العمل مع الغرب وليس القطيعة معه
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
السبت، الساعة الثالثة ظهرا في هانوفر، وأنا أمشي في المسيرة الداعية لوقف الإبادة في غزة، ألمح زميلة فلسطينية لي، وأتجه إليها مباشرة. وبعد تبادل «العلوم»، أشرت إلى أن المظاهرات والمسيرات صارت «أنظف» ففي نوفمبر من العام الماضي، كانت المظاهرة تتحول فجأة من دعوة إلى وقف الحرب، والدعم الألماني لها، إلى دعوة لإقامة دولة خلافة.
نجحت المقاومة الفلسطينية في كسب دعم جميع الأطياف السياسية، التي تؤمن بمشروعية الحركات التحررية من الاحتلال واستحقاقها الدعم بغض النظر عن توجهها السياسي. ثمة أولويات، والأولوية اليوم هي تحرر الأراضي الفلسطينية من الاستعمار الاستيطاني، ولا مكان لأي خطاب يُشتت هذه الجهود، وكل ما عداه من مسائل غير ملحة يُمكن وضعها على الرف إلى أن يتحقق هذا المطلب. هذا ما كنتُ أؤمن به شخصيا، إلا أنني أرى اليوم أن هذا النقاش ضروري قبل أن نصل إلى مرحلة اللاعودة.
بالطبع أنا لا أتحدث عن الفلسطينيين هنا، بل عن غير الفلسطينيين ممن يستغلون القضية لتمرير أفكارهم. لطالما هُوجمت المطالب النسوية المشروعة، وحقوق المُهمشين، باعتبارها نتيجة للغزو الفكري الغربي. اليوم يستغل المُتأسلمون نقدنا لموقف الغرب (الغرب الذي يستغل قيمه وقانونه ومؤسساته ضد الجنوب العالمي) للمحاججة بأن «جميع» القيم الغربية هي أدوات سيطرة على الجنوب.
يُمكن الاستجابة لهذه المغالطة بعدة ملاحظات. أولا، لا يُمكن اعتبار قيم العدالة، الإنصاف، حقوق الإنسان، قيما غربية، وإنما هي قيم -مهما سُيست، وأُسيء استغلالها- تبقى قيما كونية علينا جميعا أن نسعى لتحقيقها. المطلوب هو نقد المؤسسات الدولية، طريقة عملها، ازدواجية معاييرها، وانتصارها للقوى العظمى (كمنح حق الفيتو لدول دون أخرى)، لا أن تُعادى بشكل كامل. فوجود قوة عالمية ساعية لحفظ حقوق البشر، ولاستدامة السلام (متى ما أمكن، وبما لا يتعارض مع الحقوق الأساسية) هو أفضل ما توصلنا له إلى اليوم، وبالتالي تقع علينا مسؤولية تطويرها وتحسينها.
ثانيا، لطالما توفرت للشمال العالمي الأسباب (وإن كانت بطرق ظالمة للجنوب) التي تؤهله لإقامة مجتمعات تحفظ حقوق الأفراد، حرياتهم، رفاههم. فنحن وإن انتقدنا مواقف الحكومات، نُسلم بجودة النظام الذي يُتيح للشعوب التعبير عن اعتراضهم على هذه المواقف. أكبر المظاهرات إلى يومنا هذا خرجت من عواصم الدول الداعمة لإسرائيل بشكل مباشر، بينما الدول التي تدعي وقوفها مع القضية الفلسطينية تقمع وتُجرم حتى أقل أشكال التضامن.
ثالثا، نحن بحاجة لتكاتف جهود جميع دول الجنوب ضد قوى الشمال، ونقد كل ما من شأنه أن يُعيق أوجه التعاون بين هذه الدول. ولأجل تحقيق ذلك، علينا فوق اختلافاتنا الهوياتية، الدينية، الثقافية، والسعي لإيجاد صيغة تعاون لخلق قوة مضادة للقوى الشمال.
