خلال الأيام الماضية وبعد فوز رئيس النظام عبدالفتاح السيسي بولاية رئاسية ثالثة، بدت مشاهد أمنية وقضائية مثيرة للجدل يرى فيها مراقبون ومتحدثون لـ"عربي21"، مؤشرا على ما قد يشهده المصريون خلال فترة حكم السيسي الجديدة، من عمليات قمع أمني وسلب للحقوق والحريات وغلق للمجال العام.

وفي أحد هذه المشاهد ألغت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة السبت الماضي، وبتعليمات أمنية، سيمنار علمي لأساتذة القسم كان مخصصا لمناقشة الأحداث والتداعيات السياسية للحرب الإسرائيلية الدموية على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.



وأكمل، السبت الماضي، نجل القيادي بجماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي المعتقل في السجون المصرية منذ العام 2013، أنس البلتاجي، مدة 10 سنوات كاملة في السجن، الذي دخله في سن 19 عاما، ليصبح عمره الآن 29 عاما دون أمل في الإفراج عنه.

والجمعة الماضي، جرى اعتقال قوة تابعة للجيش المصري، للشيخ صابر حماد الصياح، أحد أبرز الرموز القبلية بمحافظة شمال سيناء وقبيلة الرميلات، وإيداعه سجنا حربيا بعد مطالبته بعودة المهجرين قسريا من أبناء سيناء لمناطق سكنهم التي غادروها مجبرين قبل سنوات.



والخميس الماضي، قضت الدائرة الجنائية في محكمة النقض المصرية، بالإعدام شنقا في حكم قضائي بات، على المواطن حسن سيد أحمد حامد عثمان، وتأييد الحكم الصادر بحقّه بالإعدام شنقا مطلع العام الجاري، في استمرار للأحكام التي وصفت بالجائرة وشهدت رفضا حقوقيا.

ومنذ العام 2013 وحتى نهاية عام 2022، جرى تنفيذ 105 حالات إعدام، وبلغ إجمالي أحكام الإعدام واجبة النفاذ 97 حكما، بحسب رصد لمركز "الشهاب لحقوق الإنسان"، فيما تأتي مصر بالمركز الثالث بحسب مؤشّر صدور أحكام الإعدام، وبالمركز الأوّل بحسب مؤشّر تنفيذ تلك الأحكام، وفق منظمة العفو الدولية.

والخميس الماضي أيضا، تم حبس الناشط الطبيب المعارض هاني سليمان، بقرار من قاضي المعارضات بمحكمة جنايات القاهرة، 45 يوما، بسبب تدوينة له عبر "فيسبوك"، انتقد فيها بذخ عائلة السيسي، وفقر ملايين المصريين، وكانت سببا في اعتقاله في 27 آذار/ مارس الماضي.

وجرى الثلاثاء الماضي، إعادة تدوير كابو ألتراس "وايت نايتس"، والمشجع الزملكاوي الشهير سيد مشاغب، في قضية جديدة، بينما كان يُنتظر الإفراج عنه بعد انتهاء حكم حبسه بقضية "الدفاع الجوي"، التي اعتقل على خلفيتها منذ آذار/ مارس 2015.

وقدرت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين في مصر حتى بداية آذار/ مارس 2021 بنحو 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي.

ويرى مراقبون أنه يجري تجميد مخرجات "الحوار الوطني"، الذي انطلق في آيار/ مايو الماضي، بعد عام من إعلان السيسي عنه، وشارك فيه سياسيون ومعارضون من الداخل قدموا خلاله المئات من المقترحات والدعوات لفتح المجال العام والإفراج عن المعتقلين.

ويصر النظام على استمرار اعتقال 119 مصريا من محافظتي القاهرة والإسكندرية تظاهروا استجابة لدعوة السيسي، للمصريين للتظاهر في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، رفضا للعدوان الإسرائيلي، ولسيناريوهات التهجير إلى سيناء.

