تمثل الأعوام الستة القادمة في مصر تحديا للحكومة للانتقال بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى الأفضل للتخفيف من معاناة أفراد المجتمع.

وفي 5 يناير/كانون الثاني 2024، نشرت وسائل إعلام مصرية وثيقة تحمل اسم "أبرز التوجهات الإستراتيجية للاقتصاد المصري"، وهي نتاج عمل بحثي لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء بمصر.

وتضم الوثيقة 8 محاور تشمل تصورا لتطوير النمو الاقتصادي ودوره في نهضة مصر، والسياسات الاقتصادية وما تهدف إليه من دعم واستقرار للاقتصاد الكلي، ودور القطاعات الاقتصادية في قيادة النهضة، وتحقيق اقتصاد تنافسي قائم على المعرفة، وحياة ترقى لطموحات المصريين.

ولم يغب الاهتمام بمكانة مصر عالميا، فتمت الإشارة إلى أن يكون لمصر دور رائد في الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى الاهتمام بالشباب، وتفعيل قوي لمشاركة العاملين بالخارج في نهضة البلاد.

وارتبطت هذه المحاور الإستراتيجية الثمانية في الوثيقة بالأعوام الستة القادمة (2024-2030)، وهي فترة الرئاسة الجديدة للرئيس عبد الفتاح السيسي، وربطت ما تعاني منه مصر من مشكلات اقتصادية واجتماعية كثيرا بالأسباب الخارجية من أزمات كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وتداعيات طوفان الأقصى.

أهداف معتبرة

يمكن القول إن المحاور الإستراتيجية الثمانية التي تضمنتها الوثيقة أهداف معتبرة بشكل عام، وإن كانت التفاصيل تضم أمورا تتعارض مع نهضة مصر الاقتصادية، وفقا لمراقبين، مثل استمرار الاعتماد على التمويل عبر مصادر خارجية، سواء كانت هذه المصادر مصرية أو أجنبية، كالاعتماد كثيرًا على تكوين صناديق سواء للاستثمار في البورصة أو في الأصول المملوكة للدولة، فضلًا عن توريق حصة من العوائد الدولارية.

نقاط قوة

تمتلك الحكومة كافة مقومات ترجمة هذه الأهداف على أرض الواقع في ظل تفعيل كافة أجهزة الدولة لتحقيق النجاح.

وتنطلق الوثيقة من عمل مركز تابع للحكومة تتوفر لديه كافة البيانات والمعلومات، وكذلك إحاطة إدارة المركز وباحثيه بالإمكانيات الحقيقية للحكومة، ومدى تحقيق هذه الأهداف خلال الفترة الزمنية المحددة بالسنوات الست القادمة.

يضاف إلى ما سبق وضع هذه الوثيقة موضوع المحاسبة للحكومة من قبل الجهات الرقابية والمجتمع المدني، مما يجعل الحكومة في حالة تحد لتحقيق تلك الأهداف المعلنة من قبلها أمام الشعب، بل أمام الجهات الخارجية التي ترتبط مع الحكومة المصرية بالتزامات مالية.

كما حاولت الوثيقة التركيز على الجوانب النوعية في كثير من المحاور، مثل دور الاستثمار والتصدير في تطوير الناتج المحلي الإجمالي، ودور التنمية الخضراء والهيدروجين الأخضر، وتطوير الجامعات، والصناعة، بالإضافة إلى العناية بالجانب التقني والذكاء الاصطناعي.

عوامل ضعف

ويرى مراقبون أن الحديث عن توجهات إستراتيجية لا يأتي من فراغ، بل من خلال معرفة حقيقية بالواقع، لذلك كان من المهم الإشارة، ولو على وجه السرعة، إلى التحديات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري -التي ألجأت البلاد غير مرة للحصول على دعم وقروض خارجية- ومعاناة البلاد التمويلية المستمرة على مدى السنوات 10 الماضية.

ولم تتضمن الوثيقة الإشارة إلى طريقة تحقيق هذه الأهداف، وفي ظل أية سيناريوهات؟ وهل تفترض الوثيقة بقاء الوضع الحالي محليا وإقليميا على ما هو عليه، أم تغاضت عن التطورات السلبية التي تنتظر المنطقة في ظل حرب إسرائيل على غزة، واحتمال توسع دائرة الحرب، التي يمكن أن تطال مصر نفسها، وكذلك وضع النمو الاقتصادي العالمي الهش.

