مجموعة من الأصدقاء يصنعون مسلسلاً مهماً.. هذا هو الانطباع الأول الذى يقفز إلى مقدمة ذاكرتك وأنت تشاهد الحلقات الأولى من مسلسل «إمبراطورية ميم»، فالكاتب محمد سليمان عبدالمالك والمخرج محمد سلامة والممثل خالد النبوى ومدير التصوير محمد مختار والمطرب مدحت صالح وآخرون هم أنفسهم من قدموا قبل عامين المسلسل التليفزيونى «راجعين يا هوى»، والعملان يمثلان تعاوناً مشتركاً بين الشركة المتحدة والمنتج تامر مرتضى «أروما»، والفارق بين العملين هو أن الأول كان مسلسلاً إذاعياً تم تقديمه عام 2004 من تأليف الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، والأخير عن قصة الأديب الكبير إحسان عبدالقدوس تم تحويله إلى فيلم شهير عام 1972 من بطولة سيدة الشاشة فاتن حمامة، ورغم النجاح الذى حققه «راجعين يا هوى» عند عرضه فإن التحدى هذه المرة كان أكبر، ليس فقط فى المحافظة على النجاح، وإنما للفوارق الكبيرة بين مسلسل إذاعى محدود الانتشار لم يكن يتذكره أحد تقريباً، وفيلم يحفظه المشاهد العربى عن ظهر قلب، وتداوم الفضائيات المختلفة على استدعائه كثيراً لا سيما فى مناسبات عيد الأم ويوم المرأة وغير ذلك من المناسبات التى تكون المرأة حاضرة فى صدارة المشهد، فضلاً عن أنه واحد من درر فاتن حمامة، وإحدى نقلاتها السينمائية، باعتباره الفيلم الذى شهد تحولها من أدوار الـ«فيديت» كما فى «الخيط الرفيع» المعروض فى العام السابق مباشرة إلى مرحلة أدوار الأمومة لشباب فى طور المراهقة يدرسون فى المرحلة الجامعية.

