تمر اليوم اثنا عشر عاما على ما سُمّي بـ"ثورة 30 يونيو"، الحدث الذي تمّ تسويقه باعتباره "تصحيحا للمسار"، بينما شكّل في حقيقته محطة فارقة في مسار الثورة المضادة، أعادت مصر إلى أحضان الاستبداد، وحكم الفرد، وعسكرة الدولة، وسحقت كل مكتسبات ثورة 25 يناير التي كانت أول محاولة حقيقية لبناء دولة مدنية ديمقراطية.



ثورة 25 يناير خرج فيها الشعب المصري موحّدا للمطالبة بالحرية والعدالة والكرامة، وأسقط رأس النظام، وفتح الباب أمام حلم دولة القانون. أما 30 يونيو، فلم تكن سوى غطاء شعبي مفتعل بالأكاذيب للتمهيد لانقلاب عسكري تم ترتيبه وتنفيذه في 3 يوليو 2013، أعاد قبضة الحكم إلى العسكر، وأغلق باب التحول الديمقراطي، وفتح جحيم القمع والانهيار والانكشاف الوطني.

وبعد 12 عاما.. على الانقلاب أين وصلت مصر؟
كل هذا أدى لانكماش الدور المصري في فلسطين والسودان وليبيا وأفريقيا، وبات نظام السيسي تابعا لقوى إقليمية مقابل المال والمساعدات، مما انتهى لتراجع صورة مصر عالميا في المؤشرات الحقوقية، والحوكمة، والتنمية
- الدولة تُدار بمنطق الفرد الواحد؛ فتم احتكار القرار، وتفكيك مؤسسات الدولة لصالح جهاز واحد يخضع لرئيس غير خاضع للمحاسبة، بعد تدمير الحياة السياسية والحزبية، وتحويل البرلمان إلى ديكور سلطوي، يجري هندسة انتخاباته بمعرفة الأمن الوطني والمخابرات، بعد تعديل الدستور لضمان البقاء الأبدي في الحكم.

- جرت عسكرة السياسة والاقتصاد والإدارة بعد هيمنة الجيش على كل مناحي الحياة: من المدارس والجامعات، إلى الاقتصاد والطرقات والأسواق، في ظل تغوّل الأجهزة الأمنية وتحكّمها في الإعلام، والقضاء، والتوظيف، وتوزيع الثروات.

-حكم الفرد أدى لانهيار اقتصادي كارثي؛ فقد تجاوز الدين الخارجي 160 مليار دولار، في ظل اقتصاد غير منتج، وميزانية تئن من مخصصات خدمة الدين التي تزيد عن أكثر من ثلثي الموازنة المصرية، وليس لتنمية حقيقية أو حماية اجتماعية.

- اتجه العسكر للمشاريع العقيمة التي أهدرت تريليونات من الجنيهات دون عائد على حياة الناس (العاصمة الإدارية، القطار الكهربائي، الأبراج العملاقة).

وكان من نتائج النكبة الاقتصادية انهيار التعليم والصحة والمظلة الاجتماعية: التعليم بات خدمة مدفوعة الثمن، وجرى تفريغ المدارس والجامعات من الكفاءة والمجانية، وتم خصخصة المستشفيات وبيعها للقطاع الخاص، مما حوّل العلاج إلى رفاهية لا يقدر عليها غالبية المصريين؛ فبات أكثر من ثلثي الشعب المصري تحت خط الفقر، بحسب تقديرات محلية ودولية، في ظل تفكك شبكة الحماية الاجتماعية، وتراجع الدعم الغذائي والصحي والسكني لصالح سياسات الجباية والإفقار بعد فرض الضرائب والرسوم في كل الخدمات: التعليم، الكهرباء، المياه، المحروقات، المرور، العلاج، النقل، المواصلات، والارتفاع الجنوني في أسعار الطاقة والوقود والمياه والمواصلات، دون حد أدنى من الدعم أو الحماية؛ فسُحقت الطبقة المتوسطة، وتم تجريف الفقراء، وتوسيع فجوة اللامساواة بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث.

كل ذلك أدى إلى التفريط في السيادة الوطنية والأصول؛ فبيعت جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين رغم الحكم القضائي النهائي بمصريتهما، في مخالفة واضحة للدستور. وتنازل السيسي بشكل منفرد عن حقوق مصر القانونية والتاريخية في مياه النيل بتوقيع اتفاق إعلان المبادئ (2015) الذي شرعن سد النهضة، ومهّد لأزمة مائية كبرى تهدد أمن البلاد ومستقبلها الغذائي.

وكلما حلّت أقساط الديون يبيع النظام أراضي مصر الاستراتيجية مثل رأس الحكمة ورأس بناس لعواصم إقليمية؛ بعقود غامضة تثير التساؤل حول مستقبل الأرض والقرار الوطني.

لم يكن الانقلاب لينجح في تحقيق كل هذه الكوارث إلا بعد تجريف حقوق الإنسان التي تعززت بعد ثورة يناير، فملأ السجون بآلاف المعتقلين السياسيين، بينهم نساء وأطفال وشيوخ، وتفشت جريمة الإخفاء القسري والتعذيب، والقتل خارج القضاء، وانهيار ضوابط المحاكمات العادلة، وتحويل السجون لمقابر بشرية بمنع الزيارات لسنوات عن المئات من السياسيين المنتخبين، وكان من بينهم الرئيس الشهيد محمد مرسي -رحمه الله- والإهمال الطبي المتعمد في السجون. وجرى إغلاق المجال العام تماما، واحتكار الصوت والصورة والرواية الرسمية بعد سيطرته على وسائل الإعلام وتأميمها.

