“التوحيد وسطح الأشجار” معرض للفنان محمد برطش بمتحف اليوناني الروماني بالاسكندرية
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
تخيل عملاً فنياً يجسد جوهر الطبيعة والروحانية، يجمع بين الرموز المتنوعة للديانات وسطح الأشجار الرائع. الألوان الجريئة والظلال المضيئة تتلاعبان مع الظلمة، ليكشف لنا مقومات الخلق الأولية وقوة الغفران، هذه هي الرسالة الرئيسية التي يرغب محمد برطش في توصيلها من خلال معرضه" التوحيد وسطح الأشجار" في مدينة الإسكندرية في الفترة من 14 الى 31 يناير 2024 في "المتحف اليوناني الروماني".
يعتقد برطش أن الفن مهم جزئياً لأنه مفتوح للتفسير. كل شخص يقف أمام لوحة سيكون لديه استجابة مختلفة لها. قد يكون هناك استجابة واحدة يأمل الفنان بها، لكن في بعض الأحيان يمكن أن يخلق العكس تمامًا في الناس. يخلق هذا التجربة المشتركة، لنا جميعًا قد تنظر إلى نفس الشيء، لكن تأخذ جوانب مختلفة منه وتفسيرات مختلفة. بالنسبة للفنان برطش، الفن هو وسيلة للتعبير عن مشاعر الإنسان، وخلق "شيء" جميل يثري الآخرين. إنها وسيلة لتلاعب الجماهير وتلاعب الضمير الإنساني. يخلق عالم الفن واقعًا آخر ويجعلنا نعيش في عالم موازٍ. تم اختيار إحدى لوحات الفنان برطش مع 100 فنان اخر لتكون جزءًا من النسخة الافتتاحية كتالوج "فنانون من أجل السلام" 2024 دبي.
الفن والقدرة على التعطف
يعتقد برطش أن الفن لديه القدرة على خلق التعاطف، وإنشاء الروابط، وتصوير الروايات المتنوعة، وسد الفجوات، وتشجيع الحوار البناء، وتعزيز التسامح، ويلعب عمومًا دورًا مهمًا في حل النزاعات وتعزيز السلام. وبالمثل، يمكن للفن أن يوفر منفذًا آمنًا وغير عنيف للأفراد للتعبير عن مشاعرهم وإحباطاتهم وتجاربهم. في مصر، عبرت فنون الجرافيت والخط والفن الشعبي خلال ثورة يناير 2011 عن الدعوة إلى الحرية والعدالة. في ألمانيا، بعد سقوط جدار برلين، توافد الفنانون من جميع أنحاء العالم إلى برلين لإنشاء جداريات وكتابات على الجدران على الأجزاء المتبقية من الجدار. كما شاركت الفنانة اليابانية ساداكو ساساكي بعملها الفني البارز "رافعة السلام".. أصبحت هذه التعبيرات الفنية، وغيرها الكثير، رموزًا للأمل والحرية والرغبة في السلام، وحولت ما كان في السابق رمزًا للانقسام إلى لوحة للوحدة والمصالحة.
الفنانون والمجتمع
أراد برطش من خلال معرضه تغيير الفكرة التي تقول إن الفنانين مفصولون عن المجتمع وأنهم يعيشون في عالم مختلف ليس له علاقة بالواقع. بالنسبة لبرطش، الفن هو شكل من أشكال الانخراط مع المجتمع والتعليم، وهو أيضًا شكل من أشكال التعبير من خلال العمل الإنساني: وسيلة لإيجاد السكينة للأطفال الذين يواجهون الكوارث أو العنف. قدم الفنان مثالًا عمليًا؛ عندما تأثر عاطفيًا بالوضع المأساوي الحالي لأطفال غزة، حيث يتعرض الأطفال للخطر من الجوع ونقص المأوى وبالتالي تتعرض صحتهم وتعليمهم للخطر بشكل حرج. اختار برطش الهلال الأحمر المصري للتأكد من أن جمع التبرعات من مبيعات لوحاته يسير في الاتجاه الصحيح، كما فعل عام 2014 في معرضه بباريس لمساندة أطفال سوريا بالتعاون مع اليونيسيف بفرنسا. في جميع معارض وأحداث برطش، هناك قضية أو موضوع يقف وراءها حيث يصر على أن كل ما يقوم به في الحياة هو هواية ولكنه يتعامل معها بجدية وشغف وتفانٍ تام. اقام برطش العديد من المعارض الفردية داخل وخارج مصر ومازال يعتبر يسعى الى ربط أعماله لدعم الأنشطة الثقافة والإنسانية. ينوى برطش إقامة معرض في سويسرا والمانيا عام 2024.
