علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
مع إعلان النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية بروسيا وفوز الرئيس فلاديمير بوتين بولاية رئاسية جديدة مدتها ستة أعوام، علينا نحن العرب التفكر وإدراك المتحولات العالمية من حولنا، واقتناص المستقبل متمثلًا في كيفية نسج علاقات دولية متوازنة مع الغرب والشرق دون إفراط أو تفريط.

وعلى رأس هذه التحولات تبرز جمهورية روسيا في عهودها وهويتها البوتينية، لتتربع على عرش القطبية المتعددة في العالم الجديد.
روسيا اليوم قوة عالمية متعددة فرضت نفسها، ولم تعد روسيا الضحية للحرب الباردة وصراع المعسكرين الشرقي والغربي، هذا الصراع الذي ما زال يمارسه الغرب تجاه روسيا اليوم، رغم ليبراليتها وسوقها المفتوح وانفتاحها على العالم بصورة مغايرة تمامًا لموروثها السوفييتي.
ما زلنا نحن العرب اليوم ضحايا للبروباجاندا (الدعاية) الغربية تجاه الاتحاد السوفييتي ووريثته روسيا اليوم، ولم نحاول الانفكاك من هذه الصورة النمطية السلبية بالتقرب أكثر من روسيا، وخلق صورة حقيقية عنها من واقع قناعاتنا دون وسيط.
روسيا البوتينية، دولة حيوية لها مفاهيم وعقائد جديدة، تجعل التقرب منها سياسة ذات جدوى كبيرة ليس على صعيد التوازن الدولي في العلاقات؛ بل وعلى صُعد أخرى كثيرة كذلك منها التعاون في مجالات التقنية والطاقة والصناعات والثروات الطبيعية والتعليم والبحث العلمي، إضافة الى كونها دولة تحترم سيادة الآخرين وخصوصياتهم الثقافية.
روسيا البوتينية اليوم لها عقيدة ومفهوم جديد للأمن القومي الروسي، والذي أصبح يشمل كل جغرافية لروسيا مصالح بها حول العالم، وهذه العقيدة جعلت من روسيا حليفا موثوقا إلى حد كبير، وتجلّى ذلك في الموقف الروسي الصلب تجاه حليفتها الاستراتيجية سوريا، والتي وقفت روسيا إلى جوارها في مواجهة المؤامرة الدولية عليها حتى مقبض السيف.
جعل بوتين من دمشق إعلان ولادة روسيا البوتينية بعقائدها السياسية والعسكرية الجديدة المناقضة للعهد السوفييتي والذي كان لا يعبأ كثيرًا بمصير حلفائه خارج جغرافية الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو؛ الأمر الذي سهّل على الغرب اقتناص الحلفاء والتفرد بهم دون الخوف من أي ردة فعل كبيرة من السوفييت.
الأزمة التي افتعلها الغرب في أوكرانيا كفخٍ مصطنعٍ لاستنزاف روسيا عسكريًا واقتصاديًا، تحولت بفعل قوة روسيا وتخطيطها الاستراتيجي المضاد إلى فخ للغرب واستنزاف عسكري واقتصادي؛ بل وأخلاقي له؛ حيث سقط الغرب بكافة سردياتها للعالم بشأن السيادة وحقوق الإنسان والسلم الدولي، وتحوَّل إلى مجموعة من اللوبيات التي ترفع شعار الغاية تبرر الوسيلة، كما كشف للمجتمع الدولي بأن سيناريو أوكرانيا يمكن تفصيله على أي دولة لا تروق للغرب.
"طوفان الأقصى" اليوم استغلته روسيا للمزيد من إجهاد الغرب وتوسيع جبهات مواجهتها مع الغرب إلى جغرافيات أخرى، وهذا ما سيجعل الغرب يتنازل ويعترف في النهاية لروسيا بحقها في المخاوف بشأن مصير أوكرانيا والعودة إلى الاتفاق المبرم بين روسيا وأوكرانيا بشأن استقلال الأخيرة وأعترافها ببنود الاتفاق وشروطه من قبل الطرف الروسي.
آن الأوان لنا اليوم كعرب أن نُبحر صوب الشرق بقوة وثبات، إذا ما أردنا أن نلحَق بالعالم الجديد ونغادر مساحة الأحلاف الوهمية التي نسجها لنا الغرب وسكبها قسرًا في عقولنا حتى أصبحنا أسرى حقيقيين لخطابه وسياساته أكثر من مصالحنا وأبعد من ثوابتنا بسنوات ضوئية.
قبل اللقاء.. من يقرأ التاريخ، يقرأ المستقبل.
وبالشكر تدوم النعم.
 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كيان الأعمال القذرة