وتضمنت الوثيقة إجراءات تبيّن أن واضعيها لم يأخذوا في الحسبان وجود مؤسسات مماثلة يمكنها القيام بتلك الوظائف.

فمثلًا تقترح الوثيقة "تأسيس وكالة قومية للترويج للاستثمار في مصر"، في حين توجد الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن، والترويج للاستثمار في مصر من مهام هذه الهيئة القائمة.

كما تجاهلت الوثيقة قضية التمويل التي تعاني منها مصر، واعتبرت أن الديون الخارجية هي المصدر الرئيسي للتمويل، لذلك ركزت على مسألة استدامة الدين العام، واستهداف نسبته لتكون في حدود دون نسبة 75% من الناتج المحلي.

وغاب تمامًا الحديث عن خفض قيمة الدين العام ونسبته إلى الناتج المحلي، في حين أن الواقع يعكس وجود أزمة كبيرة لدى الحكومة بشأن تدبير المديونية العامة بسبب غياب نظرة شاملة لإدارة هذا الدين.

مصر تعاني مشكلات اقتصادية واجتماعية عديدة كان آخرها تراجع عائدات قناة السويس (وكالة الأناضول)

ويرى المراقبون أن الوثيقة لم تأخذ في الاعتبار معدلات التضخم في رصدها بعض صور تطوير الخدمات خلال السنوات الست المقبلة، خاصة وأن ثمة خطوة قادمة بشأن خفض قيمة الجنيه.

فمثلًا في التعليم قبل الجامعي، أشارت الوثيقة إلى استهداف إنفاق بحجم 1.8 تريليون جنيه خلال الفترة 2024-2030، مقارنة بـ861 مليار جنيه خلال السنوات الـ9 السابقة (الدولار يساوي 31 جنيها).

وبافتراض أن قيمة الجنيه المصري قد تشهد انخفاضًا بنحو 25% فقط خلال عام 2024، فإننا أمام قيمة حقيقية شديدة التواضع لقيمة الإنفاق على التعليم قبل الجامعي، وهكذا باقي أوجه الإنفاق الأخرى.

وثمة نقطة ضعف أخرى تتمثل في غياب صورة شاملة للمعلومات، فقد استهدفت الوثيقة -على سبيل المثال- أن تصل العوائد الدولارية في 2030 إلى 300 مليار دولار، لكنها لم تبين كم ستبلغ المدفوعات الدولارية في 2030؟ حتى نقف على حقيقة ميزان التعاملات الخارجية، وعما إذا كانت هذه المستهدفات الإستراتيجية في مجملها أدت إلى تحسن موقف مصر مع العالم الخارجي أم لا.

إلى جانب أن بعض البيانات لا تنم عن تطوير شامل. ففيما يخص قطاع النفط والغاز، استهدفت الوثيقة أن تصل صادرات مصر من هذا القطاع 36 مليار دولار في عام 2030 مقارنة بـ18 مليار دولار في 2021-2022، مما يعكس استمرار سياسة تصدير الخام، دون تحويله إلى مشتقات، من أجل زيادة القيمة المضافة والحصيلة الدولارية.

وقد يكون غنيا عن البيان أن حصيلة صادرات النفط والغاز تتضمن حصة الشريك الأجنبي، مما يعني أن الحصيلة المستهدفة ليست خالصة للخزانة المصرية.

واقع مغاير

ركزت الوثيقة في غير موقع على دور أكبر للقطاع الخاص، حتى إنها تستهدف أن يحقق القطاع الخاص نسبة 65% من الاستثمارات المنفذة، في حين يعاني القطاع الخاص غير النفطي في مصر من حالة ركود منذ سنوات.

ومن جهة أخرى، فإن الممارسات العملية تدل على زيادة تمكين شركات الجيش من مفاصل الاقتصاد المصري، سواء من حيث تخصيص الأراضي أو من حيث السيطرة على الأنشطة الاقتصادية.

وحتى الشركات الخاصة بالجيش التي أعلن عن خصخصتها، لم يتم تنفيذها، مما يعني عدم إعطاء الفرصة المناسبة للقطاع الخاص لتحقيق مستهدفات الوثيقة.

أما ما ذكرته الوثيقة من استهداف أن تبلغ إيرادات قناة السويس 26 مليار دولار في عام 2030، فيقابله واقع تعكسه بيانات ميزان المدفوعات لعام 2022-2023، يشير إلى أن إيرادات القناة لم تتجاوز 8.7 مليارات دولار.

