ناصر أبوعون

هلال السيابيّ شاعرٌ عُمانيّ، شامخٌ وطنيّ الكبرياء، لا تلين قناته ولا تنبو عزيمته، ولم تنكسر إرادته على مقاصل المناصب، ولم يجرفه الغاوون إلى بحيرة حداثيتهم الآسنة، يتدثر في بُردة شعره، بنفسّ أبيّة مقدودةٍ من صخور الأفيولايت الصلدة في جباه جبال الحجر المتعالية، ويلتحف بعقلٍ خصيبٍ ألانت عريكةَ حكمته أفلاجُ "سمائل" الفيّاضة بالنماء، ويتمصّر بعمامة الفطنة المنسوجة من خيوط السائرين إلى الله من أهل عُمان انبثقت مع أول ضوء للتوحيد شقّ ظلمة الجهالة ليبزغ فجر الإسلام، القابضين على جمرة الإصلاح والصلاح وصولا إلى الصراط المستقيم.

وما زالت عُمان "قيادةً وشعبًا" أبيّةً عصيّة على المُساومة والانقياد والدخول- طوعًا أو كرهًا- في قطيع السائرين نيامًا إلى حتفهم في بحر التطبيع والتبعية، وما أشبه الليلة بالبارحة وفي الحلق غُصّة، منذ غروب شمس الحضارة الإسلامية من حواضر الأندلس وموجات الظلام تترى لتضرب أستارها على ساحات الأقصى مسرى نبيّنا وقبلتنا الأولى منذ أنْ نعقت "بومة كامب ديفيد" على أسوار قلعة صلاح الدين، ومآذن الفسطاط، ومن بعدِ أنّ حطّ "غرابُ أوسلو وأخواتها" على أسوار القدس العتيقة، ولاحقًا ارتفعت أصوات الغوغاء عرَّابي "صفقة القرن" من أبناء عصر الأنوار الكاذب؛ جاهدين في تمرير مخطط شطب القضية الفلسطينية من ذاكرة التاريخ، واستمراء المذلة تحت أحذية شُذّاذ الآفاق.


 

ومن هنا جاء صوت الشاعر هلال السيابيّ معبّرا عن أصالة "الموقف العُمانيّ" سلطانا وحكومةً وشعبًا في مساندة الحق العربيّ ورفضها المشاركة في تحالف "حارس الرخاء" العسكريّ ضد الحوثيين، ومشيدًا بقرار إغلاق الأجواء العُمانية أمام حركة الطيران الحربيّ الذي يستهدف الأراضي اليمنيّة؛ مُفاخرًا بدور حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظّم هيثم بن طارق المفدّى، مخاطِبًا جلالته بقصيدته (ليفخر السيف): [(يا قائدَ الوطنِ الغالي وعاهِلَه/ يَهني مَقامكَ هذا المجدُ والشَمَمُ) (قد صُغتَه لكتابِ الدٌهرِ نيرةً/ فصولُه، ينجلي من آيهِ العِظَم) (حرَّمتَ أجواءَنا عن أن يمرَّ بها/ غازٍ تجيش به الأهواءُ والنُّقَمُ) (خفّوا لنصرة صهيون، فكيف لنا/ أن نفسح الدرب للغازي، وننتظمُ) (بل كيفَ نسمحُ أن يأتونها عَلنًا/ من فَوقِنا ورياحُ الغدرِ تَحتِدمُ) (أم كيفَ نَرضى بأنْ تُبتزَّ نَخوتُنا/ والظلمُ في غَزةٍ من هوله ظلمُ)].

وفي هذه القصيدة الخريدة يتبدَّى الفخر على قسمين اثنين؛ الأول يفاخر عبره بالذات العُمانية، وفي القلب منها الأسرة السعيدية تحت إمرة السلطان عاهل البلاد- أبقاه الله- مُرتكزًا على تتابع وكثرة ضمائر الخطاب المضمّخة بعاطفة متدفقة مسيّجة بعقيدة دينية راسخة مباركة؛ شهد بها ولها القاصي والداني من المنتسبين لأمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها[(ياعَاهلَ الوَطنِ الغالي وقائدَه/ بخٍ لمجدِكَ هذا الموقفُ الأَمَمُ) (وقفتَ وقفتَك الشَماءَ فانتَبهت/ من آلكِ الشمُّ أو من قَبلِهم قِمَمُ) (للِه من موقفٍ طَالَت أعَنَّتُنا/ به، وبارَكهَ في مكةَ الحَرَمُ) (وِفٌّقتَ فيه، وإن سِيء العدُوُّ به/ وزلزلتَ منه فوقَ الظّالِمِ الأطُمُ) (ورِثتَه كابرًا عن كابرٍ، وسَمت/ بهِ البلادُ، وحَيّت رُوحَه العُزُمُ)].

