عربي21:
2025-05-24@18:41:17 GMT

حكومة المحافظين البريطانية رمتنا بدائها وانسلت

تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT

ورد في قاموس أكسفورد للغة الإنجليزية أن كلمة extremism، والتي يقابلها باللغة العربية مفردة التطرف، تستخدم لوصم من يُتهمون بحمل وجهات نظر دينية أو سياسية متشددة، وبشكل خاص من يلجأ منهم إلى إجراءات "متطرفة".

ولكن هل يمكن بالفعل الوصول إلى تعريف قطعي لهذا المصطلح؟ ثم، ما الذي يعتبر في هذا السياق موقفاً معتدلاً أو وسطاً؟

تزعم الحكومة البريطانية أن الوسط في الأمور هو "القيم البريطانية"، وأن من يشذ عن هذه القيم فهو المتطرف.

ولكن ما هي القيم البريطانية؟ وما هي مرجعيتها؟ هل هي المسيحية؟ أم اليهودية؟ أم أيديولوجيا أخرى مختلفة، مثل اللبرالية أو العلمانية؟

لو كانت المعايير هي الديمقراطية كنظام حكم، وحقوق الإنسان كمجموعة من الحقوق الأساسية التي لا يجوز التفريط فيها أو انتهاكها، بحسب ما ورد النص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فلا توجد لدينا مشكلة كبيرة، لأن هذه أمور من الممكن تعريفها.

أم أن المشكلة التي نحن بصددها هي مجرد تباين ذي طابع سياسي، وبالذات حول السياسة الخارجية التي تنتهجها الحكومة البريطانية؟

خلال ما لا يقل عن ربع قرن من وجودي داخل الرابطة الإسلامية في بريطانيا، أذكر أننا مررنا بفترات قصيرة من الوئام شهدت تعاوناً وثيقاً مع الحكومة البريطانية. وكان من أبرز أوجه التعاون حل أزمة مسجد فينزبري بارك في شمال مدينة لندن، والعمل على تحرير مراسل للبي بي سي كان محتجزاً في داخل قطاع غزة من قبل إحدى الجماعات المسلحة.

إلا أن الرابطة الإسلامية، مثلها مثل منظمات كثيرة من منظمات المجتمع المدني في بريطانيا، لم تتوافق في الرأي مع الحكومة البريطانية في العديد من الواقف الأخرى، ومن أهمها قضية غزو العراق والقضية الفلسطينية.

كانت الحكومة البريطانية كلما اشتدت معارضتنا لها تلجأ من حين لآخر إلى إغلاق أبوابها في وجوهنا، ولربما كان لها دور، من خلال ما تمارسه من نفوذ أو توجيه، في إقصائنا عن كثير من الميادين، وخاصة الإعلامية والأكاديمية.
والحقيقة هي أن رئيس الوزراء ريشي سوناك ووزير المجتمعات مايكل غوف يضللان الشعب البريطاني إذ يلوذان بمصطلح التطرف. والعجيب حقاً في الأمر هو أنهما راحا يتهمان معارضي حكومتهم بما يتهمها به المعارضون لها، فهي في نظر كثير من البريطانيين حكومة متطرفة.
ثم جاء الانقلاب على الديمقراطية والقمع العنيف الذي تعرضت له جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فتوالت الضغوط على الحكومة البريطانية من قبل ممولي ورعاة الثورة المضادة، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مما أسفر عنه إنتاج قائمة سوداء تحتوي على أسماء الأفراد والهيئات التي يُشك بأن لديهم علاقة، من قريب أو بعيد، بجماعة الإخوان المسلمين.

ثم في عام 2014 أقدم رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، تحت وطأة الضغوط السعودية والإماراتية، على تشكل هيئة للتحقيق في جماعة الإخوان المسلمين، لم تخرج في النهاية بشيء ذي بال، ولئن كانت النية أساساً هي إثبات أن جماعة الإخوان المسلمين ضالعة، بطريقة أو أخرى، في الإرهاب، وهي تهمة لم يتمكن القائمون على هيئة التحقيق إثباتها. وكل ما قالوه حينها إن جماعة الإخوان المسلمين توجد القابلية لدى منتسبيها للانزلاق نحو التطرف.

