كتب: أ. أحمد عثمان عمر
□□ إعلان اديس ابابا
□□ (قحت) الموسعة واعادة شرعنة الجنجويد مجددا وتأهيلهم سياسياً
□□ (١)
لقاء قيادة (تقدم) بقيادة الجنجويد وإصدارهما لإعلان اديس ابابا، شكل قمة تراجيديا العبث في مسرح السياسية السودانية، وخطوة متقدمة في اعادة احياء الاتفاق الإطاري، مع استصحاب نتيجة الحرب التي كرست هزيمة الحركة الاسلامية واستبعادها من موقع الصدارة في السلطة، الذي حازته بهيمنتها على لجنة الإنقاذ الامنية وقيادتها لانقلاب القصر المؤسس للوثيقة الدستورية المعيبة، والذي أعطاها صفتها الدستورية.


□ فالاتفاق اعاد تأهيل الجنجويد سياسياً، وحكمهم في وضع أسس الدولة السودانية، ونص صراحة على ان خارطة الطريق تشكل اساساً جيدا لوقف الحرب وتأسيس الدولة السودانية! وهو في بنوده أسس لتكوين جيش قومي ومهني واحد، تبدأ برامج تأسيسه بالتعاطي ايجابياً مع المؤسسات الموجودة حالياً، في شرعنة واضحة للجنجويد لحين الوصول إلى هذا الجيش الواحد، مع التزام بالتعاطي مع المليشيا ايجابياً في خطوات تكوينه، وفي هذا اعتراف صريح بالمليشا وشرعنة لها، والتزام بالتعاطي معها ايجابياً عند تكوين الجيش الواحد، فتأمل!!
□ والأسوأ من ذلك هو اشراك المليشيا في وضع التصور السياسي لتأسيس الدولة السودانية، والتعاطي معها باعتبارها كيانا سياسياً له الحق في المشاركة في تقرير مستقبل البلاد السياسي، والحديث عن كيف يحكم السودان.
□ وفي اطار ذلك، تم الاتفاق مع الجنجويد على ان يكون الحكم مدني وديمقراطي، وهو نوع حكم شرطه الاول عدم وجود هذه المليشيا في المشهد السياسي والأمني، فوق ان هذا الاتفاق هو قفز فوق المرحلة الانتقالية اللازمة لتفكيك التمكين وإلغائها ضربة لازب، لأنها من المستحيل أن تكون مدنية وديمقراطية بطبيعتها ناهيك عن وجود الجيوش والمليشيات وعلى رأسها الجنجويد، التي تجعل هذا الأمر من سابع المستحيلات.
□ فالمشروع المتفق عليه في الإعلان، هو مشروع لتكوين دولة مستدامة لا دولة انتقالية، وحكم مستدام لا حكم انتقالي.
□□ (٢)
والمثير للدهشة هو الاتفاق على تفكيك التمكين فالمؤسسات المدنية والعسكرية، والمليشيا نفسها احد ادوات التمكين الضاربة بحكم وجودها وطبيعتها.
□ والأدهى من ذلك الحديث عن عدالة انتقالية في الإعلان، دون تحديد كيفية جلب المجرمين لهذه العدالة، وقيادة الجنجويد على رأسهم بسلسلة الجرائم التي ارتكبتها قبل الحرب وأثناء الحرب مع الجرائم ضد الإنسانية التي كانت ومازالت ترتكبها، ودون تحديد كيف من الممكن ان تتحقق عدالة انتقالية في ظل سيطرة المجرمين من الطرفين عسكريا وغياب قضاء مهني مستقل ومؤسسات عدلية قادرة على تصريف شئون العدالة.
□ وبالطبع لم يتعرض الإعلان من قريب او بعيد للعملية التشريعية او برلمان انتقالي للشعب للتشريع للدولة ولنظام السلطة الجديدة و لوضع قوانين تسمح بالتفكيك وترسي قواعد العدالة عبر المحاسبة لكافة المجرمين.
□ أما اللجان الوطنية المنصوص عليها في الاعلان، ففي جانبها العدلي وضعها سيكون أسوأ من لجنة فض الاعتصام.
□ والغريب ان الاعلان نص على تهيئة الظروف لعودة المواطنين إلى منازلهم، ولم يتم بموجبه تعهد المليشيا بالخروج من هذه المنازل التي تحتلها وتعويض هؤلاء المواطنين عما نهبه منسوبيها من ممتلكات.
□ وبالرغم من ذلك تم الاتفاق على تكوين ادارات مدنية بتوافق اهل المناطق المتأثرة بالحرب لضمان عودة الحياة لطبيعتها، وهذا ما ظلت المليشيا تفرضه لعدم قدرتها على الاضطلاع بدور الادارة المدنية، وهي تقوم بفرضه دون توافق بكل تأكيد.
□ وقراءة البنود الواردة بالإعلان والمنوه عن بعضها اعلاه، توضح ان الاعلان لم يتجاوز حالة كونه اعادة شرعنة للجنجويد كلاعب سياسي بالرغم من زعم خروجها من الحياة السياسية، مع ضمان استمراريتها كمليشيا لحين تكوين جيش واحد، يتم التعاطي معها عند تكوينه بإيجابية، والاتفاق معها في تكوين ادارات مدنية في المناطق تحت سيطرتها، وعلى اشراك المدنيين في مفاوضات جيبوتي القادمة، وهذا مربط الفرس.
□□ (٣)
