لجريدة عمان:
2025-06-26@12:41:37 GMT

تخطيط التنمية: المناطق الحرجة

تاريخ النشر: 10th, February 2024 GMT

هناك إرثٌ جيدٌ من تجربة التخطيط التنموي في سلطنة عُمان يمكن البناء عليه ومواءمة دروسه للتواكب مع المرحلة الراهنة، أو مع المعطيات المستقبلية. فالناظر إلى هيكل الخطط التنموية (الخمسية) ومساراتها والتي بدأت في سبعينيات القرن الفائت يجد أن حوكمة منظومة التخطيط التنموي بنيت على أسس واضحة، وجُرِّبت مع تعاقبها عديد الممارسات التي كانت تتناسب مع تلك المرحلة، سواء فيما يتعلق بإيجاد وحدات معنية بحوكمة التخطيط والتنفيذ والتقييم، أو بناء الخطط اللاحقة على تقييم المعطيات الدقيقة للخطط السابقة، أو فيما يتصل بأبعاد التركيز القطاعي ومعالجة الأوضاع القائمة، أو تجديد الممارسات المرتبطة بالتخطيط الإقليمي.

هذا الإرث استفادت منه الرؤية الاقتصادية (عُمان 2020) وما انبثق عنها من خطط تنموية لاحقة. وصولًا للمرحلة الحالية في سياق رؤية (عُمان 2040). لكن المرحلة الحالية تطرح جملة من الأسئلة فيما يتصل بتخطيط التنمية. وهنا لا نتحدث عن ربط مستويات التخطيط، أو آليات التحقق من مؤشرات الأداء والمستهدفات؛ بقدر ما نتحدث عن (فلسفة تخطيط التنمية) في كلياتها وأسئلتها الكبرى، ومنها: هل ما زلنا نحتاج إلى المدى المتوسط (الخطط الخمسية) في تخطيط التنمية، أم أن هناك ضرورة لمراجعة هذا المدى أو التعامل معه بنهج أكثر تفصيلًا؟ وكيف نضمن أن تكون الخطط الموضوعة أكثر مرونة في التعامل مع عالم يتسم بالتقلب، والديناميكية، والغموض، وسرعة المتغيرات، وتعقيد تأثيراتها؟ وكيف ندمج فكرة (قواطر التنمية) ونضعها في قلب نماذج التنمية؟ وكيف نتعامل مع المعطى الجديد في نموذج التنمية في سلطنة عُمان (اللامركزية) ونضمن أن يكون التخطيط الإقليمي متسقًا مع التخطيط الوطني؟ وما هي شبكة التشاركية التي تضمن لنا وجود خطط تنموية أكثر ملامسة للحاجيات المجتمعية والقطاعية، وفي ذات الوقت محققة للتنافسية الوطنية؟

تلك أسئلة رئيسية، تتبعها العديد من الأسئلة التفصيلية. ولكن يمكن القول أن مطلع الألفية شهد تحولًا عالميًا في سياق تخطيط التنمية، حيث تزايد عدد الدول التي تضع إطارًا للتخطيط التنموي، وغالبية هذه الدول تنتهج نمط الخطط الخمسية، هذا التحول أسهم فيه صعود فكرة أهداف التنمية المستدامة، ومن قبلها الأهداف الإنمائية للتنمية، حيث أصبحت أجندة التنمية العالمية تعزز ثقافة ونمط التخطيط التأشيري، والتخطيط التشاركي، وتركز أيضًا على نقطة أن (تمويل التنمية) هو العامل الحاسم في نجاح الأجندة التنموية، وما يؤطرها من أهداف سياسية. تشير خلاصات دراسة بعنوان: «The ‘New’ national development planning and global development goals: Processes and partnerships» إلى أن «الخطط التنموية للبلدان الغنية بالموارد الطبيعية أصبحت بعد الألفية تركز بشكل واضح على «التحول الهيكلي» لاقتصاداتها من خلال تعزيز التنويع الاقتصادي. وفي بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هناك تركيز على الحد من الاعتماد على الموارد الطبيعية وعلى خلق فرص العمل، ويتم تمييز الشباب باعتبارهم مجموعة تحتاج إلى اهتمام خاص». وفي تحليل أنماط نهج وضع الخطط تشير ذات الدراسة إلى غالبية خطط التنمية في دول العالم اليوم تحتوي على دليل على مشاركة مجموعات أخرى غير النخب البيروقراطية والسياسية والشركات، إضافة إلى وجود تشاور اجتماعي أوسع نطاقا بشأن ما يشكل القيم والأولويات الوطنية. وهو ما يعكس التواصل والتفاوض مع أصحاب المصلحة المتعددين، الداخليين والخارجيين.