التوفيق بين الأديان
فكرة المعرض هي أن تعكس مفهوم التوفيق بين الأديان من خلال سطح الخشب أو الأشجار واختيار رمزية الاحتكار اللوني في الأديان المختلفة. قبل ان يبدأ برطش العمل في لوحاته قام بقراءة موسوعة عن الديانات كما زار وتجول داخل غابات في دول عديدة لإدراك عظمه التجلي...
تجربة الفنان محمد برطش تشير إلى أن برطش استخدم الألوان بشكل كثيف في أعماله وحاول من خلالها التواصل مع الروح والمعتقدات الروحية المختلفة، وأن الألوان تحمل له رموزًا وفلسفة مختلفة. استطاع الوقوف على مسافة قريبة من أناشيد مالدورور المأساوية ولكنه ابتعد عن الألم الذي يصيب القلب.
قد تعني رمزية اللون الأبيض، إلى الفرح والسعادة والحزن والحداد في نفس الوقت، كما يظهر في القمصان البيضاء الساطعة التي يرتديها الكهنة اليهود مزينة بالحلي السوداء كذلك عند القدماء المصريون. اللون الأحمر يرمز إلى الحياة والاستشهاد، بينما أصبح اللون الأخضر الذي كان محظورًا في المسيحية لونًا مقدسًا في الإسلام. اللون الأصفر، الذي رُفض من قبل الإغريق لارتباطه بالخداع والحسد، يمكن أن يحمل معنى أعمق في سياق الإيمان. وبالطبع، اللون الأزرق، الذي يرمز إلى العذراء مريم في المسيحية، هو رمز قوي للأمل والنقاء.
على هامش المعرض يقام ندوة يناقش فيها فكرة المعرض من الناحية الفنية والأدبية والإنسانية والتاريخية بحضور نخبة من الفنانين والنقاد والادباء ومديري المتاحف بالإسكندرية.
على الجانب المهني، محمد برطش هو استشاري تطوير الأعمال ومعتمد في حوكمة الشركات وخبير في الشراكة الإستراتيجية مع أكثر من 25 عامًا من الخبرة الدولية. تم اختيار برطش كمتحدث ضيف في مؤتمر الغذاء الأفريقي في عام 2014 كما مثل شركة كارفور مصر في اجتماع مؤتمر الشرق الأوسط في دبي. بالإضافة الى اللغة العربية الأم، يعتبر برطش مستخدمًا ممتازًا للغة الإنجليزية والفرنسية والإسبانية كتابةً وتحدثًا في مجال الأعمال والتواصل بين الأشخاص.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: متحف اليوناني الروماني الإسكندرية
إقرأ أيضاً:
في ذكرى ميلاده.. صلاح نظمي «شرير الشاشة» الذي انتصر للحب وتحدى المرض والظلم
تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنان القدير صلاح نظمي، أحد أعمدة السينما المصرية في القرن العشرين، الذي اشتهر بأداء أدوار الشر بحضور طاغٍ وأداء هادئ، جعله مختلفًا عن غيره من نجوم جيله، لم يكن مجرد ممثل يكرر نفسه، بل صاحب مسيرة استثنائية امتدت من الهندسة إلى الفن، ومن وفاء الزوج إلى انتصارات على الشائعات، ليكتب اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ الفن المصري.