□ فاللقاء والإعلان معا، جاءا في اطار إلحاق القوى المدنية – تقدم تحديدا- بمفاوضات اقتسام السلطة بين الجيش المختطف والجنجويد، لخلق شراكة الدم الجديدة، عبر اعادة تشكيل الشراكة بأسس جديدة تستصحب نتائج الحرب وهزيمة الحركة الاسلامية المختطفة للجيش في جميع المعارك.
□ فالإعلان مجرد اجراء تمهيدي له ما بعده، الغرض منه اعادة تأهيل الجنجويد سياسياً مجددا، للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحركة الاسلامية ممثلة في القيادة المختطفة للجيش في جيبوتي، وتقوية موقفها التفاوضي بوجود غطاء مدني لها يشاركها تصور وقف الحرب وتأسيس الدولة السودانية المستقبلية، ويساهم في تثبيت سيطرتها العسكرية بتكوين ادارات مدنية في مناطق سيطرتها. فهو ببساطة إعلان انتصار القوى المؤيدة للاتفاق الإطاري على الحركة الاسلامية في جناحها المدني المعارض له بعد كسر الجناح العسكري الذي وافق عليه، في محاولة لاجبارها للتفاوض من مواقع الهزيمة التي ترفض الاعتراف بها.
□ فالحركة الإسلامية المجرمة رفضت هذا الخيار وهي تتهرب منه، وفشلت في اعادة المليشيا لبيت الطاعة حتى تعود للاطاري ضامنة التفوق واستمرار التمكين، لذلك اختارت خيار التعبئة الواسعة باسم المقاومة الشعبية، في محاولة لتوظيف خوف المواطن ورعبه الطبيعي من الجنجويد لمصلحتها.
□ وماكان للإعلان ان يكون غير ذلك، لأن مقابلة الجنجويد تحت مزاعم وقف الحرب واستغلال رغبة المواطن البسيط في ايقافها بأي ثمن، لابد من ان يقود لاتفاق سياسي باعتبار ان ايقاف الحرب عمل سياسي لا يمكن فصله عن المشروع السياسي الذي يقود إلى وقفها، وبكل تاكيد (قحت) الموسعة كانت تعلم ذلك وتعلم طبيعة المشروع السياسي الذي بصمت عليه في هذا الاعلان، اذ لا يتصور عقلا انها ذهبت إلى هذا اللقاء وهي خالية الذهن.
□□ (٤)
□ لذلك حديث الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي المرحب باللقاء بين “تقدم” والجنجويد مبني على قراءة خاطئة بكل اسف !!! اذ لا يمكن ان ترحب بلقاء من المستحيل ان يقود لما ذكره لاحقا بعد الترحيب!
□ والصحيح هو ان يرفض اي لقاء بين “تقدم ” والجنجويد لأنه لن يؤدي إلا لشرعنة الجنجويد، و لأن الصحيح هو توحيد القوى المدنية لرفض الطرفين المتحاربين.
اي لقاء ثنائي مع الجنجويد ، سوف يجير لمصلحة الجيش المختطف والحركة الاسلامية، ويعتبر تأكيدا على ان القوى المدنية متحالفة مع الجنجويد، ويسهل عمل ودعاية معسكر “بل بس”.
على الاقل الاجتماع من حيث الشكل، كان من الممكن ان يكون مع الجنجويد والجيش المختطف، معا لمناقشة ترتيبات وقف الحرب وفتح الممرات الإنسانية وفقا لاتفاق منبر جدة، على ان يتم بإشراف دولي. وهذا ايضا خطأ استراتيجياً، لأنه التحاق بمنبر جدة من مواقع متخلفة!!!
□ الترحيب في حد ذاته خطأ، لأنه يفترض بأن مخرجات الاجتماع من المحتمل ان تكون جيدة، وهذا افتراض خاطئ حتماً.
□ الاجتماع يأتي في سياق موقف الكفيل المشترك للجهتين، وهو يؤسس لشرعية السلطة القادمة ( الجنجويد بغطاء مدني توفره “تقدم”).
□ لذلك لابد من فضحه مبكرا، باعتباره المنزلق الذي سيقود إلى شراكة دم جديدة، تسمح للجنجويد برسملة الانتصار العسكري وتحويله إلى انتصار سياسي وسلطة سياسية بواجهة مدنية.
□ والمطلوب هو رفض اللقاء والإعلان الصادر عنه، والعمل على تكوين الجبهة المدنية القاعدية الرافضة للحرب، والقادرة على فرض ارادتها بإيقافها، وطرد الطرفين المتحاربين من الخارطة السياسية، ومحاسبتهما على جميع الجرائم.
□ وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!
○ ٣/١/٢٠٢٤

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الدولة السودانیة الحرکة الاسلامیة مع الجنجوید على ان

إقرأ أيضاً:

شرعنة الحوثي من بوابة مسقط .. يقظة بن سلمان تُعري صمت الرئاسي وحكومته

على هامش القمة الخليجية الأمريكية التي عقدت  الأربعاء بالرياض بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، حضر الملف اليمني في لقطة مثيرة للاهتمام بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.

