خيبة أمل صهيونية من فشل التحالف الأميركي في البحر الأحمر
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
يمانيون – متابعات
إسنادًا لغزّة ومقاومتها الباسلة، شهدت الأشهر الخمسة الماضية عمليات نوعية للقوات المسلّحة اليمنية لمنع السفن الصهيونية من عبور مضيق باب المندب الاستراتيجي والوصول إلى ميناء “إيلات” أم الرشراش. ونطاق هذه العمليات توسع من البحرين الأحمر والعربي إلى المحيط الهندي بعد أن شمل قرار الحظر اعتراض السفن والمدمرات الأميركية والبريطانية واستهدافها.
في أثناء هذه المرحلة؛ وصل كيان العدو إلى قناعة بفشل التحالف الأميركي- الغربي في حماية السفن الصهيونية وتقويض القدرات اليمنية. وهو ما أقر به بكلّ وضوح الرئيس التنفيذي لميناء إيلات جدعون جولبر بقوله إن: “دول هذا التحالف لم تحل المشكلة في غضون الأشهر الماضية”.
جولبر، وفي تصريحات نقلتها وكالة “رويترز”، كشف أن السفن ما تزال تتجنّب الرسو في “إيلات” والميناء بصدد تسريح نصف عمال الرصيف البالغ عددهم 120 موظفًا، ورأى أن هذه الخطوة هي الخيار الأخير بعد الخسائر وتباطؤ النشاط لأشهر.
ميناء “إيلات” الذي يوفر للكيان الغاصب بوابة إلى الشرق من دون الحاجة إلى الملاحة في قناة السويس، أضحى خارج الخدمة، وحكومة العدو مطالبة بدفع رواتب العاملين فيه لمنع تسريحهم وتلك ثمرة من ثمار العمليات اليمنية المساندة لغزّة.
الطريق البديل عن البحر الأحمر، والذي يتطلب الالتفاف حول الطرف الجنوبي لقارة إفريقيا ما يطيل الرحلات إلى البحر المتوسط لمدة تتراوح بين أسبوعين وثلاثة أسابيع وتزيد بالتالي التكلفة، لم يعد متاحًا أيضًا، وما هي إلا أيام حتّى يظهر تأثير العمليات اليمنية في المحيط الهندي على اقتصاد الكيان المترنّح.
حصار على الموانئ الفلسطينية المحتلة وصمود غزّة وثبات وفاعلية لجبهة لبنان، إضافة إلى مثلث الرعب وهو تهديد جديد يتمثل باختراق صاروخ من اليمن لمنظومات الدفاعات الجوية الصهيونية ما يزال يُشغل القادة الصهاينة ويقلق المستوطنين.
سيحتاج الصهاينة إلى وقت طويل لتفسير الحدث وقراءته من جوانبه الأمنية والعسكرية وكذلك الاقتصادية، ولن يصلوا إلى أي نتيجة. فالأمر ليس صدفة وقادم الأيام مليء بالمفاجآت التي ستؤدي إلى انعدام ثقة المستوطنين بقادتهم وجيشهم بقدر اهتزاز ثقتهم بالتحالف الأميركي.
السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي كشف عن استخدام القوّة الصاورخية صاروخًا مطورًا، في قصف “إيلات”، مؤكدًا فتح آفاق جديدة للتصنيع والتطوير.
بالنسبة إلى المحللين والمتابعين الصهاينة، فالصاروخ الذي اخترق أحدث الدفاعات الصهيونية أثار ذهولهم وطرح الكثير من علامات الاستفهام. فالصواريخ المستخدمة لا يُعرف بالتحديد نوعها ولا قدرتها في ظلّ الأنباء عن امتلاك اليمن لصواريخ “فرط صوتية”، لكن الأكيد أن هذه الصواريخ تحمل رؤوسًا متفجرة كبيرة تفوق التحصينات الموجودة في إيلات أو غيرها من المدن المحتلة.
بالعملية الحسابية؛ اليمن تفوق على أميركا وبريطانيا معًا بعدد صواريخه وطائراته المستخدمة في فرض الحظر البحري على السفن المعادية باستخدام 476 صاروخًا وطائرة مسيّرة، في القصف والاستهداف، في المقابل شنت أميركا وبريطانيا 407 غارة وقصف بحري على أماكن عدة في البلد.
