رحلة الأموال في دوامة السياسة: شراء السلطة في كربلاء وانهيار الأخلاقيات
تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT
6 يناير، 2024
بغداد/المسلة الحدث: منذ وقت طويل، كانت تلك الأيادي الحاكمة في كربلاء، المتمثلة بالمحافظ نصيف الخطابي، ترتدي قناع الحكم العادل، لكن الحقيقة المرة أنها كانت تختبئ وراء أسوار الصمت والتغافل حين اذ تفاجأ الناس بأن العملية الانتخابية قد تحولت على يد محافظ كربلاء، إلى عرض مالي، و تسويق الحقوق الانتخابية بأثمانٍ لا تُصدق.
وأثار انكشاف محافظ كربلاء نصيف الخطابي عن توزيع الأموال بشكل مشبوه لشراء أصوات الناخبين ضجةً واسعة، حيث كشفت الشهادات الميدانية المتداولة بين السكان، عن منح المشاريع بطريقة استثنائية لواجهات عشائرية وشخصيات نافذة، مع محاولات واضحة لشراء مقاعد في مجلس المحافظة.
هذا الفضيحة تلقي الضوء على أن الحكم العادل والديمقراطية المثلى تمسحان بالإغراء المالي، بعد أن تحولت ممارسات سلطة الخطابي إلى سوق للأصوات والمقاعد.
وتجسدت المصالح الشخصية والعشائرية كأدواتٍ بيد الخطابي، لشراء النفوس وإحكام السيطرة على القرار السياسي، محطمةً الثقة في نزاهة العملية الانتخابية ونزاهة المسؤولين.
إن هذا الانكشاف يجسّد النداء العاجل لضرورة إصلاح الأوضاع في كربلاء ومحاسبة بطانة الخطابي الذين يسيئون استخدام سلطاتهم لأغراض شخصية ومصالح ضيقة، مطالبين بتحقيق العدالة والنزاهة وتوفير بيئة تشريعية وسياسية تحمي حقوق الناخبين وتعزز مشاركتهم الفعّالة في صناعة مستقبلهم السياسي.
المالي السياسي والنفوذ بدى واضحاً منذ عملية اختيار المرشحين في كربلاء، إذ عُرضت مغريات على شخصيات مؤثرة بالمجتمع للترشح مع قائمة الخطابي، وإعطائهم وعوداً بمناصب معينة إن لم يفوزوا بالانتخابات.
ودفع ذلك كيانات وكتل سياسية، إلى رفع مجموعة شكاوى مدعمة بالأدلة والمستندات ضد أربعة من أعضاء كتلة ابداع كربلاء، بما فيهم المحافظ نصيف الخطابي، وذلك بسبب استغلال المنصب والمال العام خلال الحملات الانتخابية.
وبحسب الشكاوى، فقد استخدم المشتكى عليهم، مناصبهم الحكومية والأموال العامة، لتمويل حملاتهم الانتخابية، وتقديم وعود كاذبة للناخبين، وشراء الأصوات، واستغلال موارد الدولة، من أموال وأجهزة أمنية لصالح حملاتهم الانتخابية.
وتمثّل الدعاوى تطوراً مهماً في العملية الانتخابية في العراق، حيث أنها تؤكد على ضرورة محاسبة المتورطين في الفساد الانتخابي.
والمرجح ان هذا الحراك القانوني ضد الفسدة الانتخابيين، سيؤدي إلى تغيير خارطة الكتلة الفائزة في محافظة كربلاء، حيث أن المشتكى عليهم يمثلون نسبة كبيرة من الكتلة.
وفي ما يبدو، أن الساحة السياسية في كربلاء تتعرض لصدمة جديدة، بظهور هذه الشكاوى المدعومة بالأدلة والمستندات ضد جهات سياسية بارزة في كربلاء، تؤكد على ارتكابها خروقات واستغلالًا للمناصب والأموال العامة خلال حملاتها الانتخابية.
وسوف تؤدي هذه الشكاوى إلى تغيير الديناميات داخل الكتل الفائزة.
وفي تحرك لافت للنظر، قام مرشح اتتلاف الاساس العراقي في محافظة كربلاء، محمد الأعرجي، بتنظيم وقفة احتجاجية الى جانب العشرات من المحتجين من اجل التنديد بسرقة أصوات الناخبين خلال العملية الانتخابية.
واكد كربلائيون انهم رصدوا شراء الاصوات بنحو 300 الف دينار لكل صوت، فيما خمن مراقب سياسي المال الذي انفقه نصيف الخطابي محافظ كربلاء بنحو 80 مليار دينار.