وهذه المشاهد وغيرها من الأحداث الأمنية والقضائية، تثير تساؤلات حول الصورة الحقوقية التي قد تبدو عليه ولاية السيسي الثالثة، ومصير الملف الذي أرق ملايين المصريين وهو الاعتقال السياسي.

وعبر صفحته بموقع "فيسبوك"، عبر الصحفي المصري والمعتقل السياسي السابق حسن القباني، عن أمنيته في عام جديد يجري فيه الإفراج عن زميله الصحفي المعتقل أحمد سبيع، قائلا: "يا رب عام حلو ومليان سلام وعافية ويكون وش السعد على أحمد سبيع وكل سبيع".

 
وعن الصورة الحقوقية التي قد تبدو عليها ولاية السيسي الثالثة، تحدث سياسيون وخبراء ومراقبون مصريون، مشيرين لتوقعاتهم لما قد يحدث بملف المعتقلين السياسيين، وكيفية تحريكه خاصة في ظل الانشغال الدولي بملف فلسطين، وفي ظل إعادة تدوير السيسي عالميا بعد أزمة الحرب الإسرائيلية في غزة.

"لا بوادر لانفراجة"
بدوره، قال السياسي المصري الدكتور ثروت نافع: "في الحقيقة وبعيدا عن التفاصيل والأشخاص لا توجد بوادر انفراجة سياسية، خاصة بعد تدهور الحالة الاقتصادية بمصر، وبعد أحداث غزة وأزمة سد النهضة".

وأكد نافع في حديثه لـ"عربي21" أنه ليس هناك أي مؤشرات على وجود انفراجة حقيقية، معتقداً أن الدولة المصرية تأمل في إحداث انفراجة اقتصادية بعيداً عن أي توافق سياسي أو توافق مجتمعي.

ولفت إلى أن العام الجديد يدخل على مصر والقبضة الأمنية تزداد والحالة الاقتصادية باتت منهارة.

وفي تقديره للموقف، قال السياسي المصري والبرلماني السابق الدكتور عز الدين الكومي، إن "ملف حقوق الإنسان ملف مهمل على المستويين الداخلي والخارجي"، موضحا أنه "داخليا يتلاعب النظام بالملف، ويصدر للخارج دائما أنه لا يوجد معتقلين سياسين ولكن فقط جنائيين".

عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري سابقا، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أنه "على فرض صحة هذا القول، هل السجين الجنائي ليس له حقوق؟، فكيف والحالة يعلمها الجميع بأن هناك أكثر من 60 ألف معتقل".

وأضاف: "بالنسبة للخارج فقد رأى العالم ما حدث في مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة وما سبقهما وما تلاهما عام 2013، وما حدث للرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، ورأى العالم وخاصة أوروبا ما حدث للباحث الإيطالي جوليو ريجيني من تعذيب وقتل".

وتابع: "لكن الطريف أن من قام بالمجازر في رابعة وأخواتها، ومن أجرم بحق الرئيس المنتخب، ومن ارتكب جريمة ريجيني، أفلت جميعهم من الحساب".

الكومي، يرى أنه ولهذا فإن "ما يحدث من انتهاكات في ملف الحقوق والحريات مستمر، ولن يتوقف في ظل غض الغرب الطرف عن الانتهاكات، ووقوف المنظمات الحقوقية الدولية موقف العاجز أمام سطوة الحكومات الغربية الداعمة للنظام في مصر".

وأشار في ختام حديثه عن حالة العجز التي دامت لأكثر من 10 سنوات عن "وقف المئات من أحكام الإعدام، وآلاف المحاكمات الجائرة التي تفتقد أبسط قواعد العدالة، ناهيك عن العجز التام عن حماية المعتقلين، أو تبيض السجون".

"منطق عصابة لا دولة"
ويعتقد الخبير بالقانون الدولي الدكتور سعيد عفيفي، أن "فوز السيسي، الهزلي بولاية رئاسية ثالثة، وما تلاه من مشاهد أمنية وقضائية مثيرة للجدل من قمع وسلب للحقوق والحريات يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن هذا النظام يتعامل بمنطق العصابات، وليس بأسلوب الدول والنظم السياسية المستقرة".

