حيدر المكاشفي

يبدو أن عملية إصدار التوجيهات والقرارات هي إحدى هوايات السيد كامل إدريس رئيس وزراء حكومة الامر الواقع المعيّن بواسطة البرهان.. بعد ادائه القسم وتسنمه منصبه الهلامي رسمياً انخرط ادريس مباشرةً في زيارات مكثفة لعدد من المواقع والمصالح الحكومية الكائنة في بورتسودان وحتى الاسواق والمقاهي غشاها وتجول فيها مثل السياح، ومع أي زيارة لأي مرفق كان سيادته يصدر توجيهاً يخص المرفق، وقد احصيت له خلال يومين فقط من بعد ادائه القسم إصداره لأكثر من ستة قرارات لمواضيع شتى، ثم توالت من بعد ذلك التوجيهات والقرارات عاصفة قرار إثر قرار وتوجيه بعد توجيه، لا يصبح صباح إلا ويطالع الناس له عدة قرارات وتوجيهات في اليوم الواحد، وكأن الرجل في سباق مع الزمن حتى يتمكن من إصدار أكبر قدر من القرارات والتوجيهات في أقل زمن ممكن، وربما يكون هدفه دخول موسوعة جينيس للارقام ولكن من باب الاحداث والوقائع السيئة والمعيبة باعتباره اكثر رئيس وزراء إصداراً للقرارات والتوجيهات غض النظر عن جدواها ونفاذها وناجزيتها، أو لعله يريد ان ينافس حميدتي في هذا المضمار، فحميدتي حين كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة وكان جنرالات كبار في الجيش يؤدون له التحية العسكرية، قال حميدتي مرة متباهياً أنه أصدر(84 ) قراراً ، (قرار في إثر قرار وقرار ينطح قرار) لمعالجة مشاكل الموانئ ومشروعات التنمية بالشرق،  فعلى سبيل المثال خلال الايام الماضية، وبحسب وكالة الانباء الرسمية للحكومة (سونا)، اصدر رئيس الوزراء كامل إدريس درزينة من القرارات، منها قراراً بالربط العاجل لمناطق الإنتاج بالطرق القومية لتيسير حركة التجارة في كل ولايات البلاد.

وقرار آخر يقضي بتخفيض أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية وخفض رسومها الجمركية بهدف تخفيف المعاناة عن كاهل المواطن جراء الظروف التي تمر بها البلاد، وقرار ثالث بمُراجعة نِـسب القَبول في الجَامعاتِ السُّودَانِية ومُراجَعة رُسوم الدِرَاسة الجَامِعِيّة نسبة للظُروفِ الاستِثنَائِية التي تَمُر بها البِلاد، كما اصدر سيادته توجيهات رسمية لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ببدء إجراءات إعادة الجامعات إلى العاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى صيانة وحصر الأضرار التي لحقت بالمؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية، نتيجة الهجمات التي تعرضت لها من قبل قوات الدعم السريع، كما وجّه سعادته المركز القومي للمناهج والبحث التربوي بإدراج دروس ضمن المناهج الدراسية تهدف إلى تعزيز اللحمة الوطنية، ونبذ خطاب الكراهية، وصولاً إلى عملية الاستشفاء الوطني الشامل. كما أصدر توجيهاً إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف لحث خطباء المساجد ورجال الدين على نشر ذات القيم عبر الخطب والمواعظ..وحبل القرارات والتوجيهات مايزال على الجرار، والغريب والعجيب ان كل هذا الكم من التوجيهات والقرارات يصدره رئيس وزراء لم يشكل حكومته بعد والوزارات خالية من وزرائها، وكأنه يتأسى بالمثل المعيب (هو الكلام بفلوس) فتحدثه نفسه الامّارة بالقرار بأن (قرّر قرّر هو القرار بفلوس)، لتصبح عملية اصدار القرار مثل عملية بيع (قرع ودالعبّاس)، فطفق يكاور القرارات مكاورة، على طريقة المثل الشهير (قرع ود العباس عشرة بقرش وميه هوادة)، قرارات تُرمى كما تُرمى أوراق اليانصيب في السوق: (يلا قرّر.. يلا وقّع.. يمكن واحد منهم يصيب).. أو ان الرجل بالاضافة لكتابيه اللذين لوّح بهما معجب بكتاب (الانقاذ) يقتبس منه، فخلال العهد المباد كانت قد راجت ظاهرة اصدار قرارات جزافية واطلاق اقوال مرسلة بصورة مزعجة، لدرجة ان الغراء صحيفة (الرأي العام) خصصت لها باباً يحمل عنوان (أخبار منتهية الصلاحية) أو نحو ذلك، تنشره من حين إلى آخر، ترصد فيه بعض أقوال النافذين التي سبق أن أطلقوها في الهواء الطلق، واعدين ومبشرين، أو متوعدين ومهددين، بأرق العبارات في الحالة الأولى، وبأقساها في الحالة الثانية، ولكن لا تلبث هذه الأقوال إلا قليلاً حتى يبددها الواقع وتهزمها الواقعية التي تفرض مآلاً يفضي إلى معكوس ما عكسته تلك الأقوال الجزافية، إما بإنتهاء الوعود والبشريات الواعدة إلى المحصلة صفر، أو أن تؤول التوعدات والتهديدات الراعدة إلى موادعة ومسالمة، بلسان حال قائل (ما أحلى التصافي من بعد التجافي) كما يغني المغني..