 

تعاطف الغرب مع كيان الاحتلال، لأنه يمثل الأداة الأساسية التي يعتمدون عليها في تدمير الأمة العربية والإسلامية، وهو أمر لا يخفيه الغرب، لكن تخفيه الزعامات والأنظمة العربية لمساعدة الغرب على إنجاح مخططاته الإجرامية في استباحة الأمة إلى ما لا نهاية.

أمريكا لا تخفي دعمها لهذا الكيان المجرم، فدعمها له بلا حدود في كل جرائمه حتى وإن حاول البعض إنكار جرائمه في بعض المواقف إرضاء للرأي العام؛ المستشار الألماني (ميرتس) اعترف أخيراً أن إسرائيل تقوم بالأعمال القذرة نيابة عن الغرب ومع ذلك فقد تحامل على النظام الإيراني واتهمه بالإرهاب.

سياسة الغرب عامة تقوم على المصالح واستخدام الإيديولوجيات الدينية من أجل حماية كياناته من الانحدار إلى مستنقعات الحروب الأثنية والطائفية التي عانى منها سابقا وفي ذات الوقت يعمل على استنساخ مصادرها في الأمة العربية والإسلامية من خلال الخونة والعملاء الذين جندهم لهذه المهمة القذرة.

يشيد بالإجرام الصهيوني ويدافع عنه ويحارب روسيا ويشجب جرائمها في أوكرانيا، فما هو مسموح للإجرام الصهيوني الصليبي في الوطن العربي وخاصة في فلسطين وغزة، مُحرم على روسيا في أوكرانيا.

المقاومة الأوكرانية للغزو الروسي حق مشروع وتستوجب كل الدعم في نظرهم لكن المقاومة الفلسطينية إرهاب يجب القضاء عليها؛ من حق إسرائيل الاعتداء على من تريد، لكن ليس من حق المعتدى عليه (إيران) أن ترد عليها -كما صرح (ستارمر) رئيس وزراء بريطانيا- ومن حق إسرائيل أن ترتكب جميع الأعمال القذرة، لكن ليس من حق إيران الرد عليها، كما صرح (المستشار الألماني).

المبرارات التي يقولها (ميرتس) بسعي إيران لامتلاك السلاح النووي عذر كاذب، نفاه مدير عام الوكالة الذرية الدولية-رافييل غروسي بقوله (ليس لدينا دليل على جهود ممنهجة لصنع سلاح نووي إيراني)؛ الأسلحة الذرية حكر على النادي المسيحي والتحالف الصهيوني الصليبي، وكما دمر العراق بمزاعم كاذبة لم يتبق سوى إيران وبعدها باكستان؛ وأما الإجرام الصهيوني فمسموح له أن يمتلك كل الأسلحة المحرمة وغيرها ومصانع الغرب هي مصانعه.

التحالف الصهيوني الصليبي أوجد الكيان المحتل ومكنه من الاستيلاء على فلسطين وصهاينة العرب والغرب يعتبرونه كرأس حربة متقدمة لتدمير الأمتين العربية والإسلامية ومعهم جيوش من الخونة والعملاء تمت زراعتهم في معظم الأنظمة وسلمت لهم مقاليد السلطة والحكم لحماية الإجرام الصهيوني والحفاظ عليه وتجذير التخلف والانحطاط والفرقة والشتات.

