لجريدة عمان:
2025-05-21@16:40:17 GMT

ما متطلبات الاقتصاد والأمن العالميين؟

تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT

يمر النظام العالمي الآن بتغيرات كُـبرى تتطلب أجندة جديدة لضمان الأمن الاقتصادي. فمن الحروب الساخنة وحركات التمرد المحلية إلى المواجهات بين القوى العظمى، تسبب الصراع الجيوسياسي في تحويل العلاقة المعقدة بين الاقتصاد والأمن إلى مصدر قلق يومي للناس العاديين في كل مكان. وتزداد الأمور تعقيدًا على تعقيد بفعل حقيقة مفادها أن الأسواق الناشئة تكتسب مزيدًا من النفوذ الاقتصادي وتتحدى بشكل مباشر هيمنة القوى التقليدية التي طال أمدها من خلال شبكات وتحالفات استراتيجية جديدة.

كانت هذه التطورات وحدها كفيلة بجعل هذه الفترة مضطربة تتسم بعدم الاستقرار الاقتصادي، والتضخم، وارتباكات سلاسل التوريد. ولكن يتعين علينا أن ننتبه أيضا إلى التقدم التكنولوجي السريع -الذي أدى إلى ظهور مخاطر أمنية جديدة (مثل سباقات التسلح والتهديدات السيبرانية)- فضلاً عن المخاطر الطبيعية مثل الجوائح الـمَـرَضية وتغير المناخ.

لكي نبحر عبر أهوال هذا العالم الجديد الخطير، يتعين علينا أن نضع في الحسبان ثلاثة أبعاد مترابطة: التأثيرات التي تخلفها التطورات الجيوسياسية على الاقتصاد العالمي، وتأثير العلاقات الاقتصادية العالمية على الأمن القومي، والعلاقة بين المنافسة الاقتصادية العالمية والرخاء في عموم الأمر. يلقي كل مسار الضوء على التفاعل المتعدد الأوجه بين الاقتصاد والأمن. ينبغي لنا أن نفهم كل هذه التحديات إذا كان لنا أن ننجح في التصدي للتحديات المتنوعة والمعقدة التي يفرضها نظامنا العالمي المترابط إلى حد كبير. وكما أظهرت السنوات الأخيرة، فقد تؤثر العوامل الجيوسياسية بشكل عميق على الاقتصاد العالمي، فتعيد تشكيل التجارة، وتدفقات الاستثمار، والسياسات في بعض الأحيان، بين عشية وضحاها تقريبا.

فضلا عن خسائرها البشرية المدمرة، فإن حروبًا مثل الحرب الروسية الأوكرانية والحملة التي تشنها إسرائيل في غزة غالبا ما يتردد صداها إلى ما هو أبعد من المسرح المباشر للصراع. على سبيل المثال، تسببت العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا، وارتباك صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء إلى عنان السماء، الأمر الذي أدى إلى انعدام أمن الإمدادات والتضخم على نطاق عالمي. علاوة على ذلك، عملت الصين على تعميق علاقاتها الاقتصادية مع روسيا في أعقاب هجرة الشركات الغربية الجماعية في عامي 2022 و2023.

على نحو مماثل، كان قصف إسرائيل لغزة سببا في زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط بالكامل، وخاصة البلدان المجاورة التي تعتمد على السياحة مثل مِـصر والأردن ولبنان. في الوقت ذاته، دأب الحوثيون اليمنيون، على مهاجمة سفن الشحن في البحر الأحمر، مما دفع شركات الشحن الدولية إلى تعليق أو تعديل طرقها، وبالتالي إعاقة التجارة بشكل مباشر عبر قناة السويس وهي شريان رئيسي للتجارة العالمية.

