مخاوف من تصاعد خطر ركود الاقتصاد الأمريكي بعد ظهور إشار سلبية متزايدة
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
يتوقع خبراء الأسواق العالمية وبعض المحللين، احتمالات هبوط سلس للاقتصاد الأمريكي تبلغ نسبتها 70% أو 80%، بعد ظهور إشارات سلبية متزايدة تثير المخاوف حيال استمرار قوة المستهلك الأمريكي الذي يشكل إنفاقه نحو ثلثي النمو الاقتصادي، ما قد يلقي بظلاله على الاقتصاد الأكبر في العالم.
وأبدى كثير من المحللين وقادة البنوك الأمريكية الكبرى مخاوفهم من تصاعد خطر الركود في الولايات المتحدة، مع القلق المرتبط بوضع المستهلك الأمريكي.
وكشف مسح صادر عن بنك «ويلز فارجو» الأسبوع الماضي أن نحو 67% من الأمريكيين قالوا إنهم خفضوا إنفاقهم، بينما ذكر 45% من المشاركين أنهم اضطروا لتأجيل خطط مرتبطة بالمعيشة.
رأي رئيس أكبر بنك أمريكيويوضح «جيمي ديمون» رئيس بنك جيه بي مورجان (أكبر بنك أمريكي)، أن خطر الركود يرجع إلى المخاطر التي لا تزال تواجه الولايات المتحدة والتي تشمل تشديد السياسة النقدية بمعدلات فائدة قد تستمر عند مستويات مرتفعة لفترة أطول، إلى جانب الصراعات الجيوسياسية، لكن «ديمون» أشار إلى أن فرصة تجنب الركود تعد نصف هذه الاحتمالية وفقًا لـ «أرقام»، هيئة إحصاءات العمل، سي إن بي سي، رويترز.
وأرجأت الأسواق المالية توقعاتها لموعد ووتيرة خفض معدلات الفائدة الأمريكية هذا العام، إذ تشير أداة «فيد وتش» إلى أن الفيدرالي سيخفض الفائدة في يونيو المقبل، مع توقعات بثلاث عمليات خفض في إجمالي 2024، مقابل توقعات سابقة بست عمليات خفض.
تباطؤ نمو الإنفاق الشخصيوأظهرت بيانات صادرة الأسبوع الماضي تباطؤ نمو الإنفاق الشخصي في الولايات المتحدة بوتيرة ملحوظة ليبلغ 0.2% في شهر يناير الماضي مقابل صعود 0.7% خلال ديسمبر2023. تزامن ذلك مع تراجع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي المؤشر المفضل لقياس التضخم من جانب الاحتياطي الفيدرالي إلى 2.4% في فبراير الماضي من 2.6% يناير. كما أظهرت بيانات منفصلة تراجع مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة بنسبة 0.8% في شهر يناير الماضي على أساس شهري، لتكون أسوأ من التوقعات.
في موازاة ذلك، انخفضت طلبات السلع المعمرة في الولايات المتحدة 6.1% فبراير الماضي على أساس شهري، في أسوأ وتيرة هبوط خلال أربع سنوات، وهبط مؤشر «ميشيغان» لثقة المستهلك الأمريكي في فبراير للمرة الأولى في ثلاثة أشهر إلى 76.9 نقطة في الشهر الماضي من 79 نقطة في يناير، مع تصاعد المخاوف حيال مسار التضخم والانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة في نوفمبر.
تراجع النشاط في سوق العملوخلاصة ذلك، تشير إلى اتساع رقعة التوقعات السلبية خلال الفترة المقبلة، إذ رجحت وكالة فيتش تباطؤ وتيرة نمو إنفاق المستهلكين الأمريكيين خلال العام الجاري، مع تراجع النشاط في سوق العمل وتباطؤ نمو الأجور وتداعيات معدلات الفائدة المرتفعة على الاقتصاد.وارتفعت طلبات إعانة البطالة الأولية في الولايات المتحدة إلى 215 ألف طلب الأسبوع الماضي من 202 ألف في الأسبوع السابق له.