عضو مجموعة "تكنوقراط مصر"، الناشط المعارض بأمريكا أضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "العصابات دائما ما تتعامل بمنطق الوجود، والقبضة الحديدية، حتى لا يتجرأ أحد لا على المنافسة أو حتى مجرد التشكيك في قوتها".

وأكد أن "هذا ما يقوم به السيسي، وكافة الأجهزة"، مضيفا: "لا أقول الأجهزة الأمنية فقط بل كافة أجهزة الدولة التي تتعامل مع المواطنين وتعمل بمنطق الإخضاع والخنوع حتى في أقل المؤسسات تعاملا مع الجمهور".

وتابع: "تراهم يُمعنون في إذلال المواطن بشكل مهين، حتى لا يتجرأ على التصدي لهذا الجبروت، ناهيك عن التضييق على الشعب في مصدر رزقه، فهذا مقصود حتى يلهث الجميع وراء لقمة العيش ليسد رمقه ولا يجد لديه متسع من الوقت لمجرد التفكير في محاولة تغيير النظام بأي شكل من الأشكال".

ولفت إلى أن "ما يقوم به القضاء من تنفيذ أجندة النظام وإضفاء الشكل القانوني عليها يمكن تلخيصه بالقول إنه لا يوجد في مصر ما يسمى بسلطة قضائية مستقلة أو شبه مستقلة"، مبينا أن "هذه المنظومة يتعين نسفها بداية من القوانين التي تحكم سير العمل حتى القائمين عليها".

قسوة كبيرة
وتابع قائلاً: "في تقديري فإن الصورة الحقوقية في ولاية السيسي الثالثة؛ لن تختلف عن السنوات العشر السابقة، بل أكثر قسوة، كي يفرض واقعا يمكن لبعض تابعية أن يطالبوا بتغيير الدستور ليتولى الحكم مدى الحياة، وهو ما جرى بنهاية حكم الرئيس أنور السادات".

واستبعد أن يتم الإفراج عن أحد من المعتقلين، مشدداً في الوقت ذاته على أن الأمر يحتاج إلى دول تقف بثقلها وراءالتصدي لهذا النظام وبقوة في المحافل الدولية.

ويعتقد أن "ما تقوم به المعارضة في الداخل والخارج يمكن البناء عليه في ظل التدهور الاقتصادي الذي تعاني منه مصر والذي سيؤدي إلى انفجار بالتاكيد"، منوهاً إلى أن نظام السيسي سينتهي بأدوات اقتصادية خلال 2024.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية السيسي المصريون الاقتصاد المعتقلين مصر السيسي اعتقالات الاقتصاد المعتقلين المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السیسی الثالثة حقوق الإنسان الإفراج عن

إقرأ أيضاً:

بين روايته «حانة الست» وفيلم «الست».. الكاتب محمد بركة يصدر بيانا مثير للجدل

لا يزال فيلم «الست» يثير الجدل بين الحين والآخر، فبعد انتقادات حادة طالت الفنانة منى زكي كونها غير مناسبة لتقوم بدور أم كلثوم، قفزت إلى واجهة الفيلم قصة أخرى حول أصل الرواية والقصة التي كُتب بها الفيلم، وثارت تساؤلات بين سطور بيان رسمي أصدره الكاتب الروائي محمد بركة عبر صفحته الرسمية بموقع «فيسبوك»، موجهًا رسالة إلى صناع فيلم «الست».

وكتب محمد بركة عبر صفحته الرسمية بموقع «فيسبوك»: «بين فيلم الست ورواية حانة الست.. حول ما أثاره البعض من أن فيلم الست الذي يتناول قصة حياة أم كلثوم يتقاطع بصورة واضحة - هناك من يراها تدعو للتساؤل وتطرح علامات الاستفهام - مع روايتي حانة الست والتي صدرت عن دار "أقلام عربية" بالقاهرة عام 2021، أود التأكيد على عدد من النقاط المحددة بعد أن شاهدت الفيلم، بشكل موضوعي ومتجرد، والحكم في النهاية متروك للجميع من النقاد والباحثين والقراء والمتفرجين، كما أنه أيضا متروك للتاريخ».

