الإمام الشافعي.. شاعر العلماء وإمام الحكماء وواضع لبنات علم الأصول
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
الإمام محمد بن إدريس القرشي المُطَّلِبِي الشافعي، يلتقي نسبه مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف، وهو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة بعد الإمامين أبي حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس. يوصف بأنه "عقل فقهي ومنهجي عبقري"؛ وبأنه "مجدد القرن الثاني الهجري"، ويعد أول من وضع لبنات علم أصول الفقه بكتابه "الرسالة".
إمام في الفقه والحديث وعلم التفسير، وأديب وشاعر، ساد زمانه واستمر في المسلمين أثره وذكره.
ولد محمد بن إدريس الشافعي بغزة في شهر رجب سنة 150هـ الموافق أغسطس/آب 767م، ولم يكد يحفظ ملامح والده إدريس حتى وافته المنية، فنشأ يتيما في حجر أمه فاطمة بنت عبد الله الأزدية (نسبة إلى قبيلة الأزد)، التي قررت الرجوع به وهو ابن عامين إلى مكة خوفا من أن يضيع أصله ونسبه. وفي تلك الربوع؛ منزل الوحي وانطلاق نور رسالة الإسلام، نشأ وترعرع.
الدراسة والتكوين العلميما إن بلغ سن التمييز حتى دفعت به والدته إلى التعليم رغم الفقر وضيق الحال، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين. ويقول عن هذه المرحلة: "ّكنت يتيما في حجر أمي ولم يكن لها مال، وكان المعلم يرضى من أمي أن أخلفه إذا قام".
ظهرت عليه في وقت مبكر علامات النجابة والذكاء واتقاد العقل، فوجَّهته والدته إلى إتقان تلاوة القرآن وتفسيره على أيدي شيوخ التفسير في المسجد الحرام، وأقبل بعدها على حفظ الحديث النبوي، وكان آية في الحفظ.
درس اللغة والنحو، ولما لاحظ دخول الغريب من الكلمات والتعابير في حديث المسلمين الجدد من غير العرب، اتجهت همته إلى اللغة وعمل بنصيحة الليث بن سعد، إمام مصر، بضرورة إتقان اللغة وأسرار بلاغتها وفنون آدابها، وحفظ الشعر الذي سبق نزول القرآن الكريم، لأنه يساعد على فهم معاني عدد من الآيات والأحاديث، ونُصح بالخروج إلى البادية وتعلم كلام هذيل وشعرها؛ فقد كانوا أفصح العرب، وشعرهم غني بكنوز اللغة.
خرج إلى بادية لقبيلة هذيل قريبة من مكة، فعاش مع أهلها سنوات عديدة؛ فحفظ أشعارهم وأخبارهم وكلامهم، وتعلم منهم اللغة والرماية والفروسية. وقد قال الشافعي عن هذه المرحلة "كانت همتي في شيئين: الرمي والعلم، فصرت في الرمي بحيث أصيب من عشرة عشرة".
عاد بعدها إلى مكة وفي صدره إلى جوار القرآن الكريم والشعر والآداب والأخبار والأنساب، ثروة هائلة من اللغة فتحت له مغاليق المعاني، وأكسبته ذوقا أدبيا أتاح له إدراك لطائف البلاغة وأسرار البيان، لدرجة جعلت الأصمعي يقول "صححت شعر هذيل على فتى من قريش اسمه محمد بن إدريس الشافعي".
المسار العلميبينما هو يسير ذات يوم على دابة تمثل ببيت شعر، قال له كاتب والد مصعب بن عبد الله الزبيري مستنكرا "مثلك يذهب بمروءته في هذا؟ أين أنت من الفقه؟ قال فهزه ذلك وقصد مسلما بن خالد الزنجي مفتي مكة ثم قدم المدينة على مالك".
أقبل بعدها على أهل الحديث والتفسير من شيوخ مكة وعلمائها، ومن بينهم مقاتل بن سليمان ومسلم بن خالد الزنجي الذي أذن له بالإفتاء، وقال له "آن لك أن تفتي"، لكنه تهيَّب مقام الفتيا واختار الرحلة لطلب مزيد من العلم.
كانت المدينة المنورة أولى منازله في الرحلة، وقصد دار إمام دار الهجرة مالك بن أنس بعدما حفظ موطأه كاملا، فلازمه يفيد من علمه، ورحل بعدها إلى الكوفة بالعراق فتتلمذ على القاضي محمد بن الحسن الشيباني وأبي يوسف، وأخذ من علمهما ونسخ كتبا عديدة، وانتقل بعدها إلى بلاد فارس وغيرها، فاستغرقت رحلته سنتين ازداد فيهما فقها وعلما بالأمصار وأحوال الناس وطباعهم.