النشأة والبداية
وُلد صلاح الدين أحمد درويش الشهير بصلاح نظمي في 24 يونيو عام 1918 بحي محرم بك بمدينة الإسكندرية، لأسرة مثقفة؛ إذ كان والده يعمل رئيسًا لتحرير جريدة "وادي النيل"، إلا أن القدر لم يمهله طويلًا، فرحل عن عالمه ونجله لم يتجاوز الأشهر الستة.
هذا الغياب ترك أثرًا عميقًا في وجدان الطفل، لكنه ورث عن والده مكتبة غنية شكّلت وعيه الثقافي والفكري.
بعد دراسته في مدارس الإرساليات، التحق صلاح نظمي بـكلية الفنون التطبيقية، وعمل لاحقًا كمهندس بهيئة التليفونات، حتى وصل لمنصب مدير عام بها قبل أن يتفرغ نهائيًا للفن ويتقاعد عام 1980.
من الهندسة إلى الفن
رغم نجاحه المهني كمهندس، لم يُطفئ ذلك شغفه بالفن، التحق بـمعهد الفنون المسرحية، وبدأ مسيرته الفنية من على خشبة المسرح، من خلال فرق شهيرة مثل فرقة فاطمة رشدي وفرقة رمسيس، وشارك في مسرحيات بارزة مثل: "مايسة"، "بترفلاي"، و"بمبي كشر".
وكانت الانطلاقة السينمائية الحقيقية له عام 1945 من خلال فيلم "هذا جناه أبي"، ومن هنا بدأ مشوار طويل من التميز في أدوار الشر التي جسّدها بعمق وهدوء بعيدًا عن الصراخ والمبالغة، ليصبح أحد أبرز "شريري" الشاشة المصرية على مدار عقود.
رصيد فني يتجاوز الـ300 عمل
قدّم صلاح نظمي أكثر من 300 عمل فني متنوع بين السينما والمسرح والتلفزيون، من أبرزها: جميلة بوحيرد، الناصر صلاح الدين، أبي فوق الشجرة، بين الأطلال، الرباط المقدس، إسماعيل ياسين للبيع، أنف وثلاث عيون.
كما خاض تجربة الكتابة، حيث كتب قصة فيلم "ساعة الصفر" (1972)، وشارك في كتابة سيناريو وحوار فيلم "المتهم" (1980).
حياته الشخصية
في عام 1950، تزوج صلاح نظمي من سيدة أرمنية الأصل تدعى "رقية"، وقد اعتنقت الإسلام، وأنجبا ابنهما الوحيد حسين. لكن بعد فترة، أصيبت زوجته بمرض نادر ألزمها كرسيًا متحركًا لمدة ثلاثين عامًا، ورغم معاناتها طلبت منه الزواج بأخرى، إلا أنه رفض وكرّس حياته لخدمتها، في قصة وفاء نادرة تُدرّس.
خصومة مع العندليب انتهت بالمحبة
من المواقف الشهيرة في حياة صلاح نظمي، ما حدث بينه وبين عبد الحليم حافظ، عندما وصفه الأخير في أحد البرامج الإذاعية بـ "أثقل ظلًا في السينما".
شعر نظمي بالإهانة ورفع دعوى قضائية ضده، لكن المحكمة برأت عبد الحليم بعد أن أوضح أن حديثه كان عن طبيعة أدوار الشر، وليس عن شخص نظمي.
انتهت الخصومة بصلح، بل وشارك لاحقًا مع العندليب في فيلم "أبي فوق الشجرة".
نهاية حزينة ورحيل هادئ
تُوفيت زوجته بعد معاناة طويلة، ولم يتحمل صلاح نظمي فراقها، إذ تدهورت صحته سريعًا، ليرحل بعدها بعدة أشهر في 16 ديسمبر عام 1991، عن عمر ناهز 73 عامًا، إثر قصور كلوي.
إرث فني وإنساني خالد
يظل صلاح نظمي واحدًا من أبرز الممثلين الذين منحوا لأدوار الشر أبعادًا إنسانية وفنية عميقة، كما ترك خلفه مثالًا نادرًا للوفاء في حياته الشخصية ورغم رحيله، فإن اسمه لا يزال محفورًا في ذاكرة جمهور أحب أداءه، واحترم مسيرته.