هل التيّار الوطني الحرّ مطمئنّ الى الحراك المتجدّد للخماسية؟
تاريخ النشر: 2nd, February 2024 GMT
كتب ابراهيم بيرم في" النهار": اللافت أن حراك الخماسية، التي أخذت على عاتقها أن تساعد اللبنانيين على انتخاب رئيس، اقترن مع موجة كلام تفيد بأن هذا الحراك إنما جدّد نفسه على خلفية تطوّرين بارزين:
الأول: أنه جزء لا يتجزأ ممّا يسمّى ترتيبات "اليوم التالي" لوقف المواجهات الدائرة في الإقليم.
الثاني أن تحرك الخماسية يضع نصب عينيه التأسيس للخيار الرئاسي الثالث.
أين "التيار الوطني الحر" من موجة التفاؤل السارية أخيرا؟ وكيف يتفاعل مع الحراك المتجدّد رئاسياً؟
عن هذه التساؤلات يجيب عضو "تكتل لبنان القوي" غسان عطا الله: "أخشى أننا لا نتفق مع أولئك الذين سمحوا لأنفسهم بالإفراط في إظهار التفاؤل لان المعطى لا يوحي بأن النهايات السعيدة لموضوع الشغور الرئاسي صارت وشيكة جداً، إذ لم يعد خافياً أن الخماسية منقسمة على نفسها وكل من أعضائها له وجهة نظر ومقاربة مختلفة عن الآخر".
باعتقادنا إن التقدم أو الجمود في موضوع ملء الشغور الرئاسي هو حصراً بيد الرئيس بري، وفي ظل الانقسامات المتجسدة في مجلس النواب يصعب حدوث خرق.
وعن مصير العرض القائم على فكرة استعداد التيار للتحاور حول مرشح ثالث؟ أجاب عطا الله: "هذا هو برأينا الطرح الأسلم إذ يتعيّن أن نتجنب فكرة طرح رئيس الأمر الواقع لأن ذلك من شأنه أن يخلق مشكلة في البلاد".
إن شرطنا الأساس بأن عليهم أن يعطونا مسبقاً اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق الائتماني وبعدها نقبل بأي شيء لأن هذا ما نريده من الرئيس المقبل الذي يتعيّن أن يحوز الصفات الآتية:
- أن تكون لديه حاضنة مسيحية.
- أن يجد قبولاً إسلامياً.
- وأن يحوز ثقة الخارج.
ونحن نشدد أيضاً على أن لا يكون مستعداً لطعن المقاومة أي لديه فهم لموضوع صون السيادة الوطنية، وأن يتمتع بعقلية اقتصادية منفتحة ومستعدة لإنقاذ البلاد من أزماتها على هذا الصعيد".
ثم ختم "إذا بدأنا حواراً ثنائياً أو ثلاثياً على هذه الأسس فإننا حتماً سنسهل مهمة الخماسية، وإلا فإنني أخشى أن يكون رهاننا على اختراق وشيك ومضمون تؤمنه الخماسية في غير محله".
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
مصر تعود للتموضع.. قراءة في الحراك المصري المكثف داخل بيروت ودلالاته الإقليمية
لم تكن زيارة المسؤولين المصريين إلى بيروت خلال الأيام الماضية حركة عابرة في سياق المشهد اللبناني المعقّد، بل هي خطوة تأتي في لحظة إقليمية ساخنة، حيث تتحوّل الحدود اللبنانية- الإسرائيلية إلى ساحة اختبار للردع، وتغدو كل إشارة سياسية أو دبلوماسية جزءًا من هندسة أوسع تُعيد رسم قواعد الاشتباك في الإقليم.
الحراك المصري ظهر هذه المرة بملامح أوضح: رسائل دبلوماسية، لقاءات مكثفة، قنوات مفتوحة مع مختلف الأطراف، ومقاربات أمنية تُدار بعيدًا عن الضجيج. وكأن القاهرة تقول عبر بيروت إنها عائدة للتموضع، لا كمراقب، بل كفاعل رئيس في هندسة التهدئة بين لبنان وإسرائيل، في لحظة تتراجع فيها أدوار قوى إقليمية تقليدية وتنشغل أخرى بحسابات داخلية.
أولاً: لماذا تعود القاهرة الآن؟هناك ثلاث دوائر تفسّر هذا الانخراط:
1. الفراغ الإقليمي وغياب الوسيط المقبول
مع انكفاء بعض القوى وتآكل شرعية أخرى لدى الأطراف اللبنانية، تعود مصر باعتبارها الطرف الذي يحمل:
1-أوراق اتصال مع واشنطن.
2- خيوطًا تاريخية مع الجيش اللبناني.
3- علاقات مستقرة مع حزب الله رغم التباين الاستراتيجي.
4- مكانة تحظى بقبول خليجي.
الوسيط الفعّال لا يحتاج فقط إلى أوراق ضغط، بل إلى ثقة لدى الأطراف، وهو ما يُتيحه الموقع المصري الآن.
2. الظرف الدولي: واشنطن تبحث عن “إدارة أزمة”المؤسسة الأمريكية تدرك أن أي حرب واسعة في الجبهة الشمالية ستكون مكلفة وغير محسوبة. لذلك تحتاج إلى طرف قادر على احتواء حافة الهاوية.
وهذا تحديدًا ما تطرحه القاهرة: تهدئة لا تفرّط، ولا تصعد، وتمنع الانفجار.
3. حماية الأمن القومي المصريالصراعات الممتدة على أطراف الإقليم — من غزة إلى سوريا وحتى البحر الأحمر — تجعل أمن الحدود الشرقية والشمالية لمصر جزءًا من الأمن القومي المباشر.