وظيفة ومحنةلما عاد إلى المدينة لازم الإمام مالكا حتى وفاته سنة 179هـ، ففكر في عمل يدفع به حاجته، ووافق ذلك قدوم والي اليمن إلى الحجاز وطلب أن يصحبه معه (قيل إن بعض القرشيين تدخلوا لدى الوالي لأجل اصطحابه معه بعدما أثنوا على نسبه وعلمه وأخلاقه) وولاَّه على نجران.
كانت تلك أول وآخر وظيفة تقلدها الشافعي، وتسببت له في محنة كادت تهلكه، إذ جلب له حسن تدبيره وارتفاع ذكره بين الناس -شكرا وتقديرا لعلمه وعمله- المتاعب مع الوالي لما أبى أن يقره على مظالمه الكثيرة.
ووافق ذلك خروج تسعة من العلويين في اليمن على الخلافة، فاستغلها الحاقدون بمن فيهم الوالي، ووشوا به عند الخليفة هارون الرشيد بتهمة أنه رأس الخارجين عليه، وكتب الوالي للخليفة: إن الشافعي "وتسعة آخرين من العلويين يكادون يخرجون على الحاكم … ولا أمر لي معه ولا نهي، فهو يعمل بلسانه ما لا يقدر عليه المقاتل بسيفه"، فأمره الرشيد باعتقالهم وإرسالهم إليه، فاقتيد مع التسعة إلى بغداد على ظهر بغل سنة 184هـ مثقلا بالأغلال في عنقه والحديد في قدميه وعمره 34 سنة.
ولم ينج الشافعي من المحنة إلا باللطف الإلهي وفطنته وقوة حجته، وشهادة شيخه القاضي محمد بن الحسن لصالحه عند الخليفة. وذكر الشافعي هذه المحنة في الجزء الأول من كتابه "الأم"، وروى أنهم دخلوا على الرشيد، وأمر بقطع رؤوسهم واحدا تلو الآخر إلى أن وصل دوره فقال "ثم قدمت ومحمد بن الحسن جالس معه، فقال لي مثل ما قال للفتى (الذي مر قبله) فقلت: يا أمير المؤمنين لست بطالبي ولا علوي، وإنما دخلت في القوم بغيا عليهم، وإنما أنا رجل من بني المطلب بن عبد مناف من قصي، ولي مع ذلك حظ من العلم والفقه، والقاضي يعرف ذلك، أنا محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف. فقال لي: أنت محمد بن إدريس؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: ما ذكرك لي محمد بن الحسن. ثم عطف على محمد بن الحسن، فقال: يا محمد ما يقول هذا، هل هو كما يقول؟ قال: بلى وله من العلم محل كبير، وليس الذي رفع عليه من شأنه، قال: فخذه إليك حتى أنظر في أمره".
وتذكر كتب التاريخ أن الرشيد أمر في أثناء الحوار مع الشافعي بفك الحديد عنه وأجلسه، ثم أمر القاضي محمد بن الحسن الشيباني باصطحابه وإكرامه، وقد أقنع القاضي الخليفة حتى رضي عنه واقتنع ببراءته، وعقد له مجلسا لأهل العلم والفقه وعلوم أخرى ليختبره، فأعجب والحضور بسعة علمه وحسن منطقه فأكرمه بالعطايا.
كانت للشافعي في هذه المرحلة مناظرات علمية مشهودة مع محمد بن الحسن وغيره، وقد أعجب الرشيد بمنطق الشافعي وقوة حجته، وبلغ صيته كل أهل العراق، وتحدثت عنه كتب الفقه والحديث والتاريخ. وقد حاول محمد بن الحسن أن يجذبه إلى صف الخليفة، الذي عرض عليه أن يوليه القضاء أو يجعله واليا على أي بلاد يختارها، لكنه آثر البقاء بعيدا عن المناصب والصراع السياسي، فاستعفاه واستأذنه في التفرغ للعلم، إذ أقبل على علوم الرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية وغيرها، ثم استأذن في العودة إلى مكة.
وعدّ بعض العلماء هذه المحنة سببا في ابتعاده عن الولاية والسلطان، إذ رفض تولي القضاء وتفرغ للعلم بعدما أكرمه هارون الرشيد بمال وفير، تصدق بنصفه على فقراء مكة تنفيذا لوصية والدته، ودبّر أمور معيشته بالباقي.
