مفتي الجمهورية: مصر وُلدت من جديد بفضل وعيها ومشاركتها في الانتخابات الرئاسية
تاريخ النشر: 22nd, December 2023 GMT
أشاد الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- بالإقبال الكثيف للمصريين الذين شاركوا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مشيرًا إلى أن الشعب المصري أبدى وعيًا عميقًا وحكمة بالغة بمشاركته الواسعة والملتزمة في هذه العملية الديمقراطية المهمة.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد، مضيفًا فضيلته أن مصر قد ولدت من جديد بفضل هذا الوعي، فقد أثبت الشعب المصري للعالم بقرار التصويت واختياره للرئيس عبد الفتاح السيسي رغم التحديات الاقتصادية التي فرضتها الأزمات العالمية، أنه شعب واعٍ وحكيم، وأنه شعب لا يتأثر بالدعايات المضللة والمؤامرات التي تحاك ضدَّه وضد الدولة المصرية، بل يؤمن إيمانًا راسخًا بضرورة الحفاظ على وحدة الصف وتحدي كل من يريد زعزعة استقرار البلاد وتقويض أمنها.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن الشعب المصري يثبت في كل مراحل تاريخه أنه شعب حضاري، وأنه شعب مؤمن يدرك واجباته الوطنية، وأنه شعب قد أثبت في كل المواقف وفي كل التحديات مدى حبه لوطنه مصر، ومدى استعداده للبذل والتضحية من أجلها.
واعتبر المفتي أن هذه المشاركة الراقية هي تأييد ودعم مطلق للجمهورية الجديدة، جمهورية المواطنة، القائمة على العلم والوعي الرشيد.
وفي رده على سؤال عن العقبات التي تواجه تجديد الخطاب الديني باعتباره ملمحًا ضروريًّا من المواطنة والجمهورية الجديدة، أشاد فضيلته بالجهود المبذولة في هذا الإطار من جميع مؤسسات الدولة، مشيرًا إلى أن أعداء الوطن دائمًا ما يقللون من جميع الجهود المبذولة في أي مجال من المجالات سواء دينية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية.
وقال مفتي الجمهورية: إننا رأينا دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الديني على أنها تكليف لنا كسائر المؤسسات الدينية الرسمية، وقد لبَّت دار الإفتاء دعوته، فهي دعوة منطلقة من الحفاظ على الثوابت لمعالجة قضايانا المعاصرة في ضوء فهم سديد للنصوص الشرعية، مشيرًا إلى أن التجديد مقصدٌ شرعي أصيل، وليست دعوات حادثة، فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك التجديد وظيفةٌ دينيةٌ شرعية تكفَّل سبحانه وتعالى بتقييد مَن يقوم بها على الدوام، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَن يجدد لها أمر دينها».
وشدَّد مفتي الجمهورية على أن الخطاب الديني بات في حاجة ماسة إلى التجديد، وبخاصة في القضايا والموضوعات التي هي بمثابة قاسم مشترك بين شعوب الأرض قاطبة، مثل الرحمة والدعوة إلى مكارم الأخلاق، والمساهمة في سعادة إنسان العصر، وكذلك مواجهة الكوارث التي أنتجها الخطاب الديني المتطرف.
وأكد مفتي الجمهورية أن تراثنا الإسلامي في المقام الأول هو مجموعة القيم الإنسانية والحضارية التي انبثقت أنوارها من القرآن الكريم والسنَّة المطهرة، بل المتتبِع لمنهج الفقهاء يلحظ الاهتمام البالغ بالرحمة حتى بالحيوان، فنجدهم أجازوا الوقف على الحيوانات الضالة التي لا مأوى لها كالكلاب والقطط، من أجل رعايتها وتطبيبها وتقديم الطعام إليها.
وأوضح المفتي أن مسئولية الفرد تجاه وطنه لا تقتصر على مجرد وضع ورقة في صندوق الانتخابات لاختيار الأفضل، بل عليه العمل والجد والمثابرة لتحقيق رفعة الوطن، فمسئولية الفرد هي مسئولية فردية، وهي أساس للمسئولية الجماعية، مشيرًا إلى أنَّ حديث السفينة فيه تأسيس لمبدأ الضبط الاجتماعي، لأنه إذا غاب تحوَّل المجتمع إلى العشوائية والتخبُّط، وهو يرسِّخ كذلك مبدأ المسئولية المشتركة عند الفرد في شتَّى شئونه ومراحله، بما يُعْلي من قيمة المسئولية الفردية، ويؤكِّد أنها أساس للمسئولية الجماعية، ويدل على ضرورة قيام كل فرد بدَوره على أكمل وجه من عمل واجتهاد لرفعة الوطن.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الإعلامي حمدي رزق الانتخابات الرئاسية الخطاب الديني الرئيس السيسي الشعب المصري تجديد الخطاب الديني مصر مفتي الجمهورية مفتی الجمهوریة الخطاب الدینی
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: العقيدة تعمل كمصباح للإنسان وتضبط سلوكه في السر والعلن
أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الحديث عن العلاقة بين العقيدة والسلوك ليس من باب الترف الفكري أو التكرار لقضايا مألوفة، بل يمثل ضرورة حياتية وفريضة دينية تفرضها طبيعة العصر الذي نعيشه، حيث تتزاحم المؤثرات الفكرية وتنتشر الاتجاهات الإلحادية والشاذة والدعوات المنفلتة التي تسعى إلى السخرية من الدين أو التقليل من شأنه، وهي اتجاهات تستهدف منظومة الأخلاق بالأساس، مما يجعل الجمع بين الجانب النظري الذي تمثله العقيدة والجانب التطبيقي الذي يجسده السلوك ضرورة ملحة لبناء الوعي وحماية المجتمع.
