عرض كتاب: سياسة التمييز الإثني في السودان، وتداعياتها على انفصال جنوب السودان للدكتور ضيو مطوك
تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT
(6-6)
د. قاسم نسيم
ونصل اليوم إلى المقالة الأخيرة عن هذا الكتاب، وما نكاد نوفيه، إنما عملنا هنا إضاءات هنا وهناك، تعين القارئ على إدِّراك فحوى الكتاب. يرى المؤلف أن الحدود الإقليمية للسودان الإنجلو مصري رسمت على الخرائط قبل أن يكون لدى الحكومة فهم واضح للجغرافيا والطبغرافيا والديمغرافيا، حيث أن هذه المسائل جوهرية في ترسيم أي حدود، وإن كان قد روعيت لما ذهب الدينكا لكردفان، ولما رسم نهر كير/ بحر العرب منطقة رعي للرزيقات، ويردف قائلًا يمكن السماح للرزيقات أو أي قبيلة أخرى بالرعي في أرض الدينكا، دون رسم حدود للرعي، شريطة أن يكون هناك اتفاق مجتمعي لشرعنة الممارسة، ويمضي بالقول: إن جهل الإدارة الاستعمارية بالجغرافيا والطبغرافيا لأهل السودان خلق أزمة سياسية بعد الاستقلال.
الفصل السابع: وهو عبارة عن دراسة تطبيقية حول دينكا ملوال والرزيقات، في هذا الفصل أجرى المؤلف دراسة تطبيقية عن تأثير السياسات الإثنية التي تمارسها الحكومات المتعاقبة ضد المجتمعات في الجنوب والشمال، متخذًا دينكا ملوال والرزيقات كحالة، وقد استخدمت الدراسة التطبيقة استبانة شملت أسئلة عن أسباب الصراع ، الحلول المقترحة، نتائج الاستفتاء، ومدى فرضية احترامها.
وخلصت الدراسة إلى أن غالب رأي الرزيقات هو أن غياب التنمية هو الذي يقف خلف النزاعات، وأن توفير المشاريع التنموية سيساهم في تخفيف حدة هذه النزاعات، بينما يرى مجتمع دينكا ملوال أن أسباب الصراع سياسية، وأن الانفصال هو الخيار لوضع حد للنزاعات.
الفصل الثامن: تمظهرات سياسة التمييز الإثني، كما جرى التكهن بها: تنبأ الكاتب أن أكثر من 94% من الجنوبيين سيصوتون للانفصال، وهو ما تحقق بزيادة طفيفة؛ إذ بلغت نسبته 98%، والنبوءة الثانية أنه سيكون ثمة صراع حدودي بين السودان وجنوب السودان بعد الانفصال، حدث هذا أيضا، في أبيي وفانطو، وراجا سنة 2012 ، وتنبأ ثالثا أنه سيكون هناك صراع إثني داخليا بين السودانيين الجنوبيين، وقد حدث هذا سنة 2013. وثمة نبوءة رابعة إشار إليها المؤلف بطرف خفي، وهي أنه ستطال السودان تغيرات أو انقسامات، إن ظل على ما هوعليه من صراع الهويات، وهي ما نعيشه اليوم من حرب، لا يدري إلا الله مآلها.
تحت عنوان العقبات التي وضعها حزب المؤتمر الوطني، تحدث الؤلف عن استخدامه لمجموعات جنوبية مسلحة متحالفة معه لزعزعة استقرار عملية الاستفتاء، وكيف استطاعت حكمة الجنوبيين تجاوزها، وقد تناول الفصل الحرب الأهلية بالتفصيل
كان الكاتب شجاعا في تناوله الأحداث بعد الانفصال، ووجه نقدا للمكونات الجنوبية واتهمها بتكرار ما حدث بين الشمال والجنوب في مجال التمييز الإثني.
