برلين- اهتم تقرير مؤتمر ميونخ للأمن لعام 2024 بشكل لافت بتداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، وقال إن "الحرب التي تلت هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي هزت المنطقة، وربما عطلت التوجه نحو تحول عملي في السياسة الخارجية للدول الإقليمية".

ومن بين التوجهات التي تعطلت حسب التقرير "إعطاء الأولوية لتهدئة التصعيد وتحقيق الاستقرار في المنطقة"، خصوصا على ضوء اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية، والتي مكنت إسرائيل من تصدير 24% من صادراتها من السلاح إلى دول وقّعت هذه الاتفاقيات.

ويمثل التقرير مقدمة للمؤتمر الذي سيُعقد في ميونخ بين 16 و18 فبراير/شباط الجاري، ويحضره قادة ومسؤولون من دول العالم.

وأبرز التقرير وجود تخوف من "اندلاع حريق إقليمي هائل"، خصوصا مع "استمرار إسرائيل في حملتها العسكرية في غزة، واستمرار وكلاء إيران في لبنان واليمن وسوريا والعراق في تكثيف هجماتهم على القوات الإسرائيلية والأميركية"، مما يهدد بـ"تبديد الآمال الأولية للتقارب في الشرق الأوسط".

تقرير مؤتمر ميونخ للأمن أثار مخاوف من زيادة التسلح في المنطقة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي (وكالة الأناضول) تخوف غربي

"كان هناك تصور غربي أن المنطقة أضحت آمنة قبل عملية حماس، لكن اتضح العكس" يقول مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط في جنيف حسني عبيدي للجزيرة نت، لافتا إلى أن الغرب يدرك أن اتفاقيات السلام تلاشت وأن تداعيات الحرب كبيرة جدا.

ومن أسباب الاهتمام الغربي بالحرب القرب الجغرافي للشرق الأوسط من أوروبا، وكذلك تهديد الأمن الاقتصادي الأوروبي في مجال الطاقة وتأمين الملاحة البحرية، فضلا عن تسريع الحرب في خلق نظام دولي جديد لن يكون بالضرورة أميركيا، يوضح عبيدي الذي يعمل كذلك أستاذا محاضرا في جامعة جنيف.

وذكر تقرير ميونخ للأمن أن الشرق الأوسط منقسم بخصوص العلاقات مع إسرائيل، وأن الحرب الحالية "أعادت المشاعر المناصرة للفلسطينيين بين شعوب عربية عدة"، مما دفع القادة إلى "السير على خط رفيع" لاسترضاء مواطنيهم مع ضمان عدم قطع العلاقات مع إسرائيل.

كما بينت الوثيقة أن "خطة شاملة وذات مصداقية للتوصل إلى تسوية سياسية طويلة الأمد وطريقة للحوكمة في غزة بعد الحرب أمر حاسم"، لكن كذلك يعتمد على أمور عدة، منها تدخّل القوى الخارجية والأطراف الإقليمية وطريقة ردود إيران وطبيعة إدارة إسرائيل للحرب.

وتعليقا على التقرير يوضح كاوه حسن -وهو باحث غير مقيم في مركز ستيمسون- أن "التقرير لم يأت بأي شيء جديد في ما يتعلق بتطورات المنطقة، كل ما قام به هو إعادة إنتاج التحليلات الموجودة حاليا"، لكنه يشير إلى أن الغرب عموما يتخوف من تأثيرات الحرب، لأن "عملية حماس كانت كبيرة جدا، ولم يتخيل أحد -ومنهم حماس نفسها- أن تكون بهذا الحجم وأن تؤدي بالتالي لكل هذه التداعيات".

ويضيف حسن للجزيرة نت أن تداعيات الحرب تشغل بال الغرب، فـ"النتائج كارثية جدا في غزة، خصوصا الوضع الإنساني، والأسئلة حول مآل الوضع السياسي لا تزال معلقة، خاصة من شكل الحكم الفلسطيني للقطاع، فضلا عن تخوف الغرب من فقدان نفوذه في المنطقة".

استمرار التسلح

وقال التقرير إن "هجوم حماس أعاد انتباه العالم للانقسامات في الشرق الأوسط"، خصوصا ما يتعلق بالتسلح، مبينا أن دول الشرق الأوسط أنفقت ما متوسطه 3.9% من ناتجها المحلي الإجمالي على التسلح في عام 2022 مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 2.2%، وضمن الدول العشر الأولى في العالم هناك 7 دول من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وركز التقرير كذلك على التسليح الأوروبي والأميركي لهذه الدول، إذ تلقت دول الشرق الأوسط 40% من مجموع صادرات الأسلحة الأميركية و34% من صادرات الأسلحة الفرنسية في 4 سنوات.

ويشير التقرير إلى أن التحرر من التبعية للولايات المتحدة في مجال التسلح تسبب كذلك في ارتفاع نفقات الدفاع لدول كالسعودية.