قد يظن البعض أن دعم ألمانيا والغرب عموما- لليهود بسبب ما قيل إنها (الهلوكست) والتي يشير إليها البعض على أنها حُجة لإمداد اليهود بالمال من خلال التعويضات وأيضاً لإيجاد مبرر لإرسالهم إلى فلسطين للقيام بالمهام القذرة نيابة عن الغرب؛ وتطويرا للحروب الصليبية الإجرامية، لكن في إطار مدمج، يجمع تحالف الصهيونية واليهودية معا حتى يحظى بالدعم والتأييد من اليهود والنصارى معا ويحقق ما عجزت عنه تلك الحملات الإجرامية والتي فتكت باليهود والنصارى العرب الذين لم يتعاونوا معهم وأبادت المسلمين من خلال ارتكاب المجازر التي تتماثل مع ما يمارسه الإجرام الصهيوني اليوم على الدول العربية والإسلامية وخاصة في فلسطين.

أمريكا اليوم تقود العالم وتدافع عن الإجرام الصهيوني، تدافع عن أبشع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتهجير القسري وجرائم الإبادة للمدنيين العُزّل، وكل الأنظمة المتصهينة (الغربية والعربية) أيضاً، ويقولون إن ذلك دفاع شرعي يتناوبون الأدوار فيما بينهم ويمدون الاحتلال بكل ما يحتاجه ولو كان مخالفا للقيم والمبادئ والقوانين والأعراف الدولية والإنسانية، فحماية مصالح الإجرام في استمرار هيمنته ونفوذه والاستيلاء على ثروات ومقدرات الأمم والشعوب يستوجب ذلك.

قد يتساءل البعض: لماذا يحظى هذا الكيان الإجرامي بملء هذا الدعم؟ الجواب واضح أن الغرب أوكل له القيام بالأعمال القذرة نيابة عنه والتي لا يستطيع تنفيذها أو التي قد تؤثر على ما يدعيه أنه يمثل قيم الحرية والعدالة والإنسانية وحقوق الإنسان.

في الحروب التي شنها الغرب أو الشرق على الأمم الأخرى، مورست فيها كل الأساليب القذرة ولكن العجب والغرابة أن ساسة صهاينة (الغرب والعرب) يدعمونها ويؤصلون لها دينا وعقيدة وسلوكا وأخلاقا ضد الآخرين.

فمثلا ألمانيا في الحرب العالمية الثانية استولى الحلفاء عليها ودمروها ثم اعتبروا نساءها غنائم حرب واغتصبوا أكثر من مليوني امرأة، ماتت منهن مائتا ألف بسبب الاغتصاب المتكرر من قبل جنود روسيا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا، معظم العرب والمسلمين كانوا يساندون ألمانيا ويؤيدونها.

أمريكا قتلت أكثر من مائتي الف ياباني بالقنابل الذرية وهناك اكثر من مليون مشوّه؛ وفي عدوانها على فيتنام وبحسب التحقيق الذي أجراه الكونجرس، فقد تم قتل ما لا يقل عن مليون وخمسمائة ألف مدني وتم تدمير مدن وقرى بكاملها؛ وقدم الجزائر في حرب التحرير فقط مليوناً وخمسمائة ألف شهيد؛ وتم ارتكاب جرائم الاغتصاب أثناء احتلال أمريكا وحلفائها للعراق، بعد تسويق المزاعم الكاذبة بامتلاكه أسلحة دمار شامل .وفي إسقاط برجي نيويورك واحتلال أفغانستان وتدميرها الغاز كثيرة لم يستطع مؤلف كتاب الخدعة الكبرى (تيري ميسان) فك رموزها ولكنه أثبت أن المخابرات الأمريكية والصهيونية نفذت الهجوم كأساس لفرض نظام عالمي جديد تهيمن فيه أمريكا كقطب أوحد، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي؛ وتأمين سيطرتها ونفوذها واستكمال الاستيلاء على بقية أقطار الأمتين العربية والإسلامية .