العودة إلى بغدادمكث نحو تسع سنوات في مكة يُلقي دروسه في الحرم المكي، ويلتقيه كبار العلماء في موسم الحج، ثم سافر مرة أخرى إلى بغداد سنة 195هـ، فأقبل عليه العلماء والمحدثون وأهل الرأي، وأصبح لديه تلاميذ وأتباع بالعراق، من أشهرهم الإمام أحمد بن حنبل، الذي لم يفارق مجلسه بجامعها الغربي. وهناك ألف كتاب "الرسالة" الذي وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، أي شروط الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع والقياس، وبيان الناسخ والمنسوخ ومراتب العموم والخصوص وغير ذلك.
ولما تولى المأمون الخلافة، عزم الشافعي على الرحيل لما لاحظه من غلبة الفرس ونفوذهم في دوائر الحكم، وتشجيع الحاكم الجديد على الفلسفة والترجمة، والخوض في علم الكلام الذي كان ينهى عنه ويقول "ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح". وعرض عليه المأمون تولي القضاء فاستعفى واستأذن للسفر إلى مصر سنة 199هـ/815م.
خرج أهل بغداد لوداعه ومنهم أحمد بن حنبل وهو ممسك بيده فقال له الشافعي:
لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ** ومن دونها أرض المهام والفقر
ووالله لا أدري أللعز والغنى** أساق إليها أم أساق إلى القبر
فبكى الإمام أحمد، ورافقه في سفره ثلة من تلاميذه منهم ابن الزبير الحميدي والربيع. ولما وصل إلى مصر ألقى الدروس بجامع عمرو بن العاص، فتعلق به الناس وأحبوه وأقام بين ظهرانيهم أربع سنين ونيّفًا، أعاد فيها كتابة مصنفه "الرسالة"، وراجع عددا من آرائه وأقواله في كتبه ونقحها على ضوء ما حصَّله من العلم عبر رحلاته، لا سيما في المدينة والعراق، فأفاد من محاسن مدرستي أهل الرأي وأهل الحديث، ليؤسس مدرسة جديدة تجمع بينهما. ويسَّر الله له تلاميذ نشروا علمه ومذهبه.
شيوخهأخذ العلم عن شيوخ وعلماء كثر، فبمكة أخذ عن سفيان بن عيينة، ومسلم بن خالد بن فروة الزنجي، ومقاتل بن سليمان، وعمه محمد بن علي بن شافع، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، وسعيد بن سالم، والفضيل بن عياض وغيرهم.
وأخذ بالمدينة عن الإمام مالك بن أنس، وعن إبراهيم بن سعد الأنصاري، وإبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، ومحمد بن سعيد بن أبي فديك، وعبد الله بن نافع الصائغ وغيرهم.
وبالعراق أخذ عن كبار تلاميذ الإمام أبي حنيفة؛ وأبرزهم القاضي محمد بن الحسن الشيباني وأبو يوسف، كما أخذ عن وكيع بن الجراح بن مليح، وأبي أسامة حماد بن زيد، وإسماعيل بن علية وغيرهم. وباليمن أخذ عن هشام بن يوسف قاضي صنعاء، وأخذ عن عمرو بن أبي سلمة علم الإمام الأوزاعي، وعن يحيى بن حسان أخذ علم الليث بن سعد.
تلاميذهأخذ العلم عن الشافعي عدد كبير من التلاميذ، أبرزهم رابع أئمة المذاهب الفقهية المعتمدة عند أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل، وأبو محمد الربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري.
كما أخذ عنه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، الذي لازمه منذ أن قدم مصرا ووصف بأنه حافظ مذهب الشافعي، وهو الذي ألف الكتب التي عليها مدار المذهب الشافعي بعد كتب الإمام. كما تتلمذ على الشافعي علماء آخرون كالحارث المحاسبي أحد أعلام التصوف، والحارث بن سريج البغدادي.
أصول مذهبه الفقهيكان الشافعي على مذهب شيخه الإمام مالك بن أنس، لا يخرج عنه في الفتوى، لكن رحلته العلمية مكنته من الاطلاع على أحوال غير التي كانت سائدة بالحجاز، ولا سيما في العراق، حيث كثرة الملل والمذاهب والنحل واختلاط الأعراق والقبائل، فاكتسب مزيدا من العلم ورأى أن طرق بناء الفتوى تُدخل الواقع في الاعتبار ومنهج النظر في النوازل.