وأوضح فضيلته أن ما نشهده اليوم من اضطراب في المفاهيم يدعو إلى إعادة تأكيد هذا الارتباط العميق، لأن القول بالفصل بين العقيدة والسلوك يتعارض مع حقيقة الدين ونصوصه ويؤدي إلى خلل في فهم جوهر رسالة ديننا الحنيف.
جاء ذلك خلال كلمة فضيلته في ندوة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة والتي عقدت تحت عنوان: "الارتباط بين العقيدة والسلوك" جاء ذلك الندوة بحضور الأستاذ الدكتور/ رمضان حسان، عميد الكلية، والأستاذ الدكتور/ عبد الغفار يونس، وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب، والأستاذ الدكتور/ نادي عبد الله، وكيل الكلية للدراسات العليا والبحوث، والأستاذ الدكتور/ جاد الرب أمين، عميد الكلية الأسبق، إضافة إلى حضور عدد من أعضاء هيئة التدريس والطلاب.
وفي مستهل اللقاء أكد فضيلة المفتي أن العلاقة بين الإيمان والسلوك مستمدة من طبيعة الدين الذي هو وضع إلهي يهدف إلى تحري الصلاح في الدنيا وتحقيق الفلاح في الآخرة، فهو يجمع بين أساس نظري يقوم على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وبين جانب عملي يظهر أثره في الظاهر والباطن. وبين أن الجانب التطبيقي يتجلى في أركان الإسلام التي تبدأ بالشهادتين بوصفهما المدخل الأول إلى الدين، ثم تأتي العبادات التي تحمل في جوهرها دلالات أخلاقية عميقة تظهر ثمارها في سلوك الإنسان، مستشهدًا بما دلت عليه النصوص من أثر العبادة في تهذيب النفس.
وفي سياق توضيح طبيعة هذا الارتباط، بيّن فضيلته أن بنية الدين تقوم على عقيدة وشريعة تثمران معًا السلوك الحسن، مما يستدعي التوقف أمام الأبعاد الأخلاقية التي تشكل الامتداد العملي للإيمان، فحينما يتحدث القرآن عن البر، فإنه يقدمه بوصفه عملا جامعا يشمل أبواب الخير كافة، وقد ربط الله ربطًا محكمًا بين الإيمان وبين العبادة والسلوكيات والتعاملات والأخلاق، الأمر الذي يؤكد أن الارتباط بين العقيدة والسلوك ليس فرعًا أو إضافة ثانوية، بل هو جوهر الدين وطبيعته الأصيلة.
وأشار فضيلته إلى النتيجة التي توصل إليها أحد القضاة الأجانب من خلال بحث أجراه حين قال: إن الأخلاق بلا دين عبث، وإن الادعاء بوجود تعارض بين الدين والأخلاق قول باطل موضحًا أن النصوص تجمع دائمًا بين الإيمان والعمل الصالح، لأن كليهما يثمر الفعل الحسن والسلوك القويم.
وأضاف فضيلته أن هذا الارتباط ليس مسألة وعظية بل ضرورة حضارية مرتبطة بمكانة الدين في بناء الإنسان، إذ يجتمع في النفس نزعة الخير ونزعة الشر، فإذا غلب جانب الشر تحكمت الشهوات وانفلت السلوك، أما سلطة فإنها وإن ضبطت الأفعال إلا أنها تعتمد على الردع الخارجي؛ فبعض الناس لا يفعل الخير إلا خوفًا من العقاب، وبعضهم يلتزم القانون لأنه مفروض بقوة الجزاء، بينما هناك طائفة يرتقي سلوكها بغض النظر عن العقاب؛ لأنها تستند إلى عقيدة تحيي في النفس رقابة داخلية تثمر الخشية والالتزام.