وأضاف محمد بركة: «جزيل الشكر لكل من شعر بالغيرة على الرواية التي بذلتُ فيها جهدا بحثيا مضنيا حتى أقوم بإبراز الوجه الإنساني الآخر المسكوت عنه في حياة السيدة أم كلثوم، على نحو يجمع بين الواقع والخيال، والذي وثقته بأكثر من 20 مرجعا فيما يتعلق بالجانب التاريخي الواقعي في العمل، على نحو يجعل المتلقي يتعاطف مع ثومة ويكتشف جوانب جديدة غير مسبوقة لعبقريتها ويقترب أكثر من الشق الإنساني الشخصي في مسيرتها، من خلال معايشة رحلتها النفسية الداخلية مع الألم والأمل، على نحو لم يتطرق إليه عمل إبداعي من قبل. والفكرة هنا أن تلك المواقف والمعلومات والمشاهد موجودة في بطون المراجع منذ عشرات السنين، لكن لم يتم تجميعها في سياق درامي إنساني نفسي باطني للمرة الأولى، مع مساحة للخيال والاستبطان الداخلي والتحليل النفسي، إلا من خلال رواية حانة الست».

وتابع: «كانت أم كلثوم في الرواية ضحية ظروف مجتمعية قاسية ما يستوجب تعاطفا عميقا معها، ولست مسئولا بأي شكل من الأشكال عن ظهورها بشكل "صادم" في أي عمل آخر، مهما كان نوعه أو توقيته أو مبرراته.. قام جوهر الرواية على تقديم سردية مختلفة لحياة أم كلثوم تستهدف إبراز معاناتها وأزماتها الخفية عبر استعادة العديد من الوقائع والمواقف والمشاهد التي لا يعرفها كثيرون، ولم يكن الهدف أبدا تشويه صورة كوكب الشرق أو كسر الهالة المضيئة. وعلى سبيل المثال لم تتضمن الرواية على الإطلاق أن أم كلثوم مدخنة أو تتحدث بصورة عصبية على الدوام أو تعنَف أفراد فرقتها الموسيقية بقسوة أو تتحدث بطريقة قد يراها البعض غير لائقة».

رواية حانة الست للروائي محمد بركة

وأكمل: «لا أعرف من صناع العمل بشكل شخصي سوى الأستاذ أحمد مراد الذي لا يجمعني به إلا كل خير عبر علاقة ودية قائمة على التقدير والاحترام المتبادلين، ولا أنسى دعوته لي التي تشرفت بها أكثر من مرة لحضور فعاليات واحتفاليات، سواء تلك التي تخص توقيع رواياته أو تلك الغنائية الفنية التي تنظمها منصة I Readالتي يشرف عليها.. فاجأني الأستاذ أحمد باتصال كريم مطول في ساعة مبكرة من صباح أحد الأيام ليشكرني على اهدائي له نسخة من الرواية بمقر عمله ببرنامج "نجوم إف إم" بمدينة الانتاج الإعلامي، وتخلل حديثه إشادة حارة بالرواية، على نحو أخجلني».

وأوضح: «حين انتشرت الأخبار حول وجود مشروع سينمائي يحمل اسم الست ويتناول سيرة أم كلثوم بشكل غير مألوف ويقدم الوجه الآخر لها، هاتفتُ الأستاذ أحمد لاستجلاء الأمر، حرصا على خيط المودة الذي يجمعنا، وسألته مازحا: "يبدو أن الفيلم مأخوذ عن حانة الست؟"، فأسهب في شرح وجهة نظره والتي لم تكن، للحق، مقنعة لي، لكن بطبيعة الأمر لم يكن أمامي سوى أن أشكره على التوضيح والانتظار حتى يخرج العمل للنور».

