أحمد النومي يكتب: ذبح الرموز بنيران صديقة
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
القوى الناعمة تاج المحروسة الذهبي لا ينافسها فيه أحد، وطوال تاريخها العتيق كانت مصر ولادة بعظماء فى كافة المجالات من السياسة إلى الفن والأدب والثقافة والرياضة والعلم، فهم سر سحرها وسحرة عشاقها وكنزها الثمين.
الحفاظ على قوتنا الناعمة فرض قومى وتكريمهم واجب أصيل، والأيام الماضية شهدت حالة من الحزن على ما يمكن تسميته ذبح رموز قوتنا الناعمة من خلال أسطورتين فى عالم الرياضة والغناء .
الاسطورة الأولى هى المطربة الكبيرة نجاة الصغيرة، إحدى أيقونات الغناء العربى وصاحبة أجمل الأغنيات الرومانسية التى تربت عليها أجيال عديدة، على خلفية تكريمها من مهرجان جوى اووردز بالسعودية ، كانت المفاجاه ظهور النجمة الكبيرة على مسرح المهرجان وهى تغنى أحد أجمل اغنياتها الخالدة "عيون القلب" ، بطريقة البلاى باك ، بعد اعتزال واحتجاب دام أكثر من ربع قرن.
ظهور نجاة فتح النار عليها من قبل موتوريين، معتبرين أن ظهورها وهى فى سن متأخرة، غرضه المال، وإهانة لتاريخها الكبير، وتشويه لصورتها الجميلة فى أذهان عشاقها، ووصل الشطط مداه معتبرين أن الظهور فى حفل سعودى إهانه للفن المصرى، وهناك من رآها فرصة لخلط السياسية بالفن وتعكير صفو العلاقات المصرية السعودية، بإعتبار ان التكريم جاء من بلد سعودى هدفه سحب البساط من القاهرة .
الحقيقة التى لا لبس فيها أن نجاة رفضت الظهور على الساحة منذ قرار اعتزالها الفن، واختارت الاحتجاب والابتعاد عن الأضواء، ورفضت العديد من التكريمات فى أكثر من مناسبة، لكن ظهورها المفاجئ فتح الباب لتساؤلات ساخنة، لماذا ظهرت فى السعودية ولماذا رفضت التكريم من بلدها، وهى تساؤلات مشروعه، لكن تبقى نجاة أسطورة فى سماء الغناء العربي، وتكريمها تكريم للفن المصري، بصرف النظر عن الجهة المكرمة.
الأسطوره الثانية هو النجم محمد صلاح أيقونه الملاعب العالمية، والذى تعرض لإصابة استوجبت ابتعاده عن إستكمال خوض منافسات بطولة الأمم الإفريقية مع منتخب بلاده، وسفره إلى إنجلترا لبدء برنامجه التأهيلي.
الانتقادات طالت صلاح ووصلت إلى التشكيك فى وطنيته، وهناك من رآها فرصة لتصفية الحسابات وتشويه صورة النجم الكبير فى أعين محبيه، وهناك فريق آخر أراد الانتقام من أسطورة مصرية رفضت أموال "بالشوالات" لمجرد اللعب فى دورى لا يقارن بدورى كبير مثل الدوري الانجليزي، وخرج مرتزقه يهاجمون صلاح، ويبقى فريق آخر حسن النية انتقد اللاعب ورأى إنه كان من الواجب الإستمرار مع المنتخب باعتباره القائد.
وفقا للتقارير الطبية فإن إصابه صلاح تستوجب فترة علاج لا تقل عن ثلاثة أسابيع وبالتالى أمر مشاركته فى منافسات البطولة انتهت، ولم يكن امامه سوى إتخاذ القرار إما الإستمرار في المعسكر مع المنتخب أو السفر إلى إنجلترا للعلاج .
ما بين ظهور نجاه وسفر صلاح، يبرز التقدير الذى قد يكون خاطىء، وهو تقدير أشبه بالنيران الصديقة، وبقرارهما الظهور والسفر فتحا الباب أمام نيران الاصدقاء والأعداء .
الهجوم على نجاة وصلاح هو ترمومتر لقياس المزاج السائد على مواقع التواصل الاجتماعي، ويكشف مستوى الإعلام ويفضح مأجورين ومرتزقه، ويفتح الباب أمام تساؤلات عن من يقود ويحرك المشهد الإعلامي ، فالتريند اصبح هو الهدف بصرف النظر عن أى إعتبارات، فلاسقف فى الهجوم ولا اعتبارات لمصلحة وطنية .
