الدويري: المقاومة تعتمد حرب العصابات ولم ترفع الراية البيضاء
تاريخ النشر: 19th, May 2025 GMT
أكد الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري أن كمين بيت لاهيا الذي نفذته كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- يأتي في إطار إستراتيجية جديدة تعتمد على "حرب العصابات والاستنزاف"، التي تنتهجها المقاومة الفلسطينية بعد 19 شهرا من القصف الجوي والقتال البري والحصار المطبق.
وكانت كتائب القسام قد أعلنت اليوم الاثنين أن عناصرها نفذوا كمينا مركبا في منطقة "العطاطرة" غرب بيت لاهيا شمالي القطاع، استهدفوا خلاله 3 آليات صهيونية بعبوتي شواظ وقذيفة تاندوم، ثم اشتبكوا مع قوة صهيونية أخرى.
وأكدت الكتائب أنها أوقعت أفراد القوة الإسرائيلية بين قتيل وجريح، ورصدت هبوط مروحيات لنقل المصابين يوم الجمعة الماضي.
وأوضح الدويري، في تحليله للعملية التي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف الاحتلال، أن هذا التحول في الإستراتيجية جاء بفعل أن حرب المواجهة المفتوحة لم تعد ممكنة بالنسبة للمقاومة في الظروف الراهنة.
وأضاف أنه من المتوقع جدا حدوث مثل هذه الكمائن لأن مقاربة المقاومة الآن تعتمد على قتال حرب العصابات.
ورغم إقراره بأن قدرات المقاومة انخفضت بسبب القصف الذي ألحق ضررا بصفوف القيادة المتقدمة، فإن الدويري أشار إلى أن المقاومة لم ترفع الراية البيضاء، وتمتلك القدرة على التكيف والتأقلم مع طريقة إدارة المعركة.
إعلان
خصوصية كمين بيت لاهيا
أوضح الدويري أن كمين بيت لاهيا ليس الأول من نوعه، مشيرا إلى سلسلة من الكمائن السابقة مثل كمائن بيت حانون وكمائن في شرق التفاح وكمائن الشجاعية وكمائن خان يونس، وكمائن رفح، سواء كانت كسر السيف أو أبواب الجحيم.
وحول خصوصية موقع الكمين في منطقة العطاطرة ببيت لاهيا، أشار الخبير العسكري إلى أن هذا المكان مماثل بصورة 90% لكمائن كسر السيف، لأنه يقع في أقصى شمال بيت لاهيا.
وأضاف أن منطقة العطاطرة تقع في بدايات المناطق المبنية على نسق كمائن كسر السيف نفسه، التي كانت على مقربة من طريق العودة الترابي الذي يبعد 300 متر عن الحدود.
وقدّر الدويري المسافة بين موقع الكمين والسياج الحدودي بـ1800 إلى 2000 متر، موضحا أن الكمين كان متوقعا لأن جيش الاحتلال دخل إلى ما يوصف بعش الدبابير.
وفي مقارنة بين المناطق المختلفة في شمال غزة، أوضح الدويري أن منطقة بيت حانون تعرضت إلى تدمير يفوق ما تعرضت له منطقة العطاطرة وبيت لاهيا، مشيرا إلى أن معظم التدمير الذي تمّ في بيت لاهيا كان من خلال القصف الجوي أكثر منه من الدخول البري.
إستراتيجية المقاومة
ولفت الدويري إلى أن المقاومة ما زالت تحتفظ بقوتها، وإنْ كانت ليست بالقوة ذاتها التي كانت عليها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أو في الأشهر الأولى بعده.
وأوضح الخبير أن المقاومة تعمل على إدامة قدراتها القتالية من خلال ثلاثة أبعاد رئيسية:
البعد البشري: من خلال عمليات التجميع. البعد المادي: من خلال توظيف الهندسة العسكرية للاستفادة من مخلفات العدو التي لم تنفجر. البعد الاستخباري: حيث لا تزال تملك منظومة استخبارية متطورة.وأضاف الخبير العسكري: كما نجحت كتائب القسام في فريق العودة في الزاوية الشمالية الشرقية من بيت حانون، تمكنت من النجاح في هذه المنطقة أيضا وفي شرقي رفح، وكلها مؤشرات على أن المقاومة ما زالت موجودة.
إعلانأوضح الدويري أن الرسالة المتعددة الأوجه التي تسعى المقاومة لإيصالها من خلال هذه العمليات تتمثل في الحؤول دون تحقيق اختراقات عميقة تسمح لجيش الاحتلال وآلياته للوصول إلى ما تبقى من مدنيين.
وأشار إلى وجود 50 ألف مدني في محافظة الشمال ومليون مدني تكدسوا في مناطق معينة.