في تناوله الصراع الحدودي بين السودان وجنوب السودان- وكان قد تنبأ به-ذكر أن اتباع المنطقة إلى كردفان سنة 1905كان لصعوبات إدارية، وطالبت الحركة الشعبية بضمها بقرار إداري في مفاوضات السلام، لكن الحكومة رفضت المقترح، وحسم الأمر بالنص على إجراء استفتاء لدينكا نقوق ، ويرى أن صمت اتفاق مشاكوس عن وضعية المناطق الثلاث (أبيي، جبال النوبة، النيل الأزرق) عزز موقف الحكومة السودانية.
في خلاصته خلص الكتاب إلى: أن القضايا المجتمعية بين دينكا ملوال والرزيقات، ومشاكل الرعي تم استغلالها من قبل السياسيين، وتم تحويلها إلى صراع على مستوى الوطن من الطرفين، لكن ذات القضايا ساهمت في حدوث صراع في جنوب السودان لاحقًا. وأن الصراع بين دينكا ملوال والرزيقات بدأ كتنافس حول الموارد، فتناوله السياسيون لتحقيق مرام سياسية، فجذب الفاعلين الدوليين. وأكد أنه لم يكن للدين دور في الصراع في الماضي، لكن صار دوره محوريا بعد الاستقلال، وأن الإنقاذ زادت من دوره، وأن كثيرا من مجتمع دينكا ملوال يعتقد أن الجنوب تم دفعه دفعا للانفصال من قبل الأصوليين الإسلاميين، ويخلص إلى أن الانتماء الإثني له دور في الحصول على المكاسب السياسية، وأن التوتر الزائد بشأن قضية الحدود حديث عهد مع أن قضية الحدود قضية قديمة، وصارت أكثر أهمية بعد ظهور البترول.
دعا الكتاب إلى اصطناع هوية جنوبية غير تقابلية، وهي دعوة لإعمال فكر المثقف الجنوبي لاصطناع هوية سودانية جنوبية لا تعرِّف الجنوب تعريف تقابلي أي أنهم أفارقة مسيحيون في مقابل الشمال العربي المسلم، وأظن أن الهوية التقابيلة كان لضرورة مرحلة ولن تصمد الآن وقد استقل الجنوب وانهدم التقابل. هذه دعوة كأنها تنظر لدعوة السودانوية للبطل علي عبد اللطيف، وعندي أنها تكون مستقلة كل الاستقلال عن هوية الشمال الذي سقطت هويته المصطنعة الآن ، بل سيتأسس على هوية جديدة، تشبه تلك التي كان ينادي بها دعاة التحرر الوطني، بالتالي سيغترف السودان الآن مما سيصطنعه مفكرو الجنوب، سيكونون له مصدر إلهام، كما كانت تلعب مصر هذا الدور، وهذا أمر سيسري أيضا في قضية الثقافة والأدب.
ذكر المؤلف أن العروبة والإسلام أو (الهوية العربية الإسلامية) التي تبنتها الأنظمة الحاكمة في السودان كانت وراء اختيار الجنوبيون للاستقلال، كان الجنوب رؤوفا بنا إذن حينما نادى بهوية سودانية جامعة، هذه السياسة التنافسية حفزت قادتنا على استجلاب عرب غرب إفريقيا لتعزيز العروبة في السودان، فطمعوا في حكمه، فكانت هذه الحرب. بالتالي لكي يستقر السودان عليه تبني ذات السياسات التي نادى بها الجنوبيون سابقا، وتسري الآن فيه، فانظر كيف خسر السودان وأعسر لكي يصل إلى هذه النقطة.
