مشكلة لا يريد الناس التحدث عنها.. البصمة الكربونية المدمرة للجيش الأميركي
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
يقول تقرير مطول إن الجيش الأميركي يصدر انبعاثات غازية ضارة أكثر مما تصدره دول صناعية بأكملها مثل البرتغال والدانمارك، ويتهرب من التدقيق.
ويقول لورين ماليندر بهذا التقرير الذي نشره موقع "الجزيرة الانجليزية إن الجيش الأميركي الذي يتمدد على نطاق الكرة الأرضية له بصمة كربونية أكبر من أي مؤسسة أخرى في العالم.
ونقل التقرير عن ديفيد فاين مؤلف كتاب "الأمة القاعدة: كيف تضر القواعد العسكرية الأميركية في الخارج بالولايات المتحدة والعالم" قوله إنها مشكلة واضحة وصعبة ولها سجل طويل من الأضرار الجسيمة للغاية.
ويضيف الكاتب أنه تم توثيق التأثير البيئي للآلة العسكرية الأميركية في تقريرين لعام 2019 كشفا أنها أكبر مستهلك مؤسسي للهيدروكربونات بالعالم. ومع ذلك، فإن مساهمتها في تسخين الكوكب يتم تجاهلها إلى حد كبير، حيث ضغطت الحكومة الأميركية من أجل إعفاء النشاط العسكري من بروتوكول كيوتو لعام 1997 الذي حدد أهدافا ملزمة للانبعاثات للدول الموقعة. وخلال محادثات باريس عام 2015، تمت إزالة الإعفاء، لكن الإبلاغ عن الانبعاثات العسكرية لا يزال اختياريا.
التكاليف البيئية للجيش الأميركييقول التقرير إن الجيش الأميركي ضخم من حيث الميزانية والقوة النارية والوجود، إذ تتفوق الولايات المتحدة على جميع الجيوش في العالم بما في ذلك الصين من حيث عدد الجنود، وروسيا صاحبة أكبر مخزون من الأسلحة النووية.
ويشير إلى أن البنتاغون لا ينشر بيانات عن القواعد، لكن أبحاث فاين تظهر أن لديه أكثر من 750 قاعدة عسكرية أميركية بالخارج في حوالي 80 دولة، أكثر من أي إمبراطورية في تاريخ العالم.
ويقول أيضا إن كل هذا يكلف الكثير من المال، إذ بلغ إنفاق الولايات المتحدة العسكري حوالي 877 مليار دولار عام 2022، وهو ما يمثل ما يقرب من 40% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي.
تأثيره على المناخبشكل عام، تعد الجيوش من بين أكبر مستهلكي الوقود في العالم، حيث تمثل 5.5% من الانبعاثات العالمية، وفقا لتقرير حديث نشره "مركز أبحاث الثروة المشتركة في المملكة المتحدة". وبالمقارنة، يمثل الطيران المدني حوالي 2%.
وتمثل القوات المسلحة الأميركية ما لا يقل عن 3 أرباع الوجود العسكري العالمي، وهي إلى حد بعيد أكبر مصدر للانبعاثات.
وتقدر الأرقام مشتريات الجيش الأميركي من النفط يوميا بما يقرب من 269 ألفا و230 برميلا عام 2017، وهو رقم يصل إلى حوالي 100 مليون برميل في ذلك العام.
وذكر التقرير أن استهلاك الوقود ارتفع على مر العقود، لكن الأرقام تفيد بأن الجندي الأميركي العادي استهلك 3.8 لترات من الوقود في الحرب العالمية الثانية، وتضخم هذا الرقم إلى 83.3 لترا عندما غزت أميركا العراق عام 2003.
التقديرات الحديثةوتشمل التقديرات الحديثة المعدات العسكرية، وتشغيل جميع وسائل الراحة في جميع أنحاء العالم. لكن باتريك بيغر مدير الأبحاث في "مشروع المناخ والمجتمع" الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرا يقول إن استهلاك الجزء الأكبر من الوقود يتم بواسطة أنظمة الأسلحة (الدبابات، السفن، الطائرات) بنسبة 80%من الوقود للطائرات المقاتلة التي تعمل على ارتفاعات عالية.
ولا يقتصر الضرر بأي حال من الأحوال على زمن الحرب. فبين عامي 2001 و2018، كان ثلث الانبعاثات العسكرية الأميركية فقط مرتبطا بمناطق عملياتها الرئيسية، مثل العراق وأفغانستان.