وثمة شاهد على عدم دقة تقديرات الحكومة لإيرادات القناة، ففي عام 2014 عند الإعلان عن مشروع التوسعة أُعلن أن القناة ستجني 13 مليار دولار في عام 2023، وهو ما لم يتحقق على أرض الواقع.

علاوة على أن الحرب على قطاع غزة وتبعاتها في البحر الأحمر أثرا على إيرادات القناة سلبيًا خلال شهر يناير/كانون الثاني الحالي بنحو 40%.

وفيما يتعلق بالموازنة العامة للدولة، استهدفت الوثيقة "تطبيق مبدأ وحدة وشمول الموازنة"، وفي الوقت نفسه تستهدف هذه الوثيقة إنشاء عدة صناديق لأغراض مختلفة، فضلًا عما تم خلال السنوات الـ10 الماضية من إنشاء مجموعة من الصناديق الخاصة، أبرزها صندوق "تحيا مصر" وصندوق مصر السيادي، ويبقى السؤال: هل سيتم ضم هذه الصناديق للموازنة العامة خلال الفترة القادمة؟

يذكر أن الحكومة المصرية أصدرت في عام 2016 رؤيتها لعام 2023، وتضمنت من حيث المضمون الكثير مما جاء في وثيقة التوجهات الإستراتيجية للاقتصاد المصري، كما أن الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لكل عام في مصر تتضمن أيضًا محاور مهمة تضمنتها الوثيقة، لكن مع كل هذا لا يشعر المواطن بمردود على حياته اليومية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ملیار دولار فی مصر من فی عام فی مصر

إقرأ أيضاً:

رئيس الرعاية الصحية: الاستراتيجية الجديدة ترتبط بستة أهداف استراتيجية

اختتمت الهيئة العامة للرعاية الصحية فعاليات الملتقى السنوي الدولي السادس لعام 2025، بإطلاق استراتيجية الهيئة  2025–2032، وكذلك إعلان التوصيات الختامية للملتقى.

جاء ذلك خلال الجلسة الختامية للملتقى والتي انطلقت تحت شعار "قيادة التميز: عصر جديد للرعاية الصحية في مصر – المسار الاستراتيجي للمستقبل"، وضمت الجلسة نخبة من الخبراء المصريين والدوليين حيث تطرقت الجلسة الختامية إلى كيفية تعزيز مكتسبات الهيئة ومواجهة التحديات المستقبلية من خلال مجموعة من التدخلات الاستراتيجية التي تعكس رؤية الهيئة في تطوير منظومة التأمين الصحي الشامل.

وشارك بالجلسة كل من الدكتور هاني راشد نائب رئيس الهيئة، والدكتور مجدي بكر مستشار رئيس الهيئة للشؤون الفنية، والدكتور أحمد حماد مستشار رئيس الهيئة للسياسات والنظم الصحية، ومدير عام الإدارة الاستراتيجية، والدكتورة سالي عبدالرؤوف مساعد الرئيس التنفيذي لشؤون جاهزية المنشآت ومدير عام شؤون الأفرع، والدكتور أحمد سليم الخبير في الإدارة الصحية، والسيد آندي وارد مؤسس WHI Consulting، والسيدة كارول كروو المدير التنفيذي لشركة Ascend HC، والدكتور مجدي عيسى خبير النظم الصحية بوكالة Expertise France.

وأعلن الدكتور أحمد السبكي، رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية والمشرف العام على مشروع التأمين الصحي الشامل، إطلاق الاستراتيجية الخمسية للهيئة 2032، والتي ترتكز على ستة أهداف استراتيجية رئيسية موضحًا أهدافها، رؤيتها، وارتباطها بالحوكمة الحديثة والإدارة القائمة على الأدلة والبيانات داخل الهيئة، مع شرح خطوات تطويرها ومراحل إعدادها بمشاركة خبراء دوليين وفرق الهيئة المختلفة.

وأعلن رئيس هيئة الرعاية الصحية أن الاستراتيجية الجديدة للهيئة ترتكز على ستة محاور أساسية تشكّل الإطار العام لتوجهات التطوير خلال المرحلة المقبلة؛ حيث تبدأ بتعزيز مكانة الهيئة كـ الجهة الرائدة في تقديم خدمات الرعاية الصحية لتحقيق التغطية الصحية الشاملة، عبر ضمان أعلى معايير سلامة المرضى والفعالية الإكلينيكية وعدالة الوصول وتجربة مرضى متميزة، ويأتي المحور الثاني لترسيخ الاستدامة والكفاءة المالية والسعي نحو نموذج التمويل الذاتي، كما تضع الاستراتيجية محورًا ثالثًا للريادة في التكنولوجيا والابتكار من خلال تطوير نموذج حديث لتقديم الخدمة يعتمد على الحلول الرقمية المتقدمة، فيما يركّز المحور الرابع على تنمية رأس المال البشري عبر توفير كوادر مؤهلة ومحفَّزة وتعزيز رفاهية العاملين وضمان التطوير المهني المستمر، أما المحور الخامس فيسعى لجعل الهيئة مركزًا إقليميًا للمعرفة الصحية في مجال تحول الأنظمة الصحية والابتكار على مستوى الشرق الأوسط وإفريقيا، ويكتمل البناء بالمحور السادس الذي يعزّز الشراكات مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني من خلال آليات مبتكرة توسّع نطاق الخدمات وترفع مستويات الكفاءة والابتكار داخل النظام الصحي.

لافتًا أن الاستراتيجية الجديدة تشكل خارطة طريق حديثة للحوكمة والإدارة المبنية على البيانات والتحليل داخل الهيئة، بما يعزز الشفافية ويدعم مسارات التطوير المستمر. وأوضح أن الاستراتيجية الجديدة تمثل العائد الأكبر والمخرج الأهم لهذا الملتقى، لما تحمله من رؤية متكاملة للتطوير والتنظيم والتوسع.

وكشف السبكي عن الانتهاء من إعداد 133 مؤشر أداء استراتيجي جديد بالشراكة مع خبراء دوليين وبدعم من الوكالة الفرنسية للتنمية، موضحًا أنه سيتم تطبيق هذه المؤشرات بشكل موحد على جميع الإدارات والفروع والمنشآت التابعة للهيئة لتعزيز الاتساق وتحسين جودة الخدمات ورفع مستوى الشفافية، وأكد أن إطلاق الاستراتيجية جاء بعد سلسلة ورش عمل واجتماعات موسعة شارك فيها قيادات الهيئة وفرق العمل بمختلف الإدارات، إضافة إلى تحديث شامل لأدلة العمل الإجرائية وربط النتائج بمسارات التطوير لضمان التحسين المستمر.

كما أعلن رئيس هيئة الرعاية الصحية التوصيات الختامية للملتقى والتي خلصت إلى تبنّي حزمة مترابطة من الأولويات التي ترتكز على خمسة محاور رئيسية؛ حيث شملت تطوير نموذج التشغيل المؤسسي عبر تحديث منظومة الحوكمة وتوحيد نظم إدارة الأداء وربطها بالتحسين المستمر وتعزيز الإدارة المبنية على البيانات، إلى جانب رفع جودة الخدمات الصحية من خلال دعم الجاهزية التشغيلية للمنشآت وتعزيز كفاءة الرعاية الأساسية والتوسع في البرامج المتخصصة ذات الأولوية.

كما أكدت التوصيات أهمية الدفع بقاطرة التحول الرقمي عبر توسيع نظم المعلومات الصحية ورقمنة الخدمة وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي، بالتوازي مع بناء القدرات من خلال برامج تدريبية متقدمة وتطوير قيادات الصف الثاني واعتماد برامج تدريب دولية.

واختُتم التوصيات بالتأكيد على تعميق الشراكات الدولية وتعزيز الاستدامة المالية من خلال توسيع التعاون الدولي ودعم آليات التمويل المستدام وتكثيف الشراكات في مجالات التطوير المؤسسي والتحول الرقمي.

مقالات مشابهة

  • 6 أبطال و505 هدفاً في 175 مباراة | كأس العرب خلال 62 عاماً.. حقائق وأرقام
  • وزير الدفاع: "إيديكس 2025" يعكس صورة القوة الحديثة لمصر وقدراتها العسكرية المتطورة
  • زيارة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر خلال أيام
  • «هدف»: توظيف 151 ألف مواطن في قطاع الصناعة والتعدين وبدعم تجاوز مليار ريال
  • حزمة إجراءات لتفعيل الإستراتيجية السكانية مصر 2030 فى أسوان
  • وزير الخارجية يعرب عن تقدير مصر للعلاقات التاريخية الوثيقة مع باكستان
  • أمطار رعدية على هذه الولايات اليوم
  • السياحة التي نُريد!
  • الأسهم الأمريكية..مكاسب شهرية محدودة مع ترقب قرار الفائدة
  • رئيس الرعاية الصحية: الاستراتيجية الجديدة ترتبط بستة أهداف استراتيجية