وأكد أن المقاومة تحاول أن تنفذ عملياتها بمقاربة ميدانية معينة تحول دون تحقيق اختراقات عميقة من خلال إيقاع القوات المتقدمة بكمائن مركبة توقع خسائر، مشيرا إلى أن جيش الاحتلال في فترة الخسائر بالنسبة له وهذا أمر خطير جدا.
البعد السياسي للعمليات
وفيما يتعلق بتأثير الخسائر البشرية على قرارات الاحتلال، لفت الدويري إلى أنها باتت تمثل معضلة سياسية أكثر منها عسكرية.
وأوضح أن الإعلان عن سقوط قتلى في المرحلة الحالية يختلف وأصبح أكثر إيلاما عن الإعلان عن سقوط العدد نفسه في الأشهر الأولى من الحرب.
وأشار الدويري إلى تغير في موقف المجتمع الإسرائيلي، قائلاً: في الأشهر العشرة الأولى كانت هناك وحدة في المجتمع الإسرائيلي ووحدة في القيادة السياسية والعسكرية.
أما الآن فالجميع يصر -باستثناء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وبعض وزراء أقصى اليمين مع القاعدة اليمينية- على أن هذه المقاربة العسكرية لا تفضي إلى نتائج ذات قيمة ولا يمكن أن تساعد على إنقاذ الأسرى.
وحول البعد السياسي للعمليات العسكرية الإسرائيلية، يرى الخبير العسكري أن الكل مجمع، باستثناء اليمين المتطرف، على أن هذه المعركة الحالية المسماة عربات جدعون هي لخدمة نتنياهو شخصيا ولخدمة أهدافه السياسية وبقائه السياسي.
وأضاف أن المقاومة تحاول أن توقع الخسائر لأن وقعها على الشارع في الكيان الإسرائيلي سيكون مختلفا، مذكرا بكمين البريج الذي أسفر عن مقتل 22 جنديا في لحظة واحدة.
إعلانوأشار إلى أن جيش الاحتلال يدفع ضريبة الدم من أجل بقاء نتنياهو على رأس الحكومة، في إشارة إلى الأهداف السياسية التي باتت تطغى على الأهداف العسكرية في استمرار العمليات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الخبیر العسکری أن المقاومة بیت لاهیا من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
الوزن العربي في التأثير على قرارات ترامب
تلقّى جيش الاحتلال الإسرائيلي ضربة استخبارية وعمليّاتية أخرى، تُضاف إلى سلسلة الإخفاقات والاختراقات السابقة التي بدأت بالاختراق الإستراتيجي الخطير في «طوفان الأقصى».
مقتل زعيم الميليشيا المسمّاة زوراً «القوات الشعبية»، ياسر أبو شباب، شكّل بالتأكيد صفعة لأجهزة الأمن وجيش الاحتلال.
بغضّ النظر عن الطريقة التي قضى فيها، فإن الفشل في هذه المرّة، يتعلّق بمراهنات عقدها جيش الاحتلال على ثلّة محدودة من المعروف تاريخهم الجنائي في مجال التهريب والمخدّرات والسرقة، لكي يشكّلوا عاملاً لإحداث الفوضى، وعدم الاستقرار في قطاع غزّة، كعامل احتياطي في حال فشلت المحاولات الإسرائيلية في تحقيق ما فشلت في تحقيقه خلال حرب السنتين.
قد يتأجّل أمر مصير العملاء لبعض الوقت، ولكن النتيجة واحدة وهي أنهم إمّا ستتم تصفيتهم من قبل المقاومة والشعب، وإمّا أن الاحتلال سيلقي بهم في مزابل النسيان كما فعل مع عملاء وظواهر مشابهة سابقة.
الاحتلال حاول أن يجد بدائل لأي حكم وطني فلسطيني في القطاع، لكنه فشل في استمالة رؤساء العشائر، وفشل في استمالة بعض الشخصيات الفلسطينية، ولم يجد سوى تجنيد حفنة من الخارجين عن القانون.
إذا كان جيش الاحتلال بقضّه وقضيضه، لم ينجح في تحقيق الأهداف التي ظلّ ولا يزال بنيامين نتنياهو، المطلوب لـ»الجنائية الدولية» يكرّرها فكيف لحفنة معزولة، وخارجة عن الصفّ الوطني أن تفعل ما فشل الاحتلال في تحقيقه.
وبينما تندب دولة الاحتلال حظّها بمقتل أبو شباب، وتنشغل صحافتها، ومسؤولوها في أسباب وأبعاد هذا الفشل، يواجه نتنياهو وضعاً صعباً، إزاء الضغوط الأميركية والعربية والإسلامية، التي تسعى للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطّة دونالد ترامب.
ثمّة عقبات جدّية تحول دون التقدم نحو المرحلة الثانية:
الأولى، أن دولة الاحتلال خلال وطوال المرحلة الأولى، لم تتوقّف عن خرق الاتفاق، ما يعني فقد الثقة، من كافّة الأطراف إزاء إمكانية الالتزام، بل إن هذا السلوك يؤكّد أن حكومة الاحتلال تبحث عن كل طريقة لإفشال الخطّة.