والخطورة هنا ليست فقط فى المقارنة بين فيلم مستقر فى الذاكرة وبين عمل تليفزيونى حديث، فكل المسلسلات التليفزيونية التى كان لها ظهير سينمائى كان مصيرها -من وجهة نظرى- الفشل الكبير، أو على الأقل كان نجاحها مؤقتاً زمن عرض المسلسل التليفزيونى لأسباب يمكن تفهمها، والقائمة تطول وتطول فى هذا المجال، لكن المشكلة فى أن المشاهد يجلس أمام شاشة التليفزيون وهو يعرف مسبقاً حكاية ذلك الذى يشاهده أو على الأقل فى خطوطه العريضة، وهو التحدى الأعظم الذى ربما دفع مؤلف الحلقات محمد سليمان عبدالمالك إلى الاقتراب أكثر من النص الروائى الذى كتبه إحسان عبدالقدوس عام 1965 ضمن مجموعته القصصية «بنت السلطان»، فى محاولة أظنها موفقة للاختلاف عن الفيلم الراسخ فى المخيلة منذ اثنين وخمسين عاماً، فحذف شخصيات وأضاف أخرى، وأراد خلق أجواء جديدة لنص قصير لم يتجاوز بضع صفحات فى العمل الأدبى، فالبطولة فى القصة الأصلية كما فى المسلسل لرجل وليست لامرأة كما فى حالة فيلم فاتن حمامة، وهو ما استتبع نحت علاقة عاطفية مختلفة بين الأب (خالد النبوى) وجارته (حلا شيحا) على خلاف تلك العلاقة التى جمعت بين فاتن حمامة وأحمد مظهر فى الفيلم الشهير، ورغم هذا الاختلاف فى تبادل الأدوار بين العملين فإن كليهما قد حاد عن النص الأدبى، لأن الأسرة كانت مكتملة من أب وأم عند إحسان عبدالقدوس، لكن مقتضيات البناء الدرامى والذهنية الشرقية الباحثة دائماً عن قصة الحب فى أى عمل فنى استلزمت عند نجيب محفوظ، الذى قام بالإعداد السينمائى للفيلم، حذف شخصية الأب، وعند محمد سليمان عبدالمالك حذف شخصية الأم فى المسلسل، وإيجاد نصف آخر لأى من فاتن حمامة وخالد النبوى.وقد استتبع التوجه الذكورى للمسلسل أمر آخر، إذ ليس من المستحب أن تقيم والدة الأم المتوفاة مع الأسرة كما هى الحال فى الفيلم، ومن ثم تم الاستعاضة عنها بشخصية شقيقة رب الأسرة (نشوى مصطفى)، التى وفرت كذلك مطلباً درامياً آخر فى بناء العمل، وهو إضفاء قدر من خفة الروح على الأحداث، بعكس الشخصية التى أدتها دولت أبيض فى الفيلم بكل ما عرف عنها من صرامة وحزم، ولئن حاول كاتب المسلسل الاقتراب أكثر من أجواء النص الأدبى فإنه شارك نجيب محفوظ فى اختلاف العملين عن تركيبة الأسرة كما عند عبدالقدوس، فأفراد الإمبراطورية عنده هم جميعاً من الذكور، لكن الفيلم والمسلسل -على السواء- جعلاها تجمع بين الجنسين، وأظن أن هذا الاختلاف أعطى مزيداً من الثراء البنائى للعملين، ونسج خيوطاً درامية ما كانت تتوفر لو أبقى الاثنان على ذكورية التركيبة الأسرية التى أرادها صاحب النص الأدبى، وهو أمر كان بالتأكيد فى صالح الرغبة الأصيلة فى تقديم معالجة اجتماعية للنص الأدبى.غير أنه يجب هنا التأكيد على أن إحسان عبدالقدوس لم يكن فى النص الأصلى معنياً فى أولوية اهتماماته بالبعد الاجتماعى لتلك الإمبراطورية، وإنما كان يقدم لقارئ عام 1965 طرحاً فكرياً يلائم التوجه الاشتراكى الذى تقف وراءه دولة الرئيس عبدالناصر، ومن هنا كان المشهد الرئيسى وربما الوحيد فى النص الأدبى هو فكرة الانتخابات داخل الأسرة، باعتبارها النواة الأولى لأى كيان ديمقراطى، فكثرت مناقشات الأب والابن عن المجتمع الاشتراكى للأسرة، وضرورة التخلص من سطوة رأس المال، وأن جميعهم شركاء فى الإنتاج حتى لو كان هذا المنتج هو السعادة التى يمنحها الأبناء للأب، ناهيكم عن حتمية مشاركة كل المقيمين فى البيت بمن فيهم الخدم فى العملية الانتخابية، باعتبارهم أيدى عاملة وشريكاً أساسياً فى مجتمع الأسرة، ورغم أنه لا الفيلم ولا المسلسل أغفلا فكرة الانتخابات بكل تداعياتها ونتائجها فى محيط الأسرة، فإنهما تجاوزاها إلى خيوط درامية أخرى تخدم الهدف من وراء العملين، إذ شتان بين قصة قصيرة يمكن قراءتها فى ربع ساعة ليس أكثر، وفيلم سينمائى يقترب من الساعتين، أو مسلسل تليفزيونى يتخطى حاجز الخمس والعشرين ساعة مع اختلاف الأدوات الإبداعية فى كل مصنف وطبيعة المتلقى، وكذلك السياق الزمنى الذى ظهر فيه كل عمل، فضلاً عن الدوافع الإنتاجية التى تقف خلف كل عمل.. لقد كان إحسان عبدالقدوس عام 1965 ابن مرحلته معبراً عن اهتماماتها وتوجهاتها، وهو بالأساس ليس مسئولاً إلا عن الورق الذى كتبه، بينما كان كل شىء فى الفيلم الذى أخرجه حسين كمال سنة 1972 فى خدمة البطلة فاتن حمامة العائدة لتوها من منفى اختيارى خارج مصر على خلفية علاقتها المضطربة بجهاز صلاح نصر وأخريات فترة حكم الرئيس عبدالناصر، فى محاولة لاستعادة بريقها السينمائى الذى خفت فى سنواتها العجاف بعيداً عن الوطن، فحشد لها رمسيس نجيب منتج الفيلم كل ما يخدم ظاهرة النجم، من أول تغيير البطولة الرئيسية من رجل إلى امرأة إلى عكوف كل من نجيب محفوظ (الإعداد السينمائى) وإحسان عبدالقدوس (كتابة الحوار إلى جانب القصة بطبيعة الحال) ومحمد مصطفى سامى وكوثر هيكل (كتابة السيناريو) فضلاً عن بقية عناصر الفيلم الذى تم تقديمه بالألوان فى وقت كانت فيه غالبية الأفلام المنتجة بالأبيض والأسود. أما الشركة المتحدة و«أروما» فكان هدفهما من وراء المسلسل أمراً أكثر وضوحاً ومشروعية. لقد كان إحسان عبدالقدوس فى قصته القصيرة مهتماً بالجانب الفكرى من أول اختيار مفردة «إمبراطورية»، باعتبار أن الأسرة هى أساس كل مجتمع سياسى، بينما كان صناع الفيلم معنيين بمشاعر امرأة غاب عنها زوجها بحاجة لمن يلبى احتياجها العاطفى، ربما يخفف عنها ما تواجهه بمفردها من مشكلات أبنائها فى تلك المرحلة الحرجة التى يمرون بها.. أما مسلسل 2024 فهدفه الأساسى تقديم دراما اجتماعية معاصرة مشوقة أو مسلية يلتف حولها جميع أفراد الأسرة ربما يجدون فيها ظلاً لحياتهم اليومية، أو تلمس فيهم وتراً، أو تمس مشكلة نفسية أو تربوية كان من الضرورى الانتباه لها، وأعتقد المسلسل نجح بالفعل فى الوصول إلى هدفه.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الدراما راجعين يا هوى إمبراطورية ميم إحسان عبدالقدوس إحسان عبدالقدوس فاتن حمامة فى الفیلم

إقرأ أيضاً:

أسرار صناعة أسطورة القاتل الصغير

«الدرك ويب» مصنع المجرمين الصغار «أزهرى»: المسئولية التربوية للأسرة تسبق أى حديث عن بلوغ أو عقوباتعالم تربوى: جرائم الأطفال تعكس تغيراً عميقاً فى طبيعة جيل تأثر بالمحتوى الرقمى العنيف

 

لم يعد مشهد الجرائم التى يرتكبها الأطفال فى مصر مجرد أحداث متفرقة يمكن تبريرها بالطيش أو اندفاع المراهقة، بل تحول إلى ظاهرة مقلقة تكشف تغيراً جذرياً فى سمات هذا الجيل، فأطفال اليوم رغم ملامح الطفولة التى تبدو على وجوههم باتوا يحملون داخلهم قدراً من العنف والجرأة والوعى السلوكى يفوق ما لدى كثير من البالغين، حتى أصبح المجتمع يواجه ما يشبه وحوشاً صغيرة قادرة على التخطيط والاعتداء، وليس مجرد قصر يخطئون دون إدراك.

هذا التحول لم يأتِ من فراغ، فالبيئة الرقمية أصبحت المؤثر  الأول فى تشكيل عقلية الطفل، منصات الفيديو السريعة، الألعاب الدموية، المحتوى الجنسى، التحديات العنيفة، وصولاً إلى دهاليز الدرك ويب التى تفتح أبواباً مظلمة من السلوك الإجرامى يصنع وعياً مبكراً بالعنف ويدفع الطفل لتطبيع السلوك العدوانى دون خوف أو رادع.

فى المقابل، تراجع دور الأسرة بشكل واضح، فكثير من الآباء غابوا عن المتابعة، أو فقدوا القدرة على مجاراة ما يتعرض له أبناؤهم من محتوى إلكترونى متغير، فظهر جيل يربيه الهاتف أكثر مما تربيه الأسرة والمدرسة، بعد أن كانتا خط الدفاع التربوى الأول، فكما غابت الأسرة غابت المدرسة وانشغلت بالامتحانات والرسوم ومطالب الروتين الإدارى، واختفت الرقابة والانضباط، وأصبح المعلم نفسه عرضة للتهديد والاعتداء داخل الفصول.

