إسرائيل تنتقم من الفلسطينيين بمصادرة أموالهم وتخريب ممتلكاتهم
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
نابلس– "كل شيء يمرّ عن طريق حماس نهايته خراب، هذه المطبعة داعمة لحماس، وحماس تساوي داعش"، بهذه العبارات التي كتبت على جدار مطبعة "المناهل" لحظة اقتحامها قبل أيام في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، تذرّعت قوات الاحتلال لتبرير تخريبها بالكامل ومصادرة أدواتها.
وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي شن جيش الاحتلال الإسرائيلي حملة ضد عدد من محال الصرافة بمختلف مدن الضفة الغربية، وصادر، حسب بيان له، 10 ملايين شيكل (الدولار يساوي 3.
وبالمقابل، اتهم نادي الأسير الفلسطيني سلطات الاحتلال بسرقة ومصادرة أموال الأسرى وممتلكاتهم خلال اقتحام منازلهم، وقال في بيان له وصل الجزيرة نت، إنها صعَّدت ذلك منذ الحرب على قطاع غزة.
وأكد أن ذلك يندرج في إطار سياسات الاستعمار الاستغلالي الإحلالي، الهادف إلى "رفع كلفة النضال الفلسطينيّ، وفرض عمليات انتقام جماعية، واستهداف الوجود الفلسطيني".
وينفي أصحاب المؤسسات ادعاءات الاحتلال جملة وتفصيلا، ويؤكدون أنها تخضع لرقابة السلطة الفلسطينية وتلتزم بإجراءاتها المختلفة ووفق التراخيص الممنوحة، وهو ما أكدته سلطة النقد الفلسطينية أيضا.
لكن ما حدث في مطبعة المناهل كما يروي صاحبها معاذ ذوقان للجزيرة نت، يؤكد "كذب الاحتلال واتهاماته الباطلة، وأنه يتقصد التحريض عليها"، كما أن عملية التخريب استهدفت الماكينات وعكست رغبة في "الانتقام".
يقول ذوقان إن الاحتلال تعمّد التدمير وإنهاء مصدر رزقهم بناء على تخيلات عكست تخبطه وإفلاسه في إثبات أي تهم ضدهم، وكشف أن عملية الاقتحام للمطبعة تزامنت مع اقتحام البيت واستمرت لساعات؛ إذ قاموا بتخريب شبكات الكهرباء وعاثوا في البيت خرابا ودمروا محتوياته، بحثا عن أموال حسب زعمهم، وصادروا مركبته الخاصة.
ولم ينذر الاحتلال المطبعة من قبل بمخالفتها لقوانينه أو لإجراءاته العسكرية، ولم يوجّه أي اتهام للقائمين عليها، ورغم أنه اقتحمها ودمرها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلا أنه لم يصادر آلات منها كما فعل هذه المرة.
وبيّن صاحب المطبعة أنه في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني اعتقل الاحتلال والده وحولوه للحبس الإداري "لأنهم لم يثبتوا أي اتهام ضده، وأنا استدعاني جيش الاحتلال عام 2020 إلى معسكر تحقيق "حوارة" جنوب نابلس، وأكد لي الضابط نفسه أنه يعرف أني لا أصدر مطبوعات لأي من الفصائل الفلسطينية، وخاصة حماس، ويعلم أن عملي تجاري بحت".
ويضيف ذوقان أن الاحتلال أيضا لم يغلق المطبعة كما فعل مع عشرات المطابع بمدن أخرى بالضفة الغربية بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
لكن هذا كله لم يقنع الاحتلال نفسه به، وهاجم المطبعة -كما يقول ذوقان- "بدافع الانتقام والثأر"، فقد حطم المقتنيات من دروع تقديرية ومجسمات تجسّد خارطة فلسطين أو قبة الصخرة المشرفة، وخط فوق الجدران وباللغة العبرية عبارة "شعب إسرائيل حي" مع شعار نجمة داود.