تم اختيار الإسلام كدين والمسلمين ساحة للصراع لإحراز نصر سهل لا كلفة فيه، لكن العائدات كثيرة لا حصر لها؛ الإجرام والأعمال القذرة يقوم بها المجرمون شرقا وغربا ومن كل الأديان والملل والإسلام هو المتهم والمطلوب القضاء عليه فكرا وسلوكا، عقيدة وشريعة، سواء بواسطة اليهود الذين لديهم الاستعداد والرغبة والقابلية للقيام بكل الأعمال القذرة أو بواسطة غيرهم، فكل من سيقوم بالأعمال القذرة يحظى بالدعم المادي والمعنوي.

كشفت الأحداث والمآسي أنه لا فرق بين شركاء التحالف الصهيوني الصليبي وأن إسرائيل هي الوجه الأشد قذارة وإجراما لتدمير كل مشاريع النهوض والتكامل العربي والإسلامي، وهو ما تحدث به –جورج بوش 2005م (إن تركنا المسلمين يسيطرون على دولة واحدة فسيستقطبون جموع المسلمين مما سيترتب عليه الإطاحة بجميع الأنظمة التابعة لنا في المنطقة وسيتبع ذلك إقامة إمبراطوريه إسلامية أصولية من إندونيسيا إلى إسبانيا).

الإجرام الصهيوني ارتكب أبشع جرائم الإبادة في غزة ولبنان واليمن وسوريا والعراق وليبيا وغيرها والآن يسعى لتدمير إيران؛ دمر المستشفيات ومراكز اللجوء الإنساني وأباد الأطفال والنساء وأراد الآن صرف الأنظار عنها، ولأن الرد الإيراني اقترب من مستشفى مجاور للمراكز المستهدفة في الأراضي المحتلة، صاحت حكومة الإجرام الصهيونية واستنكرت وادعت كذبا أن إيران تستهدف المرضى والأطفال في المستشفيات.

كيف استطاع هؤلاء المجرمون والكيان الإجرامي أن يقتنعوا أنهم ضحية وقد دمروا مستشفيات غزة بكاملها وقتلوا الأطفال بأسلحة القناصة والصواريخ، وكيف يستجدون دعم من كلفهم بالمهمات القذرة؛ ومع ذلك فقد استجاب لهم المجرمون وذهبوا لتأييدهم ودعمهم في استكمال جرائم الإبادة والتهجير القسري وجرائم الحرب التي ستظل وصمة عار في سجل التاريخ والإنسانية، وصدق الله العظيم القائل ((ودّوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، قد بيّنا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)) آل عمران-118

مقالات مشابهة

  • بوتين: العدوان لا يأتي من روسيا بل من الغرب الجماعي
  • فورين أفيرز: إسرائيل تسعى لغزة بلا غزيين والعالم مشغول بحرب إيران
  • مواعيد قطارات الصعيد (المكيفة - تالجو - الروسي) اليوم الجمعة 27 يونيو 2025
  • «وزير الطاقة الروسي»: تعاوننا مع مصر مستمر ولن يتأثر بالتوترات الإقليمية
  • أوكرانيا.. قمة الناتو تناقش كيفية إجبار ‎روسيا على إنهاء الحرب
  • دروس وعبر
  • هل يهدم وزير الصحة الأمريكي حصانة اللقاحات في أمريكا والعالم؟.. نخبرك التفاصيل كاملة
  • عاجل| الرئاسة الأوكرانية: زلينسكي يتلقى ترامب اليوم على هامش قمة الناتو
  • هل يهدم وزير الصحة الأمريكي حصانة اللقاحات في أمريكا والعالم؟.. نخبرك ما نعرفه
  • كيان الأعمال القذرة