السينما المصرية وإعلاناتها الطريفة
تاريخ النشر: 24th, December 2023 GMT
لا بأس ونحن نودّع عام 2023 بأفراحه القليلة وأحزانه الكثيرة، أن نتذكر بعضًا من طرائف السينما المصرية التى لم نلتفت إليها إلا فيما ندر، لعلنا نخفف من وطأة الأحداث المتلاحقة الموجعة. وأعنى بالطرائف، تلك (العبارات) التى كانوا يكتبونها على أفيشات الأفلام من باب الترويج والتسويق.
فى ظنى أن أنور وجدى (1904/ 1955) يحتل أهم صفحة وألطفها فى كتاب الدعاية الفنية، فالرجل كان يملك شركة إنتاج ناجحة هى (شركة الأفلام المتحدة)، بجانب كونه ممثلا ومؤلفا ومخرجًا، لذا لا عجب ولا غرابة فى أن يعزز طموحه اللامحدود بابتكار الجديد فى دنيا الدعاية الفنية بمقاييس العصر الذى عاش فيه.
خذ هذا الإعلان: (صانع العجائب السينمائية أنور وجدى يقدم لأول مرة نعيمة عاكف فى الفيلم العجيب آه يا حرامي)، وقد عرض فى 1949 تقريبًا. أما الدعاية لفيلم (ياسمين) الذى عرض فى 1950، ولعبت بطولته الطفلة فيروز، فكانت هكذا: (أنور وجدى يقدم أعظم فيلم أخرجه حتى اليوم... تمثل الدور الأول طفلة صغيرة عمرها 6 سنوات تأتى بالمعجزات التى لا تصدق على الرغم من أنها حقيقة واقعة).
فى فيلم (عنبر/ 1948) يكتب أنور وجدى فى الدعاية: (عبدالوهاب... ليلى مراد... أنور وجدى يشتركون معًا فى تحفة الموسم السينمائية عنبر... الفيلم الغنائى الموسيقى الفذ)، ومعروف أن عبدالوهاب هو الذى وضع جميع ألحان الفيلم وموسيقاه التصويرية.
ونأتى إلى تحفته الخالدة (غزل البنات/ 1949)، حيث جاء الإعلان هكذا: (شركة الأفلام المتحدة تقدم... إنتاجا سينمائيا ضخما... لم تعهده السينما المصرية من قبل).
أما فريد شوقى الذى أسس شركة (أفلام العهد الجديد)، فكتب مروجا لفيلمه الجديد هذا النص على الأفيش: (أنت على موعد يوم 18 أكتوبر مع وحش الشاشة فريد شوقى فى أقوى وأعظم أدواره السينمائية جعلونى مجرمًا)، كما كتب فى إعلان آخر للفيلم نفسه: (أول فيلم يعالج الجريمة ومشاكل الطفولة المشردة)، وقد عرض الفيلم فى 1954.
فى 16 يناير 1951 عرض فيلم (فى الهوا سوا) للمخرج يوسف معلوف وبطولة شادية وكمال الشناوى وإنتاج شركة (لوتس فيلم) لصاحبتها آسيا داغر، ويبدو أن الفيلم حقق نجاحات كبيرة، إذ سرعان ما اجتمع فريق العمل مرة أخرى ليقدموا فيلم (الهوا مالوش دوا) والذى عرض فى 20 فبراير 1952، لذا صدرت الدعاية بشكل مغاير، فكتبوا: (الأبطال الذين أضحكوكم فى فيلم فى الهوا سوا... الشركة التى أرضتكم بفيلم فى الهوا سوا... المخرج الذى أدهشكم بفيلم فى الهوا سوا... الفنيون الذين صنعوا المعجزات فى «فى الهوا سوا»... كل هؤلاء اجتمعوا جميعًا ليقدموا لكم أبهج أفلام الموسم... الهوا مالوش دوا).
ونختم هذه الجولة السريعة بفيلم (ليلة غرام) المأخوذ عن رواية (لقيطة) لمحمد عبدالحليم عبدالله، حيث جاء الإعلان بالنص: (منتج شاطئ الغرام يقدم فيلم سنة 1951... القصة الحائزة على جائزة فاروق الأول للقصة المصرية).