"لا يردع المقاومة"
يقول المحلل والباحث بشأن حركات المقاومة بلال الشوبكي، إن السبب الأول لإسرائيل من وراء أعمالها تلك ليس "تجفيف الإرهاب" كما تدّعي، وإنما فرض عقوبات على أولئك الذين يؤيدون فصائل بعينها.
ورأى في حديث للجزيرة نت، أن جزءا من أدوات إسرائيل لمحاولة تثبيط الفلسطيني عن الالتحاق بأي عمل نضالي لم يعد يقتصر على القتل والاعتقال، وإنما هناك أدوات أخرى، منها استهداف مصالحه الاقتصادية.
والسبب الثاني، بحسب الشوبكي، يتمثّل في أنه قد يكون فعلا لدى الاحتلال معلومات أمنية حول تيسير بعض أعمال فصائل المقاومة من خلال هذه المنشآت أو الشركات، وبالتالي يستهدفها ليمنع خدمتها لتك الفصائل.
ويرجّح المحلل الشوبكي الخيار الأول، كون إسرائيل تقوم بحملات الملاحقة والمصادرة والإغلاق أحيانا بشكل انفعالي، وتتعامل معها كردود فعل على أحداث كبيرة وليس بشكل منتظم ومتسلسل، على غرار حملتها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ويقول "لو كان لدى إسرائيل معلومات أمنية بأن هذه المنشآت تشكل خطرا لأغلقتها فورا".
ولا يرى الشوبكي أن ما تقوم إسرائيل يمكنه أن يكبح المقاومة أو يحد منها، مستدلا بـ"عملية رعنانا الفدائية" التي وقعت قبل يومين بدون الاعتماد على مقدّرات مالية أو عسكرية.
كما أن استهداف إسرائيل للبنية المالية أو العسكرية أو الأمنية للفصائل الفلسطينية لا يحقق الأمن لها، فالمسألة مرتبطة بسلوك الاحتلال ومقدار الضغط الذي يمارسه على الفلسطينيين وحرمانهم من أبسط حقوقهم الاقتصادية والسياسية، بحسب الباحث الفلسطيني.
ونشرت وسائل إعلام إسرائيلية، الأربعاء، أن عضو الكنيست عن حزب "الليكود" دان إيلوز، تقدم بمشروع قانون يقضي بفرض "عقوبات" على بنوك ومكاتب صرافة بالضفة وغزة تحوّل رواتب من السلطة الفلسطينية لأسرى محررين وعائلات شهداء.
وفي هذا الصدد، يرى محلل الشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي، أن إسرائيل تتعامل مع الفلسطينيين ككل من منظور أمني يستند على فكرة ضرورة التخلص منهم بالأدوات الأمنية والعسكرية "لأن بقاءهم يشكل خطرا أمنيا وعبئا عليها".
ويضيف البرغوثي للجزيرة نت: "مشكلة العقلية الإسرائيلية أنها تفكر بنظرية "كيّ الوعي" التي ثبت فشلها، وفي كل محاولة في هذا الاتجاه، تأتي بعد سنوات نتائج أكثر تطرفا تجاه إسرائيل".
لهذا السبب، وبحسب المحلل السياسي، فإن ما يقوم به الاحتلال من مصادرة أموال وأملاك وغيرها يأتي في سياق "انتقامي"، وبدلا من أن تردع ستراكم حالة الغضب وقد تقرب لحظة الانفجار، وهو انفجار تتوقع إسرائيل نفسها حدوثه لكن لا تعلم متى وكيف.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
غزة.. وجهٌ آخر للنصر
منذ اندلاع «طوفان الأقصى»، والعالم يشهد أعظم اختبارات المعنى والصبر في غزة، تلك البقعة الصغيرة التي فرضت على الاحتلال تحديات لم يعرفها من قبل. في محرقة لا مثيل لها، انهارت الجدران، لكن الإنسان لم ينكسر. سقط الجسد، لكن الروح ظلّت تقاتل. والآن، وفي لحظة فارقة، يُطرح السؤال الجوهري: من ينتصر حقًا؟ ومن ينهزم فعلاً؟ تشير التقديرات إلى أن محرقة غزة تقترب من نهايتها بصفقة تبادل أسرى وهدنة طويلة، تمهيدًا لتحولات سياسية إقليمية، أبرزها تفكك حكومة نتنياهو وإنضاج «طبخة أمريكية» تعيد تموضع الاحتلال. لكن الحقيقة الأعمق تكمن في أن وقف الحرب لا يعني نهاية المعركة، وأن النصر لا يُقاس بإحصاءات القتلى أو تغيّر الخرائط.
