الجزيرة:
2025-06-16@13:28:46 GMT

ربيع دمشق.. العقد الضائع الذي سبق الثورة السورية

تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT

ربيع دمشق.. العقد الضائع الذي سبق الثورة السورية

بدأ ما يعرف بـ"ربيع دمشق" بعد وفاة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وتسلم ابنه بشار الأسد مقاليد الحكم منتصف يوليو/تموز 2000، وشهدت سوريا بعضا من "التحرر السياسي"، وعلت أصوات كثيرة مطالبة بإصلاحات قضائية وقانونية واقتصادية، وشكّل ذلك بداية "صحوة سياسية" في البلاد، لكنها قوبلت من النظام السوري بسلسلة اعتقالات وحملة قمع استهدفت كثيرين من رموز هذا الحراك، ويعتبر المتتبعون أن ذلك كان من المقدمات التي قادت إلى إشعال فتيل الثورة السورية عام 2011.

ومنذ بداية "ربيع دمشق" وحتى فبراير/شباط 2001 شهدت سوريا تغيرات نسبية، مع وجود منسوب من حرية التعبير وإنشاء منتديات سياسية غير رسمية، لكنها ما لبثت أن أغلقت بعد توقيف 10 معارضين للنظام، فانتهى "الربيع" خلال 7 أشهر، ووصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تلك الفترة وما لحقها بـ"العقد الضائع".

بداية الربيع و"بيان الـ99″

ساهمت كلمة بشار الأسد التي ألقاها فور تقلده الرئاسة بنشر أمل في أوساط المعارضة بإمكانية تحسين أوضاع البلاد التي ورثها عن أبيه في بلد نظامه السياسي جمهوري برلماني، إذ قال إن "الديمقراطية واجب علينا تجاه الآخرين قبل أن تكون حقا لنا".

بعد هذا الخطاب نشر رياض الترك مقالات عدة كتب في واحد منها "من غير الممكن أن تظل سوريا مملكة الصمت"، وأرسل المفكر السوري أنطون مقدسي إلى بشار عبر صحيفة الحياة في أغسطس/آب 2000 تهنئة له بتوليه الرئاسة وتذكيرا له بما قاله في خطابه عن احترام الرأي الآخر وإعلاء مفهوم الدولة على الزعامة.

ومما ذكره في رسالته "سيدي، اسمح لي أن أهنئك بالرئاسة الأولى، وأيضا بكلمات وردت في بيانك، حقا واعدة (..) إنها بداية لدرب طويل إذا سلكناه يمكن أن ننتقل تدريجيا من البداوة والحكم العشائري إلى حكم القانون"، لكنه وبسبب هذه الرسالة أقيل من وظيفته التي شغلها منذ ستينيات القرن الـ20 في وزارة الثقافة.

ومن ثم بدأت جماعة من المفكرين والمثقفين السوريين بالاجتماع وتدارس أوضاع البلاد، وممن بدأ على أيديهم "ربيع دمشق" الصحفي ميشيل كيلو والسياسي رياض سيف الذي أنشأ في منزله "منتدى الحوار الوطني".

وانتشرت منتديات (صالونات) سياسية غير رسمية عقدت لفتح النقاش بشأن القضايا السياسية في البلاد وقضايا المجتمع المدني والإصلاحات حتى قيل إنه لم تبق بلدة ولا حي إلا ونادى مثقفوها بإنشاء منتدى، وأشيع أن عددها وصل نحو 170.

ومن أبرزها منتدى "جمال الأتاسي" وأنشأته سهير الأتاسي على اسم والدها المعارض، ومن داخل هذه الصالونات ظهرت المطالب بإصلاح سياسي وقضائي.

بشار الأسد (يسار) يتسلم من رئيس البرلمان عبد القادر قدورة موافقة البرلمان على ترشيحه للرئاسة عام 2000 (غيتي)

وقد قال المدير السابق للأمن الداخلي بهجت سليمان عن هذه المنتديات -التي أشار إلى معرفة الدولة بها وبمحتوياتها- إن "أغلبية ما تسمى منظمات المجتمع المدني ما هي إلا وسيلة وغطاء لأنشطة المنظمات الماسونية العالمية أو مرتبطة بأندية الروتاري التي يتحكم بها اليهود بقصد السيطرة على العالم".

