عربي21:
2024-07-27@01:34:32 GMT

صفقة رأس الحكمة الإماراتية.. الحقيقة والوهم

تاريخ النشر: 25th, February 2024 GMT

أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يوم الجمعة الماضي عن توقيع ما وصفها بأكبر صفقة استثمارية في تاريخ مصر بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات، لتأسيس مدينة كبرى (رأس الحكمة) على الساحل الشمالي الغربي لمصر، مؤكدا أن الصفقة لم تقتصر على مبلغ الـ35 مليار دولار، بل ستتجاوزه إلى حصول مصر على 35 في المئة من عائدات المشروع بشكل دائم، وكذا الوعد الإماراتي بجلب 150 مليار دولار أخرى خلال فترة إنشاء المشروع.



وفقا للكلام المعلن فإن قيمة الصفقة كبيرة فعلا، لكنها ليست الأكبر على الإطلاق، فالجميع يعلم أن الدول الخليجية قدمت لمصر بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 أكثر من هذا الرقم. ونحيلكم هنا إلى التسريبات التي نشرتها قنوات المعارضة في العام 2014 من مكتب السيسي والتي تضمنت محادثات بينه وبين مدير مكتبه في ذلك الوقت اللواء عباس كامل (رئيس المخابرات العامة الحالي)؛ الذي ذكر في أحد التسريبات أن إجمالي ما وصل إلى مصر 30 مليار دولار من السعودية والإمارات والكويت وغيرها، بخلاف مساعدات بترولية أخرى، ومع إضافة 12.5 مليار دولار قدمتها الدول الخليجية مجددا في المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ (شباط/ فبراير 2015) يصبح الرقم 42.5 مليار دولار، بينما ترفعها تقديرات أخرى فوق الـ60 مليار دولار.

لنتخلّ عن شكوكنا تجاه السلطة مؤقتا ولنصدق صفقة الـ35 مليار دولار الجديدة، ولنفرح مع من فرحوا، فنحن جزء من شعب مصر؛ يطربنا ما يطربه ويشقينا ما يشقيه، ونتمنى بالفعل أن يشعر هذا الشعب بفوائد هذه الصفقة تراجعا في أسعار السلع والخدمات والدولار والديون.. الخ، ولكن من أجل مصلحة الشعب ووعيه وعدم تركه ليغرق في الأحلام؛ فإننا بحاجة لأن نفهم طبيعة الصفقة وتفاصيلها
هل ينبغي علينا تصديق ما أعلنته الحكومة عن هذه الصفقة؟ الحقيقة أن عقدا من الكذب والتدليس جعل مصداقية السلطة في الحضيض، فبالإضافة إلى ما حصلت عليه مصر من سيولة دولارية ضخمة عقب الانقلاب فإن الحكومة أعلنت في مؤتمرها الاقتصادي في شباط/ فبراير 2015 أن حصيلة ذلك المؤتمر تجاوزت 175 مليار دولار، وفقا لما أعلنه وزير الاستثمار أشرف سالمان (آذار/ مارس 2015)؛ منها 15 مليار دولار اتفاقيات استثمار تم التوقيع عليها بشكل نهائي خلال المؤتمر، و18 مليار دولار اتفاقيات بناء وتوريد وتمويل، و5.2 مليار دولار قروضا ومنحا من مؤسسات التمويل الدولية، و92 مليار دولار مذكرات تفاهم لمشروعات جديدة وتوسعات في مشروعات قائمة، بالإضافة إلى مذكرة التفاهم الخاصة بمشروع إنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر باستثمارات 45 مليار دولار.

هذه أرقام (لو صدقناها) كانت كفيلة بتحويل مصر إلى جنة غنّاء، ولعلك لاحظت عزيزي القارئ في نهاية تصريح وزير الاستثمار في حينه رقم 45 مليار دولار استثمارات العاصمة الإدارية الجديدة، وهي الاستثمارات التي وعدت بها في حينه شركة إماراتية أيضا هي شركة إعمار، لكنها لم تف بما وعدت وانسحبت لاحقا من المشروع الذي يعاني حاليا مشاكل كبيرة في استكمال خططه وإنشاءاته.

لنتخلّ عن شكوكنا تجاه السلطة مؤقتا ولنصدق صفقة الـ35 مليار دولار الجديدة، ولنفرح مع من فرحوا، فنحن جزء من شعب مصر؛ يطربنا ما يطربه ويشقينا ما يشقيه، ونتمنى بالفعل أن يشعر هذا الشعب بفوائد هذه الصفقة تراجعا في أسعار السلع والخدمات والدولار والديون.. الخ، ولكن من أجل مصلحة الشعب ووعيه وعدم تركه ليغرق في الأحلام؛ فإننا بحاجة لأن نفهم طبيعة الصفقة وتفاصيلها، فليس كل ما يلمع ذهبا، وليس كل ما يقال حقيقة، وليست كل الوعود قابلة للتحقيق.