فيا سيدنا رئيس الوزراء قراراتك وتوجيهاتك على العين والراس، لكن بالله عليك، أين الميزانيات التي ستنفذ بها هذه القرارات؟ وأين المؤسسات القادرة على المتابعة؟ هل تحارب الغلاء بقرار شفوي؟ هل تعيد الجامعات للخرطوم بتوجيه يُتلى على المذياع؟ هل تخفض الأسعار بجرة قلم على الورق؟ إذا كان الأمر بهذه البساطة والسهولة لما اتيت انت ولكان غيرك اشطر، بل ما كانت هناك حاجة اصلاً لرئيس وزراء ولا حتى وزراء، المشكلة يا سيدنا فيما بدا واضحاً أنك تعشق (القرار الخُنفشاري)، ذلك القرار الذي بلا معنى ولا روح ولا أثر. تماماً مثل الخنفشار، اتدري ما الخنفشار، وما هى حكايته، الخنفشار يا شيخنا لفظة لم يكن لها اي مدلول ولا معنى في اللغة العربية، الى ان جاء ذاك اليوم الذي أزمع واجمع فيه بعض القوم على كشف إدعاءات احد ادعياء العلم والفتوى وفضح زيفه واكاذيبه وجهالته التي تمادى فيها، فاتفقوا على ان يأتي كل واحد منهم بحرف كما اتفق، وعندما جمعوا الحروف الى بعضها شكلت كلمة (خنفشار)، فذهبوا الى الدعي يسألونه عن الخنفشار، قال بعد ان سمّى الله وحمده، الخنفشار نبات طيب الرائحة ينبت في نواحي اليمن وله خاصية عقد الضرع لدى البهائم فاذا أكلت منه البهيمة إنعقد ضرعها فلم يجر حليبها لأيام، ومن يومها دخلت الكلمة القاموس لتأخذ معنى الشيء الذي لا معنى له..وخلاصة الامر يا سيد كامل ان التوجيه بلا تنفيذ لا يبني دولة.والقرار بلا ميزانية لا يُشبع جائعا.والخطب الرنانة بلا أثر تساوي صفراً على الشمال. ما أسهل أن تصدر قراراً، وما أصعب أن تنفذه.

الناس لا يحتاجون إلى المزيد من التوجيهات ولا إلى مزيد من القرارات التي تملأ الصحف وتهز قاعات المؤتمرات. الناس والبلد بحاجة إلى قرار واحد حقيقي. قرار يمشي على قدمين ويرتدي حذاء العمل لا قبعة الإعلام يوقف الحرب، اما فيما عدا ذلك فلن تعدو اية قرارات تصدر سوى ان تكون للاستهلاك، أو يتم إصدارها للتخدير بقصد أن تبيع الناس الكلام اللذيذ وتحقن أوردتهم بالاماني الخلب تماماً كما تفعل أي مادة مخدرة حين يفوق متعاطيها من أثر المخدر لا يجد أمامه سوى الوهم والسراب، ولا يقبض منها الناس سوى الريح، وتبقى مجرد قرارات لـ (الشو ) والبروز الاعلامي تصلح فقط لوضعها داخل برواز.. فإصدار قرار واحد وليس هذا الكم الذي اصدرته يمر بسلسلة من العمليات والمراحل الضرورية التي لابد منها، أولاها مرحلة تحديد المشكلة والاحاطة بكل أبعادها، تليها مرحلة جمع المعلومات، ثم معرفة الحلول الممكنة والمفاضلة بين ايجابيات وسلبيات كل حل، ثم اختيار الحل الأفضل، وأخيرا إصدار القرار..اما ما اصدرته من قرارات مفارقة بالكلية للمنهج العلمي الذي تدعيه فلا توصيف لها غير انها قرارات خنفشارية حنفشية هوائية..