في السياق المحلي نعتقد بضرورة أن يراجع منظور التنمية الراهن المدى الزمني لوضع الخطط التنموية، إما بتقليص ذلك المدى أو وضع إطار كلي خمسي وتجزئته إلى (برامج تنفيذية سنوية) يكون لها محدداتها ومؤشراتها وآليات واضحة لمتابعتها؛ وهو ما يضمن تواكب تلك الخطط مع سرعة المتغيرات وحداثتها وتأثيراتها. نعتقد كذلك بإدماج أربع منظومات أساسية في وضع خطط التنمية وهي: منظومة المخاطر الوطنية المتوقعة، منظومة استشراف المستقبل الكلي والقطاعي، منظومة المشاركة الاجتماعية، منظومة التخطيط الإقليمي. فمنظومة المخاطر الوطنية ستعنى بإيجاد توقعات قصيرة - متوسطة المدى للمخاطر المتوقعة، والآليات والبرامج والمشروعات والإجراءات ومنظومات التمويل اللازمة للتعامل معها خلال أمد الخطة. أما منظومة استشراف المستقبل الكلي والقطاعي فهي ستعنى بتطوير السيناريوهات المتوقعة لمسارات مجالات الخطة ومحاور تركيزها، وآليات تكييف الخطة للتعامل المرن مع متغيرات المستقبل، أما منظومة المشاركة الاجتماعية فستتيح تنويع أطر التخطيط تصاعديًا وتنازليًا للموازنة بين رؤى المجتمع بمختلف أطيافه، ورؤى المخططين التنمويين والخبراء القطاعيين. أما منظومة التخطيط الإقليمي فنتوقع أن تضع الخطط التنموية فصلًا مخصصًا لمشروعات المحافظات على المستوى الاستراتيجي بما يتضمن آلياتها ومشروعاتها لتحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للتنمية العُمرانية ومختلف الاستراتيجيات الوطنية القطاعية الأخرى.

على مستوى الموضوعات، فإن الخطط التنموية المقبلة أمام خمس مناطق حرجة، وهي: آليات التعامل مع المعطيات الديموغرافية من خلال السياسات السكانية، وآليات الانتقال من توفير الخدمات الأساسية إلى تجويد وتنافسية تلك الخدمات، إضافة إلى الطرق والآليات التي يمكن من خلالها تمكين منظومة الدولة والمجتمع في عالم تسيطر عليه المعطيات التقنية بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والانتقال إلى الفعل بدلًا من التلقي التقني. عوضًا عن ضرورة تحديد القطاعات القاطرة للتنمية Sectors driving development سواء في مجالات التنويع الاقتصادي أو في تعزيز تنافسية القوى الثقافية والناعمة لسلطنة عُمان، أو فيما يتصل بالقطاعات القاطرة والمحققة لجودة الحياة. أما المنطقة الخامسة فهي تتصل بالطرق التي يمكن من خلالها الاستثمار في معطى الجيل الصاعد (فكريًا، ثقافيًا، ابتكاريًا، وتقنيًا) وتوظيفه لتسريع وتنافسية التنمية المحلية. لا يمكن كذلك إهمال المخاطر العالمية - خاصة تلك التي يشير إليها تقرير المخاطر العالمية 2024 - الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، ومنها مخاطر الاستقطاب المجتمعي، وثورة المعلومات المضللة، وفقدان التنوع البيولوجي، عوضًا عن الطقس المتطرف، والهجمات السيبرانية. فكل تلك المخاطر اليوم تضرب في صميم استدامة عمليات وبرامج التنمية، وتقوض جهودها، وتقف عائقًا أمام تحقيق مستهدفاتها.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التخطیط الإقلیمی الخطط التنمویة تخطیط التنمیة

إقرأ أيضاً:

"بلدي ظفار" يناقش تطوير المشروعات التنموية والخدمية

صلالة- العُمانية

ناقش المجلس البلدي بمحافظة ظفار أمس عددًا من المشروعات التنموية والخدمية والإسكانية والبيئية وسبل تطويرها في مختلف ولايات المحافظة، وجاهزية الجهات المعنيّة لموسم خريف ظفار 2025.

