عين ليبيا:
2025-05-14@18:12:42 GMT

«الحاءات» الليبية الثلاثة.. حوار وحكومة وحرب

تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT

(مؤشرات الأزمة السياسية الليبية تشير إلى صعوبة تنظيم إنتخابات بدون حكومة.. وتشكيل حكومة بدون حرب)

لا يتغير المشهد السياسي الليبي إلا بصِدام أو صدمة.. تاريخياً السلطة في ليبيا تُنتزع بالقوة الخشنة تحت مسميات مختلفة.. وإن كانت الوسيلة ناعمة في صورة حوار وتوافق وتقاسم أو ما شابه.. هذه هي المعطية التاريخية المستخلصة من تجربة ليبيا السياسية الحديثة.

»

محطات التغيير السياسي الرئيسية الحديثة في ليبيا تبقى شاهداً على هذا القول.. فأول حكومة استهلت مرحلة فبراير تشكلت بعد حرب 2011 الضروس.. وحكومة 2015 نتجت عقب حرب 2014 الغبية.. وآخرها حكومة الوحدة الوطنية التي كانت وليدة لحرب 2019 المفصلية.. إنها (خوارزمية) سياسية ليبية بامتياز.. (ثالوث) من حاءات متلازمة ومترابطة (حرب وحوار وحكومة).. حرب تقود إلى حكومة.. والحكومة تمهد لحرب.. تتخللهم حوارات صورية.

لا وجود أو معنى لمفردة التعددية في قاموس الذهنية الليبية.. الأحادية هي المحرك لبواطن الفكر والسلوك والفعل للنخبة السياسية.. هناك هامش ضيق لفكرة الحوار والقبول بالآخر والشراكة.. حالة متوحشة ومستديمة من الأنانية والتوحد وانعدام الثقة.. ولذا حينما يتعاطى الليبي السياسة ينبذ الحوار الفاعل.. وينجذب أوتوماتيكيا للعنف المادي أو اللفظي عندما يكون أمام حالة تنافسية أو متعددة الرؤى والاتجاهات.

هذا هو السبب الجوهري لتردي الوضع السياسي المأزوم في ليبيا.. الوصول للسلطة والقبض على زمامها يبرر كل وسيلة تُتخذ.. من يصل إلى كرسي السلطة يلتحم به.. ثم يختلق المبررات لذلك الالتحام.. حتى ينتهي الأمر لصِدام.. ولذا لا يشكل السلوك السياسي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة (استثناء) من منطق السياسة الليبية.. فالطريق لتجديد الحكم من (طريق السكة) ثمنه حرب.

مشكلة النخبة السياسية الليبية في العموم تكمن في الافتقار للضوابط الوطنية.. وتضارب الرغبات الخاصة والمصالح الوطنية.. والإطار الأخلاقي الذي يضع ذلك السياسي نفسه خلاله.. والبُعد الأسوأ والكارثي و(الحصري) للنخبة السياسية المسيطرة هو التضحية بكل الأعراف السياسية والقيم المجتمعية والوطنية والدوس عليها وتقديمها قرابين للحلفاء والشركاء أو الأعداء.. و(كلهم سواء).. مقابل التشبث بالمكاسب ومنع أي تغيير سياسي أو حالة تداولية.. لا توجد حدود لضبط وإدارة التنافس السياسي.. فمع غياب أدبيات ومرجعيات سياسية رصينة.. يشترك الإسلاموي والعقائدي والقومي والثورجي والليبرالي.. والخالي من كل ما سبق.. في اتباع (التبرير) كمنهج أصيل للممارسة السياسية.. حتى يُخيل إليك أن النظرية (الميكافيلية) موطنها ليبيا.. ولذا تكونت لدى مجلس النواب والدولة عقيدة سياسية (تبريرية) منحرفة مفادها أن حل الغرفتين التشسريعيتين أو إنهائهما دستورياً أو شعبياً يعني نهاية الدولة وضياع الأمة الليبية وعودتها للمربع (الدكتاتوري) بزعمهم.. ولا يفرُق السلوك السياسي (اللعوب) للمجلس الرئاسي عن نظرائه من النخبة السياسية في البرلمان ومجلس الدولة باختلاق المبررات (المُنَمقة) للخلود في قاعدة أبوستة البحرية وتقمص دور قائد المصالحة الوطنية برغم أن القِوى (الخشنة) صاحبة القول الفصل في العاصمة (الوادعة) وتراب غرب ليبيا رفعت عنه الحرج السياسي والغطاء الوطني.