أمّا النوع الثاني من الفخر فقد كان بقومه مرتكزا على ضمير المتكلم بصيغة الجمع (نحن)، ومؤكدا على الموقف الشعبيّ الجماهيريّ الواقف خلف قيادته قلبا وقالبا لايحيد عن بوصلتها قيد أنملة شريكا لها في القبض على ثوابت السياسة الخارجية العمانية، وملتزما بفلسفة "الحياد الإيجابيّ" المناصر لحقوق الشعوب وقابضا على جمرة العدالة والمساواة بين أبناء آدم وإنْ تباينت أعراقهم، وتشعبت مللهم ونحلهم، وتنوعت ثقافاتهم؛ فالجميع – في منطق السياسة العمانية - تحت مظلة المؤتلف الإنسانيّ سواء ولامحاباة لأحد تحت سيف الحق العادل.[(يا هيثم المجد يا ابن الأكرمين عُلًا/-حماك ربك- شأن غممُ!) (فلا نحابيهم في أي معترك/ وإنما بجلال الله نعتصمُ!) (وهاكها حرة مني مجلجلة/ ما شابها ملق بل شدها الألمُ!)].

وفي هذه القصيدة التي انبثقت من الوجدان الوطنيّ للشاعر بدءًا من عتبة العنوان ومرورا بالمطلع وصولا إلى منتهى قفلها يتبدى غرض الفخر جليًا، وهو غرض أصيل في الثقافة العربية؛ يستقطر السامع منها سمو الهِمّة، ويصعد فوق درجات أبياتها إلى قلاع الشموخ والأنفة، ويرفع من فوق قمتها أذان العزّة، ويستطلع في سماء صورها الشعرية أهلّة المعالي، ويستضيء من ذبالتها أقمار الأماني، ويقطف من سدرتها ثمار المجد والشرف. وفيها يعلن الشاعر هلا السيابي عن مذهبه الفني الذي يرتكز على مجموعة من المباديء يتقدمها الانطلاق من ثقافة عصرية وواقعية، ويتفاعل من خىلها مع قضايا أمته، وثانيها الارتكاز على خلفية سياسية نابعة من قلب تيار عروبيّ وقوميّ مازال فاعلا وجماهيريا لا تهدأ ثائرته من جبال الأطلس المغاربية إلى جبال الحجر الشرقي العمانية، وثالثها بنية لغوية رصينة، وجزالة لفظية إحيائية تصهر الفخر والحماسة في بوتقة عربية واحدة، مع الاحتفاء بالتصوير الفنيّ والابتكار في البنية الأسلوبية، والتقصّد في استنطاق المعجم اللغوي القديم وتوظيفه في التعبير عن القضايا المعاصرة، وهي شعرية تناقض المذهب التغريبي والتيار الرمزي الذي أوغل في الغموض على أيدي ثلة من الحداثويين أدخلوا الشعر العربيّ إلى نفق مجهول.

والشاعر هلال السيابيّ في هذه القصيدة ينافح عن (غرض الفخر) الذي اتخذ منه بعض أنصار قصيدة النثر بتراثها الأوربيّ المؤمن بمركزية الحضارة الغربية تكئةً ومُبررا يفتقد إلى الصوابيّة والمنطق، بل يتخذ من الإلغاء والإقصاء وسيلة لنفي ديوان العرب القديم كاملا وبدون استثناء وإدخاله متحف اللغات- وإن عجزوا عن الإتيان بمثله صورةً وبلاغةً وإيقاعَا وموسيقى.[(فلم يكن ذاك من خلقي ولا شيمي/ لو خاصمتني في عليائها القِمَمُ) (فليس من خلقي مدح العِظام وإن/ علا بشأنهم الإجلال والعظمُ) (وإنما جئت هذا اليوم مفتخرًا/ بما به يفخر التاريخ والقِيَمُ) (بالأمسِ كنتُ حزينًا من مُرورِهمُ/ بأفقنا، وأتيتُ اليومَ أبتِسِمُ)].