نحن نشهد الآن الآثار المزعزعة للاستقرار الناجمة عن التهديدات الطبيعية أيضا. فقد دفعت جائحة كوفيد-19 تحولا هائلا بعيدا عن سلاسل التوريد القائمة على «التوقيت المناسب» والفعّـالة من حيث التكلفة وإلى نموذج «في حال إذا طرأت الحاجة» الذي يهدف إلى تعزيز المرونة أثناء الارتباكات. وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، تسببت موجة الجفاف الناجمة عن ظاهرة النينيو في تقليص قدرة قناة بنما وهي شريان رئيسي آخر للتجارة العالمية.

وسواء كان ذلك لأسباب جيوسياسية أو بيئية، فإن تغيير المسار حول هذه الاختناقات الجديدة سيؤدي حتما إلى زيادة تكاليف الشحن، وتأخير التسليم، وتعطيل سلاسل التوريد العالمية، وخلق ضغوط تضخمية.

بالانتقال إلى البعد الثاني -العواقب التي تخلفها العلاقات الاقتصادية العالمية على الأمن القومي- من الواضح أن البلدان ستكون أكثر ميلا إلى تبني سياسات أمنية جريئة أو عدوانية إذا كانت تمتلك بالفعل شبكة من العلاقات الاقتصادية القادرة على اجتذاب الدعم أو إخماد المعارضة.

الصين، على سبيل المثال، تعتمد على حَـمْـل دول غير مستقلة اقتصاديا ضمن مبادرة الحزام والطريق على قبول نفوذها السياسي. كما تعتمد دول عديدة الآن على الصين لتأمين مكونات سلاسل التوريد الحرجة المرتبطة بالدفاع. على نطاق أوسع، تُـسـتَـخـدَم الترابطية العالمية، في هيئة الشبكات الاقتصادية، ومرافق البنية الأساسية كسلاح على نحو متزايد لتحقيق أهداف جيوسياسية. وكما تُـظـهِـر الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، فإن العلاقات الاقتصادية من الممكن أن تخلق تبعيات ترفع تكلفة معارضة السياسات الأمنية الحازمة (أو حتى العدوان الصريح). ويخلف التهديد الضمني بانقطاع الإمدادات تأثيرا قهريا -في بعض الأحيان قد يكون هذا التأثير خفيا خبيثا- على أهداف الأمن الوطني لأي بلد.

ونظرا لتأثيرات الشبكة التي يفرضها نظام الدولار، تحتفظ الولايات المتحدة بقدر من النفوذ يسمح لها بفرض النظام الدولي من خلال فرض عقوبات قسرية ضد الدول التي تنتهك المعايير الدولية. قد تكون التجارة مع العدو مربحة، أو عملية ببساطة، لكنها تغير أيضا ديناميكيات توزيع القوة. وكما تعلمت الحكومات الغربية على مدار العقدين الماضيين، فإن المزايا التي يمنحها التفوق التكنولوجي يمكن التعويض عنها إلى حد كبير من خلال عمليات نقل التكنولوجيا القسرية، وسرقة الملكية الفكرية، والهندسة العكسية.

أما البعد الثالث -العلاقة بين المنافسة الاقتصادية العالمية والرخاء- فقد تَـعَـقَّـد بفِعل هاتين الديناميكيتين؛ لأن السعي وراء الرفاهة المادية الآن لابد وأن يوزن في مقابل اعتبارات أمنية. ولهذا، تتمحور المناقشات في هذا المجال حول مفهوم الأمن الاقتصادي، بمعنى الدخل المستقر والمدد الذي يمكن التعويل عليه من الموارد اللازمة لدعم مستوى بعينه من المعيشة. يعكس كل من شعار دونالد ترامب «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» وخطة الرئيس جو بايدن «إعادة البناء بشكل أفضل» المخاوف من أن تُـلـحِـق العلاقات الاقتصادية مع الصين الضرر برخاء الولايات المتحدة.

يتمثل التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة وحلفاءها في إدارة التوترات بين هذه الأهداف الاقتصادية والأمنية المتباينة. لا يخلو الأمر من صراع محتمل بين التكيف مع التحولات التي تحركها السوق والتغيرات الجيوسياسية في القوة الاقتصادية من ناحية، والحفاظ على القوة الاقتصادية لتمويل قوة عسكرية قادرة على حماية الاقتصاد العالمي من ناحية أخرى.

يتعين على الولايات المتحدة، باعتبارها القوة المهيمنة، أن تظل راغبة وقادرة على الحفاظ على اقتصاد عالمي مفتوح وقائم على القواعد ونظام دولي سلمي. وهذا يتطلب استثمارات إضافية في القدرات العسكرية والتحالفات لمواجهة العدوان الإقليمي وحماية الممرات البحرية، فضلا عن سياسات وأطر بيئية أقوى لتوزيع المكاسب الاقتصادية العالمية وفقا لمبادئ السوق. بمحاولة التخفيف من المخاطر الأمنية من خلال تقليص العولمة (إعادة التصنيع إلى الداخل، والتصنيع في الداخل، والاستعانة بالأصدقاء)، فإننا نخاطر بالإضافة إلى التهديدات الاقتصادية والأمنية التي يفرضها عالم أكثر تشرذما. ورغم أن العلاقات الاقتصادية مع المنافسين من الممكن أن تخلق تبعيات خطيرة، فإنها قد تعمل أيضا كضمانة ضد العداوة.

يجب أن تتعامل الحكومات كافة مع هذه التوترات في حين تعمل على وضع أجندة جديدة للأمن الاقتصادي. الواقع أن العالم يتحول سريعا إلى مكان أكثر عدائية وخطورة. ولتحقيق أعظم قدر من الأمن والرخاء؛ يتعين علينا أن نفهم التفاعل المعقد بين القوى التي تخلقهما.

كارلا نورلوف أستاذة العلوم السياسية بجامعة تورنتو، وزميلة غير مقيمة في المجلس الأطلسي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العلاقات الاقتصادیة الاقتصادیة العالمیة الولایات المتحدة سلاسل التورید من خلال

إقرأ أيضاً:

اتفاق لمأسسة العلاقة بين “الاجتماعي الاقتصادي” و”الاستثمار” النيابية

صراحة نيوز ـ اتفق المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، اليوم الأربعاء، على مأسسة العلاقة بينهما، بهدف تعزيز التعاون في مجالات دعم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وجاء ذلك خلال جلسة حوارية عُقدت في المجلس، بحضور رئيسه الدكتور موسى شتيوي، وأمينه العام محمود الشعلان، ورئيس لجنة الاقتصاد النائب خالد أبو حسان، وعدد من أعضاء اللجنة وأعضاء مكتب المجلس الاقتصادي ولجانه.

وناقشت الجلسة جملة من القضايا الاقتصادية الحيوية، في مقدّمتها، رؤية التحديث الاقتصادي، والدين العام، وعجز الموازنة، إضافة إلى قضايا الاستثمار، وتنمية المحافظات، وتنافسية الصادرات الأردنية في ضوء الرسوم الجمركية، وملف رفع الحماية الجزائية عن الشيكات.

وسلّطت الجلسة الضوء على رؤية التحديث الاقتصادي، وما تتضمّنه من طموحات ومحركات نمو تستهدف تحفيز الاستثمار وإيجاد فرص عمل مستدامة، إضافة إلى التحديات التي تواجه تنفيذها، خاصة فيما يتعلق بالتوازن بين الإصلاحات المالية والاجتماعية، وزيادة فاعلية الجهاز الحكومي في دعم بيئة الأعمال والاستثمار.

وتطرقت الجلسة أيضًا إلى ملف الدين العام وعجز الموازنة، وسبل ترشيد الإنفاق وتحسين كفاءة الإيرادات، وضرورة أن تتوازى السياسات المالية مع أهداف النمو الشامل والمستدام.
وأكد الدكتور شتيوي أهمية مأسسة العلاقة مع لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، بما يعزّز الحوار المؤسسي بين السلطة التشريعية ومؤسسات الدولة في تناول القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الملحة، موضحًا أن المجلس يسعى إلى تقديم توصيات مدروسة تُسهم في بناء سياسات عامة متوازنة.

وأشار إلى أن رؤية التحديث الاقتصادي طموحة، وجاءت لمعالجة العديد من المشاكل والتحديات في الاقتصاد الأردني، خاصة الفقر والبطالة، مبينًا أن المجلس بصدد إنهاء تقرير يركّز على الاقتصاد والظروف المعيشية وسوق العمل، نظرًا للحاجة إلى معالجة تحديات يعاني منها سوق العمل، من حيث الاقتصاد غير المنظم والعمالة الوافدة.
ودعا شتيوي إلى التركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة، والتحوّل إلى الصناعة في جميع المجالات، مؤكدًا أهمية التشبيك مع غرف الصناعة والتجارة ومؤسسات التعليم العالي، لوضع استراتيجية حول التحوّل التكنولوجي في مجال الثورة الصناعية ومكوّناتها.

من جانبه، أعرب النائب أبو حسان عن تقديره للعلاقة القائمة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مؤكدًا حرص اللجنة على الاستماع لجميع الآراء والخبرات الاقتصادية، لمواءمة التشريعات مع التوجهات الوطنية في التحديث والتنمية.
وقال إن لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية باشرت عملها الرقابي حول البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي، موضحًا أن التحدي الأبرز يكمن في البطالة، والتي لا يمكن أن تُحل إلا من خلال معالجة مخرجات التعليم وتعزيز التشاركية مع القطاع الخاص.

وأوضح أن المملكة تمتلك بيئة تشريعية جاذبة للاستثمار، فضلًا عمّا تتمتع به من مقومات سياحية فريدة، داعيًا إلى تفعيل المشاريع الاقتصادية، وتجويد القوانين المتعلقة بجذب الاستثمار وقانون العمل، ومعالجة التقاطعات بين هذه القوانين

وناقش الحضور واقع الاستثمار وتنمية المحافظات، من حيث التحديات أمام جذب الاستثمارات إلى المناطق خارج العاصمة، وآليات تطوير البنية التحتية، والتشريعات اللازمة لتحفيز الاستثمار المحلي والخارجي، وتوزيعه بشكل عادل، إضافة إلى مراعاة الميزة التنافسية للمحافظات، وليس الاقتصار على الحوافز التي يمكن الاستغناء عنها في بعض المناطق.

كما طُرحت قضية رفع الحماية الجزائية عن الشيكات للنقاش، مع التأكيد على الحاجة إلى التوازن بين حماية حقوق الدائنين، وتحفيز الثقة بالبيئة التجارية.
ودعا المشاركون إلى ضرورة وضع حلول جذرية وواقعية لإحلال العمالة الأردنية بدلًا من العمالة الوافدة، وبشكل تدريجي، ودراسة السبل التي تمكّن من تحقيق ذلك.

مقالات مشابهة

  • اتفاق لمأسسة العلاقة بين “الاجتماعي الاقتصادي” و”الاستثمار” النيابية
  • وزير الخارجية: نتطلع لدعم التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري والاستثمار مع النمسا
  • “الأمن العام” و” جامعة اليرموك” يطلقان ملتقى الشباب الأول لتعزيز العمل التطوعي والأمن المجتمعي
  • توقيع اتفاقية بين إقليم كوردستان وإيران لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية
  • وزير الاقتصاد والتخطيط يناقش تعزيز التعاون الاقتصادي مع قطر
  • العامة للاستثمار: الشركات العالمية التي حصلت على الرخصة الذهبية بينتجوا ويصدروا
  • الزراعة: توطين صناعة المبيدات ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية
  • سيدي جلالة الملك: هذا حل تحديات العطش والفقر والبطالة والطاقة والأمن الغذائي في المملكة، ولكي نستمر أيضا
  • بحث تعزيز العلاقات الاقتصادية مع حكومة ويلز بالمملكة المتحدة
  • دبي..المنتدى الاستراتيجي العربي يناقش مستقبل العلاقات الاقتصادية والاستثمارات العالمية