وقال روب هاوورث كبير مديري استراتيجية الاستثمار في إدارة الثروات في «يو إس بنك» إن 2023 كان عام تسارع الزخم الاقتصادي بدلاً من التباطؤ الذي توقعه الكثيرون، بدعم قوة إنفاق المستهلكين بشكل خاص، لكنه يرى أن بيانات شهر يناير الماضي لفتت إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي الأمريكي، رغم استمرار عدد من الإشارات الاقتصادية الإيجابية في بيانات أخرى.
وذكر أن السؤال الكبير الذي قد يقود الأسواق ويحدد موعد خفض معدلات الفائدة هو ما إذا كان بإمكان المستهلكين الاستمرار في الإنفاق بوتيرة كافية للحفاظ على نمو الاقتصاد.وأفادت بيانات رسمية أن معدل الادخار الشخصي- حصة الدخل الذي يدخره الأمريكيون- بلغ 3.8% في يناير، ما يعتبر أقل كثيرًا من الذروة المسجلة في شهر مايو الماضي عند 5.3%، ومقابل 7% قبل وباء «كورونا».
ويرى جوس فوشر كبير الاقتصاديين في «بي إن سي فاينانشيال سيرفيس» أن المستهلكين سيتعاملون مع تراجع مدخراتهم من خلال ادخار المزيد من الأموال هذا العام، ما سيؤدي إلى هبوط الإنفاق.
ورفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة بإجمالي 525 نقطة أساس خلال 18 شهرًا، لترتفع تكاليف الاقتراض لأعلى مستوى منذ عام 2001، في إطار محاولات السيطرة على التضخم.
التضخم الأمريكي.. يتباطئإلى ذلك، تباطأ التضخم الأمريكي في شهر يناير بوتيرة أقل من التوقعات، وصعد مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 3.1%، في حين كانت التوقعات تشير إلى تسجيل 2.9%.. كما أشار «ديفيد سولومون» الرئيس التنفيذي لبنك جولدمان ساكس إلى أن العالم لا يرى سوى احتمالية الهبوط السلس، لكنه يعتقد أن هناك القليل من عدم اليقين حيال هذه الفرضية. وقال سولومون إن الكثير من قادة الأعمال أخبروه أن الإنفاق تراجع في أوساط المستهلكين من ذوي الدخل المنخفض، مع وجود بعض الضعف في جزء من الاقتصاد الأمريكي.
من جهتها، قالت «إلين زينتنر» كبيرة الاقتصاديين الأمريكيين في «مورجان ستانلي» أنه من المؤكد أن يشهد الاقتصاد الأمريكي حالة ركود، رغم توقعات الأسواق ببدء تيسير السياسة النقدية من جانب الاحتياطي الفيدرالي هذا العام. وأشارت زينتنر إلى أن الهبوط الصعب للاقتصاد الأمريكي يعد أمرا لا مفر منه بسبب التأثير التراكمي المتوقع لتداعيات رفع معدلات الفائدة.
إشارات إيجابية تحيط بالاقتصاد الأمريكيفي المقابل- حسب أرقام- لا تزال هناك الكثير من الإشارات الإيجابية التي تحيط بالاقتصاد الأمريكي وتدعم وجهات النظر التي ترى أن أكبر اقتصاد في العالم قد يواصل تحدي رهانات الركود، وواصل الاقتصاد الأمريكي النمو خلال الفصول الستة الأخيرة، رغم معدلات الفائدة المرتفعة والأزمات التي واجهت قطاعي المصارف المحلية والعقارات التجارية.
وفي الربع الرابع من العام الماضي، حقق اقتصاد الولايات المتحدة مستويات نمو قوية، بالرغم من تخفيض وزارة العمل تقديراتها للنمو بشكل طفيف إلى 3.2% مقابل تقديرات سابقة عند 3.3%.. ورفع اقتصاديو وكالة «إس آند بي جلوبال» للتصنيف الائتماني توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.4% في العام الجاري من التقديرات السابقة الصادرة في نوفمبر عند 1.5%. وكان صندوق النقد الدولي قد رفع توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي في العام الجاري إلى 2.1%، بزيادة 0.6% عن تقديراته الصادرة في أكتوبر، لكنها لا تزال أقل من مستويات 2023 البالغة 2.5%.