الثانية، تتعلّق بطبيعة مهمّات قوّة حفظ الاستقرار وطبيعة تشكيلها.
ثمّة خلاف واضح بين ما تريده دولة الاحتلال وهو أن تكون القوّة، تنفيذية قتالية، تكمل الدور الذي فشلت في تحقيقه، وبين من يرى أن هذه القوة هي لمجرّد حفظ السلام، ومراقبة تنفيذ الخطة، وحماية الفلسطينيين من الاعتداءات الإسرائيلية.
حتى الآن فشلت كل المحاولات، في أن تجد من يتطوّع لإرسال قوة على المقاس الأميركي الإسرائيلي، لكن الاستجابة كانت صفراً.
حتى إندونيسيا التي أعلنت استعدادها لإرسال 20,000 جندي إلى القطاع، عادت لتوضّح أنها لن تقبل إرسال أي جندي للقتال ضد الفلسطينيين.
الدول العربية والإسلامية لا تزال تصرّ على موقفها من هذه القضية، وترى أن ثمّة طرقاً أخرى للتعامل مع سلاح المقاومة، ولكن ليس من خلال قوة دولية أو عربية قتالية.
الثالثة، تتعلّق بمسألة العلاقة بين الانسحابات الإسرائيلية ومسألة سلاح المقاومة، إذ ترفض دولة الاحتلال تنفيذ أيّ انسحابات إلّا بعد أن يتمّ نزع السلاح.
في الواقع فإن رفض المقاومة مسألة نزع سلاحها، مرتبط بالأساس بمبدأ حق الشعب الفلسطيني بالدفاع عن نفسه بكلّ الوسائل التي تتيحها المواثيق الدولية.
وترفض دولة الاحتلال، فتح المعابر، وتدفّق المساعدات والمعدّات، والخيام، في سياق رفضها للبدء بعملية إعمار القطاع حتى بالمفهوم الأميركي، الذي يتحدّث عن «غزّة خضراء»، وأخرى صحراوية.
في هذا السياق، وبما يشير إلى إصرار الجانب الإسرائيلي على تنفيذ خطّة تهجير الفلسطينيين، تعلن دولة الاحتلال أنها يمكن أن تفتح معبر رفح، فقط للمغادرين.
ثمّة خبث إسرائيلي خلف هذا الموقف، فعدا إصرارها على التهجير إلى سيناء المصرية، تحاول أن تلقي على مصر المسؤولية عن استمرار غلق المعبر بمعنى أن دولة الاحتلال من جانبها مستعدّة لفتح المعبر للتخفيف عن السكّان، بينما مصر هي التي تحاصر القطاع.
تدرك مصر ويدرك الفلسطينيون، أبعاد هذا الموقف الإسرائيلي، وما ينطوي عليه من مخاطر ورسائل خبيثة، خاصة أن الخطة الأميركية، تنصّ على حقّ الفلسطينيين في الخروج والعودة دون أيّ شروط أو قيود.
هذا العنوان، موضوع فشل آخر للمحاولات الإسرائيلية، حيث يرفض المصريون والفلسطينيون الموقف الإسرائيلي.
الرابعة، تتعلّق بمن سيدير القطاع، فعدا «مجلس السلام» الذي سيترأسه ترامب، بمشاركة مندوبين عن دول أخرى، بينها عربية وإسلامية، لا يقبل الفلسطينيون، وأيضاً الوسطاء العرب والمسلمون أن تكون هناك هيئة وسيطة بين الإدارة التي ينبغي أن تكون فلسطينية وبين «المجلس».
التفاعل بين الأطراف المعنية، سواء الولايات المتحدة الأميركية ودولة الاحتلال، أو الدول العربية والإسلامية (مجموعة الثماني)، تشير إلى أن ترامب لا يستطيع كل الوقت محاباة الجانب الإسرائيلي، وتمرير مواقفه.
لا شكّ في أن استدعاء نتنياهو إلى واشنطن في الأيّام القريبة المقبلة، سيحمل معه بعض التعديلات التي لا يرضى عنها، ولكنه، أيضاً، لا يستطيع أن يرفضها أو يعطّلها، طالما أنه بحاجة إلى دعم ترامب فيما يتعلّق بإمكانية العفو عن الاتهامات التي يواجهها أمام القضاء الإسرائيلي.
ترامب أعلن أنه سيتجاوز موضوع جثّة الإسرائيلي التي لم يتمّ العثور عليها حتى الآن، لكنه، أيضاً، يحتاج إلى المال العربي، لتغطية نفقات إعادة الإعمار، ولذلك فإن الموقف العربي يحظى بوزن مهمّ في التأثير على قراراته أكثر من تأثير نتنياهو وحكومته.
الأيام الفلسطينية