رابعا، دعمنا لحملات انتقاد الغرب، ودعوات المقاطعة الاقتصادية، الثقافية، والأكاديمية، لا يجب أن يعني قطيعة كاملة مع الغرب. بل العمل معه للتفكير في خلاص جماعي. كما تعلمنا من تجربة كوفيد، لا يُمكن أن ننجو إلا بنجاة الجميع. مسؤولية حماية جميع الأفراد، تقع على عاتق كل فرد في هذا العالم الشاسع.
ليس مُفاجئا نمو الخطاب المتأسلم، وأسبابه مفهومة تماما. مع ذلك، علينا ابتكار خطاب جديد، منفتح، لكن مُستقل عن الخطاب الغربي. فلا تعارض بين احترام الحقوق والحريات الشخصية، ونقد القيم الغربية. وعلينا أيضا أن نحذر من الارتداد إلى هوياتنا الضيقة (العروبة، الإسلام)، والعمل على مضافرة جهود جميع أمم الجنوب العالمي.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
د. هويدا مصطفى: العالم العربي "مستهلك" وليس "صانعاً" للأدوات الرقمية
حذرت الدكتورة هويدا مصطفى، عميدة كلية الإعلام السابق، من أن أعظم خطر على الهوية العربية في العصر الرقمي يتمثل في كون العالم العربي "مستهلكاً" وليس "صانعاً" للأدوات والمنصات الرقمية، مما يجعله عرضةً سلبيةً لكل ما يتم تداوله.
وشددت مصطفى خلال مشاركتها في جلسة نقاشية بمنتدى الحوار الإعلامي العربي الدولي في طرابلس، على أن هذه الحالة تضع الجمهور العربي، وخاصة فئة الشباب التي تستهلك المحتوى الرقمي بشكل كبير، في موقف خطر، حيث يصبح عرضة لمحتويات قد لا تتطابق مع قيمه وتقاليده، مما يشكل تهديداً لثوابت الهوية العربية، سواء في اللغة أو القيم أو التقاليد.
ورأت عميدة كلية إعلا أن جوهر التحديات التي يواجهها الإعلام العربي في ظل الانتشار السريع للتكنولوجيا يتمثل في إشكالية تأثير هذه المنظومة على الهوية العربية، مؤكدة أن القضية قديمة وتتجدد مع كل موجة تحول رقمي.
لكنها في المقابل لم تغفل عن رصد الفرصة الكامنة في هذه الأزمة، قائلة: "سرعـة انتشار وسائل الاتصال الرقمي تمثل فرصة يجب استغلالها، حيث يمكنها تقريب المسافات ونشر الأفكار وخلق علاقات تفاعلية". ودعت إلى ضرورة مراجعة كيفية تقديم ذاتنا للآخرين، والتأكيد على قوتنا بما يتوافق مع تقنيات العصر.
واستشهدت بتجربتها الشخصية في زيارة ليبيا، حيث تغيرت تصوراتها المسبقة عن البلد عند الزيارة من مشاعر قلق وصورة قاتمة إلى صورة ايجابية ، مؤكدة على أهمية تقديم صورة حقيقية للذات العربية للعالم. واختتمت بالقول: "نحن في حاجة ملحة حالياً أكثر من أي وقت مضى إلى أن نؤكد وجودنا العربي ونتمسك به".
ناقش المنتدى محاور الهوية العربية وصناعة المحتوى الإعلامي والتدريب المهني وتطوير المحتوى الرقمي وتوظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام، وجمع عددا كبيرا من الشخصيات البارزة من بينهم السفير أحمد رشيد خطابي أمين عام مساعد جامعة الدول العربية لقطاع الاتصال والإعلام، والوزراء زهير بو عمامة من الجزائر، وحمزة المصطفى من سوريا، وأسامة هيكل وزير الإعلام المصري الأسبق، وزياد مكاري وزير الإعلام اللبناني الأسبق، بالإضافة إلى سفراء ومستشارين وإعلاميين وفنانين مصريين بارزين مثل منى الشاذلي وباسم يوسف وأحمد فايق.