د. محمد عسكر بكتب: الإنسان الهجين … إنسان النصف آلة
تاريخ النشر: 26th, March 2024 GMT
يبدو أن الخيال العلمي نفسه لم يعد قادرًا على مجاراة التطورات التكنولوجية المتلاحقة على أرض الواقع، فهناك عجز حقيقي في الأفكار التي يتم طرحها، سواء في الكتابات أو حتى في أفلام هوليود، عن شكل الحياة البشرية في المستقبل القريب، وكيف يمكن أن تؤثر عليها هذه التطورات التكنولوجية ، خاصة على المستوى الإنساني والإجتماعي، لأن التقنيات الذكية التي تم إبتكارها ويتم تطويرها باستمرار قد تتعدى قدرة العقل أحيانًا على تخيل تبعاتها وتداعياتها على شكل الحياة البشرية.
لقد اقترب الوقت الذي سيكون فيه الإنسان هو "التقنية" أو "الأداة" التي ستخضع قريبا للتطوير والإبتكار، فالوتيرة التي تسير بها الثورة الصناعية الرابعه متسارعة للغاية بصورة أكبر مما كنا نتوقع. وعلى ما يبدو أن هذه الثورة التي بدأت منذ عقد من الزمان مدفوعة بتطوير تقنيات الذكاء الإصطناعي وإنترنت الأشياء والويب والإتصالات اللاسلكية قد أوشكت على الإنتهاء، وأصبحنا على أعتاب ثورة صناعية خامسة، أرى أنها ستكون الثورة الأخيرة في هذه الحقبة من الحضارة الإنسانية لتعلن بذلك نهاية عصر وبداية فجر جديد لحضارة مختلفة تماما عن سابقتها تسمى حضارة السايبورج ، تلك الحضارة التي تختلف تماماً عن الحضارات السابقة التي عرفتها الإنسانية، فقد ينتج عن الإنسجام التام بين الآلات وبعضها، وبين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي نوعا جديدا من المعرفة (البشرية - الإصطناعية)، تبتكر أنواعا مختلفة من الفنون والآداب والموسيقى والعادات والتقاليد. هذه الحضاره الجديد ستكون الغلبة فيها بلا شك للإنسان الهجين، ذلك الإنسان المزيج بين البشر والذكاء الإصطناعي من خلال دمج شرائح ذكية في مخ الإنسان تعمل على تطوير قدرات العقل البشري وإكسابها مهارات لم تكن موجودة من قبل.
ومن هنا تبدأ مرحلة جديدة من الحياة "النصف بشرية"، التى يعامل البشر فيها أنفسهم معاملة الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، ويتم تصنيفهم لأجيال حسب خصائص وقدرات الشرائح الذكية المدمجة فيهم، كل حسب شريحته الذكية التي يتحكم فيها في النهاية قدرات هذا الشخص المالية على شراء الشريحة الأحدث والأسرع.
ولعل الهدف الرئيسى من هذه الثورة الصناعية الخامسة المستقبلية المحتمله هو دمج البشر والتكنولوجيا معا بعناية، ما يضمن أن كليهما يعملان بشكل وثيق ما يمهد الطريق لظهور نسخ معدلة تكنولوجيا من البشر، تلك النسخ الهجينة التي تندمج فيها التكنولوجيا بالأعضاء الحيوية للإنسان فتصبح مكونًا رئيسيًّا من الجسد البشري، يختلط فيه اللحم بالسيليكون، والعقل بالأسلاك، والإدراك بحالة شحن البطارية فيظهر لدنيا جيل جديد من البشر يستطيع أن يتذكر أدق التفاصيل ، ويعمل أطول فترة ممكنة دون كلل أو ملل، جيل لا تتأثر قراراته بالعواطف أو المشاعر، ولا يشعر بالإرهاق أو الألم فى حالة مستجدة على الوجود الإنساني.
أسئلة كثيره تجول فى خاطرى عن مدى إمكانية أن يحقق التطور التكنولوجى تقدما حقيقيا في تعديل الجنس البشري عن طريق الشرائح الذكية المدمجة بالعقل البشرى لكي يصبح الإنسان خارقا بالفعل. كما تراودنى أسئلة أكثر حول كيفيه تأمين هذه الشرائح من الإختراق وما هو الحال إذا تم إختراقها بالفعل وتمت سرقة جميع الأفكار والذكريات والمعلومات الموجودة عليها فى رأس أحدهم؟ وهل ستُترك جميع المعلومات محفوظة فقط بالرأس البشري أم أننا سنحتفظ بنسخة إحتياطية منها على خوادم خارجية بداعي التطوير والتحسين وهل يمكن أن يتم ذلك دون حتى أن نستأذن صاحبها؟ وما هى من الضمانات أن الشركات المطورة لهذه الشرائح لن تتجسس على الشريحة بنفسها وتسرق أفكارنا؟ .
