صناعة الكتاب ومستقبل النشر
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
يشهد عام 2024 الكثير من التطورات التي مهَّد لها العام المنصرم من خلال المتغيرات الاقتصادية والسياسية والثورات التقنية المتسارعة؛ فعلى الرغم من أننا نعيش عصر المعلومات والبيانات الضخمة، إلاَّ أن هذا العصر يقدِّم دوما مجموعة من التقلبات في ظل ما يواجهه العالم من تحديات ومشكلات من ناحية، وتطورات معرفية وتنموية تشهدها العديد من البلدان.
ولعل هذا ما دفع العديد من المستثمرين على مستوى العالم للاستثمار في قطاع الصحافة والنشر سواء النشر الورقي أو السمعي، أو الإلكتروني الذي أصبح اليوم أحد أهم أقطاب النشر ووسيلة أساسية يعتبرها البعض مستقبل الكتاب أو على الأقل المساند الرئيس والداعم المعاضد له ولانتشاره، مما أسهم في انتعاش الوسائل والوسائط وتعددها، والتي جعلت منه مجالا رحبا لمشاركة المحتويات، والبيانات، بل والثقافة والمعرفة، إضافة إلى قدرته في انتعاش الإعلانات والتجارة الإلكترونية وغير ذلك.
ولأن الكتاب مسؤول عن نقل المعارف والأفكار، وتصوير ثقافة المجتمعات، فإنه يتمتع بقدرة مكَّنته من الانتشار والتداول، وجعلت منه قوة معرفية قادرة على التأثير على مرِّ السنوات، وهكذا فإن الكتاب وصناعة النشر اليوم تمر بمنعطف أساسي ومهم في ظل الكثير من المتغيرات التقنية التي قد تؤثر في هذه الصناعة خاصة على مستوى التوزيع والتسويق، سيما مع انتشار استخدام التواصل الرقمي، ومحركات البحث وانتعاش الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ولهذا فإن مستقبل صناعة الطباعة والنشر عموما، لا تعتمد على التطورات والمنعطفات في المجال التقني والتواصل الإلكتروني، بقدر اعتمادها على عمل دور النشر المتخصصة، وصانعو السياسات، إضافة إلى المواءمة بين ما يُنشر وبين آفاق السوق والقُرَّاء، والقدرة الاقتصادية للدولة وإيمانها بهذا القطاع الحيوي، ودوره في دعم التنمية الثقافية والاقتصادية، ولذلك فإنه مهما تطوَّرت أساليب النشر وتغيَّرت، فإن دور النشر ستجد سبيلها إلى القارئ عن طريق مجموعة من الاستراتيجيات والسُبُل التي تجعل من صناعة الكتاب مستمرة وباقية على الرغم من التذبذب في أسواق البيع.
ولأن (الكُتب جزء مهم من اقتصاد المعرفة) - بحد تعبير تقرير بيانات النشر الدولية 2023 - وذلك بما يقدمه من أثر مباشر على اتجاهات الثقافة والتعليم والاقتصاد، فإن إقامة معارض الكتب الدولية، أحد أهم مظاهر ازدهار الكتب وقدرتها على الصمود في ظل المتغيرات، وهذا الصمود لا يعكس أهمية الكتاب وحسب، بل أيضا تلك المساهمة التي يقدمها قطاع النشر باعتباره جزءا أساسيا من المنظومة الثقافية، بل هو قطب مهم في الصناعات الإبداعية، وهذا ما أكدته (خارطة الصناعات الإبداعية)، التي أصدرتها وزارة الثقافة والرياضة والشباب، والتي تُعد كشافا مهما لدور هذه الصناعات في التنمية للمرحلة المقبلة.
ومن ناحية عرض المنشور والمقروء فإن معارض الكُتب بما تقدِّمه من دعم وتمكين لدور الكتاب في المجتمعات، وما تمثِّله من مجال وبيئة خصبة لعرض الكُتب وتسويقها وبيعها، يمكن اعتبارها ببساطة سوقا للكُتب، وكلٌ يشتري ما يرغب من معرفة وفكر وأدب وعلم وغيره، إنه عالم مليء بالإمتاع والتعليم والمهنية التي تنطلق من فكرة الكتابة إلى الطباعة إلى النشر والتسويق والبيع، ولهذا فإن هذه المعارض بقيت رغم جموح التقنية والوسائط الحديثة التي يعتقد البعض أنها كفيلة بإبادة النشر الورقي في القريب.
يخبرنا تقرير (صناعة النشر العالمية ) الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الوايبو) في العام 2023، أن صناعة النشر قد ازدهرت خلال السنتين الأخيرتين؛ حيث «بلغ إجمالي إيرادات صناعة النشر في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2022، 26.2 مليار دولار أمريكي، والذي يُعد أعلى إيرادات لمبيعاتها، تلتها ألمانيا 9.9 مليار دولار أمريكي، بعدها ألمانيا 9.3 مليار، ثم الهند 9.1 مليار، والمملكة المتحدة 5 مليار دولار)، فبصرف النظر إن كان النشر ورقيا أم إلكترونيا أم صوتيا، فإنه ينبئ عن مستقبل هذه الصناعة وازدهارها وقدرتها على الانتعاش بوسائلها ووسائطها المختلفة.
ومع تطوُّر التقنيات فإن صناعة النشر تتنامى وتزدهر، بما تجده من وسائط نشر مساعدة في التسويق والانتشار والبيع وغير ذلك؛ فقد صرَّح تقرير الوايبو ذاته؛ أنه في العام 2022 وحده (تم نشر ما مجموعة 206.674 عنوانا في تركيا، بينما نُشر في البرازيل 146.575، وفي فرنسا 111.503، وإيطاليا 121.127، والمملكة المتحدة 153.000عنونا). وهي أرقام تشي بما تقدمه صناعة الطباعة والنشر من دور معرفي واقتصادي مهم على المستوى المحلي بشكل خاص، ناهيك عن دورها على المستويات الإقليمية والدولية.
وكما ازدهرت صناعة الكتاب ونمت في العالم فإنها تظهر في عُمان بأشكال وسياقات متنوِّعة؛ حيث تظهر الإحصائيات الواردة في تقرير (إحصاءات التعليم والثقافة والاتصالات)، الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات للعام 2023، أن الارتفاع في إجمالي الكتب المنشورة في العام 2022 مقارنة بالعام السابق بلغت 48%، كما بلغ إجمالي الصحف المنشورة في العام نفسه 94 صحيفة مقارنة بـ 7 صحف في العام الفائت، وهكذا أيضا يظهر الارتفاع في إجمالي المجلات المنشورة التي بلغت 167 مقارنة بـ 37 مجلة في العام 2021، الأمر الذي يُظهر التنامي المتزايد في صناعة الطباعة والنشر، وإقبال المستثمرين على العمل في مجالاته المختلفة.
إن هذه الصناعة تشق طريقها في عالم الاقتصاد بالكثير من الثقة خاصة في ظل المتغيرات الحالية المتسارعة، ولعل الزائر للعديد من معارض الكتب خاصة في العواصم العربية سيجد تنامي طباعة الكتب والنشر، وتزايد أعداد الناشرين، على الرغم من ارتفاع أسعار التشغيل وسلاسل التوريد الخاصة به، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الكتب نفسها، إلاّ أننا سنجد أن التنامي ما زال مستمرا، وهو لا يظهر على المستوى السطح وحسب، والذي نراه في توافد مئات بل آلاف الجماهير بشكل يومي إلى صالات العرض، بل أيضا في أعداد الكتب التي تُباع، والقوة الشرائية التي تعكسها. ولأن معارض الكتب تمثِّل (أسوق للكتب) فإنها تُعد ظاهرة اجتماعية وثقافية وفنية واقتصادية؛ ذلك لأنها لا تعرض الكتاب مجردا من حسِّه الإنساني ولا منعزلا عن بيئته ومحيطه، بل هي قوة جاذبة لأفراد المجتمع. إنها مهرجانات ثقافية قائمة على المعرفة بأشكالها المتعددة، فنجد الأسر والأصدقاء والمجموعات يتوافدون جميعا إلى صالات الكتب والفعاليات الثقافية والفنية، في تظاهرة قادرة على لفت الانتباه إلى أهمية الكتاب الورقي وقدرته الجاذبة وسحره الذي ما زال رغم تعدد وسائط ووسائل النشر.
وها نحن نستعد وننتظر بشوق لافتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته (28)، والذي سيكون فرصة مهمة للناشرين في عُمان والمنطقة لتسويق كتبهم وبيعها في سوق معرفي حيوي، أثبت عبر دوراته المختلفة قدرته وجماهيريته، كما قدَّم للمجتمع آفاقا رحبة للمشاركة والتفاعل وتقديم الأفضل، بل هو فضاء أساسيا للإبداع والابتكار في عالم الطباعة والنشر والصناعات المعرفية.
فمشاهد تحلُّق الجماهير حول الكتب وصالات العرض، وتوافدهم على الفعاليات والمشاركة والتفاعل والحوارات الثقافية والمناقشات، بل كذلك تجمعهم حول المناشط الفنية والعروض المفتوحة وغيرها، كلها تشي بما تقدمه معارض الكتب من معارف وما يتميَّز به أفراد المجتمع من نهم وشوق لهذه التظاهرة الثقافية السنوية المهمة، وما يقدمه الكتاب عموما وما زال يشكله الكتاب الورقي خاصة من أهمية في حياة المجتمعات الإنسانية.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: معارض الکتب صناعة النشر فی العام
إقرأ أيضاً:
محافظ الدقهلية لـ الصحفيين أنتم مرآة ولسان حال المواطنين تنقلون الحقيقة المجردة التي تشكل وجدان الرأي العام
التقى اللواء طارق مرزوق محافظ الدقهلية، اليوم بالصحفيين والإعلاميين، ممثلي المؤسسات والمواقع الصحفية والإعلامية، في الاجتماع الدوري لهم، بحضور الكاتب الصحفي حازم نصر نائب رئيس تحرير جريدة الاخبار رئيس اللجنة النقابية للصحفيين بالدقهلية، وإيهاب نظيم وكيل اللجنة النقابية.
واستهل "مرزوق" اللقاء بالترحيب بالحضور من الصحفيين والإعلاميين، معربا عن تقديره لجهودهم، ومؤكدا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، حريص على التواصل مع رجال الصحافة والإعلام من كل المؤسسات لتوضيح الحقائق، ونشر الوعي لدى المواطنين، وأكد على حرصه الدائم على الالتقاء مع رجال الإعلام والصحافة باعتبارهم شركاء مع الجهاز التنفيذي في العمل العام، مشيرًا إلى أنهم شركاء في العمل الوطني ومرآة الحقيقة ولسان حال المواطنين، ودورهم الحيوي في مواجهة الشائعات ونشر الحقائق للمواطنين، وتصحيح المعلومات المغلوطة.
خلال اللقاء استعرض محافظ الدقهلية عدد من الموضوعات والمشروعات التي تهم المواطنين من أبناء الدقهلية، سواء التي تم تنفيذها أو جاري الانتهاء منها، في إطار خطة الدولة لتلبية احتياجات المواطنين وتوفير الخدمات اللازمة لهم في مختلف القطاعات والمجالات، واستمع في حوار مفتوح إلى مقترحات ومطالب الصحفيين والإعلاميين التي تهم المواطنين ووعد بالعمل علي تلبيتها وتحقيقها من خلال الأجهزة التنفيذية في مختلف القطاعات الخدمية.
وأكد محافظ الدقهلية على حرصه الدائم على تأكيد التعامل مع الصحافة والإعلام بكل شفافية وصدق من أجل صالح المواطنين في جميع أنحاء المحافظة، وأوضح أن 80% من يومه بين المواطنين في الشارع ليطمئن بنفسه على مستوى الخدمات المقدمة على أرض الواقع ويستمع لجميع مشكلات وتطلعات المواطنين والعمل الفوري على حلها وتحقيق آمالهم ومطالبهم.
وأشار محافظ الدقهلية إلى أن حركة تدوير وتغيير رؤساء ونواب المراكز والمدن والأحياء يكون الاختيار فيها وفقا لعدة معايير تستهدف الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين في كافة القطاعات، فضلا عن معايير أخرى تتعلق بالأشخاص المختارين سواء لتسكينهم رؤساء مراكز ومدن وأحياء ونواب، في مقدمتها القدرة على الإدارة وضبط النفس في التعامل مع الموظفين أو المواطنين.
وأكد محافظ الدقهلية أنه يمنح الفرصة للكوادر الشابة للصعود والتدرج الوظيفي وأكد أن هذا بدا واضحا في إختيار عدد من النواب وتصعيدهم ليكونوا رؤساء مراكز ومدن وأحياء ويأخذوا فرصتهم الميدانية التي يثبت فيها كل منهم وجوده ويبرز قدراته على العمل التنفيذي.
وأشار "مرزوق" إلى اهتمام الدولة البالغ بالانتهاء من ملفات التصالح والرد على نقاط المتغيرات المكانية والتصدي للتعديات على أراضي الدولة والحملات المكثفة لضبط الأسواق ومراقبتها، موضحا الجهود التي بذلتها المحافظة في هذه الملفات على مدار الفترة الماضية وما كان هناك من تحديات تم التغلب عليها للوصول فيها إلى أعلى معدلات الانجاز في هذه الملفات.
كما تناول المحافظ جهود المحافظة في العديد من المشروعات الجاري العمل بها في مقدمتها حديقة الحيوان وحديقة شجرة الدر، ومراحل التنفيذ وأعمال التطوير بهما، مؤكدا أن الموقف حاليا هو الانتهاء من التصميم النهائي لأعمال التطوير وجاري العرض على السيد رئيس مجلس الوزراء لاعتمادها وبدء التنفيذ من قبل الشركة القائمة على الاعمال بهما.
وأوضح محافظ الدقهلية أننا نولي ملف النظافة أهمية خاصة والمحافظة بكامل أجهزتها تضعه في المرتبة الأولى للأولويات، لما يمثله من أهمية لدى المواطن وما يعكسه من مظهر حضاري للمدن والقرى، مؤكدا أن جولاته الميدانية المستمرة بنطاق المحافظة هي للتواصل مع المواطنين، والوقوف على حقيقة الأوضاع على الطبيعة وبالفعل ولمسنا تحسن معدلات خدمات النظافة المقدمة للمواطنين، وأكد أنه ودلا مبرر لأي تقصير في هذا القطاع الحيوي الهام الذي يمس الحياة اليومية للمواطن.
وتناول محافظ الدقهلية المراكز التكنولوجية وأكد أنها تقدم دورا بارزا في إنجاز ملفات التصالح والمتغيرات المكانية ومخالفات البناء والتعديات، مشيرا إلى وجود لجنة فنية مختصة بالاشراف والمتابعة اليومية لعمل منظومة المراكز التكنولوجية على مستوى المحافظة والتعامل الفوري مع أي تقصير أو إهمال تحقيقا لمصالح المواطنين.
وأضاف محافظ الدقهلية أنه يقتحم المشاكل ويواجهها بكل الجهود والإجراءات مشيرا إلى الاتفاق مع السيد وزير التموين بعدم غلق المخابز المخالفة، عملا على توفير الخبز للمواطنين في المقابل يتم تغليظ العقوبات المالية على أصحابها، مضيفا أنه خلال شهر واحد فقط تم تحصيل غرامات مالية على المخابز المخالفة بلغت 80 مليون جنيه يتم عودتها مرة أخرى للمواطن من خلال الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لهم في القطاعات المختلفة.
كما تطرق محافظ الدقهلية للحديث عن مشروع موقف سندوب المجمع والذي سيضع حلولا لمشاكل المواقف العشوائية، كما أشار إلى أن جاري الإنتهاء من الأحوزة العمرانية لخمس مراكز ومدن هم مركز ميت غمر وأجا والمنزلة والسنبلاوين وبلقاس بواقع 249 قرية، كذلك أشار إلى إعادة تشغيل الأتوبيس النهري في ثوبه الجديد قبل عيد الأضحى المبارك.
وكلف محافظ الدقهلية بتشكيل لجنة لبحث انشاء كباري مشاة أمام اكاديميه السلاب ومدارس الصفوة لمنع وقوع حوادث من خلال التنسيق مع الهيئه العامه للطرق والكباري وإدارة المرور والجهات المعنية، وأوضح أنه سيتم تشغيل فرع البنك الزراعي بقرية قلابشو مركز بلقاس خلال الأشهر القليلة القادمة فور الحصول على موافقه البنك المركزي.
وتناول محافظ الدقهلية العديد من الموضوعات والقضايا الهامة التي يتطلع إليها المواطنون، وأكد أنه لن يترك ملفا دون وضع الحلول له، من أجل صالح المواطنين والسعي لتلبية وتحقيق مطالبهم المشروعة، واحتياجاتهم الملحة مؤكدا أن التعامل يتم مع الملفات حسب أولوية الموضوعات.
في ختام اللقاء وجه الصحفيين والاعلاميين الشكر والتقدير لمحافظ الدقهلية على حرصه واهتمامه الكبير والدائم باللقاء الدوري معهم، وعلى الجهود التي يبذلها بشخصه أو عن طريق الأجهزة التنفيذية في جميع المجالات لتحقيق مطالب المواطنين واحتياجاتهم والتعامل الفوري مع المشكلات التي تواجههم.
لقاء محافظ الدقهلية بالصحفيين 1000161666 1000161669 1000161660 1000161621 1000161672 1000161675 1000161591 1000161678 1000161687 1000161681