إن أشد الأخطار التي تهدد وجود وتماسك كيان الدولة الليبية المتصدع هي أولاً التدخلات الأجنبية المخزية (عسكرياً وسياسياً وإقتصادياً ومالياً وديموغرافياً) التي تصادر استقلالية وحرية القرار الوطني.. وثانياً انقسام المؤسسات الحكومية الأمنية والاقتصادية والسيادية وعودة نموذج العاصمتين (طرابلس وبنغازي) وما يتبعه من انقسام جغرافي تظهر معالمه صريحة عند الكيلومتر الخمسين غرب سرت وعند المنتصف ما بين القريات والشويرف.. حيث أعمال (التشوينات) العسكرية لمشروع انشطار الدولة انطلقت.

لذلك فالسلوك (التبريري) للنخبة السياسية المسيطرة يصيب في مقتل كل الجهود والآمال والتطلعات للقوى الوطنية في تنظيف البلد من (خازوق) التدخلات الأجنبية التدميرية في جسد الدولة الليبية.. ومحاولات توحيد مؤسسات الدولة كأساس لإنطلاق مشروع إعادة بناء الدولة.. فلا ضير أن تٌهدم الدولة لتبقى السلطة.. وأن تُرابض القوى العسكرية الأجنبية داخل حرمة الوطن للحماية من أبناء الوطن على الضفة الأخرى.. وأن يُقدم المواطن الليبي المُسن (المريمي) قرباناً للمخابرات الأميركية مقابل غض النظر عن انتهاء ولاية الحكومة.. وأن تغازل وزيرة الخارجية نظيرها من كيان قتلة الفلسطينيين لكسب مزيد من الوقت في السلطة.. وأن يتراشق البرلمان ومجلس الدولة بمقترحات القوانين الانتخابية والطعون وفوبيا (سيف الإسلام) والعسكر ومزدوجو الجنسية من أجل التلاعب بالوقت والتمسك بمزايا السلطة على حساب تفويت الاستحقاق الانتخابي.. وليذهب الوطن وبقايا شعبه للجحيم.. وأن.. وأن.. وأن.

هذا المنهج (التبريري) السلبي المتجذر لساسة ليبيا يمثل أكبر خطر على وحدة ليبيا وسيادتها واستقلالها واستقرارها واستمرار حالة الصراع المفتوح الأجل.. وهو الذي وأد آخر محاولات الحفاظ على ليبيا (الموحدة) وإجراء تغيير سياسي (سلمي) بتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية ليلة (كريسمس) 2021.. سلوك نخبوي سياسي متناقض.. ظاهره رغبة في إجراء الانتخابات وباطنه عمل كل ما يعيق ذلك.. ضجيج يتعالى ويخبو حول شرعية لجنة 6+6 ومخرجاتها.. ورغبة رئيس مجلس النواب (عقيلة صالح) واصطدامها مع رغبات رئيس مجلس الدولة (محمد تكالة) حول مواصفات الرئيس الليبي المنتظر.

تعلم الأطراف السياسية الرئيسية ومن ورائها محلياً وإقليمياً ودولياً أن إجراء الإنتخابات الوطنية بدون (نسخة) حكومة جديدة يعد ضرباً من المستحيل.. قياساً على مبدأ تعارض المصالح.. و(القاضي هو الخصم).. وأن تكوين حكومة جديدة يستلزم (افتكاك) السلطة من حكومة (الدبيبة) بالقوة عملاً بالأسلوب السياسي (الليبي) لتداول السلطة.. وتعلم هذه الأطراف أيضاً أن طقوس البعثة الأممية وتراتيل المبعوث الأممي (باتيلي) سليل أعرق الديمقراطيات الأفريقية لفك طلاسم الانسداد السياسي عبر الحوار لم تعد مفهوهه ومسموعة.. حيث أصوات التكبير في (الوطية) وقرب قاعدة (القرضابية) والجفرة تعلو.