 

 

الوسومحيدر المكاشفي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: رئیس وزراء

إقرأ أيضاً:

عزل مرسي وتفويض مكافحة الإرهاب| 30 يونيو تعيد هيبة الدولة.. وقرارات فاصلة أوقفت تمدد الجماعة

لم تكن ثورة 30 يونيو مجرد احتجاج شعبي، بل لحظة هامة  في تاريخ الدولة المصرية الحديث، حين خرج ملايين المواطنين رافضين استمرار حكم جماعة الإخوان، بعد عام من التخبط السياسي والانقسام المجتمعي.

ومع إعلان الجيش بقيادة الرئيس السيسي انحيازه لإرادة الشعب، بدأت مرحلة جديدة من القرارات السيادية الحاسمة، التي أعادت للدولة هيبتها، ووضعت نهاية لواحد من أخطر الجماعات الإرهابية.

عزل مرسي

في الثالث من يوليو 2013، أعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة وقتها، عزل محمد مرسي من رئاسة الجمهورية، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية بتولي إدارة شؤون البلاد خلال مرحلة انتقالية.
جاء القرار بعد مهلة 48 ساعة منحتها المؤسسة العسكرية لإيجاد مخرج سياسي يرضي الجماهير، دون استجابة حقيقية من الرئاسة، ما دفع القوات المسلحة لإعلان خارطة طريق.

دستور جديد وانتخابات رئاسية

في إطار استعادة مؤسسات الدولة، أطلقت القيادة المصرية خارطة طريق شملت تعديل دستور 2012 الذي صيغ في عهد الإخوان، تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة.
وبالفعل، تم تكليف المستشار عدلي منصور بتولي رئاسة الجمهورية مؤقتًا، بينما شكلت لجنة الخمسين لإعداد دستور جديد يعبر عن تطلعات الدولة المدنية الحديثة. وفي عام 2014، أقر الدستور الجديد بأغلبية ساحقة، ليشكل أول خطوة في بناء دولة ما بعد الجماعة.

تفويض شعبي لمكافحة الإرهاب
في 26 يوليو 2013، وجه السيسي نداء إلى الشعب المصري طالبًا منحه تفويضًا شعبيًا لمواجهة الإرهاب المحتمل والعنف المسلح.
استجاب الملايين لهذا النداء واحتشدوا في الميادين،
مثّل هذا التفويض غطاءً سياسيًا وأمنيًا لبدء المواجهة الشاملة مع الجماعة الإرهابية خاصة في سيناء، وتفكيك شبكات التمويل والتحريض التي خرجت للعلن عقب سقوط حكم الجماعة.
تصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي

في ديسمبر 2013، أعلنت الحكومة المصرية رسميًا جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًا، القرار لم يكن رمزيًا، بل تضمن تبعات قانونية شملت تجميد أموال الجماعة، وملاحقة أعضائها، واعتبار أي دعم مباشر أو غير مباشر لها جريمة يعاقب عليها.
كان هذا التصنيف بداية مواجهة قانونية مع التنظيم، وقطعًا واضحًا لأي إمكانية للعودة إلى المجال السياسي تحت عباءة الجماعة.

تعديل الدستور.
أبرز التحولات السياسية بعد الثورة تمثلت في تعديل الدستور عامي 2014 و2019، حيث حذفت المواد التي كانت تمنح غطاءً شرعيًا لخطاب الجماعة داخل مؤسسات الدولة.
تم تثبيت مدنية الدولة كمبدأ دستوري، وتحصين دور الجيش في حماية الشرعية الدستورية، وضمان استقلال القضاء.
كما أضيفت مواد تعزز دور المرأة والشباب، وتمنع تسلل أي تيار ديني إلى السلطة.

حل الجمعيات المرتبطة بالإخوان

في ضوء تصنيف الجماعة تنظيمًا إرهابيًا، بدأت الدولة حملة لحل الجمعيات الأهلية التي ثبت ارتباطها بالتنظيم.
شملت الحملة أكثر من 1000 جمعية ومؤسسة، جرى التحفظ على أموالها ومقراتها، وإحالة إدارتها إلى جهات حكومية مختصة.
وكان الهدف منها قطع التمويل المحلي والدولي الذي كانت تتلقاه الجماعة.

تطهير مؤسسات الدولة

بدأت الدولة المصرية بعد الثورة خطوات إدارية وأمنية تهدف إلى تطهير مؤسسات الدولة من عناصر الجماعة ، خاصة في الوزارات والمحليات وقطاع التعليم.
جاءت تلك الإجراءات بعد تقارير رقابية وأمنية أثبتت وجود شبكات تنظيمية داخل مفاصل الدولة، كانت تمكن الجماعة من فرض أجنداتها حتى بعد سقوطها من الحكم.
قانون الكيانات الإرهابية.

في عام 2015، أقر البرلمان قانون الكيانات الإرهابية، الذي منح الدولة أداة قانونية صارمة لمواجهة الإرهاب والتنظيمات غير الشرعية.
عرف القانون الكيان الإرهابي بشكل دقيق، وسمح بإدراج الأفراد والكيانات على قوائم الإرهاب، مع ما يترتب على ذلك من تجميد الأموال والمنع من السفر وتوقيع العقوبات.
إستراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب

لم تكتف الدولة بالمواجهة الأمنية، بل أطلقت استراتيجية شاملة لمكافحة التطرف، شملت:
    •    إنشاء المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف.
    •    تطوير الخطاب الديني بالتعاون مع الأزهر والأوقاف.
    •    دعم التعليم والإعلام لمواجهة الفكر المتشدد.
كما نجحت القوات المسلحة في تطهير مناطق واسعة من شمال سيناء، وتدمير بنية التنظيمات الإرهابية التي استخدمت الفراغ الأمني ما بعد 2011.

إغلاق المنابر الإعلامية للتنظيم

اتخذت الدولة أيضًا قرارات لإغلاق القنوات والمواقع التابعة للجماعة، التي كانت تبث خطابًا تحريضيًا.
شملت الإجراءات مراقبة التمويل الخارجي، وضبط ترددات البث، ومخاطبة المنصات الدولية لمنع بث قنوات التحريض من الخارج.

دولة استعادت هيبتها

بفضل مجموعة من القرارات السيادية المدروسة، استطاعت الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو أن تنهي تمدد جماعة الإخوان، وتعيد بناء المؤسسات على أسس وطنية.
وقد قرر الشعب ان لا يسمح باختطاف الوطن، وأعادت مصر تعريف نفسها كدولة ذات سيادة وهيبة.

طباعة شارك ثورة 30 يونيو تاريخ الدولة المصرية الحديث جماعة الإخوان الرئيس السيسي الجماعات الإرهابية

مقالات مشابهة

  • توجيهات لسائقي مركبات الحمل وتحديد الأوزان المسموح بها في العراق
  • التعليم في ميزان المجتمع
  • برج السرطان.. حظك اليوم الإثنين 30 يونيو 2025: تجنّب القرارات المتسرعة
  • حدث في 8ساعات| تصريحات جديدة لكامل الوزير.. وقرارات عاجلة بشأن ضحايا حادث المنوفية
  • كامل الوزير: مستعد للمحاسبة بعد حادث الإقليمي.. وهذه توجيهات الرئيس
  • عزل مرسي وتفويض مكافحة الإرهاب| 30 يونيو تعيد هيبة الدولة.. وقرارات فاصلة أوقفت تمدد الجماعة
  • 5 قرارات عاجلة من رئيس الوزراء بشأن حـادث شهداء المنوفية
  • زيادة التعويضات.. توجيهات عاجلة من السيسي بشأن حادث طريق أشمون
  • اعترافات من قلب بلدية إسطنبول.. مسؤول يكشف عن شبكة خفية وقرارات في الظل