وخارج الخطوط الأمامية، يمتد تأثير الجيش إلى شبكة مترامية الأطراف من سلاسل التوريد التصنيعية كثيفة الكربون. ووفقا لوزارة الدفاع، تعتمد شركة إنتاج الطائرات الأميركية المتوسطة الواحدة على ما يقرب من 200 مورد رئيسي، مع أكثر من 12 ألف شركة في المستويات الدنيا.
ويقول بيغر إن الولايات المتحدة هي حقا غوريلا الانبعاثات العسكرية، سواء من حيث العمليات أو التصنيع العسكري.
أشكال أخرى من الإضرار البيئيةويستمر التقرير ليقول إن الضرر -الذي تسببه القوات المسلحة الأميركية- يتجاوز انبعاثات الكربون إلى التأثير على جودة الهواء والنظم الإيكولوجية (البيئية) والتنوع البيولوجي وصحة السكان المحليين الذين يعيشون حول القواعد.
ويعود التاريخ الحديث للضرر العسكري إلى أيام التجارب النووية في بيكيني أتول في جزر مارشال، حيث نفذت الولايات المتحدة 67 تفجيرا بين عامي 1946 و1958، مما عرض السكان لمستويات إشعاعية تشبه تشرنوبل.
كما تخلف ما يسمى "الحرب على الإرهاب" إرثا من الأضرار البيئية والمشاكل الصحية الرئيسية مثلما حدث في أماكن مثل العراق وأفغانستان، حيث يقوم الجيش الأميركي بشكل روتيني بحرق البلاستيك والإلكترونيات وغيرها من النفايات السامة في حفر عملاقة.
وحتى يومنا هذا، يستمر التدمير -مع الاستخدام الواسع النطاق لـ "بولي فلورو ألكيل" وهي مواد تُسمى "الكيميائية للأبد" وتوجد أساسا في رغوة مكافحة الحرائق- على المنشآت المحلية والقواعد الأجنبية مثل أوكيناوا في اليابان، وهذه المواد الكيميائية تسمم المياه، مما تسبب في العيوب الخلقية والسرطان.
وقال فاين إن الحقيقة الأساسية هي أن القواعد العسكرية ليست جيدة للبيئة، فهي عبارة عن تركيزات لكميات ضخمة في كثير من الأحيان من المواد والأسلحة المدمرة شديدة الخطورة والتي ليست جيدة للبشر والكائنات الحية الأخرى.
هل سيجعل "كوب 28" الجيوش أكثر مسؤولية عن الانبعاثات؟حذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن العالم يمكن أن يتوقع ارتفاعا كبيرا في درجة الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية هذا القرن.
ووفقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة -الذي نُشر في 20 نوفمبر/تشرين الأول- سيتعين على البلدان خفض 42% من الانبعاثات المتوقعة لعام 2030 لتجنب خرق حد متفق عليه مسبقا يبلغ 1.5 درجة مئوية تحت درجات حرارة ما قبل عصر الصناعة.
وفي الوقت نفسه، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن قمة "كوب 28" الأخير في الإمارات حول المناخ يجب أن يتبنى سياسة عدم وجود استثناءات تجاه الانبعاثات.
ورغم الحاجة الملحة الواضحة للمشكلة، يبدو أن النقطة العمياء العسكرية ستبقى في مكانها. ولا توجد مؤشرات على أن الدول ستكون ملزمة بإدراج الانبعاثات العسكرية بجهودها لإزالة الكربون.
الفصل العنصري بالمناخ العالميومع ذلك، فإن تلك القمة عرضت مناقشات حول المناخ والصراعات، وربط القضايا لأول مرة في سياق محادثات الأمم المتحدة. ويعتقد بيغر ذلك بداية المساعدة في إطلاق نقاش حول كيفية تأثير الصراعات على دول الجنوب التي تتحمل الآن وطأة كارثة المناخ.
ويقول: لا توجد فرصة لتحسين الأمن البشري من خلال الانتشار والإنفاق العسكريَين اللامتناهيين، متسائلا: هل نأخذ قضية الإنفاق العسكري محمل الجد؟ أم أننا نحافظ عليه كبنية تحتية للفصل العنصري في المناخ العالمي؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الجیش الأمیرکی فی العالم
إقرأ أيضاً:
طالبو اللجوء بين رغبات ترامب بالترحيل وقرارات القضاء الأميركي
واشنطن- أوقفت دائرة خدمات المواطنة والهجرة الأميركية التابعة لوزارة الأمن الداخلي جميع قرارات اللجوء "إلى حين التأكد من خضوع كل طالب لجوء لعمليات تدقيق وفحص بأقصى درجة ممكنة" حسب توضيحها.