وكانت البداية الرسمية لظهور المطالب بـ"بيان الـ99″ الذي وقعه مثقفون وفنانون يوم 27 سبتمبر/أيلول 2000، أي بعد شهرين من خطاب بشار، وطالبوا فيه بالتعددية السياسية والفكرية، وإطلاق الحريات العامة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء حالة الطوارئ التي أعلنت منذ عام 1963.

تلاه "بيان الـ1000" في يناير/كانون الثاني 2001، وفيه أصر الموقعون على المطالب السابقة، وطالبوا بديمقراطية تعددية حزبية، ورفع حالة الطوارئ المفروضة في البلاد.

وصدر بيان آخر من جماعة من المحامين السوريين طالبوا فيه بمراجعة دستورية شاملة، وإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية وإطلاق الحريات العامة.

تدابير إصلاحية

لم يعترف النظام بالبيانات رسميا، لكن البلاد بدأت تلاحظ سلسلة تدابير إصلاحية في الأشهر الأولى من تولي بشار سدة الحكم، تلا ذلك إعلان عدد من قرارات العفو وإطلاق سراح المئات من السجناء السياسيين بعد إغلاق سجن المزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2001.

في تلك الفترة عادت كثير من المنظمات الحقوقية للظهور، وتأسست أخرى بالتوازي مع خطوات الحكومة للإصلاح، ولم تمنع السلطات منظمات المجتمع المدني ولم تقف أمام انتشارها، عكس توجهاتها السابقة أيام حافظ الأسد.

رويدا رويدا بدأت الصحف المؤيدة للنظام بالانتشار والرد على مقالات الصحفيين المعارضين، ولإحكام قبضته سمح للأحزاب الستة المكونة للجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة (يقودها حزب البعث العربي الاشتراكي) بفتح مكاتب إقليمية وإصدار صحف خاصة بها.

وصرح وزير الإعلام السوري حينها عدنان عمران بأن "دعاة المجتمع المدني استعمار جديد"، وقال عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري آنذاك "لن نسمح بتحويل سوريا إلى جزائر أو يوغسلافيا أخرى".

ميشيل كيلو كان من المعارضين البارزين الذين بدأ ربيع دمشق على أيديهم (رويترز) ربيع لم يكتمل

بدأت الإصلاحات الطفيفة تختفي وباسم الوحدة الوطنية والاستقرار أوقفت حركة المعارضة، وفي فبراير/شباط 2001 أغلقت المنتديات السياسية قسرا فبقي من أصل 70 اثنان فقط، واشترط لفتح واحد منها تصريح رسمي وإجراءات تعسفية شبه مستحيلة، واعتقل رياض سيف ورياض الترك ومأمون الحمصي وعارف دليلة مع آخرين، ووجهت إليهم تهمة "محاولة تغيير الدستور بوسائل غير مشروعة".

وكان سيف قد اعتقل بعد أن نشر دراسة عن "مشروع للهاتف المحمول" في سوريا أشار فيها إلى "ضياع 7 مليارات دولار على الدولة السورية"، فاعتقل حينها وتمت الصفقة وباع بشار الشركتين إلى ابن خاله رامي مخلوف بثمن يعادل 10% من قيمتها الفعلية.

وصرح بشار في منتصف مارس/آذار بأن في سوريا "أسسا لا يمكن المساس بها، قوامها مصالح الشعب وأهدافه الوطنية والقومية والوحدة الوطنية، ونهج القائد الخالد حافظ الأسد والقوات المسلحة".

بدأ النظام السوري سلسلة اعتقالات واسعة طالت معارضين كثرا، وشنت الحكومة حملة قمع ضد الموقعين على البيان، وزادت رقابة الدولة على المواطنين وضيق الجيش الخناق وقمع المعارضين في محاولة لوقف الحراك الشعبي.

وفي منتصف أبريل/نيسان صدرت الوثيقة الثانية "للجان إحياء المجتمع المدني" تحت عنوان "توافقات وطنية عامة"، تلاها بيان جمع 185 مثقفا ومبعدا تضامنوا فيها مع البيانات الصادرة داخل سوريا، وطالبوا بإطلاق الحريات العامة، والسماح بعودة المبعدين.

وردَّ وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس على البيانات قائلا "إننا أصحاب حق، ولن نقبل بأن ينتزع أحد منا السلطة لأنها تنبع من فوهة بندقية ونحن أصحابها، لقد قمنا بحركات عسكرية متعددة، ودفعنا دماءنا من أجل السلطة".

وفي صيف 2002 أطلقت الحكومة حملة إعلامية ركزت على دعاوى إصلاح "الاقتصاد" متجاهلة باقي الزوايا، ورافقت ذلك سلسلة اعتقالات لم تتوقف مع تهديدات بالاعتقال القسري للمعارضين، مما أطفأ "ربيع دمشق" سريعا وخمدت الأصوات وتفككت "حركة المعارضة".

رياض سيف كان يحاول إنشاء حزب إضافة إلى المنتدى الذي أنشأه في منزله واعتقل لنشاطه السياسي المعارض (رويترز) ما بعد الربيع.. إعلان دمشق

يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2005 أطلقت المعارضة السورية "إعلان دمشق"، وهو وثيقة وقعت عليها قوى سياسية وشخصيات مدنية معارضة للنظام، بينها موقعون على البيانين السابقين.

دعت القوى في الإعلان إلى إنهاء حكم الأسد وإقامة نظام ديمقراطي تعددي مع رفع حالة الطوارئ، وإلى "انتقال تدريجي وسلمي إلى الديمقراطية والمساواة بين جميع المواطنين في سوريا علمانية وذات سيادة"، وذلك في أول بيان معارض واضح يستهدف حكم الأسد مباشرة، وبسببه اعتقل كثير منهم مثل سهير الأتاسي ورياض سيف للمرة الثانية.

وشملت قائمة الهيئات الموقعة على البيان التجمع الوطني الديمقراطي وجماعة الإخوان المسلمين وجماعات من الأقليات من الأكراد والآشوريين وأفرادا بارزين في حركة "ربيع دمشق".

واجه هذا التكتل المعارض إشكالا في التوفيق بين مطالب اليساريين والعلمانيين والإسلاميين، فاستمرت الانقسامات داخله أواخر عام 2007 حتى انسحبت جماعة الإخوان المسلمين منه لانضمام جبهة الخلاص الوطني بزعامة عبد الحليم خدام الذي انشق عن النظام عام 2006.

وانقسمت المعارضة إلى شقين، الأول حوى الفصائل اليسارية والقومية، والآخر ضم الجناح الإسلامي المعارض وشخصيات من حراك "ربيع دمشق"، منهم رياض سيف ورياض الترك اللذان اعتقلهما النظام بعدها بأسابيع مع 10 آخرين من المؤسسين لإعلان دمشق.

استمرت المعارك على زعامة المعارضة، فشلّ التحالف وتشتت في تحالفات أخرى جديدة، ومن زعاماته من غادرت إلى المنفى، وعام 2009 أعلن عن قياديين جدد في الخارج.

وكان مما نادى به الإعلان إسقاط النظام ورفض الحوار معه والمساواة والحرية، خاصة في ما يخص الأقليات، كما دعا إلى "دولة علمانية تعترف بالإسلام بوصفه العنصر الثقافي الأبرز"، وتحرير هضبة الجولان، وتصحيح العلاقات مع لبنان التي توترت عامها، خاصة مع ثورة الأرز.

