الوطن:
2025-05-10@19:32:00 GMT

الدكتور محمد فيصل محمد يكتب: آيات بيِّنات

تاريخ النشر: 14th, March 2024 GMT

الدكتور محمد فيصل محمد يكتب: آيات بيِّنات

خلق الله الإنسان لغاية عُظمى وهى معرفته سبحانه، ومن سُبل معرفة الخالق التفكرُ فى خلقه وإعمارُ أرضه. ولقد كلف الله الناس مخاطباً مجموعهم فى قوله: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها»، فالمؤمن بالله مكلَّف بأن يعمر الأرض، والأمر بذلك جلىٌّ فى قوله سبحانه: «واستعمركم» أى طلب منكم إعمارها، ومتى توجَّه الإنسان لإعمار الأرض منفرداً أضاع عمره هباء، ووجد جهده سراباً؛ إذ عملُ الطائفة والفريق هو الموصِّل للغاية من أقرب طريق، وهو الهدى الذى لأجله كان الاجتماع البشرى على أساس من القيم التى تزكيها بين الإنسان وأخيه رسالة السماء إلى أهل الأرض، «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ»، وكانت العرب تقول: «المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه»، فبهم يسعد قلبه ويشتد ساعده، ولقد لمح القرآن الكريم فى غير موضع إلى أن أمور دنيا الناس لا تستقيم بمعزل عن منهج الدين الحنيف، ولا سبيل إلى قيام الإنسان بأمر الله فى دينه بمعزل عن الدنيا؛ لذا كان منهج الإسلام الوسط فى تعليم الإنسان التوازن فى عمله بين الدنيا والآخرة، وقد جاء فى الأثر: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً»، فإذا ما دعتك نفسك للعزلة عن الناس وترك العمل فى الدنيا انقطاعاً للآخرة فخاطبها بأن الله امتدح قوماً طلبوا حسنة الله فى الدنيا وحسنته فى الآخرة، وأن السعى فى الدنيا ما هو إلا طلب لرضا الله فى الآخرة، وإذا ما أخذك طلب المال والسعى والكد وشغَلك عن جانب من الدين فخُذ وقفة مع نفسك مخاطباً إياها بأنك قد تموت غداً فماذا أعددت لهذا الغد؟!

التوازن بين العمل فى الدنيا والآخرة منهج واضح فى وصية الذين أوتوا العلم لقارون الذى شغَله المال عن حق الله فيه من شكر نعمته ومعرفة عظيم فضله عز وجل، فيحكى لنا القرآن الكريم ذلك فى قوله سبحانه: «إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِى الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».

والمراد آتيناهُ مِنَ الْكُنُوز ما إنَّ حِفْظها والاطلاعَ عليها ليثْقُل على جماعة من الرجال أصحاب الْقُوَّةِ وَالْهِدَايَةِ، أَىْ هَذِهِ الْكُنُوزُ لِكَثْرَتِهَا وَاخْتِلَافِ أَصْنَافِهَا تُتْعِبُ حَفَظَتَهَا وَالْقَائِمِينَ عَلَيْهَا أَنْ يَحْفَظُوهَا، ثُمَّ إنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِى قَوْم قارونَ رجالٌ أصحاب علم وتقوى قدَّموا له النصيحة والموعظة فقالوا: «لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ»، والمراد لا تجعل الفرح بحيازة يُلهيك عن أمر الآخرة أصلاً، إنه لا يفرحُ بِالدنيا إلا مَنْ رَضِىَ بِهَا وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهَا، وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ الْمُتَنَبِّى:

أَشَدُّ الْغَمِّ عِنْدِى فِى سُرُورٍ تَيَقَّنَ عَنْهُ صَاحِبُهُ انْتِقَالاً

ثم قال له من يعظه: «وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ».

أى عليك أَنْ تَصْرِفَ الْمَالَ فيما يؤدى بك إلى الجنة، ويتجلى الأمر بالتوازن فى عمل المؤمن بين الدنيا والآخرة فى قولهم له بعد التنبيه على أمر الآخرة: «ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا» أى أن الدين لا يمنع من التمتعِ بالمال فيما أحله الله كما يشجع على إنفاق المال فِى طَاعَةِ اللهِ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ نَصِيبُ الإنسان مِنَ الدُّنْيَا فوق الَّذِى يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ. ثم قَالَ: «وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ»، أى أن فعلك للإحسان ليس تفضلاً إنما هو شكر لله على إحسانه الأول. فلنتعلم من مدرسة القرآن الكريم الموازنة بين عملنا للدنيا وعملنا للآخرة ولنشكر الله على ما أنعم به علينا باستخدامه فيما يرضيه لعلنا نكون من المفلحين.

*عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر الشريف

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأحاديث النبوية الشريفة فى الدنیا الله ف

إقرأ أيضاً:

الدكتور أحمد الدحيات نقيباً للأطباء البيطريين

صراحة نيوز ـ أعلنت لجنة الإشراف على انتخابات نقابة الأطباء البيطريين، الجمعة، فوز الدكتور أحمد محمد الدحيات بمنصب نقيب الأطباء البيطريين وفوز كل من د. أحمد خالد تيم ، د. أسماء تيسير الغزاوي، د. سامح محمد الفقيه، د. عاكف غازي الزعبي، د. غضنفر عبد الحميد أبو زنيد، د. محمد صدام فايق بن طريف، د. مصطفى سمير ياسين، د. هادي فيصل الخيطان بعضوية مجلس النقابة للدورة الثالثة والعشرين 2025-2028 بالتزكية بعد انسحاب باقي المرشحين لانتخابات النقابة وذلك إستناداً لنص المادة رقم (23/ب) من قانون النقابة رقم (28 ) لسنة 2008 والتي تنص على :-
إذا لم يتقدم لمركز النقيب إلاّ مرشح واحد أعتبر فائزاً بالتزكية كما يعتبر المرشحون لعضوية المجلس فائزين بالتزكية إذا كان عددهم مساوياً للعدد المقرر لأعضاء المجلس

مقالات مشابهة

  • حسين خوجلي يكتب: العرب يتألمون والعجم يتأملون
  • الدكتور أحمد الدحيات نقيباً للأطباء البيطريين
  • الفرق بيننا وبينهم
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (نفكر…)
  • الدكتور يسري جبر: الصلاة الواحدة في المسجد النبوي بـ مائتي ألف
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: ( نفكر…)
  • تعرف علي موعد عرض مسرحية مكسرة الدنيا في موسم جدة
  • خالد الجندي: نركز على المال والمظاهر.. والغنى الحقيقي هو الاستغناء
  • إبراهيم النجار يكتب: الشرق الأوسط إلى أين؟!
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (والسلاح الأعظم)