أجل... السينما المصرية كنز ثمين... وعام جديد سعيد على البشرية كلها بإذن الله.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ناصر عراق السينما المصرية العبارات السینما المصریة فیلم فى
إقرأ أيضاً:
مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «21»
إضافة إلى ما ذكر سابقًا، ومن أجل التَّوافر على فهم أفضل وأعمق لأبعاد الإبهاريَّة والمُشَاهَديَّة فـي أفلام الشَّيخ العربي فـي السِّينما الأمريكيَّة، فإنه ينبغي رسم خطوط نظريَّة ومنهجيَّة متوازية ومُتْقَنَة بين مفهوم المتفرِّج الاستشراقي بوصفه عالمًا انثروبولوجيًّا أو سوسيولوجيًّا مستريحًا على مقعد وثير ذي ذراعين (والذي توجد عنه كتابات عديدة فـي حقل الدراسات النَّقديَّة السينمائيَّة) وبين تبصُّرات علي بهداد Ali Behdad الأحدث زمنيًّا؛ أي توسيع فكرة الحنين فـي الاستشراق كما يراه إدوَرد سعيد Edward Said، وفكرة بهداد عن التَّأخريَّة، بالقدر الذي يعنيه هذا التَّمرأي والتَّصادي فـي أفلام الشَّيخ لدى السينما الأمريكيَّة.
فـي بحثها المضيء المتعلق بالطُّرق الغادرة وغير المباشرة التي تتمرأى وتعلن فـيها الجماليَّات الفاشيَّة عن نفسها فـي الأفلام السينمائيَّة والأعمال الفنيَّة المعاصرة الأخرى، تقدِّم سوزان سونتاغ Suzan Sontag مفهوم «الفاشيَّة الفاتنة» (fascinating fascism) فـي بحثها الشَّهير الذي يحمل ذات العنوان، حيث تسائل سونتاغ نقَّادًا مهمين ومفكرين مؤثِّرين يتكئون فـي دفاعهم عن أعمال صانعة الأفلام النازيَّة ليني رفنشتال Leni Riefenstahl بدعوى أنها «مهتمَّة دومًا بالجَمال» (1).
مضت سنوات طويلة بعد ذلك حين طوَّرت فاطمة توبنغ روني Fatimah Tobing Rony، بقصد أو من غير ذلك، مفهوم سونتاغ «الفاشيَّة الفاتنة» إلى فكرة «أكل لحوم البشر الفاتن» (fascinating cannibalism) الذي أرادت منه «لفت الانتباه إلى خليط الافتتان والرَّعب الذي يسبِّبه [المشهد] الإثنوغرافـي: إن أكل لحوم البشر لا يعود هنا إلى البشر الذين صُنِّفوا بأنهم متوحشون، بل يخصُّ مستهلكي صور أجساد -- وكذلك أجساد فعليَّة معروضة -- للأصلانيِّين [أي السُّكان الأصليِّين لبقاع المعمورة التي غزاها واستعمرها الرَّجل الأبيض] التي توفِّرها العلوم والميديا الجماهيريَّة» (2).
وتنويعًا على سونتاغ وروني فقد اقترحت، بقصدٍ شديد، فـي دراسة سابقة لي عن فـيلم «لورَنس العرب» (ديفِد لين David Lean، 1964) مفهوم «الجَمَالانيَّة الفاتنة» (fascinating aestheticism) لوصف تقليص واختزال عدد كبير من النِّقاشات الحيويَّة والوجيهة الممكنة حول ذلك الفـيلم، على عدَّة أصعدة أولها التاريخ العربي المعاصر فـي عقابيل الحرب العالميَّة الأولى واتفاقية «سايكس--بيكو»، إلى نقاش محض ومجرَّد عن شيء اسمه «الجَمال» (3).
فـي ذلك البحث ميَّزتُ بين «العربي» (Arabian) باعتبار المفردة صِفَةً أو نعتًا لغويًّا وبين مجيئها بوصفها شيفرة سيميولوجيَّة وثقافـيَّة تضرب جذورها، كما أعتقد، فـي الترجمة الغربيَّة الأولى لـ«ألف ليلة وليلة» التي أجراها المستشرق الفرنسي أنطوان غالو Antoine Galland فـي عام 1704، والتي حملت عنوان «الليالي العربية». لقد تكرَّس وترسَّخ ذلك العمل فـي الذاكرة الغربية بكون الحكايات التي يتضمنها «عربيَّة» (Arabian) أكثر بكثير مما تكرست بأنها قصص سُرِدَت فـي «ألف ليلة وليلة». سأحاول إيضاح أمر الفرق بين «اللغوي» و«السيميولوجي» بطريقة بسيطة؛ فـ«العربي» (Arabian) لا تعني الشيء نفسه فـي العبارتين التاليتين رغم أنها صفة فـي الحالتين:«هيا بنا لنتناول الغداء فـي مطعم عربي (Arabian)» (هذا مثال مطبخي، حيث يتبادر إلى الذهن الطعام العربي)، وبين، من ناحية أخرى، «دعونا نقضي هذا المساء فـي نادٍ ليلي عربي» (هذا مثال أيروسي، إن لم يكن بورنوغرافـيًّا على نحوٍ صريح، حيث أول ما يتبادر إلى الذهن هو الرَّقص الشَّرقي المثير جنبًا إلى جنب مع بقيَّة الإغراءات الحسيَّة المصاحِبة القادمة من «المطبخ» الاستشراقي مباشرة).
