الإشعاعات النووية: وميض أمل أم ظلال خطر؟! (2)
تاريخ النشر: 29th, June 2025 GMT
التخصيب العالي لليورانيوم: ما وراء الأرقام؟
أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
تحدثنا في مقالنا السابق عن خطر الإشعاعات النووية المختلفة وكيف يمكنها تدمير الخلايا البشرية، وهنا قد يطرح البعض سؤلًا مُهمًا مفاده: إذا كانت هناك مخاطر بالغة الخطورة تنتج من هذه الإشعاعات النووية، فلماذا السعي نحو تطوير تقنيات قائمة عليها؟ وما هي الفوائد المرجوة؟ وهل هذه الفوائد تعادل المخاطر أو تفوقها قيمة؟
يكمُن السبب الرئيسي في محاول امتلاك هذه التقنيات في بحث العالم عن الطاقة؛ إذ اتِّضح لنا أن أي تقدم مهما كان نوعه يحتاج إلى مصدر للطاقة، وكلما كان المصدر المستخدم غنيًا بالطاقة كانت فائدته أكبر وأكثر نفعًا، وهذا ما تتميز به الطاقة النووية؛ فالطاقة الناتجة من جرام واحد من اليورانيوم تفوق بـ4500 مرة الطاقة الناتجة من استخدام 1 جرام من النفط! هذا إذا كان اليورانيوم المستخدم منخفض التخصيب (3 إلى 5%)، أما إذا كان عالي التخصيب كأن يكون 60%، فإن الطاقة الناتجة من 1 جرام من اليورانيوم حينها ستفوق ملايين المرات الطاقة الناتجة من 1 جرام من النفط! وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل الدول تسعى للحصول على هذه التقنية المُهمة.
والمقصود من عملية التخصيب هو تحويل نظير اليورانيوم 238 إلى 235، وهناك نظيران لليورانيوم في الطبيعة، الأول يورانيوم 238 ويُشكِّل ما نسبته 99.3%، بينما الثاني يُشكِّل ما نسبته 0.07% ويُعرف باليورانيوم 235، وهو الذي يتم استخدامه في المفاعلات النووية، ولأن نسبته بسيطة فلا بُد من تحويل جزء من اليورانيوم 238 إلى 235، وعندما نقول إنَّ نسبة التخصيب وصلت إلى 5% فإنَّ ذلك يعني أننا حصلنا على 5% من اليورانيوم 235.
وللحد من خطورة هذه الإشعاعات، فإنَّ أغلب الاستخدامات السلمية التي يتم فيها استخدام الطاقة النووية، لا تتجاوز نسبة التخصيب فيها 5%، وهذا هو الحال مثلًا مع محطة بوشهر الإيرانية، ووظيفتها الأساسية إنتاج الكهرباء لمختلف الأغراض السلمية.
لكن هناك منشآت نووية أخرى لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثل فوردو ونطنز، تقوم بتخصيب اليورانيوم إلى نسب مرتفعة تصل إلى 60% من تخصيب اليورانيوم، علمًا بأنَّ نسبة التخصيب المستخدمة في السلاح النووي تصل إلى حوالي 90%، فهل يعني تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% أن إيران قادرة على صنع أسلحة نووية؟
والجواب من الناحية التقنية: نعم، بإمكانها القيام بذلك؛ إذ تشير بعض الدراسات إلى أنَّ 20% من التخصيب يكفي لذلك، لكن المستوى المثالي لإنتاج أسلحة نووية متطورة وفعّالة يكون عادة عندما تصل نسبة التخصيب إلى حوالي 90%؛ لأنَّ هذا المستوى من التخصيب يسمح بتصغير حجم السلاح وتقليل وزنه مع تحقيق قوة تدميرية كبيرة، لذا فإنَّ السلاح النووي من اليورانيوم المُخصَّب بنسبة 60% سيكون أكبر حجمًا وأكثر وزنًا وأقل كفاءة من سلاح مصنوع من يورانيوم مُخصَّب بنسبة 90%.
فهل يمكن لإيران أن تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 90%، أم أنها لا تمتلك التقنيات للوصول إلى ذلك، والجواب إن التقنية اللازمة لتخصيب اليورانيوم إلى 90% لا تختلف عن تلك المستخدمة للوصول إلى 60%، والسبب هو أنَّ عملية التخصيب تتم على مراحل متتابعة باستخدام أجهزة الطرد المركزي، فيمكن استخدام نفس تقنية الطرد المركزي وتكرار العملية للوصول إلى 90% بسهولة نسبيًا.
وتدَّعي الولايات المتحدة والدول الغربية أنهم يخشون ذلك؛ اذ يشير عدد من التقارير إلى أن إيران هي الدولة الوحيدة في العالم والتي لا تمتلك سلاحًا نوويًا ومع ذلك فإنها تمتلك القدرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%؛ حيث إن جميع الدول التي تستخدم الطاقة النووية للتطبيقات السلمية تقوم بإنتاج يورانيوم مُخصَّب بنسبة لا تزيد عن 5%، بينما تُصِر إيران على أن إنتاجها لهذا المستوى المرتفع من التخصيب، إنما هو لأغراض سلمية بحتة.
فهل تسعى إيران لامتلاك سلاح نووي؟ وإذا لم تكن تسعى لذلك، فلماذا تقوم بتخصيب اليورانيوم لهذا المستوى العالي من التخصيب الذي يفوق الاستخدامات السلمية بحوالي 12 ضعفًا؟!
وللحديث بقية...
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لماذا يتحدث بوتين عن معاهدة جديدة للأسلحة النووية مع واشنطن؟
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عشية قمة مع نظيره الأميركي دونالد ترامب إن بلديهما ربما يبرمان اتفاقا جديدا بشأن الأسلحة النووية في إطار جهود أوسع نطاقا لتعزيز السلام.