والكتاب يعد دراسة جادة شاملة للصراع الذي وقع بين جنوب السودان والمركز، بين أسبابه ومساراته التي أدت إلى الانفصال، والتملي فيه قد يعصم الوطن من حدوث صراعات أخرى تؤدى إلى ذات المصير خاصة وأنه ما تزال بؤرٌ منه تعيش صراعات مشابهة لذلك الصراع.انتهى.
gasim1969@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
صواريخ إيران تفضح التمييز ضد العرب والأجانب بإسرائيل
سلّط الرد الصاروخي الإيراني على إسرائيل الضوء على تمييز عنصري صارخ في الحماية المدنية، بعدما مُنع مواطنون عرب وعمال أجانب من دخول الملاجئ خلال القصف، في حين فُتحت الأبواب لليهود فقط، في مشهد يعكس فجوة ممنهجة حتى في لحظات الخطر.
وحسب تقرير لوكالة الأناضول التركية للأنباء، فإن هذا التمييز ضد العرب في إسرائيل (فلسطينيي الداخل الذين لم يغادروا أرضهم بعد الاحتلال الإسرائيلي) يَبرز على خلفية تقارير محلية تؤكد أن معظم منازلهم تفتقر إلى ملاجئ أو غرف محصنة، ما يجعلهم أكثر عرضة للخطر في أوقات القصف.
وبدأت إسرائيل فجر 13 يونيو/حزيران الجاري، بدعم ضمني من الولايات المتحدة، هجوما واسعا على إيران استهدف منشآت نووية وقواعد صاروخية وقيادات عسكرية وعلماء نوويين، وردت طهران على هذا الهجوم بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة تجاه العمق الإسرائيلي، في أكبر مواجهة مباشرة بين البلدين حتى الآن.
ومنذ ذلك الحين، وثّق ناشطون وتقارير حوادث إغلاق ملاجئ في وجه العرب والمقيمين غير اليهود في عدة مناطق بإسرائيل.
طرد جماعي
وقال الصحفي العربي محمد مجادلة، الذي يعمل في القناة الـ12 الإسرائيلية، إن "سكانا يهودا في منطقة الكريوت (شمال) طردوا صباح الخميس ممرضة عربية من ملجأ لمجرد أنها عربية".
وأضاف في منشور على منصة إكس "في حادثة مشابهة، طُردت عائلة عربية قبل يومين من أحد الملاجئ في مدينة يافا (شمال)، لأن إحدى نسائها كانت ترتدي الحجاب"، وتابع مستنكرا "هذه هي إسرائيل في عام 2025".
بدوره، أفاد موقع "عرب 48″، المختص بشؤون الفلسطينيين في الداخل، بأن "عددا من السكان العرب مُنعوا يوم الاثنين الماضي من دخول ملاجئ تابعة لإحدى الكليات، رغم التوجيهات الرسمية الصادرة عن بلدية تل أبيب بفتح هذه الملاجئ للجميع خلال حالات الطوارئ".
إعلانكما تداول ناشطون مقطعا مصورا يظهر شبانا إسرائيليين وهم يمنعون عددا من العمال التايلنديين من دخول أحد الملاجئ خلال ضربة صاروخية إيرانية، بينما يُسمَع أحدهم وهو يقول "المكان مخصص لليهود، ولا يُسمَح بدخول التايلنديين"، قبل أن يوجّه إليهم شتائم عنصرية.
وحسب "الأناضول"، يبلغ عدد الفلسطينيين في إسرائيل (الأراضي المحتلة عام 1948) نحو مليونين و118 ألف نسمة، من أصل تعداد السكان البالغ 10 ملايين و94 ألفا، وفق معطيات دائرة الإحصاء المركزية في أبريل/نيسان الماضي.
ووفقا لتقرير الوكالة التركية، فلا يقتصر التمييز على الممارسات الفردية فحسب، بل يمتد إلى البنى التحتية، إذ كشفت صحيفة "غارديان" البريطانية نقلا عن هيئة الرقابة الإسرائيلية، أن أقل من 15% من السلطات المحلية العربية البالغ عددها 71 بلدية عربية وبدوية ودرزية، تملك ملاجئ عامة، مقابل أكثر من ألف ملجأ موزعة ضمن بنية تحتية شاملة في البلديات اليهودية.