أي توسّع للحرب شمالًا يعني فتح جبهة جديدة تُعيد خلط كل الأوراق الإقليمية.
ومن هنا يصبح الدور المصري ليس “وساطيًا” فقط، بل دفاعيًا استباقيًا.
ثانيًا: معادلة القاهرة الجديدة في لبنانلم تعد مصر تتعامل مع لبنان بمنطق التكافل العربي التقليدي.
بل بمنطق الهندسة السياسية القائمة على 3 مسارات:
1. المسار الأمني
يتضمن قراءة مصرية دقيقة:
لحسابات حزب الله في الرد والردع.
وللمخاوف الإسرائيلية من تمدد الصواريخ الدقيقة.
ولإمكانية انزلاق الأطراف إلى حرب لا يريدها أحد.
الرسائل المصرية هنا كانت واضحة: تثبيت قواعد اشتباك تمنع الحرب الشاملة لكنها لا تعطل قدرة المقاومة على الردع المحسوب.
2. المسار الدبلوماسيالقاهرة أعادت ترتيب شبكة اتصالات:
مع رئيس البرلمان وحلفاء حزب الله،
مع قيادة الجيش، ومع القوى المسيحية المتوجسة من أي مواجهة جديدة، كذلك مع باريس وواشنطن في خلفية المشهد.بهذا المعنى، ليست مصر طرفًا ناقلًا للرسائل فقط، بل طرفًا مصيغا لشكل الرسالة.
3. المسار الإقليميلبنان لم يعد ملفًا محليًا، إنه مفصل حساس في لعبة توازن القوى بين إيران وإسرائيل.
ومن هنا تسعى القاهرة إلى:
منع الانزلاق إلى مواجهة تُضعف الدولتين العربيتين المحوريتين: مصر والسعودية.
الحفاظ على مساحة عربية مستقلة بعيدًا عن أي اصطفاف كامل مع واشنطن أو طهران.
صوغ آلية تنسيق عربية قد تعود لاحقًا إلى مسار سياسي أوسع بعد حلول الاستحقاقات اللبنانية المقبلة.
ثالثًا: ماذا تريد مصر من هذا الدور؟1. استعادة دور “الضامن الإقليمي”
القاهرة تعرف أن دورها فقد الكثير خلال العقد الماضي بفعل العوامل الاقتصادية والسياسية.
لكن الأزمات الكبرى تمنح دائمًا نافذة لاستعادة المبادرة.
لبنان هو بوابة لإعادة تثبيت مصر كقوة إقليمية مسؤولة لا يمكن تجاوزها.
2. الحفاظ على الأمن القومي
كل هدنة شمالًا تُقلّل من احتمالات انفجار شامل قد يمتد إلى غزة، ويضع مصر في مواجهة تحديات غير مسبوقة على الحدود.
3. تعزيز ثقلها في أي مفاوضات حول ما بعد الحرب في الإقليم
الشرق الأوسط يعاد ترتيبه من جديد:
مستقبل الجبهة الشمالية، غزة، سوريا، النفط، ممرات البحر الأحمر…
ومن لا يملك أوراقًا اليوم لن يكون حاضرًا على طاولة الغد.
رابعًا: ماذا يعني الحراك المصري لبيروت؟1. خروج لبنان من عزلته العربية
لبنان يعيش منذ سنوات على هامش الاهتمام الإقليمي.
التحرك المصري يعيد وصل بيروت بالعمق العربي.
2. توفير مظلة منع الانفجار
لا أحد يمكنه إيقاف الحرب إذا قررت تل أبيب الذهاب بعيدًا،
لكن يمكن تخفيف أسباب التفجير ومنع انزلاق الأمور إلى صدام شامل.
3. فتح مسار سياسي لما بعد الاشتباك
الأزمة اللبنانية ليست حدودية فقط، بل:
أزمة رئاسة.
أزمة اقتصاد منهار
أزمة ثقة شعبية في النظام.
القاهرة تتحرك بعين على التهدئة… وبعين أخرى على إدارة مرحلة سياسية طويلة قادمة.
خامسًا: قراءة في اللحظة الراهنة — لبنان كمرآة لصراع أكبرالصراع شمالًا ليس لبنانيًا فقط، ولا حتى إسرائيليًا فقط.
إنه امتداد لحرب الإشارات بين واشنطن وطهران، وتحولات القوة في الإقليم، والتقاطع بين الخوف الإسرائيلي من خسارة الردع، ورغبة حزب الله في تثبيت قواعد جديدة، وحاجة القوى الدولية إلى منع انفجار واسع.
في وسط هذا المشهد المعقّد، تدخل القاهرة بصيغة جديدة:
دور مرن، هادئ، لا يرفع السقف ولا يخفضه، بل يضبط الإيقاع.
مصر تعود… ولكن بصيغة مختلفة
لسنوات ظلت القاهرة خارج ملفات الشمال، مكتفية بدور أعلى أو أدنى من الوساطة.
اليوم يتغير المشهد:
مصر تعود، لكن ليس كقوة “شرفية”، بل كقوة تدير توازنات دقيقة في منطقة هي الأكثر حساسية.
الحراك المصري في بيروت ليس مجرد زيارة، بل إعلان عودة إلى مركز المشهد العربي، في لحظة يحتاج فيها الإقليم إلى عقلٍ بارد وصوتٍ يعرف معنى الردع وحدود التهدئة.
وبهذا تتحول القاهرة من جديد إلى مهندس استقرار إقليمي، يدير الأزمات قبل انفجارها، لا بعدها.. .!!
باحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية