الطاقة النظيفة المستدامة والسفر في الفضاء هما مجالان من أهم مجالات العلوم التي تعمل على إيجاد حلول جذرية تنقذ البشرية من مصير قد يبدو مظلما بسبب التغيرات البيئية الشديدة التي تهدد الحياة على الكوكب الأزرق، وعدم وجود ملجأ آخر للبشرية في حال استحالة الحياة على الأرض، فما رأيك إذا اجتمع المجالان الآن في إنجاز يبشر بطاقة نظيفة مستدامة يمكنها حمل الإنسان إلى الفضاء في أزمنة قياسية؟

وأعلنت وزارة الطاقة الأميركية في ديسمبر/كانون الأول الماضي عن نجاحها في تحقيق نتائج إيجابية من تفاعل اندماج نووي آمن عن طريق توجيه 192 شعاع ليزر ناحية عينة من الديوتيريوم المحصورة داخل كبسولة بحجم حبة عنب أو أقل قليلا لتسخينها كي تصل إلى عشرات الملايين من الدرجات المئوية، ليبدأ الاندماج النووي في الحدوث منتجا كمية من الطاقة تقدر بـ3.

15 ميغا جول، وهي كمية تزيد بنسبة 50% على كمية الطاقة المستخدمة لإنتاج التفاعل.

وفي مايو/أيار الماضي توصل فريق بحثي من جامعة برينستون الأميركية إلى أن استخدام محرك جديد يعمل بالوقود النووي الاندماجي من شأنه أن يقلص الرحلة إلى كوكب زحل من 7 أو 8 أعوام إلى 2.5 عام فقط.

وأوضح الفريق أنه يمكن تزويد مركبة "دراغون فلاي" (Dragon Fly) بالتكنولوجيا الجديدة، لتساعدها في المهمة التي تنطلق لدراسة قمر تيتان التابع لكوكب زحل عام 2027.

تصميم غرفة الدفع الجديدة للمحرك الصاروخي الذي يعمل بالاندماج النووي (بلسار فيوجن)

وأعلنت شركة الفضاء البريطانية "بلسار فيوجن" (Pulsar Fusion) مؤخرا إطلاق عملية بناء أكبر محرك صاروخي يعمل بالاندماج النووي، والذي سيتضمن غرفة للاندماج النووي يبلغ طولها 8 أمتار، وقد بدأت مرحلة التجميع بالفعل في بلتشلي بإنجلترا، وستكون غرفة الاندماج عند إطلاقها في عام 2027 المكان الأكثر سخونة في النظام الشمسي، مما ستنتج عنه قوة دفع تزيد على 800 ألف كيلومتر في الساعة.

ما هو الاندماج النووي؟

هو عملية تتجمع فيها نواتان ذريتان لتكوين نواة واحدة أثقل، ويلعب اندماج الأنوية الخفيفة مثل البروتون (وهو نواة ذرة الهيدروجين) والديوتيريوم (وهو نواة الهيدروجين الثقيل) دورا هائلا في العالم وفي الكون، حيث تنطلق خلال هذا الاندماج كميات هائلة من الطاقة تظهر على شكل حرارة وإشعاع كما يحدث في الشمس.

وفائدة الاندماج النووي تكمن في إطلاقه كميات طاقة أكبر بكثير مما يطلقه الانشطار، كما أن المحيطات تحتوي بشكل طبيعي على كميات كافية من الهيدروجين والديوتيريوم اللازمة للتفاعل، بالإضافة إلى أن المواد المنبعثة عن الاندماج -خصوصا الهيليوم 4- ليست مواد مشعة تؤذي الحياة.

يمكن تزويد مركبة "دراغون فلاي" بتكنولوجيا الاندماج النووي في المهمة التي تنطلق لدراسة قمر تيتان التابع لزحل (ناسا)

ويأمل الباحثون في الوصول إلى درجة الحرارة بمئات الملايين عندما يتم ضخ كمية البلازما النهائية في الغرفة، مما يفوق درجة حرارة الشمس.