ويحرم سكان هذه المناطق من أبسط سُبل الحماية، رغم كونهم مواطنين رسميين في الدولة، ما يعكس فشلا ممنهجا في ضمان الأمن المتساوي خلال أوقات الحرب والطوارئ.
وفي 15 يونيو الجاري، قُتلت امرأة وابنتاها وقريبتهن، في حين أُصيب آخرون جراء سقوط صاروخ إيراني على منزلهم في مدينة طمرة العربية بمنطقة الجليل، وفق إعلام عبري.
وتنقل صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن أحد الفلسطينيين بالقدس الشرقية واسمه "حسين" أنه يحتمي بدرج منزله حينما تدوي صفارات الإنذار من هجوم صاروخي إيراني، لأن المبنى الذي يعيش فيه لا توجد به ملاجئ.
وتقول الصحيفة إن معظم المنازل في الأحياء العربية بالقدس لا تحتوي على غرف آمنة معززة، وإن الملاجئ العامة، التي تقع في الغالب داخل المدارس البلدية التي تم بناؤها حديثا، قليلة ومتباعدة.
وفي حين أن مثل هذه الأماكن شائعة في جميع أنحاء الأجزاء اليهودية من القدس الشرقية، فإنها نادرة للغاية في الأجزاء العربية من المدينة، كما هو الحال مع الملاجئ العامة، وفق الصحيفة نفسها.
بدو النقبويبدو الأمر جنوبي إسرائيل أسوأ، إذ أطلقت منظمة "إسرائيل تتبرع" اليسارية، أمس الخميس، "حملة طوارئ" لشراء ملاجئ متنقلة لصالح السكان البدو في صحراء النقب، في أعقاب الأضرار التي سببتها الصواريخ الإيرانية، وسط إهمال مستمر من سلطات تل أبيب، وعدم توفير مناطق محمية لهم.
وتستهدف الحملة جمع تبرعات لشراء ملاجئ مطابقة للمعايير الأمنية وتوزيعها في القرى، إلى جانب الضغط السياسي لمواجهة ما وصفته بسياسات التمييز التي تحرم هذه المجتمعات من الحماية الأساسية.
ووفق المنظمة الإسرائيلية، فإن عشرات الآلاف من بدو النقب يعيشون في قرى وتجمعات عربية غير معترف بها رسميا ولا تتوفر فيها وسائل حماية من الهجمات الصاروخية، ما دفع مئات العائلات إلى المبيت تحت الجسور أو خطوط السكك الحديدية.
وتستهدف الحملة جمع تبرعات لشراء ملاجئ مطابقة للمعايير الأمنية وتوزيعها في القرى، إلى جانب الضغط السياسي لمواجهة ما وصفته بسياسات التمييز التي تحرم هذه المجتمعات من الحماية الأساسية.
إعلانويقيم عشرات آلاف البدو العرب في عشرات البلدات التي لا تعترف بها إسرائيل، ما يحرم سكانها من الحصول على الماء والكهرباء والبنى التحتية والمدارس والعيادات الطبية.
وفي الأسبوع الماضي، تظاهر آلاف المواطنين العرب (الفلسطينيين) في منطقة النقب، احتجاجا على سياسة تل أبيب في هدم المنازل العربية، وسط تصاعد عمليات الهدم الإسرائيلية بذريعة "البناء غير المرخّص".
وفي 15 فبراير/شباط 2023، صدق الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بأغلبية 95 عضوا ومعارضة 10 من أصل 120 على تعديل قانون المواطنة، بما يسمح لوزير الداخلية التوجه إلى المحكمة العليا بطلب سحب الجنسية من مواطنين عرب في إسرائيل أو شطب الإقامة الدائمة لمواطنين فلسطينيين بالقدس الشرقية حال ثبوت تلقي مخصصات مالية من السلطة الفلسطينية.
ويشير التعديل إلى أنه حال انتهاء محكومية السجن، يجري طرد الأسير إلى مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.