إعلان بوتين أثار سؤالا لدى كثيرين: القمة عن أوكرانيا، فلم الحديث عن الأسلحة النووية؟
يتعرض بوتين لضغوط من ترامب للموافقة على إنهاء الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف السنة في أوكرانيا، وهو أمر تقول موسكو إنه ضمن قضايا أمنية معقدة زادت التوتر بين الشرق والغرب إلى أخطر مستوياته منذ الحرب الباردة.
ومع تقدم القوات الروسية تدريجيا في أوكرانيا، يرفض بوتين دعوات كييف لوقف إطلاق النار التام والفوري.
ولكن إذا أحرزت القمة تقدما نحو إبرام معاهدة جديدة للحد من الأسلحة، فقد يمكّن ذلك بوتين من القول إنه منخرط في قضايا السلام الأوسع نطاقا.
وقد يساعده ذلك في إقناع ترامب بأن الوقت غير مناسب الآن لفرض عقوبات جديدة، هدد ترامب بفرضها على روسيا ومشتري نفطها وصادراتها الرئيسية الأخرى.
وربما يكون ذلك جزءا من مساع أشمل لتحسين العلاقات مع واشنطن، بما في ذلك القضايا التجارية والاقتصادية، إذ يقول الكرملين إن هناك إمكانات هائلة غير مستغلة.
لماذا يتحدث بوتين مرارا عن الترسانة النووية الروسية؟
يطلق بوتين منذ اندلاع الحرب تهديدات مستترة بشأن استخدام الصواريخ النووية، ويحذر من أن الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا قد يشعل فتيل حرب عالمية ثالثة.
وجاءت التهديدات في شكل تصريحات شفهية ومناورات حربية وخفض معايير أو مستويات التهديد التي يمكن لروسيا عندها استخدام الأسلحة النووية.
وتمنح حقيقة امتلاك روسيا أسلحة نووية أكثر من أي دولة أخرى مكانة في هذا النطاق تفوق قوتها العسكرية أو الاقتصادية التقليدية بكثير، مما يسمح لبوتين بأن يكون ندا لترامب على الساحة العالمية عندما يتعلق الأمر بالأمن.
كم عدد الأسلحة النووية التي تمتلكها روسيا وأميركا؟
يقدر اتحاد العلماء الأميركيين أن المخزونات العسكرية لدى روسيا تبلغ 4309 رؤوس نووية ولدى الولايات المتحدة 3700 رأس، وتأتي الصين خلفهما بنحو 600 رأس نووي.
ما الذي تنص عليه المعاهدة النووية الحالية بين أميركا وروسيا؟
وقع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ونظيره الروسي آنذاك دميتري ميدفيديف في 2010 معاهدة "نيو ستارت" التي تحدد عدد الرؤوس النووية الاستراتيجية التي يمكن للولايات المتحدة وروسيا نشرها.
ويقتصر العدد المسموح به لكل منهما على ما لا يزيد عن 1550 رأسا نوويا، وبحد أقصى 700 من الصواريخ بعيدة المدى وقاذفات القنابل.
والأسلحة الاستراتيجية هي التي صممها كل طرف لضرب مراكز القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية للعدو.
ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 2011 ومُددت في 2021 لخمس سنوات أخرى بعد تولي الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه.
وفي 2023، علّق بوتين مشاركة روسيا في المعاهدة، لكن موسكو قالت إنها ستواصل الالتزام بالحدود المتعلقة بالرؤوس الحربية.
وينتهي سريان المعاهدة في الخامس من فبراير 2026.
ويتوقع المحللون الأمنيون تجاوز الطرفين حدودها إذا لم يجر تمديد المعاهدة أو الاتفاق على بديل لها.
وصرّح ترامب لأول مرة الشهر الماضي قائلا إنه يرغب في الحفاظ على الحدود المنصوص عليها في المعاهدة.
وأضاف في 25 يوليو أن "هذا ليس نوعا من الاتفاقات التي قد ترغبون في انتهاء سريانها. بدأنا العمل على ذلك... عندما تُرفع القيود النووية، تكون هناك مشكلة كبيرة".
ما نقاط الخلاف النووية الأخرى؟
وفي أحد مظاهر التوتر الكبرى، قال ترامب هذا الشهر إنه أمر غواصتين نوويتين أميركيتين بالتحرك قرب روسيا بسبب ما وصفها بتصريحات تنطوي على تهديدات أطلقها ميدفيديف عن إمكان نشوب حرب مع الولايات المتحدة، وقلل الكرملين من أهمية هذه الخطوة، لكنه قال "يجب على الجميع أن يتوخوا الحذر الشديد" في الخطاب النووي.
ويلوح في الأفق أيضا سباق تسلح يتعلق بالصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى التي يمكن أن تحمل رؤوسا نووية.
وخلال ولايته الأولى، أخرج ترامب في 2019 الولايات المتحدة من معاهدة كانت تنهي استخدام جميع الأسلحة الأرضية من هذه الفئة.
ونفت موسكو اتهاماته لها بالخداع.
وتخطط الولايات المتحدة للبدء في نشر أسلحة في ألمانيا اعتبارا من 2026 تشمل صواريخ "إس.إم-6" وصواريخ "توماهوك" التي كانت توضع سابقا على السفن في الأساس، بالإضافة إلى صواريخ جديدة فرط صوتية.
وقالت روسيا هذا الشهر إنها لم تعد تلتزم بأي قيود على الأماكن التي قد تنشر فيها صواريخ متوسطة المدى.