ويبقى السؤال، هل الحالتين تستحق كل هذا الهجوم والتشنيع ، متى نتعلم النقد بدون تجريح ، ومتى نصل لمرحلة الاختلاف على أرضية وطنية ، ومتى يكون لدينا توازن فى الطرح والمناقشة ، ومتى ومتى...، اعتقد أنها تساؤلات إجاباتها تحتاج مجلدات .
من حق الجميع أن ينتقد ولكن دون الطعن فى وطنية أحد ، قد يكون هناك خطأ فى القرار سواء بالظهور لنجاة او الإختفاء لصلاح، لكن أبدا لن نستطيع أن ننكر أنهما أحد ايقونات قوتنا الناعمة .
لا جدال أن هناك دول فى الإقليم تحاول أن ترث القوى الناعمة المصرية عبر سلاح المال، وحدث ذلك منذ فترة ليست بالقصيرة، فى الغناء والدراما والسينما، لكنها لم تنجح لأنها ببساطة لا تملك الأدوات ولا الصناعة هى فقط مجرد مشترى وليس صانع لها .
الفارق بين دول تحاول بمالها شراء القوى الناعمة ودول ولدت ومعها قوتها الناعمة شاسع ، والحفاظ على رموزنا الوطنية واجب، وذبح أيقونات قوتنا الناعمة مرفوض.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: قوتنا الناعمة
إقرأ أيضاً:
متى تكون المعصية علامة حرمان ومتى تكون دليل إيمان؟
في خطبة جامعة من المسجد الحرام، قدّم الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة طرحًا عميقًا لطبيعة النفس البشرية، مؤكدًا أن الله عز وجل خلقها تميل للرغبات وتضعف عند الشهوات، وأن وقوع الإنسان في الذنب ليس نهاية الطريق، بل بداية العودة إن أحسن التوجه، وأوضح أن الحِكم الإلهية من وقوع العباد في الخطايا متعددة، أبرزها:
ظهور صفات الله في العفو والمغفرة والرحمة.اختبار من يخاف الله بالغيب ويعود إليه.فتح باب التوبة كي يتقرب العبد إلى ربه انكسارًا وندمًا ورجاءً.واستشهد بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم»
(متفق عليه).
هذا الحديث — كما بيّن — ليس دعوة للذنب، بل رسالة مطمئنة لكل من أثقلته خطاياه بأن الله يحب التائبين ويهيّئ لهم من الأسباب ما يجبر كسرهم.
طريق المؤمن في زمن الانفتاح والابتلاءات
الشيخ بليلة شدّد على أن من أوسع أبواب النجاة ما ذكره القرآن في قوله تعالى:﴿أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات﴾.
وأوضح أن الحسنات ليست مقصورة على الصلاة والعبادات، بل تشمل كل عمل صالح يدخل في باب التكفير عن السيئات، ومنها:
الإحسان إلى الخلق، الصدقة، التوحيد والإخلاص، الأعمال اليومية التي تُقرّب العبد من الله.
وساق حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي ﷺ فيما يرويه عن رب العزة: «يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي…»، حديث يفتح باب الأمل مهما بلغت الذنوب، ويؤكد أن الرجاء والإخلاص هما مفتاحا المغفرة.
في عصر التقنية.. الفتن ليست اختيارية
الخطبة تناولت الواقع المعاصر بصدق، معتبرة أن «التقنية الحديثة» جعلت الفتن تطرق قلب المؤمن دون استئذان:
صور، أفكار، شبهات، شهوات… تتدفق على الإنسان في كل لحظة، في ليله ونهاره.
ومن هنا تأتي أهمية:
الاستغفار الدائم
تجديد التوبة
عدم اليأس من رحمة الله
فالخطيئة — كما شرح الخطيب — يمكن أن تكون جسرًا للعودة، إذا دفعت الإنسان إلى عمل صالح يمحو أثرها.
متى تكون المعصية علامة حرمان؟ ومتى تكون دليل إيمان؟
حذّر الشيخ بليلة من أخطر ما يواجه المؤمن:
التطبيع مع الذنب.
فالخطر الحقيقي ليس الوقوع في السيئة، بل التعايش معها بلا ألم أو حياء، وقال إن استمرار المعاصي حتى تصبح عادة هو: علامة خذلان، وبُعد عن الله، وحرمان من نور الإيمان.
أما من تتعبه خطيئته ويؤلمه ذنبه، فذلك علامة حياة قلبه، واستشهد بقول النبي ﷺ:«من سرّته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن»رواه أحمد والترمذي وصححه.