وجاء ذلك بعد منشور للرئيس الأميركي دونالد ترامب على منصة "تروث سوشيال" قال فيه إنه سيُنهي جميع المزايا والإعانات الفدرالية "لغير المواطنين" ويجرّد "المهاجرين الذين يُقوضون الأمن الداخلي من جنسيتهم" ويرحّل "أي مواطن أجنبي يشكل عبئا على الدولة، أو يشكل خطرا على الأمن، أو لا يتوافق مع الحضارة الغربية".
ورغم أن عمليات الترحيل التي تطال المهاجرين غير النظاميين، وبعض النظاميين أيضا، تسير بوتيرة سريعة، إلا أنها لم تقترب من معدلات الترحيل التي قامت بها إدارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما الذي رُحل خلال سنوات حكمه ما يقرب من 4 ملايين شخص.
وتشير تقديرات محايدة إلى أن ترامب قد رحّل منذ وصوله الثاني للحكم في 20 يناير/كانون الثاني الماضي ما يقرب من 340 ألف مهاجر، رغم تضافر جهود كل وكالات إنفاذ القانون لتنفيذ رغبات الرئيس.
الحكم للقضاءتحمل الإعلانات الأخيرة للرئيس الأميركي مزيدا من التشديد في موقفه تجاه المهاجرين خلال فترة رئاسته الثانية، وخاصة أصحاب حالات اللجوء، سواء لأسباب سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو أمنية.
ويقدم سنويا ما يقرب من نصف مليون شخص طلبات للحصول على وضع اللجوء في الولايات المتحدة، وهو إجراء يستغرق ما بين عامين و6 أعوام للبت فيه. وتشير بيانات رسمية إلى أنه خلال عام 2023 حصل 54 ألفا و350 شخصا على حق اللجوء.
ومن جهتها خففت خبيرة قانونية أميركية -تحدثت للجزيرة نت متحفظة على ذكر اسمها لأسباب تتعلق بجهة عملها- من وطأة هذه القرارات. وقالت إن "ترامب سبق أن تعهد بأكثر من ذلك خلال سنوات حكمه الأولى، سواء منع دخول مواطني عدة دول، أو ترحيل 11 مليون مهاجر غير نظامي، أو تشجيع الهجرة من دول أوروبا الإسكندنافية".
إعلانوأضافت أن ترامب يستغل حادثة إطلاق النار -التي وقعت مؤخرا في واشنطن وقُتل فيها عنصر وأصيب آخر من الحرس الوطني- لخدمة أهدافه السياسية بصفة عامة "لكن نحن ندرك استحالة تنفيذ كل تهديداته، هو يقول ما يقول، لكن هناك قانونا ومحاكما لها القول الأخير، وليس رغبات الرئيس".
وضربت الخبيرة القانونية للجزيرة نت مثالا بالمهاجر الشاب محمود خليل الذي قاد حراك الطلاب الاحتجاجي ضد دعم واشنطن لعدوان إسرائيل على قطاع غزة، وطالب ترامب بترحيله، وأصدر وزير الخارجية ماركو روبيو قرارا بإلغاء إقامته الدائمة، واحتفى الرئيس على موقع البيت الأبيض بالقبض عليه "لكنه لا يزال في الولايات المتحدة حرا طليقا بسبب عدالة موقفه أمام القضاء الأميركي".
وقد تحدثت الجزيرة نت مع لاجئ سياسي من أصول ليبية، يُشار إليه باسم عبد العزيز، وحصل مؤخرا على بطاقة الإقامة الخضراء الدائمة، حيث يقول "في الحقيقة بدأت أشعر أن ترامب يريد أن يأخذ حريتي التي غادرت بلدي من أجلها، نعم أشعر بالخوف لأنني مهاجر عربي مسلم، ولست أبيض".
وتساءل "هل أستطيع الجهر برأيي؟ أو الكتابة بسهولة على منصات التواصل الاجتماعي؟" وأضاف "أشعر كل يوم أنني مراقب، وأعيش هذا الصراع بين حريتي وخوفي، وهو وضع لا أحبه".
وردا على سؤال حول رأيه بما ينوي ترامب اتخاذه من قرارات متشددة تجاه المهاجرين واللاجئين على خلفية حادثة إطلاق النار الأخيرة، قال عبد العزيز "إن ما جرى غير مبرر، لكن ترامب يستغل سلطته وجبروته لإرهابنا. نشهد حوادث إطلاق النار في الولايات المتحدة يوميا، لكن ترامب هاجمنا لأن القاتل مهاجر ومسلم وليس أبيض معتبرا أن جميع المهاجرين قتلة ومجرمين ومرضى. هذا عار على ترامب وحزبه".