أسئلة أخلاقية وتنظيمية كثيرة تثير مخاوفى، قبل أن تكون أسئلة علمية، لا بد من الإجابة عنها أولًا، فالإنسان كائن إجتماعي بطبعه، كيف يمكن حذف مشاعر معينة من قائمة خياراته بهذه السهولة؟ وهل تتحمل طاقة الإنسان النفسية هذا الكم الرهيب من الذكريات والأفكار والنظريات والإدراكات ؟ وماذا يحدث إذا استطاعت مجموعة من البشر إمتلاك هذه التقنية الثورية، هل سيتركون الباقي يتمتعون بالحق في اقتنائها؟ أم سيتم حرمانهم منها بدواعٍ أخلاقية مزعومة كي يستأثروا منفردين بالسلطة؟
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الذکاء الإصطناعی
إقرأ أيضاً:
تعرّف على توزيع الدخل والثروة والتفاوتات في العالم
يستحوذ أغنى 10% من سكان العالم على 3 أرباع الثروات الشخصية، وفق تقرير عدم المساواة العالمي لعام 2026، ولا يختلف الوضع كثيرا فيما يتعلق بالدخل، إذ يحصل أعلى 50% من أصحاب الدخول على أكثر من 90%، في حين يحصل النصف الأفقر على أقل من 10% من إجمالي الدخول.
ويشير التقرير -الذي ينشر سنويا منذ عام 2018- إلى أن إصدار عام 2026 يأتي في وقت حرج، ففي جميع أنحاء العالم تتراجع مستويات معيشة الكثيرين، في حين تتركز الثروة والسلطة بشكل متزايد في أيدي النخبة، حسب تقرير أورده موقع الجزيرة الإنجليزي.
الثروة والدخللا يرتبط مستوى الثروة بمستوى الدخل دائما، فالأثرياء ليسوا بالضرورة الأعلى دخلا، مما يبرز الفجوة المستمرة بين ما يكسبه الناس وما يملكونه.
وتشمل الثروة القيمة الإجمالية لأصول الشخص، كالمدخرات والاستثمارات والعقارات، بعد خصم ديونه.
وفي عام 2025 امتلك أغنى 10% من سكان العالم 75% من الثروة العالمية، في حين امتلكت الشريحة المتوسطة التي تمثل 40% من سكان العالم نحو 23%، ولم يمتلك النصف الأفقر إلا 2%.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي نمت ثروة المليارديرات وأصحاب الملايين بنسبة 8% تقريبا سنويا، أي ما يقارب ضعف معدل نمو النصف الأفقر من سكان العالم.
أما أغنى 0.001% (أي أقل من 60 ألف مليونير) فيسيطرون الآن على ثروة تفوق 3 أضعاف ثروة نصف سكان العالم.
وحقق الفقراء مكاسب طفيفة، لكنها تتضاءل أمام التراكم السريع للثروة لدى الأغنياء، مما أدى إلى عالم تمتلك فيه أقلية ضئيلة قوة مالية هائلة، في حين لا يزال المليارات يكافحون للحفاظ على حالتهم الاقتصادية.
ويقاس الدخل باستخدام الأرباح قبل الضرائب بعد خصم مساهمات المعاشات التقاعدية والتأمين ضد البطالة.
وفي عام 2025 استحوذ أغنى 10% من سكان العالم على 53% من الدخل العالمي، في حين حصل 40% من السكان على 38%، أما أفقر 50% فحصلوا على 8% فقط.
إعلان توزيع الثروة والدخل إقليميالا يزال مكان ميلاد الشخص أحد أقوى العوامل التي تحدد مقدار دخله والثروة التي يمكنه تكوينها.
ففي عام 2025 بلغ متوسط ثروة سكان أميركا الشمالية وأوقيانوسيا (أستراليا، ونيوزيلندا، ودول جزرية) اللتين جمعهما التقرير معا 338% من المتوسط العالمي، مما يجعلهما أغنى منطقة على مستوى العالم، وبلغت حصة الدخل 290% من المتوسط العالمي، وهي أعلى نسبة في العالم. تلتهما أوروبا وشرق آسيا، إذ بقيتا أعلى من المتوسط العالمي، في حين ظلت أجزاء واسعة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط أدنى بكثير من المتوسط العالمي.ويرسم التفاوت العالمي صورة قاتمة، لكن حجم فجوات الثروة والدخل يختلف اختلافا كبيرا من بلد إلى آخر، فبينما تُظهر بعض الدول توزيعا أكثر توازنا تكشف دول أخرى عن تركز شديد للثروة في أيدي قلة.