ورغم تغير الأطفال، وتغير قدرتهم على الفهم والتخطيط، إلا أن القانون بقى كما هو، يتعامل مع الطفل بصفته «قاصراً» لا يدرك، رغم أن الوقائع تثبت أن أطفال اليوم يفكرون بوعى يسبق أعمارهم كثيراً.

هنا يأتى السؤال المحورى لماذا تغيرت سمات الأطفال بهذا الشكل؟ وهل ما زالت قوانين الأحداث الحالية صالحة للتعامل مع جرائم أطفال اليوم؟ أم أننا بحاجة إلى تشريعات جديدة تقيس الإدراك والنضج قبل العمر وتتوافق مع مبادئ الشريعة التى تحاسب كل بالغ عاقل؟

فارق كبير 

وتوضح الدكتورة جيهان عبدالله، استشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن الفارق الكبير بين أجيال الماضى والجيل الحالى لا يرتبط بسن الطفل أو المراهق بيولوجياً، بل بسنه النفسى والثقافى، فالأطفال قديماً نشأوا داخل بيئات مغلقة نسبياً تحكمها قيم واضحة وحدود محترمة، وكانت مصادر التأثير محصورة فى التليفزيون والتجمعات العائلية التى تمنح الطفل دفئاً ورقابة طبيعية، رغم أن الأهل فى ذلك الوقت لم يكونوا يملكون قدراً كبيراً من التعليم، إلا أن الأسرة والمدرسة والمسجد والكنيسة كانوا منظومات تربوية متكاملة تشكل وعى الطفل وتضبط سلوكه، كما أن الأصدقاء كانوا غالباً من خلفيات متقاربة فى الأخلاق والقيم مما كان يجعل التنشئة أكثر استقراراً.

فى المقابل يعيش أطفال اليوم فى عالم منفتح بلا ضوابط يتشكل وعيهم من الإنترنت والسوشيال ميديا والألعاب العنيفة والتواصل مع أطراف مجهولة تعرضهم لأفكار وسلوكيات تتجاوز أعمارهم، فقد تغيرت المدخلات التى تدخل عقل الطفل تماماً، وهو ما أدى إلى تغيرات حادة فى الشخصية والسلوك.

وتشير الدكتورة جيهان إلى أن المدرسة لم تعد تؤدى دورها التربوى كما كانت، بل باتت تقدم محتوى متنوعاً وغير منضبط، بينما تقدم بعض المدارس الدولية معلومات قد تشوه الهوية أو التاريخ فى غياب رقابة حقيقية، وعندما يتلقى الطفل من الأسرة قيماً معينة ثم يجد المجتمع يقدم له نقيضها، فإنه يفقد الثقة فى المربى الأساسى ويعتبر أن المجتمع هو المصدر الأقوى.

وتشرح بأن غياب دور الأسرة يشكل أزمة حقيقية، فالكثير من الأهل أصبحوا منشغلين بضغوط الحياة الاقتصادية أو غارقين فى السوشيال ميديا حتى إن كانوا لا يعملون، ما أدى إلى تراجع دورهم الرقابى والتربوى.

كما أن القسوة المفرطة فى التربية بدافع الخوف على الأبناء لا تقل ضرراً عن الدلال الزائد، بينما تمثل المقارنة بين الأطفال واحدة من أخطر الممارسات داخل الأسر لأنها تشوه صورة الذات وتزرع الغيرة والعدوانية.

وتحذر الدكتورة جيهان من أن الأطفال الذين يتعرضون للتحرش أو الاعتداء قد يكبرون وهم يحملون جروحاً نفسية عميقة إذا لم يتم علاجهم بشكل صحيح، فهؤلاء قد يجدون صعوبة فى بناء علاقات سليمة أو تأسيس حياة أسرية مستقرة ما لم تمح آثار الصدمة بعلاج نفسى متخصص. 