الحرب تصنع السلام في كثير المواضع واللحظات التاريخية للصراع الإنساني الأزلي.. أما في الحالة الليبية فالحرب سبيل لتمويل العملية السياسية وإحداث تغيير سياسي.. ومداها وضراوتها ستكون على قدر الحكومة القادمة.. إما حرب مباغتة وخاطفة وحكومة تكنوقراط مصغرة.. أو حرب ضروس تعيد رسم خارطة ليبيا.. حبيسة (ثلاثية) الحوار والحكومة والحرب.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

إقرأ أيضاً:

إزفيستيا: أسباب التصعيد الجديد في ليبيا

في تقرير موسع نشرته صحيفة "إزفيستيا" الروسية، تناول الكاتب غريغوري لوكيانوف، الباحث في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، تصاعد التوترات الأمنية في العصمة الليبية طرابلس، محاولا توضيح أسبابها وخلفياتها السياسية والأمنية.

وقال الكاتب إن المعطيات الميدانية تشير إلى أن هذه العملية كانت عملية عسكرية منظمة تهدف إلى إعادة هيكلة القوى الأمنية في العاصمة لصالح حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، رغم الطابع العشوائي الظاهري للاشتباكات.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتبة هندية: الحقيقة هي إحدى ضحايا حرب الهند وباكستانlist 2 of 2لوتان: بقصفهم وتجويعهم تحولت غزة إلى مقبرة للأطفالend of list

وأشار إلى أن الشرارة التي أطلقت التصعيد كانت مقتل القائد الميداني عبد الغني الككلي المعروف بـ"غنيوة"، وهو شخصية بارزة توّلت قيادة "جهاز دعم الاستقرار" ومنصب رئيس جهاز الأمن التابع للمجلس الرئاسي.

عملية مدبرة

وذكر أن المعلومات تشير إلى أن مقتله كان نتيجة عملية مدبرة، حيث تم استدعاؤه إلى اجتماع رسمي في مقر اللواء 444، ثم تمت تصفيته. وأدى ذلك إلى انهيار معنوي وتنظيمي في صفوف أتباعه.

وعُرف عن الككلي تعقيد علاقاته مع وزارة الداخلية والدائرة المحيطة بالدبيبة، حيث كان يدير فعليا "جيشا خاصا" يخدم مصالحه ومصالح حلفائه داخل أجهزة الدولة، إلى جانب سيطرته على موارد اقتصادية من خلال التهريب والاقتصاد الموازي.

إعلان

كما اتُّهم الككلي بتعطيل مساعي توحيد الهياكل الأمنية، والانخراط في صراعات على النفوذ داخل مصرف ليبيا المركزي.

وأشار لوكيانوف إلى أن السنوات الأخيرة شهدت محاولات من حكومة الوحدة الوطنية للحد من استقلالية المليشيات ودمجها ضمن بنية الدولة.

ومن أبرز هذه المحاولات تعيين عماد الطرابلسي، وهو شخصية قادمة من التشكيلات المسلحة، وزيرا للداخلية. وسعى الطرابلسي إلى تنفيذ سياسة أمنية مركزية، شملت استعادة السيطرة على المعابر الحدودية مع تونس، مما حرم الجماعات المسلحة من مصدر دخل ثابت عبر تهريب الوقود والسلع.

كما أدى الدعم الأوروبي، وخصوصا الإيطالي، إلى تقليص دور المليشيات في ملف الهجرة غير النظامية عبر إعادة توجيه العوائد واللوجستيات إلى مجموعات موالية للدبيبة.

تمت بسلاسة

ويشير الكاتب إلى أن عملية السيطرة على "جهاز دعم الاستقرار" تمت بسلاسة نسبية، مع انسحاب معظم قادة الجهاز المقربين من الككلي من طرابلس دون مقاومة، مما يعكس حجم الترتيبات المسبقة.

ويرى لوكيانوف أن مقتل الككلي والسيطرة على تشكيلاته المسلحة يمثّلان جزءا من عملية أوسع لإعادة رسم خريطة النفوذ في طرابلس.