في النتيجة، ومع الفارق الشاسع في ثمن القدرات، القوات المسلحة اليمنية فرضت معادلتها على الدول العظمى- بفضل الله وتأييده- وشواهد ومعايير النجاح تتمثل أولًا في قلة حركة السفن محل الاستهداف في البحر الأحمر، والأمر الآخر يتعلق بالتمويه الأميركي للسفن من خلال تقديم معلومات مضللة ورفع أعلام دول أخرى على السفن وكذلك مزاعم وادعاءات بيع السفن وتمليكها لدول أخرى صديقة للأميركيين.
المعلومات التفصيلية عن كلّ السفن التي تمر في البحرين الأحمر والعربي وصولاً إلى المحيط الهندي وكيفية حصول البحرية اليمنية هي الأخرى ما تزال معضلة تؤرق الأميركيين وتعمّق أزمتهم وفشلهم في فرض الهيمنة على طرق الملاحة التجارية.
– موقع العهد الاخباري / اسماعيل المحاقري
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
تخيل بلدا يقف على جرف هارٍ تدفعه حرب ضارية إلى الهاوية، وجيشا يقاتل على جبهات متشعبة، واقتصادا ينهار طبقة بعد أخرى، بينما تتنازع قوى عالمية على أرضه وموانئه وذهبه وموقعه الاستثنائي.
وفي قلب هذا المشهد يقف رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، محاولا أن يمسك بالعصا من وسطها: يلوح للغرب بإمكانية الشراكة، ويشد في الوقت نفسه خيوط الارتباط بالشرق الصاعد.
ليس ذلك تقلبا سياسيا ولا انتقالا عشوائيا بين المحاور، بل مناورة وجودية فرضتها الجغرافيا القاسية، وحرب أنهكت الدولة والمجتمع، وتوازنات دولية تجعل من السودان ساحة اختبار كبرى في صراع النفوذ على البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وفي هذا السياق تحديدا، برزت آخر رسائل البرهان إلى الغرب عبر مقاله الذي اختار له بعناية صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025؛ رسالة لم تكن مقال رأيٍ عابرا، بل مذكرة سياسية مشفرة، صيغت بقدر محسوب من الإيحاء لتصل مباشرة إلى دوائر صناعة القرار.
الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة والانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي، ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا
الرسالة السياسية والصفقة غير المعلنةفي مقاله المثير، حمل البرهان قوات مليشيا السريع مسؤولية الحرب، رافضا توصيف الصراع بأنه "صراع جنرالين"، ومؤكدا أنها حرب تمرد على الدولة.
لكنه لم يكتفِ بهذا التوصيف؛ بل بنى المقال كله على فكرة واحدة: إذا ساعدتموني على تفكيك مليشيا الدعم السريع وإنهاء التمرد، فسأكون جاهزا للمضي في مسار التطبيع، وتقديم صيغة حكم مدني ترضيكم.
لوح البرهان بالانتقال الديمقراطي، وذكر الغرب بأن الصراع يهدد مصالحه في البحر الأحمر، وفتح باب الشراكة الاقتصادية، مشيرا إلى دور للشركات الأميركية في إعادة الإعمار. بدا المقال أقرب إلى عرض تفاوضي مكتمل الأركان: دعم عسكري وسياسي مقابل شرعية واستقرار وتعاون أمني.
هذه الرسالة ليست معزولة؛ فهي تأتي في وقت تتنامى فيه تحركات البرهان على الساحة الدولية: خطابات في الأمم المتحدة، إشارات إيجابية في الملفات الإنسانية، وانفتاح محسوب على المؤسسات الغربية.
إعلانلكن هذه الإشارات لا تعني انقلابا إستراتيجيا نحو الغرب، بل هي جزء من لعبة أكبر توازن فيها القيادة السودانية بين مكاسب اللحظة، ومخاطر الاصطفاف الحاد.
بين القيمة الجيوسياسية وكلفة الاصطفافيحتل السودان موقعا استثنائيا. فهو بوابة البحر الأحمر، وممر التجارة العالمية، وخزان ضخم للمعادن والأراضي الزراعية. ولهذا تتصارع عليه القوى الكبرى اليوم، كما لم تفعل من قبل.