وتلفت إلى أن اضطرابات المراهقة الناتجة عن التغيرات الهرمونية لا تلغى وعى الطفل ولا إدراكه، فالأمراض الذهانية فقط هى التى تعفى من المسئولية القانونية سواء كان الطفل أو البالغ مصاباً بها، أما الاضطرابات الشخصية أو السلوكية فهى لا تعنى غياب الوعى بل خللاً يحتاج إلى تدخل علاجى.

وتشدد على ضرورة رفع الوعى المجتمعى وتصحيح النظرة السلبية تجاه الطب النفسى لأن كثيراً من الأهالى يرفضون فكرة عرض أبنائهم على مختصين خوفاً من الوصمة الاجتماعية، ما يؤدى إلى تفاقم المشكلات. 

وترى استشارى الصح النفسية أن غياب الردع الواضح يزيد من تفاقم الجريمة، فالمجتمع يسمع عن القتل والاعتداء، ولا يسمع عن العقاب، ما يفقد العقوبة قيمتها الرادعة، مؤكدة أننا بحاجة إلى إعادة الاعتبار للإرشاد التربوى داخل المدارس وإلى منظومة واضحة لمحاسبة المجرم حتى ترتدع الدائرة بأكملها. 

تغير الأجيال

أكد الدكتور مصطفى كامل، استشارى التدريب الدولى والخبير التربوى، أن الجرائم التى يرتكبها بعض الأطفال مؤخراً تعكس تغيراً عميقاً فى طبيعة جيل كامل تأثر بشكل مباشر بالمحتوى الرقمى العنيف، خاصة الألعاب الإلكترونية والمنصات غير الخاضعة للرقابة، والتى أصبحت عاملاً رئيسياً فى تشكيل سلوك عدوانى يتجاوز قدراتهم العمرية.

وأوضح أن تعرض الطفل المتكرر لمشاهد القتل والتكسير والدم يشوش إدراكه ويفقده القدرة على التمييز بين الخيال والواقع، خصوصاً فى المراحل المبكرة التى يتشكل فيها الوعى، وهذه الفئة هى الأكثر قابلية للتقليد، ما يجعل السلوك العدوانى بالنسبة إليهم مألوفاً أو طبيعياً.

وأشار إلى أن الأسرة تتحمل الدور الأكبر فى حماية أبنائها، ليس بمنع المحتوى فقط، بل بالاقتراب من عالم الطفل وتعليمه كيفية تقييم ما يشاهده، مع استخدام أدوات الحماية الرقمية وبناء علاقة قائمة على الحوار والثقة.

وشدد على أهمية دور المدرسة فى مواجهة هذه التغيرات من خلال إدراج التربية الرقمية ضمن المناهج، وتوعية الطلاب بمعايير الأمان الإلكترونى، ووضع سياسات واضحة لاستخدام الهواتف داخل الفصول، إضافة إلى التدخل المبكر مع أى طفل تظهر عليه علامات اضطراب أو ميول لتقليد السلوك العنيف.

وحذر من أن التعرض المستمر للمحتوى العنيف قد يؤدى إلى اضطراب عاطفى لدى الطفل، ويجعله أكثر اندفاعاً فى ردود فعله، بل وقد يتحول الأمر إلى نوع من الإدمان الذى يفقد فيه القدرة على التحكم فى مشاعره، خاصة فى الألعاب التى تكافئ الطفل على تنفيذ مهام عدوانية فتشوه مفهوم الصواب والخطأ لديه.

وأشار إلى خطورة إطلاع الأطفال على محتوى الدارك ويب، لما يسببه من خوف وقلق وشعور بالتهديد قد يترك آثاراً نفسية طويلة المدى.

واختتم حديثه مؤكداً أن حماية الطفل من هذا الخطر مهمة مشتركة بين الأسرة والمدرسة والإعلام والدولة، مشددا على أن بناء وعى نقدى ومناعة نفسية لدى الأطفال هو السبيل الحقيقى لتحصينهم أمام هذا العالم الرقمى المنفلت.

