سودانايل:
2025-12-15@00:53:14 GMT

حرْب! هَجْرة و موت

تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT

طه جعفر الخليفة
قال صاد:
"إسمي صاد،ما يحجب ضوء الشمس و جلاءُ ألوان النجوم و الكواكب في سماء بلادي نوعٌ من الغبار العنيد. بما أن السماء في بلادي ليست صافية قررت الإقلاع عن التذكر. بالمناسبة الإقلاع عن التذكر سهلٌ جدا. حدث ذلك عندما توقفت فجأة عن شُرْبِ الخمْر، التدخين، سفّ السعوط و امتنعت عن الأكل المُصنّف و شرب الماء في أوقات ذروة العطش.

لا أعرف علي وجه التحقق لماذا تم نسيان بلادي؟ نسِيَت بلادي معظم شعوبُ الكوكب و تذكرتها شعوبٌ أخري قليلة. كنت متأكد من أن الشياطين و الملائكة و أهل المعتقدات المختلفة و آلهتهم قد نسوا بالكامل كل ما قيل و كُتِب في السابق عن بلادي. أظن في لحظات إحساسي بالشماتة من أن ما جعل الآخرين ينسون أمر بلادي هو تلك الأكاذيب التي يصدقها سكان بلادي عن أنفسهم. عندما ندمت مرة علي ترويجي للأكاديب حول بلادي إختفي إسمي و تاريخي الشخصي فصرت بلا هوية أو إسم.
تعرفون عن المتغيرات في علم الجَبْر و تعرفون عن صاد أنه متغير تابع. علاقتي بسين حميمة،دافئة و متقلبة. توقفت الدوال عن الإشارات لأشياء مفهومة. الدالّة تُشِير.
أمامي شاشة تلفاز ذكي، لابتوبان، مجموعة من الكتب التافهة و الأوراق غير ذات النفع في ماي قومل درايف عدد من الكتب الجيّدة بمعيار أيام التذكر و الإحتفاء الأخرق بالبلاد المنسية التي يتلصق تاريخها في تاريخي الشخصي و يلوثة بالخرافات و الأكاذيب الماضية نحو نهايات شديدة الخراب.
أذكر أن فلانة قالت "الخيال مصيدة، فرأئسها صور، قهقهات و ربما دموع و أحياناً أصوات . متوحشٌ من ينصب الشِراك""

سأكلمكم عن الطبيب حَمّو الذي عشق زهرة و هام بحبها فقرر السيطرة علي جمالها عبر إجراءت الزواج. زهرة جميلة و كاملة. نعم كاملة في جمالها طائف من سحر الصحراء. تداوت عبر علاقتها مع الدكتور حمّو من متلازمة ما بعد الصدمة. زهرة من فتيات المساليت الناجيات من مذابح الجنجويد في الجنينة و ما حولها. عمل حمّو مع منظمة أطباء بلا حدود في مالي و أفريقيا الوسطي و هو الآن مع بعثتهم في معسكرات أدري في الأراضي التشادية. في أول ظهور لزهرة في عوالمه جاءت كناجية تركت في الجنينة جثامين أهلها و أقصد الأب و الأم و الأخوات و الأخوان. ما أنجاها من الذبح و التقطيع بالفؤؤس أنها كانت في بيت جيرانها من أولاد راشد. أولاد راشد ليسو من أهداف الجنجويد الذين يريدون قتل المساليت فقط.
قال صاد
" بالمناسبة إلتقيت مع حمّو و زهرة في واحدة من مصيدات الخيال الغبية. تتزين زهرة بالدهن الحلو و زيت الكركار لأن امها ممرضة خريجة كلية التمريض في الخرطوم و أبوها تخرج في معهد الإتصالات السلكية و اللاسلكية. أرتبطت أمها بعلاقة حميمة مع ابوها أيام إقامتهم في الخرطوم. تزوجا و كانت زهرة آخر عنقودهما وُلِدت في الجنينة. الأب المتعلم و الأم المتعلمة هما سبب قطيعة زهرة مع الكريمات و مستحضرات التجميل عدا الجلسرين أيام البرد.
كتب حمّو مرةً عن نفسه : جَمْرَت بالوجْد قلبَه الأحزانْ. أحزانه مسافرة، هادرة و سادرة في غيّها المستمر. سأل نفسه كيف يجد القلبُ في هذا المكان القاحل حبّاً. النواحي حول أدْرِي خطرة.الشيطان يتعقب خطوات الهاربين. الدرب إلي أدْرِي مهْربٌ من الموت.
كثيرا ما كان يقول لنفسه حتي في معسكر النازحين لسنا بأمان. نسمع هدير المدافع في الجنينة من مكاننا في حدود تشاد. المسافة قصيرة فهي أقل من ثلاثين كيلومتراً.
جاءت عبر هذا الدرب. جِىء بها إلي المشفي المُتَكلَف لأنها كانت ترتجف. منهكة و حافية. مغطاة بالتراب الملتصق بعرق خوفها علي الأجزاء المكشوفة من جسمها. قام بما يلزم. قاس درجة حرارة جسمها. طلب من الممرض أن يأخذ منها عينات بول و دم.
كانت بالمشفي ممرضات من الكنغو و الكاميرن و طبيبة فرنسية شابة و عدد من المتطوعين السودانين. طلبت منه الطبيبة الفرنسية سيلين ضرورة معاينتها للتحقق من الإغتصاب، طلبت ذلك بنوع من الغضب. أعطاها أدوية و طلب منها انتظار مقابلة الطبيبة حتي يطفيء النار المتوقع إشتعالها لاحقاً مع سيلين. تهدمت زهرة علي الكرسي و جلست خائرة القوي. غشا وجهها خليط من الحزن و الخوف. أخذتها الطبية منتزعة إياها من حالة القنوط تلك. نادته ليقوم بالترجمة. رفضت زهرة الكلام و حملت أدويتها و غادرت. لم يثق في عودتها لأخذ بقية العلاج بعد ظهور نتائج الفحصوات. سألها هل عندك مكان تذهبين إليه؟ قالت نعم. تبعها قلبه أولا ثم نظراته المدماة بالفجائج المتواترة و الرغبة.
ذهب للإستراحة المخصصة للعاملين الذكور. تمدد في سريره يسترجع حصيلة اليوم من نكبات. زارت خاطره، إبتسم لها، رأها في حُلَة صيفية بمدينة بعيدة و متقدمة. قطع سكون خلوته صوت أحدهم يقول: يطلبونك في العيادة. عندما وصل إلي المشفي رأي ما أفقده مهنيته بالكامل عندما خلعت أسمالها. فتصبب عرقاً و استوثق من أنه مسحور و أنه في سبيله ليكون مَحَلّق آخر أمام تاجوجه التي مزّق الحزن، الخوف و العنف وجدانها. تعرّضت زهرة للإغتصاب.
لم تكن مشكلة بالنسبة له، عنده من المعرفة المهنية ما يطبب به جراح الجسد و أتعابه. عنده درجة معقول من الخبرة في التعامل مع إنتكاسات الروح جراء الفواجع" . إنتهي ما قاله صاد عن حمّو وزهرة