الصين ترى في السودان امتدادا لطريقها التجاري نحو أفريقيا. استثماراتها الضخمة في الموانئ والبنية التحتية والزراعة، تجعلها تبحث عن طريقة لتفادي انهيار كامل قد يبتلع مصالحها. وبكين، رغم هدوئها المألوف، تدرك أن الفوضى في السودان تعني خسارة سنوات من العمل الاقتصادي والإستراتيجي، ولذلك تتحرك بدقة: دعم محدود للجيش، وضغط خلفي لتثبيت الاستقرار دون الاصطدام بالغرب مباشرة.
أما روسيا فقد استعادت أدواتها غير النظامية عبر "أفريكا كوربس"، البديل الجديد لفاغنر، بهدف ترسيخ وجود إستراتيجي دائم على البحر الأحمر. بالنسبة لموسكو، السودان ليس مجرد شريك إستراتيجي، بل هو مفتاح لدخول القرن الأفريقي بعمق، وتحقيق توازن مع الضغوط الغربية في أوكرانيا، وأوروبا.
الغرب من جهته يراقب بقلق تمدد الشرق. لكنّ لديه شرطا واحدا لم يتغير: لا دعم اقتصاديا حقيقيا دون التقدم في ملف التطبيع، وهندسة المسرح السياسي الداخلي، واستبعاد تيار بعينه.
هكذا يجد السودان نفسه أمام معادلة مستحيلة:
الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة. الانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي.
ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا، والمناورة بين الشرق والغرب أشبه بخيط نجاة رفيع، لكن لا بد من السير عليه.
عدم الانحياز الذكي ورهان الداخلضمن هذه الحسابات الدولية المعقدة، يبرز مسار ثالث يفرض نفسه بقوة:
عدم الانحياز الفعال، وهو ليس حيادا سلبيا كما في الستينيات، بل إستراتيجية قائمة على مزيج من الانفتاح الانتقائي، والمداورة الدبلوماسية.
هذا المسار يعني:
تعاونا اقتصاديا عميقا مع الصين، دون الارتهان لها. شراكة أمنية مع روسيا، دون التحول إلى بوابة لها على البحر الأحمر. انفتاحا على الغرب، دون الوقوع في فخ الشروط الثقيلة التي قد تشعل الداخل. بناء دور إقليمي يعتمد على الجغرافيا لا على الأيديولوجيا.بهذه المقاربة، يتحول السودان من ساحة صراع إلى لاعب يجيد توظيف الصراع لصالحه.
بيد أن كل هذا لن ينجح إذا لم يتم حسم المعركة الأهم: معركة الداخل. فالرهان الحقيقي ليس على واشنطن ولا بكين ولا موسكو، بل على قدرة القيادة السودانية على:
توحيد الجبهة الداخلية، إعادة بناء المؤسسات، وقف النزيف الاقتصادي، وفرض إرادتها على القوى الإقليمية المتدخلة.
فمن دون جبهة داخلية متماسكة، تصبح المناورة الخارجية مجرد لعبة خطرة قد تسقط عند أول هزة. ومن دون قرار وطني صارم، لن تستطيع الخرطوم تحويل ثقلها الجيوسياسي إلى قوة حقيقية.
الخلاصة: المناورة ليست خيارا.. بل قدرا سياسياما يقوم به البرهان اليوم ليس استسلاما للغرب ولا انحيازا للشرق، بل مناورة إجبارية تهدف إلى جمع السلاح من منطقة، والشرعية من أخرى، والمساعدات من ثالثة، دون دفع الأثمان كاملة لأي طرف.
إعلانهي محاولة لاستثمار موقع السودان الفريد في معركة الهيمنة على البحر الأحمر، وتحويل الأزمة إلى ورقة تفاوض كبرى. غير أن هذه اللعبة الخطرة لن تجدي نفعا إذا لم يُستعَد الداخل أولا.
ففي النهاية، لا تحدد الدول الكبرى مصائر الأمم بقدر ما تحددها إرادة أبنائها.
وقدرة السودان على الخروج من النفق لا تتوقف على لعبة التوازن الدولية فحسب، بل على قوة البيت الداخلي، وتمكن القيادة من فرض رؤيتها على من يحاولون تشكيل مستقبل السودان من الخارج.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline