نرمين مصطفى تكتب: لماذا «سليم حسن»؟

عندما قررت اللجنة العليا لمعرض القاهرة الدولى للكتاب اختيار عالم المصريات الدكتور سليم حسن شخصية الدورة الـ55، كان لزاماً أن نجيب عن هذا السؤال: لماذا تم اختيار هذه الشخصية دون غيرها؟

ويأتى الجواب: إن كان الدكتور «طه حسين» هو عميد الأدب العربى، فإن عالم المصريات الدكتور «سليم حسن» هو عميد تاريخ مصر القديمة.

يعد الكاتب «سليم حسن» من أوائل المصريين الذين أسسوا علم الآثار المصرية فى اللغة العربية وفى مجال النشر العلمى: فقد قام «سليم حسن» بنشر العديد من البحوث والكتب العلمية المهمة، إلا أن أشهرها وأهمها على الإطلاق والتى تتجلى عبقرية هذا العالِم فى كتابتها، موسوعة «تاريخ مصر القديمة»، والتى تعد أهم موسوعة فى تاريخ الحضارة المصرية القديمة وهى الموسوعة المتكاملة الوحيدة فى أية لغة من لغات العالم التى وضعها وصنفها عالِم واحد بمفرده تناول فيها شرحاً دقيقاً وتحليلاً مستفيضاً عن مراحل وتاريخ الحضارة المصرية، بدءاً من عصور ما قبل التاريخ حتى قرب نهاية العصر البطلمى والتى لا غنى عنها للدارسين وللمثقفين الراغبين فى التزود بالمعرفة التاريخية لجذور الحضارة المصرية التى تغلغلت بين الشعوب التى تسكن أراضى المنطقة الجغرافية الواسعة الممتدة من مصر إلى بلاد النوبة والسودان وليبيا والمناطق السورية وبلاد النهرين وآسيا الصغرى وجزر البحر المتوسط واليونان. حيث خرجت تلك الموسوعة فى 16 جزءاً والتى عكف عليها سليم حسن 20 عاماً (من عام 1940م حتى عام 1960م) وكان قد شرع فى كتابة الجزء السابع عشر لكن حال موته دون إكماله.

عُينَ سليم حسن وكيلاً عاماً لمصلحة الآثار المصرية فى عام 1926م ليكون بذلك أول مصرى يتولى هذا المنصب ويكون المسئول الأول عن كل آثار البلاد، وقد أعاد إلى المتحف المصرى مجموعة من القطع الأثرية كان يمتلكها الملك فؤاد، وقد حاول الملك فاروق استعادة تلك القطع، ولكن سليم حسن رفض ذلك مما عرضه لمضايقات شديدة أدت إلى تركه منصبه عام 1940م.

اشترك سليم حسن فى 1927م مع عالم الآثار النمساوى «يونكر» فى أعمال الحفر والتنقيب فى منطقة الهرم. ثم بدأ فى عام 1929م أعمال التنقيب الأثرية فى منطقة الهرم لحساب جامعة القاهرة لتكون المرة الأولى التى تقوم فيها هيئة علمية منظمة أعمال التنقيب بأيدٍ مصرية، وذلك حتى عام 1939م، اكتشف خلالها حوالى مائتى مقبرة، وكان من أهم الاكتشافات التى نتجت عن أعماله: مقبرة (رع ور) ومقبرة الملكة (خنت كاوس) ومقابر أولاد الملك خفرع، بالإضافة إلى مئات القطع الأثرية والتماثيل ومراكب الشمس الحجرية للملكين خوفو وخفرع.

ومن أهم نشاطات العالم سليم حسن دوره المهم كرئيس للبعثة العلمية التى كلفت من الحكومة المصرية بعمل دراسة لتحديد مدى تأثير بناء السد العالى على آثار النوبة ودوره البارز فى الإعداد للحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة تحت إشراف اليونيسكو، كما قام أيضاً بدور مهم فى تنظيم العمل بالمتحف المصرى عندما كُلف بالإشراف على عملية جرده عام 1959.

وانتُخِبَ سليم حسن فى عام 1960م عضواً بالإجماع فى أكاديمية نيويورك التى تضم أكثر من 1500 عالم من 75 دولة. وتوفى سليم حسن بالقاهرة فى 30 سبتمبر 1961م، عن عمر يناهز 75 عاماً، وبتتبع السيرة الذاتية للدكتور سليم حسن نلاحظ أننا أمام عبقرية شخصية مصرية تتميز بالوطنية الصادقة والمقدرة الفائقة على العمل والبحث والدراسة على مدى 68 عاماً هى العمر الذى عاشه فى خدمة العلم والتاريخ والآثار.

المصدر: الوطن