وأسهم ذلك كله في تأسيس مذهب خاص به في الاجتهاد وبناء الأحكام الشرعية في العراق، ثم لما يرحل إلى مصر واستقر بها وتبنى مذهبا جديدا يجمع فيه بين منهجي أهل الحديث وأهل الرأي، بعدما راجع كثيرا من آرائه وفتاواه الفقهية التي قال بها في العراق، كما أعاد تصنيف عدد من كتبه، خاصة "الرسالة" و"الأم"، وهذا ما يفسر ما تتضمنه كتب الشافعية من عبارات "قول الإمام الشافعي في مذهبه الأول (المذهب العراقي) أو قوله في مصر أي في مذهبه الثاني".
أقام الشافعي مذهبه الفقهي -الذي توفي عليه-على خمسة أصول مضبوطة فصلها في كتابيه "الأم" و"الرسالة" وهي:
الأصل الأول: كتاب الله تعالى الذي يحتاج إلى معرفة باللغة العربية ومعانيها وأسرارها. الأصل الثاني: السنة النبوية ولو كان راوي الحديث واحدا، شريطة أن يكون ثقة في دينه معروفا بالصدق حافظا عالما بما يحدث به، بريئا من التدليس في روايته، متصل السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. الأصل الثالث: الإجماع كأن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قولا ولا يُعلم له مخالف. الأصل الرابع: يقدم قول الصحابي ويفضله بدل إعمال الرأي إذا لم يجد في الكتاب والسنة والإجماع مراده. الأصل الخامس: القياس الذي اعتبره مرادفا للاجتهاد وأعلى مراتبه. مؤسس علم أصول الفقهيشرح ابن خلدون في "المقدمة" باختصار السياق التاريخي الذي أسس فيه الإمام الشافعي علم أصول الفقه بكتابه "الرسالة"، استجابة لطلب صديقه الإمام العالم عبد الرحمن بن مهدي، فيقول "واعلم أن هذا الفن من الفنون المستحدثة في الملة، وكان السلف في غنية عنه، بما أن استفادة المعاني من الألفاظ لا تحتاج إلى أزيد مما عندهم من الملكة اللسانية، وأما القوانين التي يحتاج إليها في استفادة الأحكام خصوصا، فمنهم من أخذ معظمها، وأما الأسانيد فلم يكونوا يحتاجون إلى النظر فيها لقرب العصر وممارسة النقلة وخبرتهم بهم، فلما انقرض السلف وذهب الصدر الأول، وانقلبت العلوم كلها صناعة كما قررناه من قبل، احتاج الفقهاء والمجتهدون إلى تحصيل هذه القوانين والقواعد لاستفادة الأحكام من الأدلة، فكتبوها فنا قائما برأسه سموه أصول الفقه، وكان أول من كتب فيه الشافعي رضي الله تعالى عنه".
ويظهر من كلام ابن خلدون أن الصحابة والتابعين مارسوا تلك القواعد في اجتهاداتهم، وتمثلوا تلك الضوابط ملكة وسليقة، من دون أن تكون لها مصطلحات وقواعد مضبوطة وتسميات دقيقة، فجاء الشافعي فأسس لجمع هذه القواعد وتصنيفها في كتابه "الرسالة"، فدشن بذلك منهجا لاستنباط الأحكام ومناهج الاستدلال التي هي روح علم أصول الفقه.
واستعان الشافعي في ذلك بخبرته بالمدرستين الرئيسيتين في الفقه الإسلامي؛ أهل الحديث وأهل الرأي، حيث يقول ابن حجر العسقلاني "فاجتمع له علم أهل الرأي وعلم أهل الحديث، فتصرف في ذلك حتى أصل الأصول وقعد القواعد، وأذعن له الموافق والمخالف، واشتهر أمره وعلا ذكره وارتفع قدره حتى صار منه ما صار".