فعقب انتهاء كلمات الحاضرين للقمة، أعاد بن سلمان الكلمة من جديد لأمير الكويت، قائلا بأن "سموه لديه تصحيح بعض العبارات كي لا يساء فهمها"، ليتحدث أمير الكويت ويشير الى خطابه الذي القاه سابقاً وأشار فيه الى الاتفاق الذي أعلنته عُمان الأسبوع الماضي لوقف الهجمات بين أمريكا ومليشيا الحوثي.

حيث استخدم أمير الكويت في حديثه عن الاتفاق ما ورد في نص بيان الخارجية العُمانية بان الاتفاق تم بين الولايات المتحدة و"السلطات المعنية في الجمهورية اليمنية" ، ليعود ويصحح الأمر قائلاً :"في كلمتي التي ألقيتها أمامكم أشرت إلى اتفاق وقف إطلاق النار وأقصد بين الولايات المتحدة والسلطة غير الشرعية في اليمن".

وبعيداً عن الجدل الذي اثاره هذا الموقف خلال الساعات الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي ، الا أنه عكس تنبهاً عالياً لدى صانع القرار السعودي من خطورة الشرعنة السياسية لمليشيا الحوثي من بوابة الاتفاق الذي عملت عليه مسقط واعلنته الأسبوع الماضي بين المليشيا والولايات المتحدة الأمريكية.

وتجسدت الخطورة في استخدام اغلب بيانات الترحيب بالاتفاق التي صدرت من الدول العربية للتوصيف الذي في نص بيان الخارجية العُمانية بان الاتفاق تم بين الولايات المتحدة و"السلطات المعنية في الجمهورية اليمنية" ، وهو أمر تنبه له فقط البيانان الصادران عن السعودية والامارات.

تنبه الأمير محمد بن سلمان لمدلول استخدام هذا التوصيف، لم يكن حاضراً لدى الطرف المعني به والمتمثل بالشرعية اليمنية وتحديداً مجلس القيادة الرئاسي وحكومته، فلم يصدر عنهم أي احتجاج أو انزعاج تجاه الأمر منذ أعلان بيان الخارجية العُمانية الأسبوع الماضي.

الصمت المطبق من جانب الشرعية يعكس مدى غياب الأدراك لخطورة ما يحمله هذا التوصيف من مقدمات لشرعنة للمليشيا الحوثية بشكل يضرب الوضع القانوني والدولي للشرعية في مقتل، ويفتح الباب على مصراعيه لأحلام مليشيا الحوثي بانتزاع الاعتراف السياسي بها.

وهو أمر تراه المليشيا الحوثية ممكناً بعد هذا الاتفاق الذي ترى فيه، بأنه اعتراف عسكري بها كقوة مؤثرة على جغرافيا شمال اليمن وعلى واحد من أهم الممرات المائية بالعالم والمتمثل بالبحر الأحمر وباب المندب.

وربما يُفسر هذا ، حجم الانزعاج الكبير الذي عبرت عنه قيادات بارزة في مليشيا الحوثي على مواقع التواصل الاجتماعي من تدخل الأمير محمد بن سلمان واستخدام تأثيره على أمير الكويت لتعديل العبارة السابقة.

إلا أن الغياب المؤسف الذي يطغى على واقع الشرعية واستمرار التباينات في صفوفها يُبقي الأمل حياً لدى المليشيا الحوثي من تحقيق أحلامها بالاعتراف الإقليمي والدولي بسلطتها لمدها لاحقاً على كامل جغرافيا اليمن.

مقالات مشابهة

  • في عامها الثالث للحرب.. الشبكة الشبابية السودانية تتحرك بحملة «رؤية جيل» من المشاورات إلى الفعل السياسي 
  • رئيس وزراء فلسطين: لا حرج في الإصلاح السياسي للسلطة.. والانتخابات بعد انتهاء الحرب
  • هل هي “حمى الذهب والمعادن الثمينة” التي تحرك النزاع في السودان.. أم محاربة التطرف الإسلامي؟
  • شرعنة الحوثي من بوابة مسقط .. يقظة بن سلمان تُعري صمت الرئاسي وحكومته
  • عُمان التي أسكتت طبول الحرب
  • الجنجويد العاملين فيها محايدين ديل اخطر علينا من الجنجويد الواضحين
  • هذه الحرب مختلفة عن كل الحروبات التي عرفها السودان والسودانيون
  • الحرب التي أجهزت على السلام كله
  • إعلان قائمة النشامى الموسعة لمواجهتي عُمان والعراق بتصفيات كأس العالم
  • شاهد.. الفنانة إنصاف مدني تثير ضحكات الجمهور بعد مطالبتها البرهان بــ(ختان) النساء المتخصصات في الإساءة على السوشيال ميديا وتهاجم المليشيا: (انعل أبو الدعم السريع وأبو حميدتي وأبو الحرب)