ووسط لعبة التحالفات الدولية، يؤكد الخبير حسني عبيدي أن القوى الإقليمية في الشرق الأوسط كانت تبحث عن استثمار ما لديها من أوراق لأجل ضمان مكان في النظام الإقليمي الجديد، خصوصا بعد تحررها من الضغوط الأميركية في أعقاب الحرب الأوكرانية الروسية.

لكن الحرب على غزة "غيّرت المعادلة وأعادت مركزية القضية الفلسطينية مجددا على المستوى الشعبي" يضيف الخبير، لكن في الوقت ذاته تبحث جل دول المنطقة عن خفض التداعيات الأمنية على حدودها، والعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

من جانبه، يقول كاوه حسن "هناك نوع من عدم الثقة بين عدد من دول المنطقة، خصوصا لدى لاعبين رئيسيين كالسعودية وإيران وتركيا، ولا توجد منظمة إقليمية تقوم فعليا بتسهيل الحوار بين هذه الدول".

ويوضح حسن أن المنافسة الإقليمية والتخوف من الطرف الآخر عاملان يفاقمان التسلح.

تقرير مؤتمر ميونخ للأمن أشار إلى الدور الصيني في إبرام المصالحة بين السعودية وإيران (غيتي إيميجز) الصين تهتم

وأشار التقرير إلى "الاتفاق التاريخي" بين السعودية وإيران، وذكر دور الصين في المصالحة رغم الاستدراك أن "سماح الرياض لبكين بإتمام الصفقة جاء لجلب اهتمام الولايات المتحدة"، لافتا إلى أن الرياض لا تزال تقود الجهود الرامية لاحتواء إيران، خصوصا في ما يتعلق بالحوثيين، وكذلك في ما يخص التسلح النووي.

وتهتم الصين بالمنطقة بشكل كبير، ويتمثل كذلك -حسب المصدر ذاته- في دعوتها للانضمام إلى منظمات للتعاون الاقتصادي، كدعوة منظمة "بريكس" مصر وإيران والسعودية والإمارات إلى الانضمام، وكذلك انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون، ومقرها بكين.

ويرى التقرير أن دول الشرق الأوسط ترى أن واشنطن تريد تقليص حجم نفوذها في المنطقة وتحويل التركيز إلى منطقة المحيطين الهندي والهادي، فيما تكثف الصين جهودها في المنطقة، وأضحت الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون الخليجي، لكن أميركا لا تزال المزود الأول للمنطقة في المجال الأمني.

ويعلق كاوه حسن بأن "الصين تهدف بالتأكيد إلى أن تتحول للاعب رئيسي في المنطقة، وستحاول الاستفادة من الحرب الحالية ومن الغضب الشعبي ضد الغرب بسبب دعمه اللامحدود لإسرائيل حتى تكون وسيطا إقليميا مقبولا في عمليات السلام".

وتابع أن هذه الرغبة الصينية محكومة بضرورة طرح بكين إستراتيجية سياسية وعسكرية، وهو ما يبقى صعبا تقييمه من الآن، خصوصا الجزم بتعويض الصين للولايات المتحدة.

من جانبه، يؤكد حسني عبيدي أن الصين هي أكثر دولة تستفيد مما يجري، وأن دبلوماسيتها لم تظهر بعد بكامل قوتها، مبينا أن استفادتها بدأت منذ استنزاف القدرات الغربية في حرب أوكرانيا، سواء العسكرية أو الاقتصادية.

ويشدد الخبير على أن "السردية الغربية بشأن عدم مطالبة الصين دول المنطقة باحترام حقوق الإنسان هي سردية متجاوزة، لأن الغرب قوّى علاقاته مع دول لم تقم بأي إصلاحات في هذا المجال".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الشرق الأوسط فی المنطقة إلى أن

إقرأ أيضاً:

نهاية الحرب التجارية بين الصين وأمريكا مكسب للجميع

ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

ما زال الكثيرون يتجادلون حول ما إذا كان الاتفاق الذي توصلت إليه كل من الصين والولايات المتحدة في محادثاتهما التجارية في جنيف، بسويسرا، خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، والذي يدخل حيّز التنفيذ يوم الأربعاء، يُعدّ انتصارا للصين أم للولايات المتحدة.

بيان البيت الأبيض وصف الاتفاق بأنه «انتصار تاريخي» للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. بينما قالت بعض وسائل الإعلام الأمريكية إنه انتصار للصين. حتى وزير الخزانة الأمريكي الأسبق لاري سامرز كتب على منصة «إكس» أن ترامب «رمش أولا».

لكن جميع هؤلاء مخطئون. فالاتفاق، الذي قد يكون بداية نهاية هذه الجولة من النزاع التجاري، هو مكسب مشترك للصين والولايات المتحدة والعالم بأسره.

نظرًا للترابط الكبير في الاقتصاد العالمي، ولا سيما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإن وقف الحرب الجمركية بين أكبر اقتصادين في العالم يُعد خبرًا سارًا للتجار والمصنعين والمستثمرين وتجار التجزئة والمستهلكين في مختلف أنحاء العالم.

وقد أدى إعلان الجانبين عن تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 115% إلى ارتفاع مؤشرات أسواق الأسهم في الولايات المتحدة وآسيا والمحيط الهادئ.

