إسلام آباد- فيما تستمر المشاورات بين الأحزاب السياسية الكبرى لتشكيل الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم في باكستان، لايمكن إهمال لاعبين آخرين في الساحة السياسية الباكستانية، الذين يمثلون عنصرا مهما جدا لتشكيل الحكومات وتماسكها على حد سواء، يتعلق الأمر بالأحزاب السياسية الصغيرة، أو الأحزاب التي تحصل على عدد قليل من المقاعد في المجلس الوطني أو المجالس الإقليمية.

مقاعد قليلة تشكل أهمية كبيرة بالنسبة للأحزاب الكبرى، التي لا تحصل على أغلبية مطلقة تمكنها من تشكيل الحكومة الاتحادية بشكل فردي، وتحاول الأحزاب الباكستانية حاليا، خصوصا حزب إنصاف من خلال مرشحيه المستقلين، وحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز شريف)، حشد الأغلبية في البرلمان لتشكيل الحكومة.

وفي تطور مهم، توصل حزب الرابطة وحزب الشعب الباكستاني إلى صيغة تفاهم حول تشكيل الحكومة الاتحادية، بعد جولات من المناقشات بين الحزبين، منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات العامة الأخيرة، التي عقدت في 8 فبراير/شباط الجاري.

الرئيس الباكستاني عارف علوي خلال مشاركته في العملية الانتخابية في أحد مراكز الاقتراع في كراتشي (الجزيرة) صغيرة و مهمة

حسب النظام الانتخابي في باكستان ونظام تشكيل الحكومة، فإن الحزب السياسي الذي يفوز بعدد أكبر من الأصوات يكون هو الأقدر على تشكيل الحكومة، في حال استطاع الحصول على نسبة النصف+1 من مقاعد المجلس الوطني، والأمر نفسه بالنسبة للحكومة الإقليمية.

ويتكون المجلس الوطني الباكستاني من 336 مقعدا، بينهم 266 مقعدا عاما جرت عليهم الانتخابات العامة الأخيرة، و 70 مقعدا محجوزا للنساء والأقليات، وهذه المقاعد توزع بين الأحزاب في المجالس بصيغة "نسبة وتناسب".

ومن أجل تشكيل الحكومة فإن الحزب الفائز بحاجة إلى 169 صوتا داخل المجلس، وهو ما يفرض على الحزب في حال لم يكن لديه هذا العدد أن يتحالف مع الأحزاب الأخرى.

وقد حصل حزب الرابطة في الانتخابات الأخيرة على 79 مقعدا، وهو الذي يعتبر الفائز بين الأحزاب السياسية، وبالرغم من أن المستقلين المدعومين من حزب إنصاف قد حصلوا على 92 مقعدا فإنهم وفقا للقانون الانتخابي لا يحق لهم تشكيل الحكومة إلا من خلال الانضمام إلى أي كتلة سياسية في البرلمان، وجمع العدد المطلوب.

كما حصل حزب الشعب الباكستاني على 54 مقعدا، وهو حليف حزب الرابطة في تشكيل الحكومة المقبلة وفقا لآخر التطورات، بالإضافة لتوقع تحالفهما لتشكيل حكومات في بعض الأقاليم.

وضمن هذه العملية تشكل الأحزاب الصغيرة أهمية كبيرة جدا في تشكيل الحكومة أو حتى إسقاطها، على غرار ما حدث مع حكومة عمران خان في أبريل/نيسان 2022، حيث تم حجب الثقة عنه بعد انسحاب الأحزاب الصغيرة من التحالف مع الحزب، مما أفقده الأغلبية.

في هذا السياق يتنافس على التحالف مع الأحزاب الصغرى كل من حزب الرابطة وحزب إنصاف أو المستقلون المدعومون من حزب إنصاف الذين انضموا إلى مجلس وحدة المسلمين، من أجل التمكن من تشكيل الحكومة القادمة.

ومن ضمن الأحزاب الصغيرة الحركة القومية المتحدة التي حصلت على 17 مقعدا، وجمعية علماء الإسلام الحاصلة على 4 مقاعد، وحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية الذي حصل على 3 مقاعد، وحزب استقلال باكستان الفائز بمقعدين، وحزب بلوشستان الوطني الفائز بمقعدين أيضا، ومستقلون حصلوا على 5 مقاعد، بالإضافة إلى أحزاب أخرى لديها تمثيل بمقعد واحد فقط.

عامل توازن

وفي سياق أهمية الأحزاب الصغيرة ودورها في تشكيل الحكومات وتوازنها طوال فترتها الدستورية، يقول المحلل السياسي جاويد صديق للجزيرة نت إن "الأحزاب الصغيرة لعبت دورا سلبيا، حيث يتم استخدامها للضغط على الحكومات للخضوع لمطالب الجهات القوية".

ويقدم الصحفي والمحلل السياسي محمد مهدي مثالا بالحركة القومية المتحدة، حيث يقول "إنها حزب صغير، ولكن من الصعب للغاية تشكيل حكومة دون وجودها في الاتحاد، بسبب الانقسام في التفويض"، ويضيف في حديثه للجزيرة نت "لهذا السبب تطالب الحركة القومية المتحدة بمنصب حاكم السند و6 وزارات اتحادية، وتريد أن تكون جزءا من مجلس الوزراء في إقليم السند أيضا".

ويعتبر مهدي أنه "على الرغم من أنه نتيجة لهذه الانتخابات، لم يكن لأي من الأحزاب السياسية الصغيرة أي أهمية في تشكيل الحكومة، باستثناء المجلس الإقليمي لبلوشستان، فإن (جمعية علماء الإسلام – مولانا فضل الرحمن) تمتلك عددا كبيرا من المقاعد، مما يجعلها تحتل موقعا مهما على مستوى الإقليم".

ويضيف المحلل السياسي أنه "ومع قدرة حزب الشعب وحزب الرابطة على تشكيل حكومة في بلوشستان في حال توافقهما على ذلك، إلا إنه في حال عدم التوافق فإن جمعية علماء الإسلام سوف تحظى بأهمية كبيرة".

أمير الجماعة الإسلامية الباكستانية سراج الحق خلال إدلائه بصوته في مقاطعة دير في إقليم خيبر (الجزيرة) التحكم في التوازن

يدور الحديث داخل المجتمع السياسي الباكستاني على طبيعة الترابط بين الأحزاب الصغيرة والمؤسسة العسكرية –المسير الفعلي للبلاد– حيث يرى خبراء أنه يتم استخدام الاحزاب الصغيرة لإكمال النصاب المطلوب لتشكيل الحكومات، وللتحكم في توازنها.

ويرى المحلل السياسي جاويد صديق أن الأحزاب الصغيرة تدير ظهرها للحكومات التي تمر بأزمات بناء على طلب من يحركها، ويضيف في حديثه للجزيرة نت بأن " الأحزاب الصغيرة تلعب اللعبة التي يُطلب منها أن تلعبها".

في حين يعود المحلل محمد مهدي للقول إن "هذه الأحزاب السياسية الصغيرة تحاول البقاء على مقربة من المؤسسة العسكرية، فعلى سبيل المثال، تُتهم الحركة القومية المتحدة بمعاداة باكستان، وهي تريد أن تنأى بنفسها عن هذا اللوم، ولهذا تريد أن تقترب من المؤسسة العسكرية وتسير على خطاها".

ويضيف مهدي بأن "الحركة القومية المتحدة كانت قد انضمت إلى حكومة حزب إنصاف السابقة بناءً على تعليمات المؤسسة آنذاك، وستظل الحركة تحافظ على تواصلها مع المؤسسة أمام أي قرار تتخذه".

ويضرب مهدي مثالا آخر بجمعية علماء الإسلام التي كانت غاضبة من المؤسسة خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تعتقد الجمعية أن المؤسسة العسكرية قدمت الدعم لحزب إنصاف على أرضها، وبسبب هذا الدعم عانت الجمعية كثيرا، ولكن ومع كل هذا، تحاول الجمعية جاهدة أن تقترب من المؤسسة، وبالتالي تستعيد موقعها المفقود في "حزام البشتون".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الأحزاب السیاسیة المؤسسة العسکریة الأحزاب الصغیرة المحلل السیاسی علماء الإسلام تشکیل الحکومة بین الأحزاب حزب الرابطة من المؤسسة حزب إنصاف فی تشکیل فی حال

إقرأ أيضاً:

أنماط طرائق التفكير السوداني «7»

أنماط طرائق التفكير السوداني «7»

عوض الكريم فضل المولى وحسن عبد الرضي

الأحزاب السياسية: التأسيس وطريقة تفكيرها في الشأن السوداني العام

تمثل الأحزاب السياسية أحد أهم الفاعلين في المشهد السياسي والحراك المجتمعي والثقافي السوداني، حيث تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل الوعي وصياغة الرؤى المستقبلية للدولة والرأي العام.

غير أن طريقة تفكير تأسيس هذه الأحزاب منذ الوهلة الأولي قامت على أنماط متعددة ومختلفة وغير متجانسة في ما يتعلق ببناء الدولة والمجتمع. دعك عن الاختلاف الأيديولوجيًا والسياسيً في تصور البلاد ووحدتها وهويتها وطريقة حكمها ودستورها، ولم يكن خلافا فكريا بل اختلاف تناقض نعيش نتائجه الان صراعات وحروب على المستوى القومي والولائي، مما يعكس أزمة عميقة تمتد جذورها إلى طبيعة تأسيس تلك الأحزاب، ومصادر أفكارها، وأيديولوجياتها، ومدى استيعابها للتنوع السوداني.

تتبنى الأحزاب السياسية السودانية عدة أنماط فكرية في مقاربتها للقضايا الوطنية، من أبرزها التفكير الديني، حيث تُصاغ المواقف السياسية من منطلقات دينية. وفي هذا السياق، تعددت المذاهب الفقهية والمدارس بين السلفية، والصوفية، والتجديدية، والسنية، والشيعية وغيرها، مما أدى إلى استقطاب حاد بين التيارات الإسلامية. ورغم أن الدين واحد والبلد واحد، إلا أن طريقة التأسيس القائمة على هذه التصورات أدت إلى إضعاف وحدة المجتمع وتعميق الخلافات بدلًا من بناء توافق وطني.

من ناحية أخرى، نجد أن هناك أحزابًا تأسست على أساس مناطقي وإثني، حيث تعتمد على قواعدها المناطقية والعرقية، مما ساهم في تفكيك الوحدة الوطنية وأدى إلى نزاعات وحروب أهلية. أما في الجانب الأيديولوجي، فقد انقسمت الأحزاب بين تيارات شيوعية، وبعثية، وقومية، وليبرالية، مستمدة أفكارها من تجارب خارجية دون مراعاة خصوصية الواقع السوداني.

يضاف إلى ذلك التفكير العابر للحدود، إذ تبنَّت بعض الأحزاب أفكارًا ومشاريع سياسية مستوردة من الخارج، مثل الشيوعية، والناصرية، والبعث العربي، واللجان الثورية، إلى جانب الأحزاب الدينية التي استلهمت نموذج الإخوان المسلمين من مصر، مما جعل القرار السياسي السوداني مرتبطًا بصراعات دولية وإقليمية.

بالإشارة إلى أزمة التأسيس وغياب المرجعية الوطنية، كما أسلفتا، نأمل إلى حتمية تبني البحث العميق في أزمة تأسيس هذه الأحزاب ومصادر دساتيرها. فالأحزاب السياسية السودانية تعاني من مشكلات في التأسيس والأفكار والبرامج، حيث تستند معظمها إلى توجهات نخبوية أو خارجية لا تعكس احتياجات المجتمع السوداني الحقيقية. كما أن دساتير معظم الأحزاب تفتقر إلى مرجعية وطنية متماسكة، بل تُستمد أحيانًا من مذاهب وأيديولوجيات وافدة لا تتناسب مع السياق المحلي، مما أدى إلى قطيعة بين الأحزاب والجماهير.

وهنا يتبادر إلى الذهن سؤالٌ يحتاج إلى إجابة: ما أثر التعليم في تعميق هذه الأزمة؟ هل يمكننا أن نطرح هذا السؤال بجرأة ونبحث عن إجابات له؟

إن طرائق التفكير في بناء المناهج التعليمية كانت أحد العوامل الأساسية التي أسهمت في تكريس هذه الأزمة، إذ لم يتم توظيف التعليم كأداة للتحرر الفكري وتقديم حلول جذرية لمشكلات السودان. بل على العكس، ظل التعليم مسيَّسًا، يخدم أجندات معينة، مما جعل الأجيال الجديدة تكرر أخطاء الماضي بدلًا من السعي إلى التغيير الحقيقي.

مما جعلنا نعاني من أزمة مزمنة في إدارة التنوع، حيث فشلت معظم الأحزاب السياسية في استيعاب التنوع الثقافي والاجتماعي وإدارته بشكل خلاق ومنتج. وبدلًا من تحويل التنوع إلى مصدر قوة، أصبح سببًا رئيسيًا للصراعات نتيجة غياب رؤية وطنية جامعة تقوم على أسس المواطنة والعدالة الاجتماعية. ذلك يظهر جليا في الهروب من تبعات هذه الأزمة الحالية التي تواجه بلادنا العزيزة، إذ اعتادت الأحزاب السياسية عند مواجهة الأزمات أن تلجأ غالبًا إلى الهروب من المسؤولية أو التنصل من تبعات أفعالها، سواء عبر تبادل الاتهامات أو الانخراط في مساومات سياسية لا تقدم حلولًا حقيقية. هذا النهج الموروث، وأحيانًا المؤدلج، عزَّز حالة عدم الثقة والفرقة بين الجماهير والأحزاب، وجعل النظام السياسي هشًا وعرضة للانهيارات المتكررة.

فما الرؤية الصائبة التي تقودنا نحو إصلاح جذري، إذ نأمل، في ختام هذا المقال، أن نكون قد طرحنا موضوعًا يستحق العصف الذهني العميق والنقاش الهادف لإيجاد حلول للأزمة السياسية السودانية المزمنة والمستفحلة. إن إصلاح الأحزاب السياسية في السودان يتطلب مراجعة شاملة لطريقة تفكيرها في التأسيس واهتمامها بالشأن العام، والابتعاد عن الاستقطاب الأيديولوجي والمناطقي، والعمل على بناء أحزاب ذات مرجعية وطنية تستوعب التنوع وتقدم حلولًا عملية لمشكلات السودان المتراكمة. بدون ذلك، ستظل الأحزاب تدور في حلقة مفرغة، أشبه بـ”جمل العصارة”، تكرر التجارب الفاشلة، وتصبح مجرد أدوات لإعادة إنتاج الأزمات، بدلًا من أن تكون جزءًا من الحل.

الوسومأنماط طرائق التفكير السوداني الأحزاب السياسية السودان بناء الدولة حسن عبد الرضي الشيخ عوض الكريم فضل المولى

مقالات مشابهة

  • أنماط طرائق التفكير السوداني «7»
  • هل يمنح إضعاف إيران وحزب الله لبنان فرصة لرسم مسار بعيدًا عن الصراعات ؟
  • بسبب حريق سنترال رمسيس.. 1.5% خسائر المشروعات الصغيرة والمتوسطة
  • رضوان السيد والعلمانية الممكنة.. بحث في توازن الهُوية والدولة (3)
  • التضامن: برامج الحماية الاجتماعية للأسر الأولى بالرعاية تحظى باهتمام الرئيس
  • العربية أبوظبي تطلق رحلات مباشرة إلى مدينة سيالكوت الباكستانية
  • العثور على جثة الممثلة الباكستانية داخل شقتها في كراتشي
  • المغرب بين المطرقة الأميركية والسندان الصيني.. توازن دقيق في زمن الاستقطاب
  • أوجلان: استراتيجية حرب التحرير انتهت وحزب العمال تخلى عن تشكيل الدولة القومية
  • أوجلان: استراتيجية حرب التحرير قد انتهت وحزب العمال تخلى عن تشكل الدولة القومية