غير مكلف 

قال الشيخ على المطيعى، أحد علماء الأزهر الشريف، إن المسئولية الشرعية للإنسان تبدأ مع بلوغه، أما قبل ذلك، فالطفل غير مكلف ولا يقع عليه الإثم، مستشهداً بقول النبى صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل»، وأوضح أن الحساب قبل البلوغ يكون مسئولية ولى الأمر، الذى يجب عليه تعليم الطفل الأخلاق وشعائر الدين ليشب على السلوك القويم.

وأشار إلى أن البلوغ يحمل الإنسان مسئولية أفعاله كاملة، لكن فى المعاملات المالية اشترط الشرع تحقق الرشد، لقوله تعالى: «فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم» وبين أن الطفل قد يرتكب جريمة تستوجب حداً أو قصاصاً مثل القتل أو السرقة حتى قبل البلوغ، وفى هذه الحالة لا يقام عليه الحد الشرعى، وإنما يوقع عليه عقاب تأديبى يناسب سنه، ليكون ذلك ردعاً له وتربية تعينه على الاستقامة، أما إذا كان الطفل فى الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة وبلغ بالفعل، فحينها يستحق العقوبة الشرعية الكاملة إن ارتكب جريمة كبرى كالقـتل أو الاغتصاب.

وأكد الشيخ المطيعى أن المسئولية التربوية للأسرة تسبق أى حديث عن بلوغ أو عقوبات، فالأسرة هى الجدار  الأول لحماية الطفل وتربيته، وما نشهده اليوم من جرائم بشعة سببه فى المقام  الأول غياب الرقابة الأسرية الرشيدة، وترك الأبناء فريسة للمحتوى المنفلت ووسائل التواصل الاجتماعى دون توجيه أو متابعة.

وأضاف أن الأهل يجب أن يحاسبوا على تقصيرهم حين يهملون أبناءهم حتى يصلوا إلى مرحلة الإجرام.

كما أشار إلى أن تغير الزمان والمكان يؤثر فى الاجتهاد الفقهى، مستدلاً بتغير مذهب الإمام الشافعى عندما قدم إلى مصر، لأن مقاصد الشريعة تقوم على مراعاة مصالح المجتمع. ومن هذا المنطلق يرى ضرورة مراجعة القوانين والتشريعات الحالية بعد تصاعد الجرائم الخطيرة، مطالباً بضرورة ضبط المحتوى الدرامى بعد أن تركت الدراما لفترات طويلة تصنع من البلطجة والانحراف صورة للبطولة.

وأوضح أن الأزهر يقوم بدور فاعل فى نشر الوعى من خلال إرسال قوافل دعوية إلى المدارس والأندية ومراكز الشباب لتقديم النصح والإرشاد، ولكنه شدد فى الوقت نفسه على أن البداية الحقيقية للإصلاح تبدأ داخل الأسرة، ثم يأتى دور المدرسة بعدها فى استكمال التربية والتوجيه.

البلوغ والعقل

يرى الدكتور أحمد الطباخ، كاتب وباحث أزهرى، أن تحديد سن المسئولية الجنائية فى الشريعة الإسلامية يقوم على معيارين واضحين هما البلوغ والعقل، ولجأ الفقهاء إلى وضع سن تقديرى للبلوغ عند تعذر معرفة العلامات الطبيعية، فتعددت الآراء بين خمسة عشر عاماً وثمانية عشر أو تسعة عشر عاماً، كما فرق البعض بين الذكور والإناث لكون الفتاة تبلغ عادة قبل الفتى، ويعمل بهذا التقدير خصوصاً فى الجرائم التى تستوجب الحدود والقصاص كالقتل، أما ما دون ذلك من الجرائم فيخضع لعقوبات تعزيرية تتناسب مع سن الحدث وقدرته.