شاعر العلماء وإمام الحكماء
تميَّز الإمام الشافعي عن باقي الأئمة الأربعة بميوله الأدبية الشعرية وهي من بركات عيشه في منطقة هذيل، حتى وصف بأنه "شاعر العلماء وإمام الحكماء"، وقيل عنه "يبدو أن الشعر قد غلب الإمام الشافعي فجرى في مداده من غير سعي ولا طلب"، رغم أنه كان يحرص على التقليل منه ويقول في ذلك:
ولولا الشعر بالعلماء يزري ** لكنت اليوم أشعر من لبيد
وأَشجعَ في الوغي من كل ليث ** وآل مهلب وبني يزيد
وقد جمع شعره في ديوان حمل اسمه ضم حوالي 143 قصيدة، لا تزال تتردد بين الناس لما فيها من عمق الحكمة وسهولة العبارة وجمال الأسلوب، عبَّر فيها عن مراحل مختلفة من حياته، ولحظات مناجاته للخالق كقوله مثلا:
إليك إله الخلق أرفع رغبتي ** وإن كنتُ -يا ذا المنِّ والجود- مجرما
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ** جعلت الرجا مني لعفوك سلما
كما عكس في شعره أسلوبه في التعامل مع الذات والآخر، من قبيل قوله:
صُنِ النفس واحملها على ما يزينها ** تعش سالما والقول فيك جميل
ولا تُرينَّ الناس إلا تجملا ** نبا بك دهر أو جفاك خليل
وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غد ** عسى نكبات الدهر عنك تزول
ولا خير في ود امرئ متلون ** إذا الريح مالت مال حيث تميل
وما أكثر الإخوان حين تعدهم ** ولكنهم في النائبات قليل
المؤلفاتألف الإمام الشافعي كتبا عديدة في الفقه وأصوله والحديث والتفسير والأدب واللغة، شكلت إرثا فكريا ثمينا، ومن أبرز مؤلفاته:
كتاب الرسالة الذي ألفه في العراق تم أعاد تنقيحه في مصر. كتاب أحكام القرآن، وقد جُمع بعد وفاته، ويضم شرحه لآيات قرآنية وفق مذهبه وعلمه. كتاب جماع العلم، الذي دافع فيه عن السنّة وحجيتها، وأثبت ضرورة اتباعها وكذلك فرائض وأركان الدين الإسلامي. كتاب إبطال الاستحسان. كتاب مسند الإمام الشافعي، ويضم الأحاديث النبوية التي تأكد بنفسه من إسنادها وصحتها. كتاب اختلاف الحديث، وقد أزال فيه اللبس والخلاف عن بعض الأحاديث. كتاب اختلاف مالك والشافعي كتاب الأم، وهو سفر عظيم من عدة أجزاء، وقد وصف بأنه "الموسوعة الفقهية التأسيسية للمذهب الشافعي"، وكان آخر ما كتبه في حياته، وضمنه خلاصة أفكاره، وحججه في المسائل الفقهية المختلف عليها، كما ضمنه وصيته. الوفاةتوفي الأمام الشافعي في آخر ليلة من رجب سنة 204هـ الموافق 20 يناير/كانون الثاني 820م وعمره 54 عاما بعد مرض أنهكه.
ودفن بالقاهرة واحتفى به المصريون حيا وميتا، إذ بنوا لقبره ضريحا وقبة أمر صلاح الدين الأيوبي سنة 575هـ/1179م بتجديدها بقبة مطلية بالنحاس الأصفر.
كما بنيت بجوار ضريحه المدرسة الصلاحية وأصبحت مركزا لنشر الفقه الشافعي. ويعتبر ضريح الشافعي في منطقة مصر القديمة وسط القاهرة من أكبر الأضرحة في مصر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات الإمام الشافعی مالک بن أنس الشافعی فی أهل الحدیث فی العراق بن سلیمان من العلم عبد الله إلى مصر بن أبی بن عبد أخذ عن
إقرأ أيضاً:
المظلل بالغمام.. ممرغ أنوف الأتراك في وحل اليمن ورافع لواء الحرية والاستقلال
سجلت كتب التاريخ والسير العديد من الوقائع والملاحم الجهادية التي خاضها فارس ميادين الجهاد في مختلف المناطق اليمنية, الإمام المطهر بن يحيى بن شرف الدين “المظلل بالغمام” ضد قوات الغزو العثماني ( أوائل القرن ال20) ضمن أول خطوة لطرد العثمانيين من الوطن العربي, وتحريرها من براهن الاحتلال, حيث وضعت الخطوط العريضة لشكل المنطقة وامتد تأثيرها لواقعنا المعاصر.
أحد أحفاد الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليهما السلام, , قام بالدعوة إماما في اليمن سنة 676 هـ وتلقب بالمتوكل, صاحب رصيد جهادي كبير وفقيه وعالم , كما يعد نموذجا لأولئك العظماء القادة من أهل البيت عليهم السلام في عطائهم وإحسانهم للناس, وممن امتزجت دماؤهم الطاهرة جنبا إلى جنب وكتف بكتف إلى جانب القبائل اليمنية التواقة للحرية على مر التاريخ ما جعل العالم يطلق على اليمن “مقبرة الغزاة” .