وأحال الخطابي اغلب مشاريع الإعمار إلى مقاولين يمثلون وجهات اجتماعية تعهدت للمحافظين بتأمين الاصوات اللازمة.
ووصف محلل سياسي فضل عدم الكشف اسمه ما حدث بانه صفقات فاسدة في ظل دكتاتورية الخطابي الخطيرة حيث يتلاعب بالميزانية ومصير الناس بعيدا عن المراقبة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: العملیة الانتخابیة نصیف الخطابی فی کربلاء
إقرأ أيضاً:
المؤسسات الجيدة لن تصلح السياسة المختلة
اجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا برئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في مسعى منه لإقناعه بخفض أسعار الفائدة. وهذا يذكِّر بالضغوط التي مارسها الرؤساء الأمريكيون على البنك في أعوام السبعينات.
قد يشعر بعض المستثمرين بالقلق من أن المؤسسات الاقتصادية الأمريكية تتعرض للتجريف (يجري إضعافُها). وهو ما يمكن أن يقود إلى تقلٌّب الاقتصاد الكُلِّي، لكن ربما يمكن التلطيف من تلك المخاوف بتمسك البنك الفيدرالي بموقفه تجاه أسعار الفائدة. على أية حال لا يزال هنالك ما يدعو إلى القلق ليس حول تراجع قوة المؤسسات الأمريكية ولكن نوع البيئة السياسية التي تعمل فيها.
لكي نفهم دور المؤسسات في التصوُّرات الاقتصادية الشائعة يجب علينا العودة إلى سنوات التسعينات عندما كان من اليسير تمييز السياسات الاقتصادية للبلدان الصاعدة عن تلك التي تخص البلدان الصناعية.
كانت سياسات البلدان الصاعدة «مسايرة» للدورة الاقتصادية. فهي تنفق دون قيد في أوقات اليُسر مضيفةً بذلك المزيد إلى الدَّين والتضخم. لكنها ترتدُّ إلى الواقع في أوقات العُسر عندما تسوء الأحوال وتفقد قدرتها على الاستدانة. في المقابل تبنَّت البلدان المتقدمة سياسات تثبيت الاقتصاد (من بينها خفض الإنفاق في أوقات اليسر أو الانتعاش الاقتصادي وزيادته في أوقات العسر أو الانكماش. وهذه سياسات معاكسة للدورة الاقتصادية- المترجم). فالولايات المتحدة سجلت فوائض مالية كبيرة أثناء سنوات النمو المرتفع في أواخر التسعينات.
حاجج الاقتصاديون بأن المؤسسات تفسر هذا الاختلاف. فالبنوك المركزية المستقلة في البلدان الصناعية استهدفت التضخم واتبعت برلماناتها القواعد المالية التي حدت من الإفراط في الإنفاق بل طالبت حتى بضبط الموازنة على مدار الدورة الاقتصادية. فالمؤسسات تمثل قيدا صارما يَحِدُّ من اتخاذ قرارات آنية لاعتبارات سياسية وليس من أجل المصلحة العامة.
لكن سرعان ما ظهرت التصدعات في هذا التفسير. فخلال سنوات التسعينات حثت المنظمات متعددة الأطراف كصندوق النقد الدولي البلدان الصاعدة على تبني مثل هذه المؤسسات. لكن حتى عندما استجاب الإصلاحيون للنصح استمرت سياسات هذه البلدان في مسايرة الدورة الاقتصادية وقادها ذلك إلى سلسلة من الأزمات.
لكن بداية من أوائل العشرية الأولى صارت سياسات الاقتصاد الكلي في بعض البلدان الصاعدة أكثر استقرارا مع شروع المؤسسات في اكتساب المزيد من التأثير في تشكيل السياسات. ابتدرت حكومة فيرناندو هنريك كاردوسو استهداف التضخم في البرازيل لكن البنك المركزي اتسم بالصدقية حقا عندما حافظ خَلَفُه اليساري لويز ايناسيو لولا دا سيلفا على استقلال البنك.
لم تتغير المؤسسات لكن الإجماع السياسي خلفها تغير. فالنمو المدفوع جزئيا بالازدهار السِّلعي قدم فوائض في الموازنة لمساعدة من هم أكثر احتياجا. ومكّنت برامج مثل برنامج بولصا فاميليا (بالبرتغالية يعني دعم العائلات) من تقديم تحويلات مباشرة للفقراء فيما يسرت برامج أخرى الحصول على خدمات كالتعليم والرعاية الصحية والإسكان.
تراجعت هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وضعف الحافز لدفع حزب العمال بقيادة لولا دا سيلفا إلى الانغماس في التطرف السياسي مما سمح ببروز إجماع وطني واسع حول سياسات تهدف إلى استقرار الاقتصاد الكلي.
بدأت المؤسسات تؤدي دورها، وفي حين شكلت فترات مطولة من النمو الضعيف ضغطا على الإجماع إلا إنه لا يزال صامدا في العديد من البلدان الصاعدة. وفي الواقع يعود الخطأ في حث المؤسسات بالبلدان الصاعدة (على الإصلاح) في سنوات التسعينات إلى عدم وجود إجماع سياسي وقتها.
بالمقابل يمكن القول إن البلدان المتقدمة اتخذت سياسات أكثر مُسَايرَة للدورة الاقتصادية، فالولايات المتحدة أنفقت أموالا ضخمة فيما كانت تتعافى من الجائحة، وذلك ما أضاف إلى التضخم الذي لا زال بنك الاحتياطي الفيدرالي يحاول السيطرة عليه.
ويهدد مشروع قانون موازنة ترامب «الكبير والجميل» بزيادة العجز المالي غير القابل للاستدامة في الولايات المتحدة. كما تصارع كل من فرنسا واليابان لتقليل معدل الدَّين إلى الناتج المحلي الإجمالي والذي يزيد عن 100%. وهذا مستوى لم يكن ليخطر على البال في سنوات التسعينات.
من المستبعد أن يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي مؤسسة ضعيفة. فقد سارع إلى إعادة تأكيد استقلاله عقب لقاء ترامب - باول.
وفي الواقع بصرف النظر عمّن سيحل محل باول في رئاسة البنك في العام القادم من المستبعد أن يُخضِع البنك سياساتِه النقدية لرغبات الحكومة الأمريكية. الى ذلك ليس من غير المعقول أن تجعل إدارة ترامب البنك كبشَ فداء (بتحميله المسئولية) إذا تدهور الاقتصاد.
على أية حال لقد تغير الإجماع السياسي في الولايات المتحدة. ومن المحتمل أن البنك ليس لديه اليوم المجال السياسي الكافي لمعالجة التضخم بنفس الهمّة التي أبداها في عهد بول فولكر (1979-1987). وعلى نحو مماثل لم تتغير القواعد المالية (ضوابط السياسة المالية) في الولايات المتحدة عموما. لكن تغيرت الرغبة السياسية في احترام روح هذه القواعد. ذلك لأن الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية زادت في البلدان المتقدمة وكذلك اللامساواة. والسبب الواضح لذلك اختفاء الوظائف المجزية لذوي المهارات المتوسطة من أفراد الطبقة الوسطى بسبب التغير التقني والى حد أقل التجارة.
بالعكس من ذلك، استفاد الحاصلون على مؤهلات تعليمية عالية. فقد جلبت العولمة فرصا أكبر لمن يعملون في صناعات ذوي الياقات البيضاء. ويرسل الساسة المتطرفون لمن فاتهم الركب رسالةَ مقنعة مفادها أن السياسات التي تخدم بها النخبة مصالحها الخاصة هي المسئولة عن سوء حالهم.
نتيجة لذلك ضَعُف التوافق السياسي الذي يقف وراء سياسات الاقتصاد الكلي مع تخلي الجمهوريين حتى صقور المالية (المتشددين منهم الذين ينادون بخفض الموازنة) عن معارضتهم للإنفاق.
ضبط الموازنات يتطلب تسويات. لكن عندما تصبح السياسة استقطابية إلى هذا الحد قليلون من هم على استعداد للقيام بذلك. ويصبح الإنفاق المنفلت هو السائد. وفي بعض البلدان الصناعية قد يكون التوقف الفجائي (عن الإقراض) وشيكا. ذلك حين تصبح الأسواق غير راغبة في تمويل حكوماتها.
المؤسسات لا تضمن للبلدان انتقالا إلى أوضاع «اقتصاد كلي» مثالية. وهي لا يمكنها إيجاد إجماع سياسي. فذلك يتطلب من المواطنين الإيمان بعدالة النتائج الاقتصادية (الإنصاف في توزيع ثمرات النمو). وهذا يستوجب إصلاحات هيكلية تعزز فرص أولئك الذين تخلفوا عن الركب. ربما تحتاج البلدان المتقدمة إلى الشروع في التأسِّي بما فعلته البلدان الصاعدة.
راجورام راجان رئيس البنك المركزي الهندي سابقا وأستاذ بجامعة شيكاغو
الترجمة عن «الفاينانشال تايمز»