والآن يطل علينا مصطلح التطرف من جديد في محاولة من قبل الحكومة البريطانية الحالية لإسكات منتقدي الكيان الصهيوني، الذي ما لبث يشن حملة إبادة جماعية على أهل غزة منذ أكثر من خمسة شهور. وتارة أخرى، تفوح من هذه المحاولة رائحة الضغوط السعودية والإماراتية.

والحقيقة هي أن رئيس الوزراء ريشي سوناك ووزير المجتمعات مايكل غوف يضللان الشعب البريطاني إذ يلوذان بمصطلح التطرف. والعجيب حقاً في الأمر هو أنهما راحا يتهمان معارضي حكومتهم بما يتهمها به المعارضون لها، فهي في نظر كثير من البريطانيين حكومة متطرفة.

بدلاً من الانشغال بتحسين أحوال البريطانيين، ومعالجة أسباب الفقر والتشرد وانعدام المساواة في المجتمع البريطاني، اختار هذان السياسيان تسخير إمكانيات الدولة لخدمة الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين ويرتكب المذابح بحق أهلها.

لقد بات جلياً لدى الرأي العام البريطاني أن الحكومة الحالية شريك كامل للكيان الصهيوني الذي يرتكب جريمة الإبادة الجماعية ضد أهل غزة ويمارس القهر والتنكيل بحق أهل الضفة الغربية، مستخدماً قواته الأمنية المسلحة وعصابات مستوطنيه، وفي نفس الوقت يمارس الأبارتيد ضد أهل فلسطين الذين بقوا صابرين صامدين مرابطين في مناطق الثمانية والأربعين.

كما أنه ليس من المستبعد أن سوناك وغوف، في حملتهما الجديدة "ضد التطرف" إنما يقومان بذلك نيابة عن الأنظمة العربية المستبدة التي اشتركت في جريمة إحباط الربيع العربي، وقتل الديمقراطية، وسجنت آلاف العلماء والمفكرين ونشطاء حقوق الإنسان.

إن اتهام الرابطة الإسلامية في بريطانيا، بل وحتى جماعة الإخوان المسلمين، بالإخلال بمنظومة القيم البريطانية اتهام باطل. فجماعة الإخوان المسلمين هي الجماعة الأكثر اعتدالاً، فكراً وممارسة، والأكثر وسطية بين جميع مكونات الطيف الإسلامي الحركي المعاصر، ولقد شارك ممثلوها في انتخابات برلمانية وحققوا فوزاً مشهوداً في مصر وفي تونس، ولولا الانقلابات العسكرية والتدخلات الأجنبية التي أجهضت المسار الديمقراطي في كل بلدان الربيع العربي لحققت الجماعة المزيد من الانتصارات حيثما سمح بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة في أي مكان داخل الوطن العربي.

إن الذي ينتهك القيم البريطانية فعلياً هما سوناك وغوف. إنهما من يقوض سمعة بريطانيا كبلد ديمقراطي، فهما يشنان الحرب على منتقديهم، ويسعيان إلى تقييد حريات الناس في التعبير والتجمع والتظاهر، وينتهكان حقوق المواطنين في مساءلة الحكومة حول سياستها الخارجية.

إن هذه الحرب التي تشن باسم مكافحة التطرف على واحدة من أكثر المنظمات اعتدالاً ضمن التيار الإسلامي في بريطانيا، ما هي إلا محاولة لنجدة إسرائيل ومن يواليها من أنظمة الاستبداد والفساد في العالم العربي.

ينبغي على سوناك وغوف أن ينشغلا بما كلفهما به الشعب البريطاني من السهر على راحته وأمنه، بدلاً من إعطاء الدروس للمسلمين حول ما ينبغي أن يكون عليه الإسلام الذي يعتنقونه أو يمارسونه. فالمسلمون يتعلمون دينهم من القرآن والسنة النبوية، وليس من سياسيين يدعمون المذابح التي يرتكبها الصهاينة ويغضون الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الدكتاتوريات الجاثمة على صدور الشعوب في البلاد العربية.

وإذا كانت الحكومة البريطانية مهتمة فعلاً ببناء إجماع وطني حول ما يسمى بالتطرف، فإنه ينبغي عليها الاستعانة بأهل العلم لا أدعيائه، وألا تسمع لما يقوله العنصريون واليمينيون المتطرفون الذين يقدمون أنفسهم لها على أنهم باحثون أو مستشارون أو خبراء.

لا ريب أن الحكومة البريطانية تفتقر إلى النصح السديد، ولا ريب كذلك أن بعض المتنفذين فيها إنما يسعون لخدمة مصالحهم الذاتية، وخدمة مصالح أصدقائهم الأجانب في تل أبيب وفي بعض العواصم العربية، على حساب المصلحة العامة للأمة البريطانية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التطرف بريطانيا سوناك بريطانيا التطرف المحافظين سوناك مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جماعة الإخوان المسلمین الحکومة البریطانیة فی بریطانیا

إقرأ أيضاً:

«العالمي للتسامح»: العيش بكرامة وسلام حق للشعوب

شارك أحمد بن محمد الجروان، رئيس المجلس العالمي للتسامح والسلام، في مؤتمر «استراتيجية مكافحة التطرف في الشرق الأوسط وحول العالم من خلال التعليم من أجل التسامح وثقافة السلام»، الذي عقد داخل قاعات البرلمان الأوروبي، بحضور أعضاء البرلمان والتحالف البرلماني الدولي من أجل الأخلاق العالمية.
ولفت الجروان في كلمته، إلى الحراك الدولي المتزايد الذي يشهده العالم عبر الزيارات واللقاءات الرئاسية رفيعة المستوى، معتبراً أنه يعكس اهتماماً متنامياً بتفعيل قيم الأمن والسلام والتعايش السلمي.
كما أكد الحاجة الملحّة لتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالأراضي الفلسطينية، وضمان حق الشعوب في العيش بكرامة وسلام، مشدداً على أن هذا الحق يمثل أولوية دائمة للمجلس العالمي للتسامح والسلام. وأضاف أن التطرف يمثل أحد أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات حول العالم، مشيراً إلى أن النزاعات الدولية الأخيرة زادت من انتشار هذا التهديد، مما يستدعي تعزيز الجهود التعليمية والثقافية.
وأكد أن المجلس يرى في التعليم بمختلف مراحله حجر الأساس في مكافحة التطرف، مستعرضاً جهود المجلس في إطلاق برامج أكاديمية متخصصة، منها برنامج ماجستير في دراسات التسامح والسلام يُدرّس بعدد من الجامعات الأوروبية والعربية، ويهدف إلى إعداد جيل من الخبراء.

مقالات مشابهة

  • الرهوي: الحكومة ستعمل على تسهيل كل التحديات التي تواجه قطاعي الزراعة والثروة السمكية
  • بحضور المحافظين والنقابات.. اللجنة المشتركة بالنواب تستأنف غدا جلسات الاستماع حول «الإيجار القديم»
  • تفكيك نفوذ الإخوان المسلمين داخل الجيش السوداني: رؤية إصلاحية وردود الفعل المحتملة
  • تقرير جديد عن الإخوان المسلمين يضيف الوقود إلى نار معاداة الإسلام بفرنسا
  • المتحدث باسم الحكومة الألمانية يكشف تفاصيل خاصة عن المساعدات التي سمح العدو الصهيوني بإدخالها إلى قطاع غزة
  • ماكرون يناقش مع الحكومة تقريرا يتهم الإخوان بتقويض العلمانية في فرنسا
  • فرنسا... تقرير حكومي يثير جدلاً حول "الخطر الإخواني" ومخاوف من وصم المسلمين
  • باحث فرنسي: التنديد بالإخوان المسلمين في البلاد هدفه إشاعة الذعر
  • مسجد باريس الكبير قلق من "وصم" المسلمين بسبب "الإخوان"
  • «العالمي للتسامح»: العيش بكرامة وسلام حق للشعوب