صوت بكين الخجول في الحرب على غزة
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
لاتزال الولايات المتحدة الأميركية هي اللاعب الرئيسي والمؤثر في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعيد عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول الماضي، على الرغم من وجود لاعبين إقليميين فاعلين مثل مصر وقطر.
الصين التي دعمت القضية الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي وقدمت السلاح لحركات التحرر الوطني وعلى رأسها «فتح» في عهد ماوتسي تونغ، هذه الصين ليست كما كانت من قبل، حيث تحسب خطواتها بالمسطرة وتقيم حساباً للاعب الأميركي في منطقة الشرق الأوسط.
السياسة التي تنتهجها الصين مع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تقوم على التوازن، انطلاقاً من عدة اعتبارات، أولها أن هناك علاقة شراكة اقتصادية جيدة بين بكين وتل أبيب، وهي تترسخ عاماً بعد عام، وثانياً أن هناك مصالح اقتصادية هائلة لدى الصين في منطقة الشرق الأوسط ولا تريد لها أن تتأثر بأي انعطافة في سياستها الخارجية مع إسرائيل.
أيضاً يمكن القول إن الصين لا ترغب في التنافس مع الولايات المتحدة على منطقة الشرق الأوسط، وحيث أن للأخيرة يداً طولى هناك والعديد من القواعد العسكرية المنتشرة في بعض الدول العربية. غير أن بكين ترى في سياسة «التمسكن حتى التمكن» مظلة تحقق لها منافع سياسية واقتصادية إلى أن تحين ساعة الصفر.
كل ذلك ينعكس على السياسة الخارجية الصينية التي دعت منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة بتصريحات دبلوماسية ناعمة، إلى وقف الحرب ومنع استهداف المدنيين العزل ومحاصرة الشعب الفلسطيني، وكانت واضحة بشأن موقفها الداعم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
تأمل بكين أن يتم حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بطرق سلمية وعبر التفاوض المباشر، لأن هذا الطريق مفيد بالنسبة لها ولا يجعلها تنحاز لأي طرف عن الآخر، ولأنها ترى في حل القضية الفلسطينية تزايد للنفوذ الصيني في المنطقة.
في خضم حدة الاستقطاب السياسي والانحياز الدولي للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لم تغضب الصين إسرائيل أبداً، ولم تضغط عليها بشأن تحييد استهداف المواطنين الفلسطينيين العزل، وكذلك الحال وقفت على مسافة واحدة بين تل أبيب والسلطة الفلسطينية وحركة «حماس».
في المحافل الدولية نعم، كان لبكين صوت ضد الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة سواء في مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، أو عبر استضافتها في قمة القاهرة للسلام 2023، لكنه صوت دبلوماسي خجول لا يعكس حجم وقوة ونفوذ الصين على الصعيد العالمي.
إن أكثر ما يشد انتباه السياسة الصينية هو منع توسع الصراع وانفجاره إلى حدود أكبر من جغرافية فلسطين المحتلة، لأن ذلك من شأنه أن يؤثر على مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها قبل 11 عاماً، والتي تعزز علاقاتها وشراكاتها التجارية بما يوسع من نفوذها العالمي.
كذلك لا تريد أن تحدث جلبة بانخراطها المباشر في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لأنها باختصار مرتاحة من فكرة الانشغال الأميركي والانحياز السخي وغير المحدود لإسرائيل، وترى بكين في هذا الانشغال عاملاً مهماً لتعزيز نفوذها في المحيطين الهندي والهادي.
وعدا عن انشغال واشنطن في دعم تل أبيب وتوجيه العديد من أسلحتها وقطعها البحرية إلى البحر المتوسط، ترى الصين في الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل طرفاً غير نزيه وسمعتها تتآكل في المحافل الدولية وبين شعوب العالم، وعلى العكس منها -الولايات المتحدة- تقدم بكين نفسها على أنها طرف محايد ونزيه ويمكن الوثوق به لحل الصراعات الإقليمية والدولية.
بالمختصر الصين تُقيّم علاقاتها بالدول وفقاً للمصالح الاقتصادية، ولديها مصلحة استراتيجية مع العرب الذين يغطون أكثر من نصف احتياجاتها من النفط، في حين تعتمد أيضاً على إسرائيل في الحصول على أشباه الموصلات سنوياً بحوالي مليار دولار.
المتتبع للعلاقات الصينية- العربية يلحظ تنامي الشراكة البينية بين الطرفين بسرعة كبيرة، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما حتى نهاية العام 2022 حوالي 431 مليار دولار، وبالنسبة لشراكة بكين مع تل أبيب فهي تنمو بوتيرة عالية، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 24 مليار دولار.
ثمة مقولة «المال يتحدث»، وهي تلخص نهج السياسة الخارجية الصينية الحذرة في التعامل مع الملفات الحسّاسة، خصوصاً حين تكون على علاقة اقتصادية جيدة مع أطراف النزاع، حينها ستبقى سلعها تتدفق بكثافة إلى تلك الدول وهذا هو مربط الفرس بالنسبة لها.
من جهة أخرى، يمكن القول إن العرب والفلسطينيين لا يتوقعون أن تُغيّر بكين من سياساتها وتقف إلى جانبهم وتدعمهم بـ»الباع والذراع»، وكذلك لا تتوقع إسرائيل أن تمارس الصين ضغوطاً عليها، ففي نهاية الأمر هناك لاعب رئيسي اسمه الولايات المتحدة وهي المتحكمة بقواعد اللعبة، ولن تسمح للصين أن تكون لاعباً رئيسياً ينافسها في هذه المنطقة.