اقرأ أيضاًرغم تراجع التضخم العالمي.. تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد الأمريكي
بنك الكويت الوطني يتوقع بقاء الاقتصاد العالمي تحت ضغوط التأثير المتأخر لرفع الفائدة خلال 2024
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الاقتصاد العالمي الأسواق العالمية الاقتصاد الأمريكي آفاق الاقتصاد العالمي اقتصاد الولايات المتحدة الامريكية سوق العمل في الولايات المتحدة اقتصاد الولايات المتحدة جي بي مورغان ركود الاقتصاد الأمريكي
إقرأ أيضاً:
لماذا تراجع سفر الكنديين إلى الولايات المتحدة هذا العام؟
ألبرتا- في مثل هذه الأيام من كل عام، كانت الأجواء بين كندا والولايات المتحدة تعج بالرحلات الجوية للسياح، لقضاء إجازة فصل الصيف، لكن ولأول مرة منذ عقود عدة، تشهد هذه المسارات تراجعًا غير مسبوق، بعدما شكلت هذه الرحلات شريان حياة اقتصادي وسياحي بين الجارتين.
بدأت التوترات السياسية بين كندا والولايات المتحدة في فبراير/شباط من هذا العام، عندما صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضم كندا إلى الولايات الأميركية، ثم عندما فرضت إدارته رسومًا جمركية على السلع الكندية مدعيةً مخاوف أمنية على الحدود.
وردّت كندا بإجراءات مماثلة بفرض رسوم على المنتجات الأميركية، ما أثار حالة من الغضب والاستياء الشعبي، وأطلقت حملات مقاطعة واسعة ضد السلع الأميركية والسفر إلى الولايات المتحدة.
حجوزات متراجعة نحو أميركاووفقًا لتقرير صادر هذا الشهر عن منظمة بيانات وتحليلات الطيران، فإن شركات الطيران، مثل "طيران كندا"، و"ويست جيت"، و"يونايتد إيرلاينز" قلصت رحلاتها إلى وجهات أميركية رئيسية مثل لوس أنجلوس وشيكاغو وأورلاندو، مع إعادة توجيه تركيزها نحو وجهات محلية ودولية تعتبر أكثر ربحية.
وأشار التقرير إلى بيانات وإحصاءات لافتة، أبرزها:
إلغاء أكثر من 320 ألف مقعد على الرحلات بين البلدين حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2025، وذلك استنادًا إلى مقارنة البيانات بين الفترة من 3 إلى 24 مارس/آذار 2025. شهرا يوليو/تموز وأغسطس/آب 2025، وهما ذروة موسم السفر الصيفي، شهدا أكبر انخفاض في السعة بنسبة 3.5% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. رغم الاستقرار العام في سعة الرحلات خلال الصيف، إلا أن التحديثات الأسبوعية الأخيرة أظهرت اتجاهًا تنازليًا واضحًا في عدد المقاعد المتاحة. كما انخفضت حجوزات الركاب على الخطوط الجوية بين كندا والولايات المتحدة بنسبة 70% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، في مؤشر واضح على التراجع الكبير في الطلب على السفر عبر الحدود. إعلانوقالت إيمي بوتشر، نائبة رئيس الشؤون العامة في جمعية صناعة السياحة الكندية، إن الكنديين اختاروا تجنب زيارة الولايات المتحدة هذا الصيف.
وأضافت أن السفر جوًا تراجع بنسبة 22.1% في يونيو/حزيران الماضي مقارنة بالعام السابق، بحسب بيانات هيئة الإحصاء الكندية، كما انخفضت رحلات العودة الكندية بالسيارة بنسبة 33.1%.
وأشارت بوتشر، في بيان نقلته شبكة "سي بي سي" الكندية، إلى أن السياحة تُعد واحدة من أقوى المحركات الاقتصادية في كندا، حيث بلغت عائداتها 130 مليار دولار كندي ( نحو 95 مليا دولار) في عام 2024، منها 75% من السفر المحلي.
كما أكدت هيئة الإحصاء، أن الإنفاق السياحي في كندا من المقيمين ارتفع بنسبة 0.8% في الربع الأول من عام 2025، مدفوعًا بشكل أساسي بالإنفاق على الإقامة.
حملات مقاطعة الكنديين السفر نحو أميركاويعزو الخبراء الانخفاض الحاد في الطلب إلى مزيج من العوامل السياسية والاقتصادية.
ويقول الدكتور زياد الغزالي، الخبير الاقتصادي من مقاطعة أونتاريو، إن تصريحات ضم كندا كولاية أميركية، أثارت موجة من السخط الوطني، وقد انعكست هذه الموجة في حملات مقاطعة السفر إلى الولايات المتحدة، خاصة بعد الرسوم الجمركية التي فرضها دونالد ترامب، ولغة التهديد والوعيد التي استخدمها في تصريحاته تجاه أوتاوا.
ويضيف الغزالي، في حديث للجزيرة نت، أن تراجع قيمة الدولار الكندي بنسبة 6% هذا العام، إلى جانب زيادة أسعار تذاكر السفر، وارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد، جعل السفر إلى الولايات المتحدة أكثر تكلفة على المواطن الكندي.
ويستطرد: "إلى جانب تباطؤ سوق العمل وارتفاع معدلات البطالة إلى 7% في مايو/أيار الماضي، وهي الأعلى منذ عام 2016 باستثناء فترة جائحة كورونا، فقد ساهم هذا التدهور في تقليص ثقة المستهلك الكندي وقدرته على الإنفاق على السفر".
إعادة جدولة الرحلات وتغيير الوجهات بعيدا عن أميركاوانعكس هذا التراجع الكبير في سفر الكنديين إلى الولايات المتحدة مباشرة على شركات الطيران الكندية، ما دفعها إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بتعديل جداول رحلاتها الصيفية، وتقليص سعة الرحلات المتجهة جنوبًا، وإضافة المزيد من المقاعد والوجهات الجديدة، مع التركيز على "أسواق القوة" في أوروبا والوجهات السياحية المشمسة.
فشركة "ويست جيت" الكندية، ثاني أكبر ناقل بعد "الخطوط الكندية"، أعلنت أنها قلّصت عددًا من رحلاتها بين كندا والولايات المتحدة، كما ألغت تسعة مسارات جوية في مايو/أيار الماضي، استجابة للانخفاض الكبير في الطلب.
وعللت هذه التعديلات بالتوترات الجيوسياسية القائمة بين البلدين، وتزايد الإقبال على تجارب السياحة الداخلية.
أما شركة "الخطوط الكندية"، فقد أعلنت في وقت سابق عن انخفاض بنسبة 10% في الحجوزات المتجهة نحو الولايات المتحدة، ابتداء من منتصف مارس/آذار الماضي وحتى الأشهر الستة المقبلة.
وإثر ذلك، بدأت الشركة بخفض الطاقة الاستيعابية، وإعادة تركيز عملياتها نحو وجهات في أميركا اللاتينية وأوروبا، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية.
ويقول مشغل السياحة في مقاطعة أونتاريو، فؤاد علي، إن الرحلات الجوية والبرية والبحرية نحو الولايات المتحدة انخفضت عموما بنسبة 38%، مرجعًا هذا التراجع إلى التوترات السياسية والتجارية، والرسوم الجمركية المفروضة على كندا.
إعلانوأشار في حديثه للجزيرة نت، إلى أن المواطنين الكنديين، سواء كانوا عربًا أم أجانب، يتوجهون بشكل كبير في رحلاتهم الداخلية إلى غرب كندا، خاصة إلى مدينة فانكوفر.
وفي السياق ذاته، قررت المواطنة شيرل راتزلاف من مقاطعة ألبرتا تغيير وِجهة سفرها هذا العام إلى تركيا بدلًا من الولايات المتحدة.
وقالت لـ"الجزيرة نت": "إن تغيير وِجهة السفر يعود للتوترات السياسية والرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي على بلادنا، والتصريحات التي تدعو إلى ضم كندا كولاية أميركية، لذلك قررت قضاء إجازتي أنا وزوجي في مدينة إسطنبول التركية".
وتجولت "الجزيرة نت" منتصف الأسبوع في صالات المغادرة والوصول في مطار كالغاري الدولي، بمقاطعة ألبرتا، حيث لوحظ نشاط لافت في صالات وصول الرحلات الداخلية القادمة من المقاطعات الأخرى، في المقابل، بدت صالات المغادرة المخصصة للرحلات الدولية، لا سيما المتجهة إلى الولايات المتحدة، في حالة من الركود والانخفاض الواضح في الحركة، مما يعكس صورة ميدانية لما يعيشه قطاع السفر الكندي من تغيرات جذرية هذا الصيف.