لقد ألهمني مصطلح سونتاغ الذكي والثَّاقب، وتنويع روني الخلاق عليه، فـي موضعة الشَّيخ العربي الهوليوودي ورؤيته فـي ما أسميه «العَرَباويَّة الفاتنة» (fascinating Arabianism) الذي أعني به، ضمن أشياء أخرى، البناء والتَّكريس الثقافـيّين المُمَنهَجين، من خلال السِّينما بصورة خاصة، والميديا بصورة عامة، بما فـي ذلك نتاجات واستيهامات ثقافـيَّة وفنيَّة تنويعيَّة عديدة ومختلفة، فـيما يبدو انه خزين هائل لا ينضب، ولا يمكن محوه، بل لا ينبغي تجاوزه، لتمثيلات عجائبيَّة/ إكزوتيكيَّة للآخر (exoticized other) «العربي» و«الأشياء العربيَّة» كما جسَّدته تلخيصيًّا السِّينما الأمريكيَّة فـي شخصيَّة الشَّيخ العربي الذي هو جذَّاب وفاتن، أو مثير للسخط والاشمئزاز، أو كلاهما. ووفرة تلك «العَرَباويِّة الفاتنة» فـي أفلام الشَّيخ العربي الأمريكيَّة تجعل من الصعوبة للغاية للمُشاهد أن ينخرط فـي حوار نقدي مع النَّص «الفاتن» بصورة غامرة لا تسمح بما هو عقلاني وواقعي. إن المرء، فـي الحقيقة، يتذكر هنا مقولة جون برجر John Berger أن «الصُّور صُنعت أولًا لاستحضار مظهر ما هو غائب. لكن، وبالتَّدرج، أصبح من الجَلِيِّ أن الصوُّرة تفوقُ ما تُمَثِّله فـي قدرتها على الاستمرار بعده» (4).
لقد بدأت هذا البحث بإحالة إلى فـيلم «مغامرة فـي العراق» Adventure in Iraq (ديفد روس لِدرمَن David Ross Lederman، 1943) الذي وجدت فـيه «صدى» من الحاضر الفعلي فـي الماضي الفنِّي، وتحديدًا صدى لحرب عاصفة الصحراء التي جرت فـي عام 1991 فـي أحداث سينمائيَّة «خياليَّة» وقعت فـي العراق فـي عام 1943. لم يكن سِغِفْرِد كرَكاور Siegfried Kracauer مفكِّرًا ميتافـيزيقيًّا بصورة خاصة، لكنه يحاجج بأنه إذا ما نُظِرَ إلى الأفلام بوصفها مشروعًا جمعيًّا، وليس فرديًّا، فإنها لا تمثل بحد ذاتها أعمالًا فنيَّة، بل إنها تسجيلات تحتوي على آثار لسياق أكبر بكثير لأن الأمر، ببساطة، هو أن «الأفلام [التي تنتجها أمَّة ما] تعكس عقليَّتها بطريقة أكثر مما تفعله أي أداة فنيَّة أخرى» (5).
وللنقاش صلة فـي الأسبوع القادم...
---------------------------------------
(1). Susan Sontag, “Fascinating Fascism,” in Movies and Methods vol. 1, ed. Bill Nichols (Calcutta: Seagull, 1993), 37.
(2). Fatimah Tobing Rony, The Third Eye: Race, Cinema, and the Ethnographic Spectacle (Durham: Duke University Press, 1996), 10.
(3). Abdullah AlMaaini, “Lawrence of Arabia: Celluloid Identity as Narrative of Empire.” Thesis. University of Texas at Austin, 1999.
وانظر أيضًا: عبدالله حبيب، «لورَنس العَرَب والأموات: مبحثان سينمائيان» (الخُبَر الشماليَّة: جسور الثَّقافة للنشر والتوزيع/ الجمعيَّة السعوديَّة للسِّينما، 2024).
(4). John Berger, Ways of Seeing (London: British Broadcasting Corporation, 1985), 10.
(5). Siegfried Kracauer, From Caligari to Hitler: A Psychological History of the German Film (Princeton: Princeton University Press, 1974), 5.
يجدر الذكر أن منشورات جامعة برنستن نشرت الترجمة الإنجليزية الأولى هذا الكتاب فـي العام 1947.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني