إشكالية إنسانية تفرضها قضية فلسطين
تاريخ النشر: 19th, February 2024 GMT
بعد مرور أكثر من ثلاثة أرباع القرن على محنة فلسطين وأهلها يصعب إصدار حكم حاسم حول مدى تجسد الإنسانية في المواقف والسياسات بشأنها. لكن يمكن القول إن هناك خطًّا يفصل بين حكومات العالم وشعوبه إزاء القضايا الإنسانية.
وبشكل عام يُسجل للشعوب مواقفها الإنسانية المشرّفة حول القضية، بينما تتفاوت مواقف الحكومات بشكل كبير ولكنها تتجه عموما للتشبث بمقولات الدبلوماسية وإملاءات الدول الغربية الكبرى التي فشلت في مواقفها الإنسانية تجاه فلسطين وأهلها.
ويمكن قياس تلك المواقف بلحاظ بضعة جوانب: الموقف من الاحتلال ومدى رفضه أو إقراره، الثاني: السباق بين المصالح والمبادئ في المحافل الدولية، الثالث: دعم المنظمات الإغاثية التي تعمل للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني، الرابع: مدى استعداد الدول لتحدّي ما يعتبره الغربيون «الأمر الواقع» لتبرير الصمت إزاء القضية أو التلكؤ في اتخاذ مواقف تجاه «إسرائيل» عندما ترتكب المجازر التي ترقى أحيانا الى مستوى الإبادة.
لذلك تتساءل فلسطين اليوم: ما هي قواعد الحرب؟ وذلك في ضوء استهداف المدنيين وعمال الإغاثة والمستشفيات في الأراضي المحتلة. فهذه القواعد تمثل القدر الأدنى الذي يحفظ الإنسانية في واحد من أبشع الصراعات التي شهدها العالم.
لقد تواترت الأزمات ذات العلاقة بقضية فلسطين، وكان الموقف من منظمة «أونروا» مثيرا للقلق ومشاعر الأذى. فقد هرعت الدول الغربية لوقف دعمها لهذه المنظمة التي تعمل لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين بسبب الادّعاء بأن بعض موظفيها لهم علاقة بما حدث في 7 أكتوبر. هذا الموقف يمكن اعتباره فيصلا بين الإنسانية وعدمها لدى حكومات الدول التي أوقفت دعمها للمنظمة.
ولوحظت هنا مواقف ثلاثة: أولها موقف الدول الغربية عموما التي التزمت منذ بدء الاحتلال سياسة دعمه بدون تردد، وتميز هذا الموقف بالوقف الفوري للمساعدات، ثانيها: مواقف الحكومات العربية، خصوصا النفطية التي كان بإمكانها تمويل المنظمة بشكل كامل أو تأسيس أخرى تقوم بدورها، وذلك تحاشيا للمساومات الغربية. ثالثها: مواقف الدول التي التزمت موقفا إنسانيا مشرّفا وأصرّت على دعم المنظمة متجاهلة الادّعاءات المسيّسة ضدها.
فمثلا رفضت جمهورية أيرلندا وقف الدعم عن أونروا وتعهدت بتقديم دعم قدره 20 مليون يورو، وقال وزير خارجيتها في تصريح شجاع: «في غزة أصبحنا شهودا على كارثة إنسانية. فالبشر هناك في أمس الحاجة لأبسط الاحتياجات الحياتية من طعام وماء ومأوى».
وبدلا من استهداف أونروا قال: «في هذه الظروف المرعبة جدا ومع تصاعد احتمالات التصعيد العسكري، تبقى أونروا حجر الزاوية للدعم الإنساني». هذا الموقف الأيرلندي له أسبابه التي من بينها عمق وعي شعبها بحقيقة القوى الاستعمارية التي تمارس استغلال الشعوب ولا تلتزم بالقيم والأخلاق الإنسانية.
وفي مقابل أيرلندا، تصر الولايات المتحدة ليس على دعم «إسرائيل» فحسب بل حمايتها على المستوى الدولي، وتستخدم حق النقض (الفيتو) لمنع صدور أي قرار دولي من مجلس الأمن يدين سياساتها.
وفي العقود الخمسة الماضية، أي منذ العام 1972 استخدمت واشنطن الفيتو 45 مرة لمنع صدور قرارات عن مجلس الأمن تدين «إسرائيل» وآخرها في 18 أكتوبر الماضي لمنع صدور قرار يدعو لوقف إطلاق النار.
أمريكا هنا لا تمنع الإغاثة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني المحاصر فحسب، بل تدعم استمرار القصف اليومي الذي أدى في الشهور الأربعة الأخيرة لمقتل حوالي 30 ألف شخص يمثل الأطفال أكثر من ثلثهم.
فمنذ تأسيس الأمم المتحدة في العام 1945 لم تلتزم «إسرائيل» بأي قرار صدر عنها حول فلسطين وشعبها، ووقفت الولايات المتحدة مدافعة عنها في كل مرة. وهكذا تم تهميش المنظمة الدولية. ومن المؤكد أن إنهاء الدور الإغاثي لمنظمة أونروا إنما هو استهداف غير إنساني للاجئين الفلسطينيين الذين احتل الصهاينة أرضهم ظلما وعدوانا.
منذ تأسيس الأمم المتحدة في العام 1945 لم تلتزم «إسرائيل» بأي قرار صدر عنها حول فلسطين وشعبها، ووقفت الولايات المتحدة مدافعة عنها في كل مرة
ما هي الإنسانية إذن؟ وأين هو السياسي الغربي من القيم والمبادئ التي يُفترض أن تحمي البشرية من الظلم والعدوان والجوع والخوف؟
كان هناك ضغط حقيقي على كيان الاحتلال وداعميه عندما كانت الدول العربية ملتزمة بالقضية، ولكن تراجع ذلك الالتزام أحدث فراغا كبيرا في الدعم السياسي لفلسطين، وتأثرت بذلك مشاريع الإغاثة. في هذه الأثناء استمرت سياسات الاحتلال في الاضطهاد والقمع، ولكن بقيت المشاعر الإنسانية تحرّك جهات دولية خصوصا خارج الحكومات.
وعرف عن الفاتيكان رفضه مشروع إقامة وطن لليهود في فلسطين، وعندما طلب المنظّر اليهودي هرتزل من بابا الفاتيكان (بيوس العاشر) في 1904 مساعدته لإقامة وطن قومي لليهود على الأراضي الفلسطينية قال: «نحن لا نستطيع أن نساند هذه الحركة (الصهيونية) ولا يمكننا منع اليهود من الذهاب إلى القدس، كما أننا لن نضع قيوداً عليها. إن أرض القدس، وإن لم تكن دائماً مكرّسة لعبادة الله، قد قدسها السيد المسيح بحياته فيها، وأنا بصفتي رئيساً للكنيسة لا أستطيع أن أجيبك خلاف ذلك. اليهود لم يعترفوا بالمسيح، لذلك لا يمكننا نحن الاعتراف بالشعب اليهودي، والقدس على هذا الأساس لا يمكن وضعها في أيدي اليهود».
واستمرت الحساسية بين الطرفين حتى الآن. وفي الأسبوع الماضي قال وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين أن الرد العسكري الإسرائيلي على حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) غير متناسب وتسبب في وقوع «مذبحة». فانتقدت سفارة الاحتلال لدى الفاتيكان ما أسمته «تصريحات بارولين المخزية». وقالت إن حركة حماس تتحمل كل المسؤولية عن القتل والدمار في القطاع. وزاد توتر العلاقات بين الفاتيكان وإسرائيل منذ بداية الحرب في غزة، واتهمت جماعات يهودية البابا فرنسيس بالامتناع عن عدم وصف غزو القطاع الفلسطيني بأنه عمل من أعمال الدفاع عن النفس.
الدافع الإنساني كان حاضرا في الصراع المتصل بفلسطين، ويزداد هذا البعد حضورا حين ترتكب «إسرائيل» المجازر أو تستخدم أحدث أسلحتها ضد الفلسطينيين في استعراض للقوة يعتبره الآخرون غرورا. وقد ارتكبت أخطاء شنيعة في عهد رئيس وزرائها الحالي، بنيامين نتنياهو، الذي أعلن بوضوح استعداده لمنع الغذاء والدواء عن غزة. كان ذلك التصريح كافيا لإثارة مشاعر العالم ضد كيان الاحتلال، وقد خسر بسبب ذلك أي تعاطف كان يحظى به بين الشعوب الغربية. وربما كان ذلك من بين الدوافع التي أدّت لتصدّر جمهورية جنوب افريقيا، من منطلق إنساني، قضية فلسطين برفع قضية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بتهمة «الإبادة».
هذا الموقف أحرج الغربيين كثيرا خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا، إذ لا تستطيعان استهداف جنوب افريقيا بشكل واضح. ومن أسباب ذلك أنهما دعمتا النظام العنصري بدون حدود قبل سقوطه في العام 1991، وبذلتا جهودا كبيرة لترميم علاقاتهما مع النظام الذي أقامه نيلسون مانديلا بعد ذلك. وقد كان لموقف جنوب افريقيا أثر نفسي كبير على شعوب العالم نظرا لما تكنّه من احترام لمانديلا وما تمثله جنوب افريقيا كأيقونة للنضال ضد العنصرية التي دعمها الغربيون سابقا.
كان بإمكان الاحتلال الإسرائيلي الحفاظ على ما كان يحظى به من تعاطف وإن كان محدودا. ولكن سياساته وقراراته كثيرا ما أحدثت ردود فعل سلبية ضده.
فعندما أعلن عزمه على إخلاء قطاع غزة من السكان فهم العالم أنه يريد ضم تلك المنطقة للأراضي التي احتلها على مدى ثلاثة أرباع القرن. وأصبح مشهد أكثر من مليون فلسطيني وهم يفرّون من منازلهم تحت التهديدات الإسرائيلية في اتجاه رفح، تحدّيا للإنسانية، وأصبح أكثر إيلاما عندما صمت الغربيون عن ذلك وسمحوا بتلك الجريمة. واليوم يصر المحتلون على إخلاء منطقة خان يونس من سكانها الفلسطينيين بدفعهم للخروج منها لتدميرها.
هذه الأساليب قد تحقق للصهاينة «إنجازات» ميدانية على المدى القريب، ولكنها تعتبر تحدّيا للإنسانية وللنظام السياسي الدولي أيضا، كما تغذي تهمة الإبادة. صحيح أن سياسات التشويش والتضليل والتنويم والإلهاء تساهم في تقليص اهتمام العالم بما يجري في فلسطين، ولكن الصحيح كذلك أن الدور الذي تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي يساهم في إظهار الحقائق حتى لو تجاهلها الإعلام الدولي الذي يهيمن الغربيون عليه.
ولذلك تتحرك المشاعر الإنسانية في نفوس الكثيرين على نطاق ربما لا يتوقعه الساسة الغربيون أنفسهم. وما المسيرات الاحتجاجية العملاقة التي تجوب شوارع المدن الغربية منذ 7 اكتوبر إلا تأكيد لحالة وعي دولي غير مسبوقة. فالعالم لم يشهد من قبل تظاهرات بهذا الزخم البشري الهائل.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين الاحتلال فلسطين الاحتلال الأونروا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة جنوب افریقیا هذا الموقف
إقرأ أيضاً:
استقالة مدير مؤسسة غزة الإنسانية قبل بدء عملها بتوزيع المساعدات في القطاع
أعلن المدير التنفيذي لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، المثيرة للجدل ومدعومة من الولايات المتحدة، والتي كانت تتحضر لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، استقالته "بمفعول فوري"، وفق بيان صادر عن المنظمة.
وقال المدير التنفيذي للمنظمة جيك وود في البيان إنه تولى منصبه القيادي قبل شهرين لأنه شعر بأنه "مدفوع لأفعل ما باستطاعتي للمساعدة في تخفيف المعاناة" في غزة، لكنه أضاف أنه بات من الواضح عدم امكانية تنفيذ خطة المنظمة "مع الالتزام الصارم بالمبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية".
في وقت سابق، ادعت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن آلية توزيع المساعدات الإنسانية الجديدة في قطاع غزة، ستبدأ العمل غدًا الاثنين، بوجود "ثغرات كبيرة"، وذلك بالتعاون مع شركات أمريكية خاصة.
وقالت الإذاعة الرسمية إن "آلية المساعدات الإنسانية الجديدة في قطاع غزة، ستبدأ بالعمل يوم غد الإثنين، بعد تأخير ليوم واحد، بالتعاون مع شركات أمريكية خاصة".
لكنها نوهت إلى أن الآلية الجديدة "تعاني من ثغرات كبيرة ولن تكون قادرة على تلبية احتياجات جميع سكان القطاع"، دون مزيد من التفاصيل.
وادعت الإذاعة أن "آلية توزيع المساعدات الجديدة، تشمل إنشاء 4 مراكز توزيع: 3 في رفح وواحد وسط القطاع"، دون تحديد المحافظة.
وقالت الإذاعة إنّ "هذه المراكز ستغطي احتياجات 1.2 مليون نسمة فقط، أي سكان جنوب ووسط القطاع، فيما سيبقى قرابة مليون شخص في الشمال دون تغطية".
وبحسب الإذاعة، فإنه "على عكس ما كان مخططاً، لن يمر المدنيون عبر نقاط تفتيش قبل دخولهم مراكز التوزيع، ما يعني أن عناصر حماس يمكنهم دخول هذه المراكز واستلام المساعدات أيضاً".
وتروج إسرائيل والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة لمخطط من أجل توزيع المساعدات بنقاط محددة جنوب غزة، من خلال منظمة غير ربحية سُجلت حديثا في سويسرا تحت اسم "مؤسسة غزة الإنسانية"، والتي تشير تقارير إعلامية عبرية إلى أن مؤسسها هو المبعوث الرئاسي الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
فيما أقرت إذاعة الجيش بأن هذا المخطط يهدف إلى تسريع إخلاء الفلسطينيين من مناطق شمال القطاع إلى جنوبه، تمهيدا لتهجيرهم وفق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي يصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأنها باتت ضمن أهداف الحرب.
والاثنين الماضي، نشرت "يديعوت أحرونوت"، لأول مرة، صورا لموظفين تابعين للشركة التي ستتولى توزيع المساعدات وهم يرتدون سترات واقية ومدججين بالسلاح.
ووقتها، ادعت الصحيفة أن الشركة تابعة لصندوق إنساني أسسه حديثا ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط ويحمل اسم "مؤسسة غزة الإنسانية" ويعرف اختصارا بـ "GHF".
لماذا ستفشل الخطة الإسرائيلية؟
رفض المؤسسات الأممية التعاون مع الخطة
عبرت المؤسسات الأممية المعنية بتوزيع المساعدات عن رفضها المشاركة في الخطة الإسرائيلية، باعتبارها، غير شفافة وتحتمل أهدافا عسكرية.
وقالت الأمم المتحدة إن خطة التوزيع المدعومة من الولايات المتحدة لا تفي بمبادئ المنظمة الراسخة المتمثلة في النزاهة والحياد والاستقلالية.
وصرح توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، في إفادة أمام مجلس الأمن الدولي مؤخرا، إن "المشكلات في الخطة التي طرحتها "إسرائيل" أنها تفرض مزيداً من النزوح، وتعرض آلاف الأشخاص للأذى، وتقصر المساعدات على جزء واحد فقط من غزة، ولا تلبي الاحتياجات الماسة الأخرى، وتجعل المساعدات مقترنة بأهداف سياسية وعسكرية، وتجعل التجويع ورقة مساومة.
كما حذرت منظمات إغاثية وحقوقية بريطانية دولية من أن "مؤسسة غزة الخيرية" المدعومة أمريكيا "مسيسة"، وليس لها جذور من العمل الإغاثي في غزة.
ودعت المنظمات الحكومات والمنظمات الإنسانية إلى رفض نموذج المؤسسة الجديد والمطالبة بالوصول إلى القطاع لجميع مقدمي المساعدات "وليس فقط أولئك الذين يتعاونون مع قوة احتلال".
خلافات إسرائيلية
كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"عن خلافات عميقة داخل جيش الاحتلال والمنظومة الأمنية بشأن الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات في غزة.
فيما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" نقلت عن ضابط إسرائيلي قوله، إن ضباطا في الجيش لا يريدون لخطة توزيع المساعدة في غزة أن تنجح، ويفضلون الاستمرار في الوضع الحالي بإشراف الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى.
بدوره، قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، اللواء احتياط تمير هايمان: "مطالبة الغزيين بالسير لمسافات طويلة إلى مراكز التوزيع لحمل طرود غذائية ثقيلة عدة مرات أسبوعيا هذا قد ينجح في ملعب غولف، لكنه لن ينجح في غزة".
مسافات بعيدة ومراكز قليلة
يتضح من إعلان قوات الاحتلال أن مراكز التوزيع تبعد بمسافات طويلة عن الأماكن المأهولة بالسكان والتي يفترض أن يتحرك الناس منها وإليها عدة مرات أسبوعيا للحصول على طرود غذائية محدودة، لا تكفي سوى لأيام قليلة.
وفي ظل غياب وسائل النقل إثر الحصار المطبق ومنع دخول الوقود، فضلا تدمير آلاف السيارات والشاحنات المخصصة للنقل منذ بدء الحرب، سيصبح من الصعوبة نقل المواد والمساعدات من تلك المراكز.
كما أن تخصيص 4 مراكز فقط لأكثر من 2 مليون فلسطيني يحتاجون إلى المساعدات، يمثل ضربا من الخيال، إذ كيف لهذه الأعداد الهائلة أن تتلقى المساعدات من منافذ لا تتعدى عدد أصابع الكف الواحدة، بينما تحتاج إلى مئات المراكز، إن لم يكن آلافا لتسريع عمليات تلقى المساعدات.
وقالت مصادر ميدانية لـ"عربي21"، إن قوات الاحتلال تعمل منذ فترة طويلة على إنشاء مناطق محاطة بسواتر ترابية، تشبه معسكرات الاعتقال في منطقة مواصي مدينة رفح.
وأكدت المصادر أن المناطق التي يعتقد أنها ستكون مخصصة لتوزيع المساعدات تحاذي شاطئ البحر، وتخضع لسيطرة أمنية تامة، محذرة من خطط قد ينفذها الاحتلال للتهجير وإجراء عمليات "تصفية" للأسماء تحت غطاء توزيع المساعدات.
أما بالنسبة لنقطة توزيع المساعدات الخاصة بالمحافظات الوسطى من قطاع غزة، فتقع جنوب محور نتساريم والذي يسيطر جيش الاحتلال على أجزاء واسعة منه، ما يعني أنه لن يكون أي مركز أو نقطة للتوزيع في مناطق شمال القطاع.
الوعي بحقيقة الخطة
أصبح واضحا لدى الفلسطينيين في قطاع غزة أن خطة توزيع المساعادت مبنية على هدف خطير، يتمثل في تهجير الفلسطينيين من مناطقهم، إلى أخرى حددتها وأنشأتها قوات الاحتلال بغرض دعم خط التهجير وتفريغ شمال قطاع غزة على وجه الخصوص.
وبينما تتعزز القناعة أكثر من أي وقت مضى لدى الفلسطينيين أنه لا مكان آمن في قطاع غزة، ولا حصانة لأحد فيه، رفض فلسطينيون عدة تحدثوا لـ"عربي21"، التحرك جنوبا لاستلام المساعدات، وقالوا إن هدف الاحتلال أصبح واضحا، ويتمثل في قتلهم وتهجيريهم.
ومعظم من تحدث إليهم "عربي21" كانوا ممكن غادروا شمال قطاع نحو جنوبه في أيام الحرب الأولى، تنفيذا لتعليمات قوات الاحتلال، ومزاعمه حول المناطق الآمنة، لكنهم اكتشفوا لاحقا أن المناطق الآمنة ما هي إلا كذبة وفخا نصبته قوات الاحتلال لتهجيرهم وقتلهم.
ويصر الفلسطينيون في شمال القطاع، على البقاء فيه بعد أن عادوا إليه على إثر اتفاق وقف إطلاق النار الذي سرى في كانون الثاني/ يناير الماضي، قبل أن تخترقه قوات الاحتلال في آذار/ مارس.