وأوضح أن التشكيلات المسلحة التابعة للككلي كانت تتكون في معظمها من أبناء منطقة أبو سليم، وكانت تستخدم لمواجهة "نفوذ مصراتة" المتصاعد في أجهزة الدولة، خاصة منذ تولي عبد الحميد الدبيبة -وهو من مدينة مصراتة- رئاسة الحكومة في عام 2021.

أهمية شمالي غربي ليبيا

وقال: رغم استمرار انقسام ليبيا بين الغرب والشرق، مع بقاء الشرق والجنوب تحت سيطرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فإن الدبيبة يسعى إلى توحيد الأراضي شمالي غربي البلد، التي يقطنها أكثر من ثلاثة أرباع سكان ليبيا، عبر خطوات تدريجية.

ويشير التقرير إلى أن هذه الإستراتيجية ترتكز على تقويض سلطة المليشيات، وتعزيز المؤسسات الرسمية، والتقليل من النفوذ الأجنبي.

إعلان

وتناول التقرير أيضا تفاعل القوى الإقليمية والدولية مع الأزمة الليبية. فبينما ركزت الجزائر وتونس على حماية حدودهما المشتركة من تداعيات الفوضى الليبية، اختارت دول أخرى، كإيطاليا وتركيا، التوغل في مفاصل الإدارة والاقتصاد الليبيين.

وعلى سبيل المثال، عقدت إيطاليا اتفاقيات مع مليشيات محلية للحد من الهجرة، لكنها عمليا غذت تجارة البشر التي أصبحت مصدر دخل رئيسي لبعض التشكيلات.

 

مخاطر استمرار المليشيات

ويرى الكاتب أن استمرار ضعف مؤسسات الدولة، وحرية حركة المليشيات، والفساد المستشري، كلها أمور تسببت في انهيار الوضع المعيشي وتراجع الأمن المجتمعي وتآكل البيئة الاستثمارية، كما أتاح هذا الوضع مجالا واسعا لتدخل القوى الخارجية، مما أضعف السيادة الليبية.

وأوضح أيضا أن تقوية الحكومة وتقليص نفوذ المليشيات قد يضعفان تدريجيا الحاجة إلى وصاية خارجية، وهو ما لا تفضله بعض الأطراف الدولية ذات المصالح المتضخمة في الداخل الليبي، إلا أن سياسة الدبيبة تنسجم نسبيا مع مصالح بعض اللاعبين الدوليين.

ويمضي الكاتب ليقول إن المليشيات المسلحة لا تمثل فقط تهديدا داخليا لأمن الدولة الليبية، بل هي أدوات فعالة بيد قوى خارجية تسعى لتشكيل المشهد السياسي في ليبيا حسب مصالحها.

ويختم بالقول إن تفكيك هذه المليشيات أو إخراجها من اللعبة السياسية لن يكون سهلا أو سريعا، بل سيتطلب جهودا منهجية طويلة الأمد، وتوازنا دقيقا بين الداخل والخارج.

مقالات مشابهة

  • إزفيستيا: أسباب التصعيد الجديد في ليبيا
  • عودة لزيارة ترامب لدول الخليج وحرب السودان
  • برلماني: مصر تمتلك الإرادة السياسية والكوادر القادرة على تجاوز الأزمات
  • مجلس الدولة: تكالة تابع الوضع الأمني في طرابلس وكافة المدن الليبية
  • "مصر أيقونة شعب" لقاءً إعلاميًا موسعًا في حوار وطني لأعلام الفيوم
  • الغويل: الحل في حكومة ليبية واحدة تنهي التناحر وتؤسس للاستقرار
  • محمود بسيوني: الالتفاف الشعبي حول القيادة السياسية الضمانة الحقيقية لحماية الدولة من محاولات زعزعة استقرارها
  • عقيلة صالح: الحكومة الموحدة شرط أساسي لإنهاء الانقسام السياسي في ليبيا
  • تقرير أميركي: كل شهر ضائع يُعمّق الفوضى في ليبيا.. وعقوبات وشيكة ما لم تُشكّل حكومة تكنوقراط
  • «المنفي» يبحث مع وزير الدولة القطري تطورات المشهد السياسي