع التجمع أن "هذه التقارير تأتي في أعقاب اتفاق آخر مقلق للغاية أبرمه ترامب مع الحوثيين، ونعتقد أنه يعرض أمن إسرائيل للخطر".

مقالات مشابهة

  • عاجل- ترامب: "كدنا نخسر الشرق الأوسط بسبب سياسات بايدن.. وسنحمي المنطقة"
  • ترامب: جذبنا استثمارات بـ10 تريليونات دولار خلال شهرين.. وبايدن أنفقها لتدمير الشرق الأوسط
  • ترامب من قاعدة العديد في قطر: "كدنا نخسر الشرق الأوسط بسبب بايدن"
  • كيف أعاد ترامب تشكيل السياسة الأميركية بالمنطقة بعيدا عن إسرائيل؟
  • كيف تعامل اللوبي اليهودي مع استبعاد إسرائيل من زيارة ترامب للمنطقة؟
  • ترامب يحث الرئيس السوري على تطبيع العلاقات مع إسرائيل
  • لماذا تجاهل الرئيس الأمريكي إسرائيل في خطابه بالرياض؟ هبة القدسي تكشف التفاصيل
  • وزير المالية، الدكتور محمد يسر برنية، لـ سانا: قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم رفع العقوبات عن سوريا، وإعادة العلاقات، خطوة بالغة الأهمية لتعيد سوريا بناء نفسها كدولة فاعلة في استقرار المنطقة وتنميتها
  • قلق في إسرائيل إزاء احتمال بيع واشنطن تركيا مقاتلات إف-35
  • مطر: الحريات لا تعني استفزاز المعتقدات