ويؤكد الطباخ أن معيار المسئولية فى الإسلام ثابت لا يتغير بتغير الزمن لأن الأساس هو البلوغ والعقل، بينما تبقى العقوبات التعزيرية مرنة يحددها ولى الأمر بما يحقق الردع والإصلاح دون إضرار بالطفل، فهدف الشريعة هو ضبط السلوك وحماية المجتمع لا الانتقام.

ويشير إلى أن معالجة جرائم الأطفال لا تقف عند العقاب فقط، بل تحتاج إلى رؤية تربوية شاملة تشمل الأسرة والمدرسة والإعلام والدولة لأن الطفل نتاج بيئته، ويجب ضبط المحتوى الرقمى الذى يتعرض له، وتقديم قدوة إيجابية، مؤكداً أن التعليم الحقيقى بكتابه ومعلمه ومدرسته هو الأساس فى إعادة بناء الوعى وتقويم السلوك.

تغير مرعب من جانبها قالت الدكتورة إلهام المهدى المحامية، لم يعد عالم الطفولة كما عرفناه، ذلك الفضاء الملىء بالبراءة والضحك والأمان، بل تحول فى السنوات الأخيرة إلى ساحة يتصدرها العنف والقتل والاعتداء، فى مشهد صادم يثير الذهول والخوف معاً.

والقضايا التى شهدها الشارع المصرى لم تعد حوادث فردية، بل سلسلة من الوقائع الدامية التى تكشف تغييراً مرعباً فى السلوكيات العمرية للأطفال والمراهقين.

ومن قضية الطفلة زينة ذات الخمس سنوات التى اعتدى عليها طفلان فى السادسة عشرة والسابعة عشرة، إلى مأساة أيسل التى اغتصبت وقتلت على يد طفل لم يبلغ الخامسة عشرة، وصولاً إلى جريمة الإسماعيلية حيث قتل الطفل محمد على يد زميله البالغ ثلاثة عشر عاماً. وتتكرر المشاهد فى حضانات ومدارس شهدت استدراج أطفال والاعتداء عليهم، بل وصلت الاعتداءات إلى مدرسين داخل الفصول، فى انهيار كامل لمنظومة الانضباط والقيم داخل المؤسسات التى يفترض أن تكون أكثر الأماكن أماناً.

وأكدت أن هذه الوقائع تفرض تحركاً عاجلاً وشاملاً، يبدأ من الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية لضمان محاسبة رادعة وسريعة، مروراً بالإعلام ودوره الغائب فى التوعية، وصولاً إلى المدارس التى يجب أن تخضع لرقابة صارمة، مع دعم العاملين فيها باختبارات نفسية وسلوكية.

كما يتحمل الأزهر والكنيسة مسئولية كبرى فى إعادة بناء الوعى الأخلاقى والروحى داخل الأسرة والمجتمع.

وأضافت: لابد من إعادة النظر فى قانون الطفل الذى أصبح غير قادر على مواكبة الواقع، فالأطفال لم يعودوا كما كانوا، ومستوى إدراك كثير منهم يمكنهم من ارتكاب جرائم بشعة.

وتابعت: «ليس منطقياً أن يحاسب قاتل فى الرابعة عشرة بعقوبات طفل ارتكب خطأ عابراً».

وأضافت: لا يمكن تجاهل تأثير التكنولوجيا، من الدارك ويب إلى المحتويات العنيفة على تيك توك ويوتيوب، فى ظل انهيار دور الأسرة وغياب الرقابة، ما يصنع جيلاً مشوه الوعى يسهل انزلاقه إلى العنف والجرائم.

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: " بلطجة " التعليم الخاص !!
  • «المستشارة التى أرادت أن تصبح السيدة الأولى».. قصة لونا الشبل مع النظام السورى بعد فيديوهات مسربة مع بشار
  • مصر تعاملت مع القضية الفلسطينية والتهجير بحنكة سياسية
  • أسرار صناعة أسطورة القاتل الصغير
  • إمبراطورية البناء العشوائي
  • مأساة الحارة رقم 7!!
  • قلب المجتمع!!
  • يوسف.. إهمال مع سبق الإصرار؟
  • تفاصيل صغيرة
  • أيام.. "إيديكس"