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بولتون يكشف "السبب الحقيقي" الذي ضرب ترامب إيران لأجله

وجّه جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، انتقادات لاذعة للرئيس دونالد ترامب بشأن استراتيجيته تجاه إيران، مشككا في إمكانية تحقيق أي سلام حقيقي مع طهران، وذلك خلال ظهوره في بودكاست تابع لصحيفة فايننشال تايمز.

أيد بولتون الضربات الجوية الأميركية التي استهدفت 3 مواقع نووية إيرانية الأسبوع الماضي، لكنه ألمح إلى أن لدوافع ترامب بُعدا شخصيًا أكثر من كونه استراتيجيا.

وقال بولتون: "أعتقد أنه يسعى للفوز بجائزة نوبل للسلام. لقد اعتقد أنه سينالها من خلال الحرب الروسية الأوكرانية، لكن ذلك لم يحدث... والآن يبدو أنه يرى فرصة أخرى هنا".

تأتي هذه التصريحات في وقت تتحرك فيه عدة شخصيات جمهورية لترشيح ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام.

وكان ترامب قد أعرب علنًا عن امتعاضه من تجاهله في الجوائز الدولية رغم ما وصفه بجهوده في إحلال السلام في أوكرانيا ورواندا ومناطق أخرى.

وبلهجة لا تخلو من السخرية، انتقد بولتون ما وصفه بـ"عبثية" أي خطة أميركية للسماح لإيران بالوصول إلى تمويل بقيمة 30 مليار دولار لدعم برنامج نووي مدني، كما ورد في تقارير إعلامية أميركية، بينها تقرير لقناة "سي إن إن" ورغم نفي ترامب لهذه التقارير، قال بولتون: "هذا جنون... لا أرى أن مثل هذه الخطط ستُفضي إلى شيء، لأن التأكد من أن إيران لا تسعى لتطوير سلاح نووي يتطلب رقابة صارمة، وهو ما لن تقبله القيادة الإيرانية أبدًا".

في الوقت الذي برّر فيه ترامب الضربات الأخيرة بأنها "خطوة تكتيكية محدودة" لشلّ البنية التحتية النووية الإيرانية وفتح نافذة للتفاوض، عاد لاحقًا ليُهدد بإمكانية تنفيذ ضربات جديدة إذا تصاعدت المخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني.

لكن بولتون، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه إيران ومعارضته التاريخية للاتفاق النووي في عهد أوباما، شكك بقدرة ترامب على التعامل مع النظام الإيراني، قائلًا: "عندما تتعامل مع هذه الأيديولوجية، فالأمر لا يشبه صفقة عقارات في مانهاتن".

وفي لهجة أكثر حدة، وصف النظام الإيراني بأنه "مجموعة من المتطرفين الدينيين من العصور الوسطى"، مؤكدًا أن أي مفاوضات نووية مستقبلية ستكون "عديمة الجدوى".

مقالات مشابهة

  • في مثل هذا اليوم.. دي خيا يوقّع لمانشستر يونايتد ويبدأ حقبة من المجد
  • بولتون يكشف "السبب الحقيقي" الذي ضرب ترامب إيران لأجله
  • عمتي “أم غالب الغرير” مدرسة في الإستقلال الإقتصادي
  • (فؤادنا) الذي رحل
  • ما الذي دفع إسرائيل لوقف الحرب دون حسم؟
  • غرم العمري: الحديث الذي أراه عن فهد المفرج وفهد بن نافل لا يصح
  • هشام هلال: مصر تقود برلمان المتوسط بصوت مسؤول قادر على صنع الفارق
  • بعد الاعتداء الذي تعرّضت له النبطية... تعليق من هاشم
  • الشيخ كمال الخطيب .. لا تحزنوا، إن الله معنا فالإسلام قادم والمسلمون قادمون وقريبًا سيبدو القمر
  • خادم الحرمين الشريفين يبعث رسالة خطية إلى السلطان هيثم بن طارق