حكم قول سبوح قدوس رب الملائكة والروح في الركوع
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
يجوز للمصلي أن يقول في ركوعه: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ"، بل هو سُنَّة مُستحبة؛ لكونه نوعًا من أنواع الذِّكر الوارد في الركوع عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما معناه: فهو أن الله سبحانه وتعالى مُنزَّهٌ عن النقائص أبلغ تنزيه، ومُطهَّرٌ عن كل ما لا يليق أبلغ تطهير، وأنه تعالى هو الخالق المالك لهذا الكون بما فيه من أملاك وأفلاك؛ فهو وحده المستحق للتعظيم على الحقيقة، هكذا ردت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي، مضمونة:"ما حكم قول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" في الركوع؟ وما معناها؟".
من المقرر شرعًا أن الصلاة أحب الأعمال إلى الله، ومن أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى خالقه؛ إذ هي عماد الدين وركنه الركين؛ لما روي عن عكرمة بن خالد بن سعيد عن عمرَ مُرسَلًا، قال: «جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ عِنْدَ اللهِ فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَلَا دِينَ لَهُ، وَالصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ» رواه البيهقي في "شعب الإيمان".
قال الإمام أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (3/ 360، ط. دار المعرفة): [وفي الصلاة أسرارٌ لأجلها كانت عمادًا، ومن جملتها: ما فيها من التواضع بالمثول قائمًا وبالركوع والسجود] اهـ.
حكم قول سبوح قدوس رَبُّ الملائكة والروح في الركوعالركوع في الصلاة -الذي هو ركنٌ من أركانها- محل تعظيم الله سبحانه وتعالى بالتسبيح والتقديس والذكر والدعاء؛ فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (4/ 197، ط. دار إحياء التراث العربي): [أي: سبِّحوه ونزِّهوه ومجِّدُوه] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (16/ 118، ط. أوقاف المغرب): [وأجمعوا أن الركوع موضع تعظيم لله بالتسبيح والتقديس ونحو ذلك من الذكر] اهـ.
وإن هذا التعظيم يكون بنحو قولنا: سبحان ربي العظيم، أو غيره كقولنا: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ربُّ الملائكة والروح"، والذي هو محل السؤال، وهذا تسبيح مستحبٌّ وثابت بلفظه في السُّنَّة المطهرة، فقد ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 122، ط. دار ابن حزم): [اعلم أن هذا الحديث الأخير هو مقصود الفصل، وهو تعظيم الرب سبحانه وتعالى في الركوع بأيِّ لفظٍ كان، ولكن الأفضل أن يجمع بين هذه الأذكار كلها إن تمكن من ذلك] اهـ.
فيظهر من ذلك أن هذا الذكر من ألفاظ التسبيح المطلوبة في الركوع والسجود على جهة الندب كغيرها من الألفاظ الواردة في السنة المطهرة، والتي كان يقولها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (16/ 120-121): [وقد رُوي عن النبي عليه السلام أنه كان يقول في ركوعه وسجوده أنواعًا من الذكر.. وهذا كله يدل على أن لا تحديد فيما يقال في الركوع والسجود من الذكر والدعاء، ولكن أكثر الفقهاء في صلاة الفريضة على التسبيح بـ "سبح اسم ربك العظيم" ثلاثًا في الركوع، و"سبح اسم ربك الأعلى" ثلاثًا في السجود، وحملوا سائر الأحاديث على النافلة] اهـ.
وقد تتابعت نصوص الفقهاء على جواز هذا الذكر المسؤول عنه وغيره في الركوع، وأنه لا حرج على قائله؛ يُنظر: "المحيط البرهاني"، للإمام ابن مازَه الحنفي (1/ 360، ط. دار الكتب العلمية)، و"كفاية الطالب الرباني" للشيخ أبي الحسن علي المالكي (1/ 266، ط. دار الفكر)، و"المجموع" (3/ 413، ط. دار الفكر)، و"كشاف القناع" للبُهُوتي الحنبلي (1/ 354، ط. دار الكتب العلمية).