واستطرد قائلًا: «حين ظهر المقطع الترويجي للفيلم البرومو هاتفني كثيرون، مؤكدين أن الشريط السينمائي يتقاطع مع الرواية بقوة، حتى لا أستخدم التوصيفات الأخرى التي جاءت على لسانهم، لكني آثرت الانتظار ثم المشاهدة الكاملة أولا بالطبع. ورغم أن الأمر صعب نفسيا، لكني دخلت الفيلم بدون أي تحفز أو تحيزات مسبقة وحاولت، قدر المستطاع، أن أتجرد في مشاهدتي».

وأكد الروائي محمد بركة: «بعيدا عن التشابه في الإسم بين العملين، ذكر صناع الفيلم نصا أنه "يقدم الوجه الإنساني غير المألوف لدى الجمهور حول السيدة أم كلثوم" وهو ما يتطابق حرفيا مع توجه الرواية، سواء ما سبق إعلانه على لساني في حوارات إعلامية عديدة، أو الذي تنطق به فصول النص، لاسيما العبارة الواردة على لسان أم كلثوم نفسها بشكل متخيل في صفحة 7: قل يا قومي آن الآوان أن نحبها بطريقة جديدة عبر اكتشاف إنسانيتها».

الروائي محمد بركة

كما أكد: «ذكر صناع الفيلم نصا أنه يخاطب جيل الشباب بهدف تعريفه على أسطورة أم كلثوم وهو ما يتطابق حرفيا مع هدف الرواية والذي ذُكر على لسان أم كلثوم نفسها، بشكل متخيل، في صفحة 8 حين قالت وهى تحرّض مؤلف الرواية على كتابة قصة حياتها بشكل جديد قائلة: "لقد تحولتُ إلى تمثال من شمع يقدسه الجميع، هرم من الكريستال ينتصب شامخا على البعد دون أن يجرؤ أحد على الاقتراب منه واختبار ملمسه. وبعد مرور كل هذه السنوات على رحيلي، جاء جيل مختلف، متمرد، لن يحبني إلا إذا رأى ضعفي وتحسس هشاشتي وعاين على الطبيعة إنسانيتي».

وأشار إلى أن الفيلم يركز على شعور أم كلثوم بالوحدة والفراغ رغم نجاحها الساحق كأشهر مطربة صنعت الفارق في تاريخ الموسيقى العربية، وهو تناولته "حانة الست" بالتفصيل، حيث ورد على سبيل المثال في صفحة 209 قولها نصا: " القمة باردة وموحشة، حكم بات ونافذ بالوحدة مدى الحياة، الناس تصبح رقما مخيفا في معادلة العيش، فهم التفاحة التي أشتهيها والأفعى التي أتجنب لدغتها».

ولفت أن الرواية "القصة المحجوبة" لأم كلثوم قدمت من خلالها هى نفسها، فهى من تسرد الوقائع بضمير المتكلم على لسانها لتكشف نفسيا عن مناطق من القلق والاضطراب والتوتر، وهو ما يتضح على سبيل المثال في صفحة 8 من النص:"سأهبك خلاصة حكاياتي وعطر مواقفي، وقع قطرات الغضب والحرمان، الغيرة والانتقام، مضافا إليها لعبة الست. سأكون المؤلفة الحقيقية ويكفيك شرفا أن تكون يدي التي أكتب بها».

من يشاهد الفيلم يدرك بسهولة منذ الدقائق الأولى أن هذه هى نفس الاستراتيجية السردية التي اعتمد عليها الشريط السينمائي.

كما اعتمد الفيلم أسلوبا سرديا لا يلتزم بترتيب الأحداث كما وقعت في الحقيقة، ويتحرك بحرية نسبية بين الماضي والحاضر، وهو ما سبق أن قدمته الرواية ونصت عليه حرفيا العبارة الافتتاحية المتخيلة لأم كلثوم، صفحة 9، وهى تخاطب المؤلف قائلة: "ستتحرك عبر الزمن صعودا وهبوطا دون أدنى التزام بترتيب الأحداث".