الرقم المعلن (35 مليار دولار) في مجمله، منه 24 مليارا فقط هي التي السيولة الدولارية الجديدة التي ستدخل إلى مصر، و11 مليار ديونا إماراتية مستحقة على مصر (وديعة سابقة في البنك المركزي)، أي أنها ستُسحب من البنك المركزي المصري بالعملة المحلية كما أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ومبلغ الـ24 مليار سيدخل إلى مصر خلال شهرين، ومن المفترض أنه ينعكس بشكل إيجابي على سوق الصرف، وكذا على سوق السلع والخدمات التي ارتفعت أسعارها بطريقة جنونية، وهذا هو المعيار الأهم لقيمة الصفقة في نظر الشعب.

ما تم الإعلان عنه ليس مجرد صفقة استثمارية تقليدية بل هو صفقة سياسية لتعويم النظام قبل تعويم الجنيه خلال أيام، ولأنها استثمار سياسي (الشركة القابضة الإماراتية تتبع حكومة أبو ظبي بل تتبع حاكمها الشيخ محمد بن زايد مباشرة) فإنها -أي الصفقة- لا تزال غامضة في بعض أجزائها، والحد الأدنى لفك هذا الغموض هو عرضها على البرلمان (رغم هزالة وضعه) لإقرارها.

فنحن لا نعرف كل التفاصيل، والأهم أننا لا نعرف المقابل السياسي المصري لهذه الصفقة السياسية الإماراتية، ونستحضر هنا تباين الموقفين المصري والإماراتي من بعض القضايا التي تمس الأمن القومي المصري في السودان والصومال وإثيوبيا، والممر التجاري الجديد من الهند إلى أوروبا والذي يؤثر سلبا على قناة السويس، أو حتى في ملف اللاجئين المتوقعين من غزة، وهل سيقدم نظام السيسي تنازلات للإمارات في هذه الملفات أو بعضها؟

من أكثر الأمور الفنية غموضا في الصفقة طبيعة المقابل للـ35 مليار دولار، أو حتى الـ24 مليار، هل هي ثمن أرض تم بيعها للشركة الإماراتية، أم هي حق انتفاع، وما مدته؟ أم هي ضمن تسوية لقيمة مساهمة مصر في المشروع بثلث رأس المال، وهو ما يتبعه حسب الاتفاق حصول مصر على ثلث الأرباح بشكل دائم لاحقا؟

ومن النقاط المثيرة للاهتمام أيضا أين ستصرف مصر السيولة الدولارية الجديدة (24 مليار دولار)؟ وللإجابة نحتاج إلى معرفة أولويات السلطة للإنفاق في هذه المرحلة، فهي مطالبة بسداد أقساط ديون مستحقة بمبلغ 32 مليار دولار خلال هذا العام، وهناك كميات ضخمة من البضائع محجوزة في الموانئ للمستوردين تحتاج مليارات الدولارات من المستحقات قبل الإفراج عنها، وهناك الترتيب لتعويم الجنيه خلال أيام وفاء للالتزام مع صندوق النقد، ليس من الحكمة التضخيم من قيمة الصفقة الجديدة، وبيع الوهم مجددا للمصريين كما حدث مرات كثيرة من قبل، وليس من الحكمة أيضا إنكار دورها في تخفيف بعض الضغوط الاقتصادية الحالية جزئيا، خاصة إذا أضفنا لها وعد صندوق النقد، ووعد الاتحاد الأوروبي، وعلى العموم فإن الاختبار العملي الواضح للجميع هو سوق الصرفوهو ما يحتاج إلى توفير سيولة دولارية لضخها في الأسواق في الفترة الأولى للتعويم لتثبيت القيمة المطلوبة للجنيه مقابل الدولار، وهناك عجوزات كبيرة في الميزانية، وهناك نقص سيولة دولارية في البنوك، وهناك مشاريع كبرى متوقفة بسبب نقص السيولة، وهناك مطالب شعبية بحزمة حماية جديدة خصوصا مع دخول شهر رمضان.

إنقاذ النظام كان هو العنوان الرئيسي لهذه الصفقة، كما هو العنوان لتغير سياسة صندوق النقد من التشدد تجاه الحكومة المصرية إلى التيسير وتقديم ما لم تطلبه من قروض جديدة، حيث وعد برفع قيمة القرض الحالي من 3 مليارات دولار إلى حوالي عشرة مليارات، كما وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم عشرة مليارات أخرى. كلمة السر في هذا التغير هي الموقف المصري الحالي أو المستهدف تجاه الحرب في غزة، واحتمالات حدوث عمليات تهجير فلسطينية واسعة إلى مصر رغم النفي المصري الرسمي لقبول ذلك.

ليس من الحكمة التضخيم من قيمة الصفقة الجديدة، وبيع الوهم مجددا للمصريين كما حدث مرات كثيرة من قبل، وليس من الحكمة أيضا إنكار دورها في تخفيف بعض الضغوط الاقتصادية الحالية جزئيا، خاصة إذا أضفنا لها وعد صندوق النقد، ووعد الاتحاد الأوروبي، وعلى العموم فإن الاختبار العملي الواضح للجميع هو سوق الصرف، وما سيحدث فيه خلال الأيام المقبلة.

نحن أمام علاج مسكن للألم وليس منهيا له، فمثل هذا الاستثمار السياسي لا يستهدف تقوية مصر، ولكنه يستهدف فقط إبقاءها على قيد الحياة، في حالة مرضية مزمنة لا تمثل خطرا على السادة الجدد في المنطقة.

twitter.com/kotbelaraby

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري الإمارات التمويل استثمارات مصر الإمارات استثمارات تمويل صفقات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قیمة الصفقة ملیار دولار صندوق النقد هذه الصفقة من الحکمة إلى مصر

إقرأ أيضاً:

أمريكا توافق على صفقة أنظمة لوجستية للسعودية بـ2.8 مليار دولار

واشنطن - الوكالات

أفادت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بأن وزارة الخارجية أقرت صفقة محتملة لبيع أنظمة دعم وخدمات لوجيستية للسعودية بقيمة 2.8 مليار دولار.

وذكر بيان للبنتاغون أن “هذا البيع المعتمد سيزيد من أمن السعودية، الدولة الحليفة التي تشكل قوة الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في منطقة الخليج، كما سيدعم أهداف السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة”.

وأشار إلى أن الصفقة “ستزيد من قدرة السعودية على ردع التهديدات الحالية والمستقبلية”.

وأوضح البيان أن المعدات والدعم المعتمد للصفقة لن يغير التوازن العسكري الأساسي في المنطقة.

ووفقا لبيان أمريكي رسمي صادر عن وكالة التعاون الأمني الدفاعي، فقد طلبت السعودية شراء معدات اتصالات، ومعدات دعم، ومساعدة هندسية وفنية، وتدريبات، وعناصر أخرى ذات صلة باللوجستيات ودعم البرامج.

وقال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، إن الجانبين اقتربا "أكثر من أي وقت مضى من اتفاق صار الآن شبه نهائي".

وكانت تقارير أفادت بأن واشنطن والرياض على وشك التوصل إلى اتفاق بخصوص ضمانات أمنية ومساعدة نووية مدنية.

وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قد استقبل الأحد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك ساليفان، واستعرضا العلاقات الاستراتيجية وسبل تعزيزها في مختلف المجالات.

كما بحثا الصيغة شبه النهائية لمشروعات الاتفاقيات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة، التي قارب العمل على الانتهاء منها، فضلا عما يجري العمل عليه بين الجانبين في الشأن الفلسطيني لإيجاد مسار ذي مصداقية نحو حل الدولتين بما يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، إضافة لبحث المستجدات الإقليمية بما في ذلك الأوضاع في غزة وضرورة وقف الحرب فيها، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية.

مقالات مشابهة

  • وزير المالية المصري: نستهدف زيادة التجارة الثنائية مع تركيا لـ15 مليار دولار
  • مختص بالتجارة العالمية: استثمارات المملكة بالمشاريع الجديدة تصل لـ28.8 مليار دولار في 2023
  • عضو بـ«النواب»: الحكومة الجديدة تنتهج مبدأ المصارحة مع الشارع المصري
  • الإعلان عن صفقة ''لوجيستية'' كبيرة بين واشنطن والرياض
  • شركة ويز الإسرائيلية للأمن السيبراني تنسحب من صفقة الاستحواذ مع غوغل
  • مليارات الدولارات دخلت الخزينة المصرية.. هل تكبح جماح الاقتراض الخارجي؟
  • «المشرق» يقود صفقة تمويل مستدام بقيمة 3.25 مليار دولار لصالح «جيمس» للتعليم
  • أمريكا توافق على صفقة أنظمة لوجستية للسعودية بـ2.8 مليار دولار
  • المركزي التركي يعلن تسوية صفقة بقيمة 5 مليارات دولار مع السعودية
  • واشنطن تقر صفقة أنظمة لوجستية للسعودية بـ2.8 مليار دولار