واطّلع المجلس خلال اجتماعه السادس لهذا العام برئاسة صاحب السمو السيّد مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار رئيس المجلس، على جهود المديرية العامة للإسكان والتخطيط العمراني بالمحافظة، في ضوء الزيارة الميدانية التي قام بها إلى المديرية للتعرف على الخدمات المقدمة وآليات العمل المتبعة، بالإضافة إلى جولات شملت بعض المواقع من بينها حي الشروق ومنطقة الدهاريز؛ للوقوف على التصورات والرؤى المستقبلية لمشروع المدينة المستقبلية.

وفي إطار السعي لتحقيق نقلة نوعية في مجال الإرشاد السياحي والخدمي بمحافظة ظفار، بحث المجلس العديد من المقترحات لرقمنة اللوحات الإرشادية في المحافظة بما يُسهم في تحسين تجربة الزوار والسائحين، وتوفير معلومات حول المواقع والمعالم السياحية والخدمية.

وقدّمت بلدية ظفار عرضًا مرئيًّا حول "مشروع الحزام الأخضر"، الذي يهدف إلى مكافحة التصحر، وتحسين جودة الهواء، وتعزيز الغطاء النباتي في ولايات محافظة ظفار، ويُعد أحد المبادرات البيئية الاستراتيجية التي تنفذها البلدية تدريجيًا، بدءًا من المناطق الحضرية والصناعية، ووفقًا للموارد المتاحة. كما ناقش المجلس خطة البلدية لإعداد أنظمة خاصة بالتشجير، إلى جانب تقييم قدرات المشاتل المحلية، والتنسيق مع الجهات المعنيّة لضمان توفير شبكة فاعلة لاستخدام المياه المعالجة في ري المساحات الخضراء ضمن مشروع يتضمن أبعادًا اقتصادية واجتماعية، تُسهم في استغلال تلك المساحات في أنشطة مجتمعية وسياحية مستدامة، بما يعزّز جودة الحياة والاقتصاد المحلي بالمحافظة، ويساند أهداف التنمية المستدامة.

من جهة أخرى، استعرض المجلس البلدي بمحافظة ظفار عددًا من الموضوعات التي خرجت بها اجتماعات اللجان الرئيسة مع الجهات المختصة من بينها مقترحات للحد من تشغيل العمالة الوافدة في مكاتب سند للخدمات، وتعزيز التحول الرقمي، وتفعيل دور مجلس أمناء المساجد، إلى جانب بحث فرص الاستثمار في مختلف الأنشطة الصناعية والتجارية والخدمية في مدينة ريسوت الصناعية.

كما تطرق الاجتماع إلى عددٍ من الردود الواردة من الجهات المعنيّة، منها إفادة شركة نماء لخدمات المياه حول الجهود التي تتبعها للتأكد من جودة المياه والالتزام التام بالمعايير والمقاييس المعتمدة لجودة المياه لا سيما في مدارس الشريط الجبلي والبادية.

مقالات مشابهة

  • الاقتصاد السورية وميرسي كور تعززان الشراكة التنموية
  • أكد الارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين.. أمير المدينة: القيادة تهتم بدعم مسارات التنمية الشاملة
  • "بلدي ظفار" يناقش تطوير المشروعات التنموية والخدمية
  • العنقري: الأجهزة العليا للرقابة شريكًا أساسيًا في دعم جهود التنمية الوطنية
  • أمير حائل يطّلع على آخر مستجدات المشاريع التنموية بالمنطقة
  • قمة مصر للأفضل تمنح وزيرة التنمية المحلية جائزة الإنجاز الوطنية 2024
  • قمة مصر للأفضل تمنح وزيرة التنمية المحلية جائزة الإنجاز الوطنية لعام 2024
  • صمت رسمي بشأن هدنة ترامب .. نتنياهو يحاول ضبط إيقاع المرحلة الحرجة باجتماع وزاري مصغر
  • ما قصة المسيرة الإيرانية شاهد 101 التي سقطت في العاصمة الأردنية؟
  • مبادئ التخطيط الشخصي في لقاء حواري بكلية الآداب في حمص