وتطرق الفيلم إلى توتر العلاقة بين أم كلثوم ووالدها الشيخ إبراهيم البلتاجي وكيف أن الأمور بينهما كان ساحة للمد والجزر، لاسيما بعد شهرة وثراء أم كلثوم وكيف أصبحت متمردة على سلطته من وجهة نظره. وأشارت إلى هذه الحقيقة التي تواطأ الجميع على حجبها رغم أن أم كلثوم نفسها سردتها بالتفصيل في حديثها للكاتب محمود عوض في كتابه أم كلثوم التي لا يعرفها أحد.

والأمثلة كثيرة في هذا السياق ومنها قول ثومة، صفحة 18، "أبي يتعامل مع الرقة باعتبارها رجسا من عمل الشيطان، قد تكون موجودة مثل حبة قمح في الطبقات المنسية من حقول الروح لكن إظهارها يعني أن نودّع رجولتنا إلى الأبد.

وتطرق الفيلم أيضا إلى توتر علاقة ثومة مع شقيقها الأصغر خالد، فيما بدا للبعض شيئا غريبا ومفاجئا، في حين أن الرواية تناولت ذلك بالتفصيل في أكثر من موضع مختلف، بل إن "حانة الست" ذهبت إلى مدى أبعد وأوضحت كيف كان يمارس نوعا من "الوصاية الذكورية" عليها. في صفحة 91 تروي أم كلثوم قائلة:" تساءل والدي: مالكم يا عيال، فأجابه خالد بشماتة متنكرا للحظة الدموع والتضامن التي جمعتنا للمرة الأولى والأخيرة منذ قليل: فلوس أم كلثوم سُرقت يا شيخ إبراهيم!.

كما تطرق الفيلم إلى الأثر النفسي لإصابة أم كلثوم بمرض "جريفز" وتدهور الغدة الدرقية الذي أدى إلى جحوظ العينين ومن ثم ارتداء نظارة سوداء، فضلا عن فرط الحركة وهو ما تناولته الرواية بالتفصيل، على سبيل المثال، في تلك الجملة الحزينة التي تنزف ألما ووردت على لسانها في مفتتح الرواية، صفحة 5، : " تدهورت غدتي الدرقية فصار جفني يليق بساحرة تسكن المقابر.

وقدم الفيلم مساحة ملتبسة في علاقة أم كلثوم بالشاعر أحمد رامي والملحن محمد القصبجي، حيث وظفت بذكاء أنثوي مشاعرهما تجاهها كي يمنحانها أفضل الأعمال، دون أن تبادلهما أي عاطفة سوى التشجيع والمديح كي يستمرا في إفراز جواهر القصائد والموسيقى، وهو ما عبرت عنه الرواية بقوة وجلاء، كما في صفحة 131: " في مساء وردي النسمات وتحت قمر يتحرش بأزهار حديقة الأزبكية، وُلدت بداخي أنثى لا تمنح عشاقها شيئا، لكنها تُبقي بداخلهم على خيط الأمل واهنا خافتا، لا يشتد فيحرق ولا ينطفىء فينصرفون.

وتطرقت الرواية لصدام أم كلثوم مع الكاتب المتشدد سيد قطب الذي صنفها بأنها ضمن رموز العهد البائد حين كتب مقالات يحرض فيها قادة ثورة يوليو 1952 على التخلص منها هى وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بحجة أنهما غنيا للملك فاروق الذي أطاحت به الثورة. تقول أم كلثوم في "حانة الست"، 225، : "لاذ رامي بصمت ثقيل يبعث على الكآبة ثم سألني: ماذا سنفعل يا ست الكل؟ لم أعرف إجابة، كل ما أعرفه أن هذا الكاتب يحمل في عمق عينيه حقدا لو وُزّع على البشر لكفاهم"، مضيفًا أن هذا الصدام كان ضمن المشاهد الدرامية الأساسية للفيلم.

وأكد أن الفيلم تطرق إلى التفاوت الطبقي الذي شعرت به أم كلثوم حين حلت ضيفة على قصور وفيلات معارفها وأصدقاءها بعد الشهرة وهو أحد الجوانب النفسية الأساسية التي ركزت عليها الرواية، كما يظهر على سبيل المثال في صفحة 119 حين تقول: " دُعيت إلى أول عشاء في قصر مصطفى عبد الرازق باشا، فغرقت في بحر لا ينتهي من الفضيات والحرير والدانتيل.. وهذا الإحساس العارم بالضآلة!.

كما ألمح الفيلم إلى اضطراب وتناقض وتوجس أم كلثوم إزاء قيام ثورة يوليو في أيامها الأولى، وما هو كشفت عنه الرواية بشكل شديد الوضوح في قول ثومة صفحة 220: "كنت في الإسكندرية حين أيقظتني سيدة لأشاهد رتل الدبابات المتجه لحصار الملك في قصر التين. لم يحدس قلبي خيرا، ليس هناك أسوأ من أن تكون على القمة ثم تتجه الجنازير الثقيلة لتحاصر مقر الحكم.

وأشار إلى أن كل ما سبق مجرد أمثلة سريعة فقط على حجم ومدى "التقاطع" بين الرواية والفيلم، لأن المقام لا يتسع لـ "الحصر الشامل" لذكر جميع النقاط.

وأنهى محمد بركة بيانه قائلًا: أرفض أن يتخذ البعض من بياني هذا منصة للإساءة لصناع الفيلم أو التشهير بهم أو التجريح فيهم أو تصفية أي حسابات قديمة معهم، فقد كان كل هدفي توضيح بعض النقاط الملتبسة ووضع الأمور في نصابها أمام الرأي العام، والحكم متروك في النهاية لمن قرأ الرواية ثم شاهد الفيلم، كما أنه - مرة أخرى - متروك للتاريخ.

فيلم الست

يشار إلى أن فيلم الست يشهد مشاركة عدد من نجوم الفن أبرزهم، منى زكي، محمد فراج، أحمد خالد صالح، تامر نبيل، سيد رجب، بالإضافة إلى مشاركة عدد من الفنانين كضيوف شرف، أبرزهم أحمد حلمي، وعمرو سعد، وكريم عبد العزيز، ونيللي كريم، وأمينة خليل، وهو سيناريو أحمد مراد وإخراج مروان حامد.

اقرأ أيضاًطارق الشناوي: ما تعرّض له فيلم «الست» تطرف في التقييم

رمضان 2026.. أحمد داود يبدأ تصوير «ماما وبابا جيران»

مسلسلات رمضان 2026.. عفاف مصطفى تعلن انضمامها لمسلسل «البخت»

مقالات مشابهة

  • بين روايته «حانة الست» وفيلم «الست».. الكاتب محمد بركة يصدر بيانا مثير للجدل
  • اتحاد التايكواندو ينظم البطولة التنشيطية الثالثة وتصفيات منتخبي الشباب والرجال
  • المشير حفتر ونائبه يباركان انتخابات المجالس البلدية ويشيدان بجهود التأمين
  • نائب القائد العام: نبارك إجراء الانتخابات البلدية ونؤكد دعمنا للاستحقاقات الوطنية التي تدعم مسار بناء الدولة
  • القائد العام يبارك إجراء انتخابات مجالس البلديات للمجموعة الثالثة
  • جوتيريش: الهجمات التي تستهدف قوات حفظ السلام في جنوب كردفان ترقى إلى جرائم حرب
  • يدني سويني تكشف تفاصيل عن موجات الكراهية التي طالتها على السوشيال ميديا
  • فيديو مثير للجدل عن احتفالات أكراد بعد خسارة المنتخب السوري.. ما قصته؟
  • قرار القضاء العراقي بين سندان القانون ومطرقة الفساد
  • معكم حكومة بريطانيا.. المكالمة التي تلقتها الجنائية الدولية بشأن نتنياهو