وفي سياق متصل كشف فضيلة المفتي عن أحد أهم إشكالات الفكر المعاصر، وهي نسبية الأخلاق وتحركها وفق المصلحة، وهو تصور يصطدم اصطدامًا مباشرًا بقدسية الأخلاق في التصور الديني. ومن هنا تتجلى خطورة الأفكار التي تفصل الأخلاق عن العقيدة، وقد نبّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى حين قال: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا»، دلالة على الارتباط البنائي بين الإيمان والسلوك.
وفي هذا الإطار تتبدى إشكالية المبادئ البراجماتية النفعية التي تبنتها دول غربية، إذ تنطلق من قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، وتتعامل مع الإنسان بوصفه عنصرًا داخل معادلة مادية تحكمها الكُلفة والمنفعة ويتضح أثر هذا التوجه في ممارسات خطيرة، مثل ما يسمى بالموت الرحيم الذي يتم تمريره تحت ذرائع إنسانية زائفة تحمل في باطنها دوافع اقتصادية واجتماعية، بينما ينطوي جوهرها على اعتداء بيّن على قدسية النفس الإنسانية، أما في الرؤية الدينية فلا يُقبل بأي حال من الأحوال المساس بحياة الإنسان أو كرامته، لأن العقيدة تُنشئ في النفس يقظة داخلية تمنع صاحبها من الانحراف، وتربيه على الخشية الصادقة، مما يؤكد أن الخوف الإيماني وتزكية الباطن يمثلان درعًا واقيًا أمام موجات الانحراف المفاهيمي التي تحاول تغيير الفطرة عبر شعارات براقة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
وأضاف قائلا: من هنا تتأكد الأهمية القصوى للعقيدة الصحيحة بوصفها البنية الأساسية في مواجهة هذه الحرب الفكرية الناعمة التي تسعى إلى إعادة تشكيل الوعي الإنساني والعبث بثوابته، إذ لا يستطيع الإنسان أن يقف ثابتًا في مواجهة هذا السيل الجارف إلا إذا امتلك أرضية راسخة من الإيمان العميق الذي يضبط مساره ويمنحه القدرة على التمييز بين الحق والباطل، وبين الرحمة الحقيقية وتلك التي تُرفع شعارًا بينما تخفي خلفها انتهاكًا للفطرة وقيم الإنسانية الأصيلة.
كما أكد فضيلة المفتي أن الانسياق وراء الشعارات الداعية إلى الحرية المنفلتة أو تبرير الشذوذ تحت لافتات براقة يوقع الإنسان في فخ الرذيلة ويمس جوهر الفطرة، فالحرية التي تُستخدم ذريعة للاعتداء على الدين أو العِرض أو المال ليست حرية بالمعنى القيمي، بل انفلات ترفضه العقيدة التي تُعلي من قيمة الانضباط الأخلاقي، ولهذا جاءت العقيدة أشبه بالمصباح الذي يحمله الإنسان ليهديه إلى سواء السبيل، فتثمر في داخله الصدق والوفاء والإحسان.
وفي سياق متصل قال فضيلته: إن العالم الذي نعيشه اليوم يواجه تحديات غير مسبوقة، حيث تنتشر وسائل الإعلام الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي التي رسخت مفاهيم منحرفة وأعادت تشكيل بعض السلوكيات بطريقة فاسدة، مما يدفع بعض الأفراد إلى الانجرار وراء ممارسات تضر بكرامة الإنسان وعرضه تحت ذريعة المكاسب المادية أو المكاسب الاجتماعية الزائفة، وهي سلوكيات تنبع في كثير من الأحيان من إيمان ضعيف أو مزيف يفتقر إلى التأسيس الصحيح للعقيدة والقيم الأخلاقية.
وفي إطار مواجهة هذه التحديات، دعا فضيلته الشباب إلى التمسك بالإيمان والعمل الصالح الذي يحقق الشخصية المتوازنة والقوية، والتي تكون قادرة على بناء الأسرة والمجتمع والمساهمة في رفع شأن البلاد والعباد، وأكد أن النعم التي يمنحها الله للإنسان تتطلب القيام بشكرها الذي يؤدي إلى الالتزام بالمسؤولية والجدية في السلوك، بحيث تصبح القدرات الفردية والجماعية أدوات للارتقاء الروحي والاجتماعي والاقتصادي، بما يعكس العلاقة الوطيدة بين العقيدة الصحيحة والسلوك الصالح في حياة الإنسان المعاصر.
وفي ختام الندوة قدم عميد الكلية شكره الجزيل لفضيلة المفتي مثمنا تلبية الدعوة مقدما درع الكلية لفضيلته، تكريمًا لدوره العلمي والدعوي المتميز، ولما يمثله من صوت علمي وفكري رصين، ولإسهامات فضيلته القيمة في توضيح الأبعاد الأخلاقية والفكرية التي تثمر في بناء الإنسان المسلم الصالح.