ويقول الدكتور جيمس لامبرت المدير المالي لشركة بلسار فيوجن في حوار مع موقع مجموعة "ستلايت إيفولوشن" (Satellite Evolution Group) "تكمن الصعوبة في تعلم كيفية الاحتفاظ بالبلازما فائقة السخونة وحصرها داخل مجال كهرومغناطيسي، تتصرف البلازما مثل نظام الطقس من حيث صعوبة التنبؤ بها باستخدام التقنيات التقليدية".

معضلة البلازما المضطربة

وأضاف لامبرت "لم يتمكن العلماء سابقا من التحكم في البلازما المضطربة عندما يتم تسخينها إلى مئات الملايين من الدرجات، فيتوقف التفاعل ببساطة، والآن تمكن العلماء من الوصول إلى درجات حرارة الاندماج كما تم توضيح ذلك مؤخرا في مختبر لورانس ليفرمور، وسيتم تحقيق ذلك مرة أخرى في كثير من الأحيان في المستقبل، ولكن هذه التحسينات الصغيرة يمكن أن تحسن النتائج بشكل كبير لصالحنا".

تعاونت شركة بلسار مع "برينستون لأنظمة الأقمار الصناعية" (Princeton Satellite Systems) لأخذ البيانات من "مفاعل تكوين حقل برينستون المعكوس" "بي إف آر سي-2" (PFRC-2)، وهو برنامج تجريبي لتقييم تكوين مفاعل طاقة الاندماج في مختبر برينستون لفيزياء البلازما، ويتم استخدام البيانات في عمليات محاكاة الحاسوب العملاق للتنبؤ بشكل أفضل بكيفية تصرف البلازما فائقة السخونة تحت الحبس الكهرومغناطيسي، وبالتالي توجيه وتحسين تصميم النموذج الأولي لمحرك الصاروخ.

استخدام محرك جديد يعمل بالوقود النووي الاندماجي قد يقلص الرحلة إلى كوكب زحل لـ2.5 عام فقط (ناسا) 10 أضعاف السرعة للسفر بين النجوم

من جانبه، قال ريتشارد دينان الرئيس التنفيذي لشركة بلسار "تنتج محركات الأقمار الصناعية التي نصنعها اليوم في بلسار ما يصل إلى 40 كيلومترا في الثانية قوة دفع، نأمل أن نحقق أكثر من 10 أضعاف ذلك من خلال الاندماج".

وأضاف "إذا كان اختبار صاروخ بلسار يمكن أن يحقق درجات حرارة اندماجية في عرضه لشركاء الفضاء الجوي في عام 2027 فإن هذه التكنولوجيا لديها القدرة على تقليص الوقت للنصف للوصول إلى المريخ، وتقليل وقت الرحلة إلى زحل من 8 سنوات إلى 2.5، وفي النهاية تمكين البشرية من الخروج من نظامنا الشمسي".

ويختم دينان "سنبقي شركاءنا الحاليين على اطلاع دائم على كل خطوة حتى عندما نبدأ عمليات الإطلاق المبكرة في عام 2025، سنتمكن من معرفة ما إذا كنا على المسار الصحيح، بلسار ستحتاج بعد ذلك إلى إجراء اختبار إطلاق في المدار، بالنسبة للعمل في طاقة الاندماج يتمتع الذكاء الاصطناعي حقا بالقدرة على السماح لنا ببناء محركات قادرة على السفر في الفضاء بين النجوم".

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

جراحة بريطانية تروي كيف عرقل الاحتلال دخولها لإغاثة القطاع مرارا

أعربت جراحة التجميل البريطانية فيكتوريا روز، وعضو مجلس أمناء مؤسسة "آيديلز" الخيرية، عن شعورها بـ"الذنب والإنهاك وخيبة الأمل" بعد منعها من دخول غزة، على الرغم من حاجة الطواقم الطبية هناك للدعم في ظل تدهور الوضع الإنساني.

روز، التي تساعد الأطباء في غزة منذ عام 2018، وتمكنت من دخول القطاع ثلاث مرات منذ 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، أشارت إلى أنها منعت من الدخول في ثلاث مناسبات أخرى، رغم تقديم المستندات ذاتها التي قبلت سابقا.