ويبدو هذا التفاؤل جليًا في العناوين الإخبارية. فقد نشرت قناة (سي. إن. بي. سي) عنوانًا يقول: «التخفيف الجمركي بين الولايات المتحدة والصين يسمح بعودة المنتجات إلى الرفوف قبل عيد الميلاد»، بينما عنونت (سي. إن. إن) تقريرها بالعنوان الآتي:«الرسوم الجمركية دمّرت موانئ أمريكا. قريبًا، قد تواجه هذه الموانئ ازدحامًا بسبب تخزين السلع».

ويحدو الأمل الكثيرين بأن تمدد فترة التسعين يومًا هذه بشكل دائم. وكما أثبتت الأضرار الاقتصادية الهائلة التي سببتها الحرب الجمركية على الصين والولايات المتحدة ودول أخرى خلال الأشهر الماضية، فإن الحروب التجارية لا تفرز رابحين، ويجب عدم إطلاقها من الأساس.

وتأتي نتيجة المحادثات مشجعة، خاصة بعد التوترات الحادة التي سبقتها، والتوقعات المنخفضة التي عبّرت عنها وسائل الإعلام والمحللون في الولايات المتحدة.

وبصفتي صحفيًا غطى مجريات المحادثات في جنيف، فقد جاءت النتيجة مفاجئة وسارة، بينما كنت أستمع إلى نائب رئيس الوزراء الصيني «خه ليفنغ» في المؤتمر الصحفي مساء الأحد، وأتابع تصريحات وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت والممثل التجاري الأمريكي جيميسون غرير.

لقد مر وقت طويل منذ أن سمعنا مسؤولي البلدين يثنون على بعضهم البعض من حيث المهنية والاجتهاد والكفاءة، بعد سنوات من الخطاب السلبي خلال إدارة جو بايدن. كما مر وقت طويل منذ أن أعلن الطرفان عن تحقيق -تقدم جوهري- في المفاوضات، وصولًا إلى «توافقات مهمة».

وكان من اللافت للنظر اتفاق الطرفين على إنشاء آلية تشاور دائمة حول القضايا الاقتصادية والتجارية بهدف معالجة مخاوف كل طرف. وهذا يذكّرنا بآليات الحوار رفيعة المستوى التي كانت قائمة بين البلدين قبل سنوات، مثل - الحوار الاستراتيجي والاقتصادي- واللجنة المشتركة للتجارة-، والتي غطيتها عن كثب خلال سنوات عملي في الولايات المتحدة.

وقد قامت تلك الآليات بدورٍ مهمٍّ في تعزيز التواصل والتفاهم، ومعالجة القضايا الخلافية. ويمكن، بل ويجب، إعادة إحياء العديد منها في إطار الآلية الجديدة المقترحة.

في ديسمبر الماضي، قال ترامب، عندما كان رئيسًا منتخبًا، في مؤتمر صحفي بمارالاغو: «بإمكان الصين والولايات المتحدة أن تعملا معا لحل جميع مشاكل العالم». وهذا القول صحيح، خصوصًا عند الحديث عن التحديات العالمية الكبرى، مثل الحفاظ على الاستقرار والازدهار الاقتصادي، ومحاربة الإرهاب، ومواجهة التغير المناخي، وتحقيق السلام العالمي.

لكن لتحقيق ذلك، من الضروري أن تحل الصين والولايات المتحدة خلافاتهما من خلال آلية التشاور الجديدة، لا من خلال التصعيد والحروب الجمركية. وكانت محادثات جنيف خطوة أولى واعدة نحو إعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح.

وكما أكد القادة والدبلوماسيون الصينيون مرارًا، فإن التعاون يصب في مصلحة البلدين، بينما المواجهة تضر بهما معًا. ولا خيار أفضل من التعاون البناء.

تشن ويهوا هو رئيس مكتب صحيفة تشاينا ديلي في الاتحاد الأوروبي.

عن صحيفة الصين اليوم

مقالات مشابهة

  • ليس فقط لإنتاج الطاقة.. الصين تغطي الجبال بالألواح الشمسية
  • نائب أمير الشرقية يطّلع على تقرير جمعية “نور” للدعوة والإرشاد
  • كريم عوض ضمن قائمة أبرز 30 قائدًا ماليًا في الشرق الأوسط
  • عقدة أوكرانيا.. لماذا فشل الغرب في هزيمة روسيا حتى الآن؟
  • رئيس دفاع النواب: مصر لخصت حل قضية الشرق الأوسط في قمة بغداد
  • الحرب التجارية تتسبب بخسائر لشركات الشحن الجوي بين الصين وأميركا
  • نهاية الحرب التجارية بين الصين وأمريكا مكسب للجميع
  • الأردن: تداعيات الحرب على غزة ستمتد لأعوام طويلة
  • رئيس الوزراء الأردني: تداعيات الحرب في غزة ستمتد لأعوام طويلة
  • ترامب يدعم إنشاء أضخم مركز للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط لمواجهة الصين