(الأيام الفلسطينية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الحرب غزة الصين غزة الصين حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة منطقة الشرق الأوسط الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
إذا اندلعت الحرب.. هل تتمكن دول الشرق الأوسط من امتصاص صدمة أسعار النفط؟
تتواصل حلقات التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا، مدفوعة باتهامات أمريكية ثقيلة طالت شخصيات بارزة داخل دوائر الحكم الفنزويلي. فالحكومة الأمريكية تتهم مسؤولين في فنزويلا وبينهم قيادات عليا بالضلوع في قيادة شبكات تهريب مخدرات تعمل على إيصال شحنات كبيرة إلى الأراضي الأمريكية.
وتحولت هذه الاتهامات إلى ذريعة تتكئ عليها الإدارة الأمريكية لتصعيد ضغوطها على كاراكاس عبر حزمة واسعة من الإجراءات الأمنية والقضائية والاقتصادية، ما يعمّق منسوب التوتر بين الطرفين ويفتح الباب أمام احتمالات أكثر سخونة في المشهد الإقليمي والدولي.
وحشد ترامب القوات الأمريكية في المنطقة، وأرسل عددا كبيرا من السفن الحربية إلى منطقة البحر الكاريبي بالقرب من فنزويلا، منهم السفينة الهجومية البرمائية «يو إس إس إيو جيما» وأرصفة النقل البرمائية «يو إس إس سان أنطونيو» و «و إس إس إف تي لودرديل».
وسط هذه الأجواء المتوترة، كشفت وكالة رويترز تفاصيل “مكالمة حسّاسة” جمعت ترامب بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. ووفقًا لثلاثة مصادر للوكالة، قال مادورو إنه على استعداد لمغادرة فنزويلا شرط حصوله هو وأفراد أسرته على:
عفو قانوني شامل رفع جميع العقوبات الأمريكية إغلاق قضية رئيسية يواجهها أمام المحكمة الجنائية الدولية رفع العقوبات عن أكثر من 100 مسؤول من حكومتهكما طلب مادورو من نائبته ديلسي رودريجيز العمل على تشكيل حكومة مؤقتة قبل الذهاب إلى انتخابات جديدة.
ولكن ترامب بحسب المصادر رفض غالبية الطلبات، وأبلغ مادورو خلال مكالمة لم تتجاوز 15 دقيقة بأنه أمامه أسبوع واحد فقط لمغادرة البلاد، إلى أي وجهة يختارها، بصحبة عائلته.
وفي الوقت نفسه، كثّفت واشنطن إجراءاتها العقابية، ومنعت الطيران فوق فنزويلا، في خطوة وصفتها بأنها جزء من “الحرب على إرهاب المخدرات”، ما اعتبره مراقبون إشارة واضحة إلى أن الخيار العسكري لم يُسحب من الطاولة.
يحذر خبراء دوليون من أن أي مواجهة بين واشنطن وكاراكاس لن تظل محصورة في أمريكا اللاتينية، بل ستتردد أصداؤها في الشرق الأوسط ودول أخرى لعدة أسباب:
1. رسالة سياسية للقوى الإقليميةقد تستخدم واشنطن هذا الصراع لإيصال رسائل مباشرة إلى خصومها في مناطق أخرى، من بينها الشرق الأوسط، بأن لديها استعدادًا لفرض خيارات قسرية متى أرادت.
2. تأثيرات على سوق الطاقة العالميفنزويلا تمتلك أحد أكبر احتياطيات النفط في العالم. أي اضطراب كبير حتى لو لم يصل إلى حد الحرب، قد يُشعل أسعار الطاقة عالميًا.
وهذا الارتفاع ينعكس فورًا على الدول التي تعتمد على واردات النفط أو استقرار الأسعار، ومنها عدد من الدول العربية.
3. إعادة رسم توازنات النفوذ الدوليالدور الروسي والصيني في دعم فنزويلا قد يدفع موسكو وبكين إلى تحركات مضادة، وهو ما قد ينعكس على ملفات الشرق الأوسط حيث تتداخل المصالح بشكل كبير.
رغم بُعد الأزمة جغرافيًا، إلا أن آثارها قد تجد طريقها إلى الاقتصاد المصري بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ويمكن تلخيص أبرز نقاط التأثير المحتملة فيما يلي:
1- مستوى التدخل الأمريكي في فنزويلاضربة محدودة: تأثير متوسط على أسواق الطاقة.
صراع واسع: موجات اضطراب كبيرة في أسعار النفط والغاز عالميًا.
2- ردود الفعل الدوليةموقف الصين وروسيا، الشريكين التجاريين المهمين لمصر، سيكون له وزن في حسابات القاهرة.
3- أسعار الطاقةارتفاع أسعار النفط قد يزيد فاتورة استيراد المنتجات البترولية، ويضاعف الضغوط على الموازنة العامة.
4- صمود الاقتصاد المصري في مواجهة الصدماتوتعتمد درجة التأثر على: «حجم احتياطي النقد الأجنبي - استقرار تدفقات السياحة والتحويلات - قدرة الحكومة على إدارة أسعار الوقود داخليًا»
5. الضغوط السياسية والأمنيةأي تصعيد عالمي كبير عادة ما ينعكس على الشرق الأوسط، سواء عبر تحركات في الأسواق، أو زيادة التوترات، أو توجهات جديدة للسياسة الأمريكية.
اقرأ أيضاًترامب: هيجسيث لم يأمر بقتل طاقم القارب في الكاريبي وثقتي به كاملة
توتر بين الكونجرس والبنتاجون بعد الكشف عن أوامر قتل ناجين في الكاريبي
فنزويلا تعلق على توجيه ترامب بإغلاق مجالها الجوي