حمّو منتوج آدمي في سودان ما قبل حرب البرهان و حميدتي. بالمناسبة ما زالت تلك الحرب مستعرة. يعرف الجميع كيف بدأت. لا يعرفون متي تنتهي. يعرف الكثيرون أهداف هذه الحرب و البعض لا يعرف.
في سودان ما قبل الحرب يتزوج الطبيب مريضته، يغتصب المدرس تلميذته، يعتدي معلّم القرآن علي أطفال خلوته. يري بعض السودانيين من الشمال و الوسط أبناء دارفور و كردفان و غيرهم من أهالي النيل الأزرق أنهم "عبيد ساكت". كان أن صوّت الجنوبيون في إستفتاء عام 2011م علي الإنفصال و بناء دولتهم. لأنهم يأسوا من إستمرار الحروب، التهميش الإقنصادي و السياسي و القهر الثقافي.
عندما غادر حمّو رفقة زوجته زهرة مدينة تونس متوجها إلي فرنسا. انتهت زهرة من علاج الإكتئاب و تلقت تدريبا سيكلوجيا متقدما في التعامل مع متلازمة ما بعد الصدمة و مترتباتها. لم تكن فكرتهما الإستقرار في فرنسا. فانتظرا في باريس صدور تأشيرات دخولهم لبريطانيا. إستقرا هناك و يتابعان أخبار الحرب من السوشيال ميديا و محطات التلفزة العربية من شقتهم في ضاحية بيثنال قرين. كتبت هذه القصة لأنه قد جاء بالأخبار أن طبيب سوداني قد مات نتيجة عدة طعنات بسكين مطبخ في منزله بضاحية بيثنال قرين. يقال أن زهرة قتلته عندما عَلِمت بعلاقته مع الطبيبة الفرنسية سيلين التي تزوره هنا في لندن.
طه جعفر الخليفة
اونتاريو- كندا
2 فبراير 2024م
[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی الجنینة

إقرأ أيضاً:

عمر متولي يستعيد مواقف مؤثرة مع والدته الراحلة شقيقة عادل إمام: كانت صارمة وتملك حسًا كوميديًا

يمر الفنان عمر متولي بحالة حزن بعد وفاة والدته، شقيقة الزعيم عادل إمام، حيث أعاد رواد مواقع التواصل تداول مقاطع من لقاءات سابقة تحدث خلالها عن دورها الكبير في حياته وتأثيرها عليه.

وخلال حوار له منذ سنوات، أكد عمر متولي أن والدته كانت صارمة للغاية في تربيته، لكنها في الوقت نفسه كانت تمتلك حسًا كوميديًا واضحًا، مشيرًا إلى أنها كانت تهتم بدراسته بشكل كبير وتحرص على متابعته باستمرار.

وروى عمر متولي موقفًا طريفًا من طفولته، قائلاً إن والدته كانت تشبه شقيقها عادل إمام في الشدة، حيث اتصلت به في إحدى المرات وسألته عن مكانه، رغم أنه أخبرها بأنه في المدرسة، لتفاجئه بمعرفتها أنه متواجد في النادي مع أصدقائه، وهو ما جعله يوقن بقدرتها الدائمة على معرفة ما يخفيه عنها.

كما حكى عمر متولي هذا الموقف خلال ظهوره في برنامج مع النجم محمد هنيدي، مؤكدًا أن هذا الحدث كان نقطة فاصلة في علاقته بوالدته، وجعله أكثر التزامًا وصراحة معها.

ويعكس حديث عمر متولي عن والدته الراحلة حجم العلاقة الإنسانية القوية التي جمعته بها، والدور الكبير الذي لعبته في تشكيل شخصيته، سواء على المستوى الإنساني أو الفني.

https://www.facebook.com/share/v/1C89o3abcP/

طباعة شارك عمر متولي اخبار الفن نجوم الفن

مقالات مشابهة

  • عمر متولي يستعيد مواقف مؤثرة مع والدته الراحلة شقيقة عادل إمام: كانت صارمة وتملك حسًا كوميديًا
  • ثنائية رافينيا تُعزّز صدارة برشلونة
  • من البوسنة إلى أستراليا.. هذا ما تعلمته طفلة لاجئة عن حرب البوسنة
  • برشلونة.. «الفارق 7» بـ«ثنائية» رافينيا
  • ضمن مبادرة بداية.. مدرسة زهرة الثانوية المشتركة بالمنيا تكرّم أوائل الطلاب وحفظة القرآن الكريم
  • تداول المعلومات.. تسقط الشائعات
  • ابو زهرة يكرم وكيل وزارة الشباب والرياضة بإحتفالية اتحاد الكرة
  • جيرونا يُعمق جراح سوسيداد في «الليجا»
  • روضة الحاج: يا بلادي أنا بالبابِ وفي كفي الأناشيدُ التي كنتِ تحبينَ
  • مستشارة أسرية: الهاتف أحد عوامل زيادة المشاكل في البيوت لانشغال الأزواج به عن بعضهما