استمر النظام في التضييق على المعارضين، ومارس أشكالا كثيرة من القمع بداية من الاعتقالات القسرية والتعسفية والمنع من السفر ومنع المظاهرات، وصولا إلى القتل، فأشعل ذلك أزمة جديدة بداية عام 2011، فبدأت الثورة السورية التي راح ضحيتها أكثر من 230 ألف مدني، بينهم أكثر من 15 ألفا قتلوا تحت التعذيب، إضافة إلى اختفاء واعتقال نحو 155 ألف شخص وتشريد قرابة 14 مليون سوري، حسب ما أعلنته الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات المجتمع المدنی

إقرأ أيضاً:

لماذا لم تتفاعل تونس مع التغيير السياسي في سوريا؟

رغم مرور أكثر من 6 أشهر على سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وتشكّل حكومة جديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، تواصل تونس صمتها الرسمي تجاه هذا التحول السياسي المفصلي، في وقت سارعت فيه معظم الدول العربية إلى إعلان مواقف واضحة، تفاوتت بين الترحيب الحذر والدعم وإعادة تطبيع العلاقات.

وباستثناء البيان الصادر عن الخارجية التونسية في اليوم الثاني لسقوط النظام، الذي أكدت فيه أهمية وحدة سوريا، وسلامة أراضيها واحترام إرادة شعبها، فإن تونس لم تبد حتى الآن أي تفاعل سياسي مباشر مع التغيير الجوهري الذي شهدته سوريا، فلا بيان رسمي، ولا تهنئة، ولا مؤشرات على نية إعادة العلاقات الدبلوماسية.

في ضوء ذلك يطرح هذا التقرير تساؤلا محوريا: لماذا لا تتفاعل تونس مع التغيير السياسي الجديد في سوريا؟ وهل يعكس هذا الغياب نهجا دبلوماسيا محسوبا يرتكز على التريث وعدم التسرع؟ أم أنه انعكاس لحالة انشغال داخلي ترك الملف السوري خارج أولويات السياسة الخارجية؟

محللون يرون تردد تونس في إقامة علاقات مع العهد الجديد في سوريا يعكس امتدادا للتحالف مع الأسد (الفرنسية) تونس ونظام الأسد قبل السقوط

بينما يأتي الصمت التونسي تجاه التغيير السياسي في سوريا وليد الحياد أو التريث الدبلوماسي بحسب أنصار الحكومة، يعكس وفق مراقبين وناقدين للسياسة الخارجية التونسية، امتدادا لتحالف سياسي سابق بين نظام الرئيس قيس سعيد والنظام السوري المخلوع، إذ شهدت العلاقات بين الطرفين تقاربا لافتا في السنوات الأخيرة، بلغ ذروته بلقاء مباشر جمع سعيّد ببشار الأسد على هامش القمة العربية في جدة عام 2023.

وكانت تونس من أوائل الدول التي أغلقت سفارتها في دمشق مطلع سنة 2012، إلا أن الوضع تغير مع انفراد سعيد بالحكم في صيف 2021، إذ سارعت تونس إلى مد يدها للنظام السوري السابق في مسعى لفك عزلته، وفي سنة 2022، التقى سعيد بوزير خارجية الأسد فيصل المقداد، على هامش زيارتهما إلى الجزائر بمناسبة الذكرى الـ60 للاستقلال، وطلب منه نقل تحياته إلى بشار الأسد.

وبعد عام من هذا اللقاء، قرر قيس سعيد رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في سوريا وإعادة فتح السفارة التونسية في دمشق، مجددا تأكيد وقوف بلاده إلى جانب دمشق في وجه من يصفهم بـ"قوى الظلام والساعين إلى تقسيم هذا البلد العربي".

إعلان

واستمر الموقف التونسي الداعم لنظام الأسد المخلوع إلى أيام معركة "ردع العدوان"، إذ تبنى الرئيس سعيد رواية النظام، وعبّر عن إدانته الشديدة لما اعتبرها "الهجمات الإرهابية التي استهدفت شمال سوريا"، معلنا تضامنه مع النظام السوري، داعيا المجموعة الدولية إلى "مساندة هذا البلد الشقيق، حتى يحافظ على سيادته وأمن شعبه واستقراره ووحدة أراضيه".