واتفق مع ذلك لاجئ سياسي من أصول مصرية -فضل عدم الكشف عن اسمه- وقال إنه "لا يوجد رابط أو مبرر، فحالة القاتل الأفغاني الذي نفذ عملية إطلاق النار، والذي جاء من بلاده عبر بوابة الاستخبارات الأميركية تركت كثيرا من علامات الاستفهام حول دوافع ما أقدم عليه، كما أن التعميم بصفة عامة شيء خاطئ ولا فائدة منه، بل يؤدي إلى الظلم والاستقطاب في تلك القضايا".
وأضاف أن "حوادث إطلاق النار بين الأميركيين أنفسهم هي الأعلى عالميا مقارنة بمن يطلق النار من المهاجرين من كافة الخلفيات. وإن شئنا الإنصاف فالتشديد يجب أن يكون في تأمين الحدود، والتأكد من أهلية المتقدمين للجوء والهجرة بما يؤدي لتكافؤ الفرص، مع عدم الانتقاص من الحقوق الإنسانية لكافة الراغبين في الحصول على اللجوء أو الهجرة".
عقاب جماعي
وكان ترامب قد أعلن أن إدارته أمرت بوقف فوري لمعالجة طلبات الهجرة من أفغانستان، رغم عدم انتهاء التحقيقات حول دوافع المهاجم الأفغاني، وأنها ستقوم بمراجعة شاملة لوضع الإقامة الدائمة للمهاجرين من 19 دولة صنفت على أنها "مثيرة للقلق" بينها أفغانستان وإيران وليبيا والسودان واليمن، كما وجه إدارته لاتخاذ خطوات لوقف الهجرة إلى الولايات المتحدة.
إعلانوقد أصدر وزير الخارجية قرارا بوقف إصدار التأشيرات لجميع المسافرين بجوازات سفر أفغانية، وذلك بعد أن كشفت التحقيقات الأولية أن المشتبه به في إطلاق النار هو لاكانوال الذي جاء إلى الولايات المتحدة عام 2021، ضمن برنامج يوفر حماية خاصة للأفغان الذين عملوا مع القوات الأميركية قبل انسحابها وعودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان.
وفي مقال رأي نشرته هيئة تحرير صحيفة "وول ستريت جورنال" على موقع "إكس" قالت إنه "يجب ألا يلقى اللوم على كل الأفغان نتيجة فعل عنيف لرجل واحد" ورد ستيفن ميلر، كبير مستشاري ترامب لشؤون الهجرة، بالقول إن هذا الرأي يمثل "كذبة الهجرة الكبرى".
وأضاف ميلر على الموقع نفسه أنه "لا يتم استيراد الأفراد فقط، بل المجتمعات أيضا" وقال "إن المهاجرين وذريتهم يعيدون إنتاج الظروف والمخاوف التي كانت في أوطانهم الممزقة".
تهديدات سابقةطبقا لتقديرات مركز "بيو" للأبحاث، يوجد بالولايات المتحدة ما يقرب من 14 مليون مهاجر غير نظامي، غالبيتهم من المكسيك ودول أميركا الوسطى، إضافة لعدة ملايين آخرين ينتظرون القرار النهائي بما يتعلق بطلبات اللجوء الخاصة بهم، وأغلبهم دخل البلاد بطرق غير نظامية.
وكان ترامب قد تعهد بترحيل هذه الأعداد خلال فترة حكمه الأولى، وعاد وكرر تعهداته ذاتها بعد وصوله للبيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي.
ويمثل ترحيل المهاجرين غير النظاميين عُرفا سارت عليه كل الإدارات السابقة، إلا أن ترامب استخدم قضية الهجرة بصفة عامة كأساس هام لحملاته للانتخابات الرئاسية الثلاث، إضافة لتبنيه سياسات متشددة لم تعرفها البلاد من قبل.
غير أن تقارير مختلفة خرجت لتشكك في قدرة وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك على ترحيل هذا العدد الكبير لنقص الإمكانات المادية والبشرية، في حين تتصور إدارة ترامب أن التشدد تجاه خطاب الترحيل الجماعي لطالبي اللجوء قد يكون رادعا لآخرين يرغبون في دخول البلاد بالطريقة ذاتها.