وهنا نستعرض جزء بسيط من حياة الإمام “المتوكل ” وسيرته ومسيرته الجهادية لأحد أئمة اليمن الْمَشْهُور بالشجاعة والحزم والإقدام والمهابة والسياسة , وممن حلت هيبته بقلوب أهل الْيمن قاطبة وَقُلُوب من يرد إِلَيْهَا من الأتراك والغزاة.
يمانيون|| أعد المادة للنشر: محسن علي الجمال
نسبه:
الإمام المتوكل على الله “المظلل بالغمام” المطهر بن يحيى بن المرتضى بن المطهر بن علي بن الإمام الناصر احمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليهم السلام.
قصة تسميته بـ “المظلل بالغمام”
يروي المؤرخون وكتب السير ” ان الحرب اشتدت بين الإمام المطهر وجيوش المؤيد الرسولي حيث دارت بينه وبين معاصريه معارك، وكاد أحدهم يظفر به في تنعيم ، فضيقوا على الامام وجماعته أشد التضييق ، فخرج الامام من تنعم الى جبل اللوز مخلاف خولان شرقي صنعاء بمسافة يوم ، وسلك الامام طريقة صعبة ويسر الله له غمامة متراكمة سترت ما بينه وبين أعدائه حتى خلصوا من تلك الجهة وابتعدوا دون أن يتمكن جنود العدو من القبض عليه أو النيل منه, فلقب (المظلل بالغمامة) “, حتى أن أحد الشعراء وصف الكرامة في أبيات شعرية وهي:
وفي المطهر لم تعدل وقد علمت
أن المطهر زاكي الاصل والأسر
من ظللته الغمام الغر حائلة
من دونه وغدت سترا لمستتر
بيوم تنعم والابطال عابسة
وقد تقدم والضلال في الأثر.
ولم تسخر هذه الكرامة إلا لجده رسول الله محمد صلوات الله عليه وآله يوم كان يتاجر مع خديجة عليها السلام إلى الشام .
صفاته
تميز عليه السلام بالتواضع ما جعل الناس يتقربون منه ويقترب منهم ويتطلع لهمومهم, وقد عرف عن تواضعه الكثير من أبناء القبائل اليمنية , وشهدوا له بذلك, ما جعله محبوبا لدى المجتمع , ورأوا فيه القائد الذي تبنى عليه الآمال في إقامة دين الله ورفع راية الإسلام وإحقاق الحق وإخماد الباطل.
سخاءه وكرمه
كان معروفا بالفضل والعلم وتميز بالعطاء والبذل والجود والاحسان منذ أول أيام عمره وحتى استشهاده’ حتى أن أحد الشعراء وصفه بالقول:
سخاء كف وإن لم يبق باقية
وبذل روح وإن أدى إلى التلف.
جهاده
كان الإمام المظلل بالغمام أحد أنصار الإمام المهدي لدين الله أحمد بن الحسين قاتل معه وكان من خلص انصاره وأعظم رجاله, ولما استشهد, قام الامام المتوكل المظلل بالغمام بالدعوة سنة 676 هـ وتلقب بالمتوكل, بعد أن أسر الإمام ابراهيم تاج الدين الذي كان إمام قبله, وقد ساس الإمام المتوكل الأمور سياسة عالية, وكان له في الإمامة دور عظيم, حيث سجلت كتب التاريخ له وقائع ملحمية خاضها مع الترك والغزاة العثمانيين.
شرارة الثورات علي العثمانيين و طردهم :
كان بعد اليمن عن مركز الدولة العثمانية في اسطنبول و التضاريس الجبلية ,له تأثير بليغ علي ضعف السيطرة العثمانية علي المناطق الدخلية في اليمن , مما نتج عنه هو ظهور الثورات سريعا في تلك المناطق , حيث اندلعت أولى الثورات في عام 1566، بقيادة الإمام المطهر بن يحيى شرف الدين، وتم قمعها عام 1572 من قبل سنان باشا على رأس قوة قوامها 10,000 رجل, ثم حدثت ثورة شعبية في 1596-1597 بسبب ان حسن باشا قام بعزيز الضرائب وعمم الإلتزام (الزراعة الضريبية) , فتوسعت الثورة حتى انه في عام 1597 بُويع القاسم بن محمد إماما في جبل قره بالقرب من صعدة، فقام في عام 1598 بطرد الحامية العثمانية من عمران, ومن المرتفعات ولم يبق بيدهم إلا صنعاء وصعدة, لذلك في يناير 1599، هبط علي الجزائري باشا، حاكم إيالة الحبشة، مع جيشه لإخماد الثورة. فتراجع الإمام مرة أخرى إلى جبل الأهنوم، فاحتمي فيه حتى وصل له اخبار اغتيال علي الجزائري باشا في أغسطس 1600.