في حروب التحرر- كما يوضح كل من كلاوزفيتز وغرامشي وماو تسي تونغ- لا يُقاس النصر بامتلاك الأرض، بل بامتلاك الوعي. الهزيمة في نظرهم ليست خسارة عسكرية، بل انكسار في الإرادة، بينما النصر يتجلى في بقاء الشعلة مشتعلة، في استمرار المقاومة رغم الفقد. هذا ما فشلت فيه عصابات الاحتلال رغم الإبادة والدمار. من الزاوية القرآنية، نستحضر صلح الحديبية، الذي رآه الصحابة «دنية»، لكن الله وصفه بأنه «فتحٌ مبين»، فالنصر ليس دومًا في الظاهر، بل في تمهيد الطريق، وفي صبر يقود إلى التمكين.
وغزة، بما قدّمت، لا تمهد لوقف إطلاق النار فقط، بل لفتح جديد في وعي الأمة وسرديتها. الاحتلال لم يُسقط غزة، لم يُنه المقاومة، ولم يستعد توازن الردع. بالمقابل، فإن المجتمع الصهيوني يتفكك؛ الثقة بالجيش والقيادة تتآكل، والانقسامات السياسية والأخلاقية تتعمق. الجنرال يتسحاق بريك اعترف بأن حرب غزة كشفت انهيار الجيش البري، وفضحت نخبة «القرود الثلاثة» التي لا ترى ولا تسمع ولا تقول الحقيقة، محذرًا من أن تكرار أخطاء الماضي يُنذر بسقوط داخلي يتجاوز كل حسابات الحرب. ورغم المجازر، فإن المقاومة تواصل عملياتها النوعية، وفي الأسبوع الأخير فقط، سقط أكثر من عشرين جنديًا من عصابات الإبادة. إنها رسالة حية: «حجارة داوود» لم تتوقف، والميدان لا يزال يحكم. أما الشعب، فقد تجاوز حدود الاحتمال البشري، ليصنع من الرماد بارودًا، ومن الجراح شعلة لا تنطفئ. الصمود هنا ليس رواية عاطفية، بل معجزة متكررة. والأهم، أن الالتفاف الشعبي حول رجال المقاومة لم يتزحزح؛ أهل الشهداء، العشائر، العائلات، وقفوا سدًا منيعًا ضد الخيانة، ولفظوا المتعاونين. لم تتشقق الجبهة الداخلية رغم الجوع والدمار. بل رسّخت غزة مبدأ: لا حياد في زمن الوضوح الأخلاقي. غزة اليوم تُعيد تعريف النصر: ليس من ينتصر عسكريًا، بل من يبقى واقفًا على الحق، مرفوع الرأس، ملتفًا حول مشروعه، متمسكًا بكرامته. الانتصار هنا في سقوط رواية الاحتلال، في انكشاف زيف دعايته، في تحوّل غزة إلى ضمير عالمي، وفي ولادة وعي مقاوم يصعب كسره. فمن ينتصر في غزة؟ من لا يُهزم، حتى وهو تحت الركام. من لا يبدّل، حتى وهو جائع. من لا ينهزم، حتى وهو يدفن أطفاله بيديه.. «وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» [الحج: 40].
* رئيس مركز غزة للدراسات والاستراتيجيات