وكل هذا أدى لانكماش الدور المصري في فلسطين والسودان وليبيا وأفريقيا، وبات نظام السيسي تابعا لقوى إقليمية مقابل المال والمساعدات، مما انتهى لتراجع صورة مصر عالميا في المؤشرات الحقوقية، والحوكمة، والتنمية.

ما جرى بعد 30 يونيو خلال الـ12 عاما الأخيرة هو اغتيال بطيء للوطن، اغتيال لاقتصاده، لسيادته، لعدالته، لوعيه، ولحلمه. ومَن لا يرى هذه النتيجة، أو يتجاهلها، فهو شريك إما بالجهل، أو بالتواطؤ، أو بالمصلحة
ما جرى بعد 30 يونيو خلال الـ12 عاما الأخيرة هو اغتيال بطيء للوطن، اغتيال لاقتصاده، لسيادته، لعدالته، لوعيه، ولحلمه. ومَن لا يرى هذه النتيجة، أو يتجاهلها، فهو شريك إما بالجهل، أو بالتواطؤ، أو بالمصلحة. ولا خلاص إلا بالعودة إلى مسار يناير؛ فالطريق إلى إنقاذ مصر يبدأ بالاعتراف بأن ما جرى في 30 حزيران/ يونيو وما تلاه انقلاب كامل على الثورة والمستقبل، وأن العودة إلى مسار يناير ليست رفاهية، بل ضرورة وطنية وتاريخية:

• دولة مدنية ديمقراطية.

• عدالة اجتماعية حقيقية.

• سيادة القانون.

• حكم شعبي لا عسكري.

• اقتصاد منتج لا ممول.

• كرامة للمواطن لا قمع له.

• وطن مستقل القرار لا مرتهن الإرادة.

ولا ثورة إلا ثورة 25 يناير.. وكل ما بعدها كان مجرد انتقام ممنهج من هذا الحلم النبيل.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء ثورة 30 يونيو مصر 25 يناير السيسي مصر السيسي ثورة 25 يناير 30 يونيو مدونات قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الحرية المصري: ثورة 30 يونيو انتصار حقيقي على الفكر المشبوه والدين المزيف

قال المهندس محمد رشيدي، القيادي بحزب الحرية المصري، وأمين عام الحزب بالإسماعيلية، إن ذكرى ثورة 30 يونيو تمثل يومًا فارقًا في تاريخ مصر الحديث، حيث انتصرت فيه الإرادة الشعبية على جماعة حاولت فرض واقع لا يتسق مع هوية الدولة المصرية ولا مع تطلعات أبنائها.

تحذيرات من انفجار مجتمعي.. هل يمرر البرلمان قانون الإيجار القديم الاثنين القادم؟4 خيارات أمام واضعي اليد للتقنين.. مشروع قانون بالبرلمانبرلمانية تعلق على مناقشة مشروع قانون الإيجار القديم بعد غد: سيمرطلب إحاطة أمام البرلمان يكشف عن خلل في منظومة نقل المواد البترولية

وأكد رشيدي، أن الشعب المصري خرج في مشهد تاريخي مهيب، ليؤكد رفضه لحكم جماعة الإخوان الإرهابية، بعد أن تكشفت حقيقتها خلال عام واحد من الحكم، حيث أدارت البلاد بعقلية التنظيم لا بمنهج الدولة، وزرعت الفتن بين أبناء الوطن، وسعت لتقويض مؤسسات الدولة، والتفريط في السيادة الوطنية، وإقصاء كل من يخالفها الرأي.

وأشار رشيدي، إلى أن المصريين لم يخرجوا فقط ضد الفشل السياسي والإداري، بل ثاروا ضد مشروع مشبوه يهدف إلى تفكيك الدولة من الداخل، وتجريف هويتها الحضارية، وخنق الحريات، والتضييق على المرأة والمثقفين والإعلام، لافتًا إلى أن ما حدث في 30 يونيو هو تصحيح لمسار ثورة يناير واستعادة لمصر من براثن جماعة لا تؤمن بالوطن.

وأضاف رشيدي، أن ما تحقق بعد الثورة من استقرار سياسي وتنمية شاملة في مختلف المجالات هو أكبر رد عملي على من راهنوا على سقوط الدولة، مؤكدًا أن مصر تمضي الآن في طريقها بثقة نحو بناء جمهوريتها الجديدة، بقيادة وطنية واعية وشعب قادر على حماية مكتسباته.

طباعة شارك المهندس محمد رشيدي حزب الحرية المصري ذكرى ثورة 30 يونيو تاريخ مصر الحديث الإرادة الشعبية

مقالات مشابهة

  • مها الأنصاري: ثورة 30 يونيو أعادت لمصر هويتها.. وحمت مؤسسات الدولة من التفكك
  • المطران جورج شيحان يهنئ رئيس الجمهورية وقيادات الدولة والشعب المصري بذكرى ثورة ال٣٠ من يونيو
  • متخصص: الاقتصاد المصري قبل ثورة 30 يونيو كان على وشك الانهيار
  • ثورة 30 يونيو.. حين انتصر الشعب ووُلد الوطن من جديد
  • شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بذكرى ثورة 30 يونيو
  • ثورة التصحيح والبناء.. كيف مهدت 30 يونيو لرؤية مصر 2030؟
  • الحرية المصري: ثورة 30 يونيو انتصار حقيقي على الفكر المشبوه والدين المزيف
  • «أولياء أمور مصر» يهنئ الرئيس السيسي بذكرى ثورة 30 يونيو
  • نقيب النيابات والمحاكم: ثورة 30 يونيو أنقذت الوطن من الجماعات المتطرفة