عيون العدو على مرتفعات اليمن الشمالية
حينما بسطت الدولة العثمانية سلطتها على عدن وسائر تهامة واتُخذ من زبيد مقرًا إداريًا للسلطة العثمانية , حاولوا ضم باقي اليمن , وخلال الفترة ما بين 1538 و1547 أرسلوا ثمانين ألف جندي إلى اليمن، بقي منهم سبعة آلاف كانت سلطة الدولة العثمانية الحقيقية محصورة في زبيد والمخا وعدن طيلة فترة وجودهم ويقول أحمد حلبي، دفتردار مصر خلال تلك الفترة :
«ما رأينا مسبكًا مثل اليمن لعسكرنا، كلما جهزنا إليها عسكرًا ذاب ذوبان الملح ولا يعود منه إلا الفرد النادر»
وحينذاك أرسل العثمانيون أويس باشا عام 1547 إلى زبيد وكانت المرتفعات الشمالية مستقلة تحت حكم الإمام يحيى شرف الدين، والد الإمام المطهر عليه السلام, وبالفعل اقتحمت قوات الغزو العثماني تعز وتوجهت شمالًا نحو صنعاء وسيطرو عليها بنفس العام, فيما أُغتيل أويس باشا في زبيد نفس السنة .
اليمنيون يتوحدون ضد الأتراك
عندما توجه أزدمر باشا إلى صنعاء انتهز شيخ قبلي من أبين يدعى علي بن سليمان الفضلي الفرصة فهاجم عدن وأخرج الأتراك وعسكرهم منها ونصَّب نفسه أميرًا عليها، وفعل أمير محلي من زبيد الفعلة ذاتها فأرسل أزدمر باشا قوة إلى زبيد قتلت أمير التمرد، وقتل علي بن سليمان عام 1548 تولى محمود باشا أمور الإيالة وكان ظالمًا قتل كل عسكري من قادته لا يوافقه رأيه، واتخذ لنفسه قصراً في تعز اسمه قصر السعادة كان مقرًا لملوك بني رسول.
علم أن في إب حصن اسمه حب يملكه الفقيه علي بن عبد الرحمن النظاري فأراد الإستيلاء عليه طمعًا ولفَّق التهم على النظاري وقتل محمود باشا قادته العسكريين الذين رفضوا الانصياع لأوامره, فحاصره لثمانية أشهر حتى توسط الأمير الإسماعيلي عبد الله الداعي بينهما، فتعهد محمود باشا بعدم التعرض لعلي بن عبد الرحمن النظاري , ولكنه أُغتيل فور دخوله على مخيم محمود باشا , في وقت كان يكره الإمام المطهر بن يحيى شرف الدين استهتار محمود باشا وعدم مراعاته للتوازن الدقيق للقوى في اليمن، وهو ما جعل اليمنيين يتناسون خلافاتهم ويتوحدون ضد الأتراك.
القبائل اليمنية تنكل بالغزاة
عندما تولى رضوان باشا أمور الإيالة، أخذ بعرض مساوئ سلفه محمود باشا على الباب العالي في إسطنبول، فبرر محمود باشا اخفاقاته بأن اليمن بلاد واسعة ولا يكفيها واحد، وأصر محمود باشا على موقفه حتى وافق الباب العالي وأرسلوا مراد باشا ليتولى تهامة وولوا رضوان باشا أمر المرتفعات. وقد قصد محمود باشا النكاية برضوان باشا بهذا التعيين، كون القبائل أشرس وأصعب مراًسا في المرتفعات الشمالية لليمن بالإضافة لكونها مقرًا للأئمة الزيدية تظاهر المطهر بن يحيى شرف الدين بموالاته لمراد باشا المسيطر على التهائم فتوقف الأخير عن إمداد رضوان باشا المسؤول عن المرتفعات، وتزايدت الخلافات بينهم لدهاء الإمام المطهر فعُزل رضوان باشا وعُين حسن باشا بديلًا عنه عام 1567.وانتهز المطهر الفرصة ليجتاح صنعاء وساندته قبائل الجوف البدوية وراسل المطهر أمير بعدان فهاجموا القوات العثمانية وحوصر مراد باشا في ذمار, وتمكن مراد باشا من الهرب وبقي معه خمسين من المشاة فاعترضته القبائل وجردته وعسكره من ثيابهم وقطعت رؤوسهم وأرسلتها إلى المطهر بن يحيى شرف الدين في صنعاء بنفس العام.