بيان معنى قول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح"
أما معنى قولنا: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ"، فالسُّبُوح: هو المُنَزَّه عن النقائص أبلغ تنزيه، والمُبَرَّأ من الشريك ومن كلِّ ما لا يليق بصفة الألوهية، وأمَّا القُدُّوس: فهو المُطَهَّر عن كل ما لا يليق، أبلغ تطهير، وأمَّا رَبُّ الملائكة: فهو المالك والخالق والرازق؛ أي: المصلح لجميع أحوالهم، وأمَّا الرُّوح: فهو سيدنا جبريل عليه السلام؛ وخُصَّ بالذِّكِر تشريفًا له، وإن كان من جملة الملائكة؛ يُنظر: "المفهم" للإمام أبي العباس القُرْطُبي (2/ 91، ط. دار ابن كثير)، و"إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم" للقاضي عِيَاض (2/ 402، ط. دار الوفاء)، و"المجموع" للإمام النووي (3/ 433)، و"حاشية العَدَوي على كفاية الطالب الرباني" (1/ 266، ط. دار الفكر).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم قال الإمام فی الرکوع
إقرأ أيضاً:
شيخ الأزهر يستقبل سفير كندا بالقاهرة لبحث سُبُل التعاون المشترك
استقبل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، السيد أولريك شانون، سفير كندا لدى القاهرة،بمقر مشيخة الأزهر، لبحث سبل تعزيز التعاون العلمي والدعوي المشترك.
وخلال اللقاء، أعرب فضيلة الإمام الأكبر عن استعداد الأزهر الشريف لافتتاح مركز لتعليم اللغة العربية في كندا، لخدمة مسلمي كندا والجاليات العربية والإسلامية، ومساعدتهم على تعلم لغة القرآن الكريم، فضلًا عن استضافة الأئمة الكنديين في "أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ"، لتطوير مهاراتهم الدعوية وتحصينهم علميًّا في مواجهة الفكر المتطرف، وتمكينهم من بيان المفاهيم الإسلامية الصحيحة فيما يخص قضايا التعايش، وحقوق المرأة، واندماج المسلمين إيجابيًّا في المجتمعات الغربية، وغيرها من القضايا العصرية التي تهم المجتمعات.
وأكَّد فضيلة الإمام الأكبر أنَّ الأزهر الشريف يحرص على توطيد علاقاته مع المراكز الإسلامية والمؤسسات الدينية حول العالم، في إطار رسالته العالمية لنشر السلام وتعزيز ثقافة الحوار والتعايش والأخوة الإنسانية، مؤكدا انفتاح الأزهر على كل المؤسسات الثقافية والدينية حول العالم، وهو ما أثمر محليًّا في تأسيس بيت العائلة المصرية، الذي يجمع الأزهر الشريف ومختلف الكنائس المصرية، والذي أسهم في القضاء على كثيرٍ من أشكال الفتن الطائفية وانتزاعها من جذورها.
وبيَّن فضيلته أن الأزهر انطلق من السلام المحلي إلى تحقيق السلام العالمي، وذلك من خلال الانفتاح على كبرى المؤسسات الدينية والثقافية حول العالم؛ كمجلس الكنائس العالمي، ومجلس كنائس الشرق الأوسط وكنيسة كانتربيري، وتُوِّجت هذه الجهود بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخيَّة مع البابا الراحل فرنسيس عام ٢٠١٩.
من جانبه، أعرب السفير الكندي عن تقديره الكبير لفضيلة الإمام الأكبر، مشيدًا بدور الأزهر المحوري وفضيلة الإمام الأكبر في ترسيخ قيم السلام والتعايش، مؤكدًا أن الأزهر يتمتع بمكانة مرموقة واحترام واسع لدى مسلمي كندا، الذين يتجاوز عددهم مليوني نسمة.
ورحَّب "شانون" بمبادرة الأزهر لإنشاء مركز لتعليم اللغة العربية في كندا، مؤكدًا أنها ستحظى باهتمام بالغ من أبناء الجالية الإسلامية هناك؛ لما يمثله الأزهر من مرجعيَّة دينيَّة كبرى ومصدر ثقة في العالم الإسلامي.