وقالت إنها سافرت إلى الأردن محملة بالمستلزمات الطبية التي وعدت بإدخالها، لكنها منعت من المرور من قبل الاحتلال، مما تسبب بإهدار أموال خيرية خصصتها المؤسسة للمهمة.

وتروي الطبيبة أن أول مهمة لها بعد الحرب كانت في آذار/مارس 2024 عبر معبر رفح قبل سيطرة الاحتلال عليه، وحملت وفريقها 25 حقيبة مستلزمات، وعملوا لأكثر من أسبوعين في مستشفى غزة الأوروبي بعلاج أطفال مصابين بالحروق والقصف.

لكن بعد سيطرة الاحتلال على معبر رفح في أيار/مايو 2024، باتت جميع الأنشطة الإنسانية تخضع لمكتب منسق حكومة الاحتلال، وأصبحت إجراءات الدخول أكثر تعقيدا، بما يشمل قوافل تنظم مرتين أسبوعيا عبر الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، وفحصا أمنيا دقيقا، واشتراط الانتشار لمدة شهر كامل مع حمل حقيبة واحدة لا تتجاوز 23 كيلوغراما.

وتوضح روز أن أول رفض لفريقها كان في 12 شباط/فبراير 2025، إذ منع أربعة أطباء من "آيديلز" من دخول غزة قبل ساعات من مغادرتهم من عمان.



وبعد أسبوع من محاولات الاستئناف عبر وزارات خارجية ووسطاء رسميين ومنظمات دولية، اتضح أنهم لن يحصلوا على التصاريح، قبل أن يخبرهم مكتب منسق الاحتلال لاحقا أن السبب هو "عدم دقة في الطلب".

وتؤكد أن هذه كانت المهمة الرابعة عشرة لهم منذ بداية الحرب، وأنهم قدموا البيانات ذاتها في جميع المهمات السابقة.

وفي أكتوبر 2025، قبيل وقف إطلاق النار الثاني، كان من المفترض أن تدخل روز وفريقها غزة مرة أخرى، لكن ثلاثة منهم منعوا قبل يومين من سفرهم.

وأشارت إلى أن الحكومة البريطانية طلبت إيضاحات جديدة دون رد واضح، مرجحة أن قرار المنع مرتبط بمحاولة الاحتلال تجنب الظهور بمظهر المعرقل للمساعدات بعد وقف إطلاق النار.

وقالت روز إن الوضع الطبي في غزة يزداد سوءا بسبب تضرر البنية التحتية واستمرار الصراع، مشيرة إلى نقص خطير في المستلزمات، من القساطر اللازمة لأطفال يحتاجون غسيل كلى إلى معدات التخدير والأدوات الجراحية التي لم يعد بالإمكان إصلاحها أو استبدالها.

وأضافت أن فرقا طبية منعت من دخول المعبر بين الأردن وفلسطين المحتلة، بسبب حملها سماعات طبية وخيوط جراحية شخصية.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، رفض الاحتلال في 1 كانون أول/ديسمبر، تقييما ميدانيا لإنشاء مركز رعاية أولية في مستشفى كمال عدوان شمال القطاع.

مقالات مشابهة

  • بوتين: روسيا مستعدة للمساهمة في برنامج إندونيسيا النووي
  • ميزة مقبلة من واتساب تسهل الاندماج في المجموعات الجديدة لأندرويد
  • جراحة بريطانية تروي كيف عرقل الاحتلال دخولها لإغاثة القطاع مرارا
  • البستاني: الجيش يعمل بلا كلل لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار رغم الانتقادات
  • شركات بريطانية كبرى تعتزم ضخ استثمارات ضخمة في مشروعات الطاقة المتجددة بمصر
  • 8 دول عربية تتصدر في تصنيع معدات الطاقة المتجددة
  • وظائف مشروع الضبعة النووي 2025 بمرتبات تبدأ من 13 ألف جنيه.. التخصصات المطلوبة
  • نداء من 170 شركة بـ شعبة الطاقة المستدامة لـ وزير الكهرباء لسبب اقتصادي مهم
  • عراقجي: إيران عازمة على مواصلة برنامجها النووي السلمي
  • شركة شحن بريطانية تفرض حظرًا على توريد الأسلحة إلى "إسرائيل"