ثلاء عمران الحصن الأصعب
خاض الإمام المتوكل ووالده وإلى جانبهما قبائل اليمن في المناطق الزيدية معارك ضارية ضد الغزو العثماني, حيث تعرض العثمانيون لخسائر فادحة في 80 معركة في تعز وذمار وعمران وإب, توجت بمقتل مراد باشا أحد سلاطين الغزو العثماني التركي, قرب ذمار,ولكن كان الأتراك في أوج قوتهم ولم يكونوا على إستعداد لتقبل الهزيمة المهينة بسهولة فأرسلوا قوة جديدة بقيادة سنان باشا، قائد عثماني بارز من أصل ألباني، لإعادة السيطرة العثمانية على اليمن, وحينها عزل السلطان سليم الثاني اللالا مصطفى باشا لتقاعسه عن السفر إلى اليمن بنفسه وأمر باعدام عدد من أمراء السناجق في مصر وولى سنان باشا مقاليد الوزارة على أن يتوجه بكامل العسكر التركي في مصر إلى اليمن, حيث قدم سنان باشا من مصر ونزل مكة ومر بجيزان وزبيد وهي مناطق كانت لا زالت خاضعة للعثمانيين, فطرد أتباع الإمام المطهر من مدن عدن وتعز وإب , ثم حاصر شبام كوكبان لسبعة أشهر انتهت بتوقيع هدنة استمر العثمانيون بتعقب الإمام المطهر وأنصاره لا يسيطرون على قرية إلا وتعاود السابقة التمرد من جديد، ولاحظ الأتراك أن القبائل كانت تشعل النيران كلما انسحبت نحو الجبال وذلك لإعلام القبائل الأخرى أنهم لا زالوا أحياء ولم يستطع العثمانيون القضاء على الإمام المطهر بعد أن لاذ إلى حصن ثلاء وتمركز فيه.
.
مسجده الأثري
كانت فترة حكمه من( 674_697 هجرية) وخلالها هذه الفترة تم تشييد مسجد وقبة الإمام المطهر دروان – مدينة حجة, حيث تعد من بدائع الفن المعماري تم تشييدهما على منحدر صخري شديد الانحدار، وشيدت حامية البناء بأحجار صخرية كبيرة وبارتفاع كبير لتسند بناء المسجد والقبة وملحقاته، و يستند سور الجامع الغربي على هذه الحامية.
به تابوت من الخشب تغطي واجهاته وحدات زخرفية ونصوص كتابية تضمنت اسم وألقاب وفضائل صاحب التابوت، وتاريخ وفاته، وآيات قرآنية وأدعية، وتتوسط واجهات التابوت الأربع كتابات نصها:
(بسم الله الرحمن الرحيم هذا تابوت الإمام الكامل النبيل ذو الأخلاق الرصينة، والأعراف الزكية المؤثر الآخرة على الدنيا، والسالك فيها مسالك الأتقياء ما بات إلا قائماً ولا أصبح إلا صائماً طول العمر في طاعة الرحمن كثير البر والصلة للأرحام والأخوان الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحي بن المرتضى بن المطهر بن القاسم بن الإمام المطهر بن محمد بن المطهر بن علي بن الإمام الناصر بن أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحي بن الحسين, مذيلة بتاريخ ولادته ووفاته).
بعض من مؤلفاته:
(درة الغواص في أحكام الخواص)
(الرسالة المزلزلة لأعضاد المعتزلة -)
(المسائل الناجية -)
(الكواكب الدرية -) .
وفاته:
سنة 695هـ
المراجع التاريخيه:
-الاعلام للزركلي-
– تاريخ اليمن (فرجة الهموم والحزن في حوادث وتاريخ اليمن) المؤلف: القاضي الشيخ العلامة عبد الواسع بن يحيى الواسعي (المتوفى: ١٣٩٧ هـ)
– مسجد وقبة الإمام المطهر جمال العمران وعبقرية الإنسان- صحيفة الثورة ١سبتمبر ٢٠٢٢
– حجة معالم واعلام المؤلف يحيى محمد جحاف ١٤٣٤هـ
ومصادر تاريخية كالشوكاني وغيره.