شاع الظلم فماذا يمكن أن يُصنع بالظالمين يوم القيامة.. علي جمعة يجيب
تاريخ النشر: 27th, December 2023 GMT
شاع الظلم فماذا يمكن أن يصنع بالظالمين يوم القيامة؟ سؤال أجابه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.
شاع الظلم فماذا يمكن أن يُصنع بالظالمين يوم القيامة؟
هناك علاقة بين الظلم والظلام؛ فالظلام يعمى فيه الإنسان ولا يدرك حقيقة ما حوله، والظلم إذا ما ركبه الإنسان أعماه فلا يدرك حقيقة الكون ولا مراد الله منه ،وقد أمرنا ربنا سبحانه وتعالى أن نكون في النور وسمى نفسه نورا ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ ثم بعد ذلك جعل الظلم من الظلمات، وحرم الظلم على نفسه و﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ .
وسيدنا رسول الله ﷺ يقول : « الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » ينهى ﷺ عن الظلم ويحذر بأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب « اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ » ويحذر أن دعوة المظلوم تستجاب ولو من الكافر ، فما بالك لو كان المظلوم مسلما موحدا طائعًا لربه! فما بالك لو كان وليًا من أوليائه أو صفيًا من أصفيائه!
عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ لَمَّا مَرَّ النَّبِىُّ - ﷺ - بِالْحِجْرِ - والحجر نزل به العذاب على قومٍ ظالمين أشركوا بالله سبحانه وتعالى، وكان النبي ﷺ يكره أن يمر في أرض نزل بها عذاب الله ويحذر - قَالَ « لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ ». ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِىَ. ثم قنّع رأسه وأخفاها بالعباءة التي عليه، وكأنه يخاف ﷺ أن ينزل عليهم شئ من السماء، وهو المعصوم، وهو حبيب رب العالمين، وهو سيد الكائنات أجمعين، وهو الذي خلقه الله عنوانًا لتوحيده وختامًا لرسله يُقنع رأسه خوفًا من ربه ويجد في السير حتى يخرج من تلك الأرض التي نزل بها العذاب على قومٍ قد ظلموا أنفسهم ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾.
ولفت إلى أنه في جواب الظلم شاع فماذا يمكن لهذا الظلم أن يصنع بك يوم القيامة؟ يقول رسول الله ﷺ لأصحابه محذرًا ولمن بعده من أمته مبينًا « هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. قَالَ «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى مَنْ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَيَامٍ وَصَلاَةٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِىَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا ؛ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ ». أعرفتم عاقبة الظلم في الآخرة! إفلاسًا وطرحًا في النار.
ماذا يفعل الظالم إذا أراد التوبة؟يقول سيدنا رسول الله ﷺ : « مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ مِنْ أَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ ؛ فَلْيَتَحَلَّلْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ حِينَ لاَ يَكُونُ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَجُعَلَتْ عَلَيْهِ ».
ويُتوج ذلك كله بحديث أوس بن شراحبيل قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : «مَنْ مَشَى مَعَ ظَالِمٍ لِيُعِينَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ظَالِمٌ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلامِ». تنبه أيها المسلم وكن خصيم نفسك فإن العاقل خصيم نفسه قبل الفوت وقبل الموت، وعليك أن ترجع سريعًا إلى نصيحة سيدنا رسول الله ﷺ حتى لا تكون على خطرٍ عظيم وأمرٍ جليل يلخصه حديث أوس «فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلامِ». فإنا لله وإنا إليه راجعون.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الظلم يوم القيامة الدكتور علي جمعة یوم القیامة رسول الله ﷺ علی جمعة
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الاستغفار والصلاة على النبي ولا اله الا الله طريق المسلم للثبات
قال الدكتور علي جمعة ، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ، إن سفيانُ بنُ عبدِ اللهِ جاء إلى النبيِّ ﷺ فقال له: يا رسولَ الله، تشعَّب بنا الإسلامُ، فقل لي في الإسلامِ قولًا لا أسألُ عنه أحدًا بعدك. فقال ﷺ: «قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ».وجاءه شخصٌ آخر فقال: يا رسولَ الله ﷺ، أريد شيئًا لا أسأل أحدًا بعدك عنه، يَجتمع لي به أمرُ الإسلام، فقال ﷺ: «لا يزال لسانُكَ رَطْبًا مِن ذِكْرِ اللهِ».
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إذًا الذي يُساعِد على الالتزام بالدين وأوامرِ الله تعالى هو الذِّكر. يقول الله عز وجل: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}؛ أي: ولذِكرُ الله أكبرُ من كلِّ شيء، ومن ذلك الصلاةُ نفسُها.
عندما يبدأ الإنسانُ بذِكرِ الله كثيرًا، يبدأ بما يُسمِّيه أهلُ الله «الأساس»، وهو أن يقول: «أستغفرُ الله» أو «أستغفرُ الله العظيم» مائةَ مرة، ثم يُصلِّي على النبي ﷺ بأي صيغةٍ مائةَ مرة، ثم يقول «لا إله إلا الله» مائةَ مرة؛ بهذا الترتيب: الاستغفار، ثم الصلاة على النبي ﷺ، وهو الواسطة بين الحقِّ والخلق، صاحبُ الوحيَيْنِ: الكتابِ والسُّنَّة، النبيُّ المرسَل صلى الله عليه وآله وسلم الذي ارتضاه الله لنا، فنُكثِر من الصلاة والسلام عليه؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
ثم بعد ذلك نذكر كلمةَ التوحيد؛ قال النبي ﷺ: «خيرُ ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله».
هذه هي حقيقةُ الكون، وهذه هي مُلخَّصات الإسلام، وهذه هي حقيقةُ الدين، وهذه هي حقيقةُ الإنسان: أنَّه لا إله – خلقه ورزقه وأحياه وأماته – إلا اللهُ سبحانه ربُّ السماواتِ والأرضِ وربُّ العرشِ العظيم.
نقول – صباحًا ومساءً – هذه المئات الثلاثة:
مائةَ مرة «أستغفرُ الله»، ومائةَ مرة «الصلاةُ على النبي ﷺ»، ومائةَ مرة «لا إله إلا الله».
والليلُ يبدأ من الغروب إلى الفجر، والصبحُ أو النهارُ أو «اليومُ» يبدأ من أذانِ الفجر إلى أذانِ المغرب؛ قال تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، فالليلُ يدخل بأذانِ المغرب، وقال تعالى: {حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ}، فهذا هو ابتداءُ النهار.
علينا إذن أن نذكر الله كثيرًا، وأقلُّ ما يُسمَّى «ذكرًا كثيرًا» هو هذه المئاتُ الثلاثة التي تُشِير إليها الآيةُ الكريمةُ في الاستغفار: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ¤ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ¤ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}.
إذًا الإنسانُ في مسيرتِه إلى الله يبدأ خطوةً خطوة؛ فقد قيل: «إنَّ المنبِتَّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى»؛ أي إنَّ مَن أحبَّ أن يُسرِعَ جدًّا بمشقَّةٍ على نفسِه، يُتعِب راحلتَه – الجمل – وفي الوقتِ نفسِه لا يقطع مسافةً تُذكَر؛ فعَلينا بالهُوَيْنَى.
ومَن يشعر بالتقصير، فهذا شعورٌ طيِّب، لكن ينبغي ألا نجعله يُعطِّلنا عن الاستمرار، ولا أن يُحدِث في نفوسِنا شيئًا من الإحباط، بل يكون باعثًا على مزيدٍ من الإقبال على الله بذكرِه وطاعتِه.