ولم يمر يوم واحد على سقوط الأسد، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، حتى عدلت تونس بوصلة موقفها الرسمي 180 درجة عبر بيان أصدرته خارجيتها، معربة عن "احترامها أن يختار الشعب السوري مصيره بنفسه بمنأى عن أي شكل من أشكال التدخل الخارجي".

الخوف من التجربة السورية

رغم أن الرئيس التونسي، قيس سعيد، وصل إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، في واحدة من أبرز تجارب الربيع العربي الديمقراطية، فإن استفراده بالحكم لاحقا وسط انتقادات واسعة له بتجاوز صلاحياته وقمع الحياة السياسية، بالإضافة غلى مواقفه اللاحقة، كشفت عن موقف متوجّس من نجاح ثورات الربيع العربي، حيث هاجم ما سماه "الفوضى" و"المؤامرات الخارجية".

من هذا المنطلق، يرى مراقبون أنه ليس مستغربا أن يقف سعيد موقف المتفرّج تجاه تجربة التغيير السياسي في سوريا، لا سيما أنها جاءت خارج الأطر التي تروق له، وعبّرت عن مناخ تحرري لا يتوافق مع نهجه.

ويرى الباحث التونسي الطيب غيلوفي أن سعيّد وقف "ضد الربيع العربي منذ البداية"، رغم أنه أحد نتاجاته، وقد أغلق قوس الانتقال الديمقراطي الذي أوصله إلى الحكم.

ويشير غيلوفي في حديثه للجزيرة نت إلى أن سعيّد والأسد يتشابهان في رفضهما لمطالب الثورات، وإن اختلفت الوسائل، مضيفا "الأسد واجهها بالقمع الدموي، وسعيّد بتجميد المؤسسات والانقلاب على دستور الثورة".

ولفت غيلوفي إلى أن هناك بعدا آخر يفسر التحفظ التونسي من السلطة الجديدة في سوريا، يرتبط بموقف سعيد من "الإسلام السياسي"، الذي يعارضه كمنافس على الحكم لا كتوجه فكري أوديني، لذلك لم يلجأ إلى استئصال الإسلاميين بل واجههم كخصوم سياسيين.

إعلان

وفي تقرير نشرته فايننشال تايمز في ديسمبر/كانون الثاني 2024، أكدت الصحيفة أن دولا عربية من بينها تونس حذرت من المخاطر المحتملة بعد سقوط الأسد، مستشهدة بتجارب فاشلة في مصر وليبيا، وأشارت الصحيفة إلى أن تونس ترى في نجاح أي نموذج ديمقراطي تحديا قد يسهم في تقويض الاستقرار الداخلي.

ضبابية في السياسة الخارجية التونسية

اتسمت السياسة الخارجية التونسية منذ صعود الرئيس قيس سعيد للحكم عام 2019 بحالة من الغموض، وميلا نحو الانكفاء تجاه القضايا العربية والإقليمية الكبرى، كالموقف من الأزمة الليبية مثلا، والموقف من الصراع الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي.

ويعتبر الموقف الرسمي تجاه التغيرات العميقة السريعة التي عصفت بنظام الأسد الذي كان النظام التونسي الحالي يقف في صفه أحد عناصر الارتكاز التي يؤسس عليها بعض المراقبين نظرتهم النقدية تجاه سياسة تونس الخارجية المرتبكة، في حين يرى مناصرو الحكومة التونسية أن هذا الموقف يعكس تريثا مدروسا واتباعا لعرف دبلوماسي تونسي بعدم التدخل في شؤون الدول.

في هذا السياق، يقول المحلل التونسي صلاح الدين الجورشي للجزيرة نت إن السياسة الخارجية التونسية وجدت نفسها "في التسلل" عند سقوط نظام الأسد بتلك السرعة، موضحا أنها لم تكن تملك لا بعدا استشرافيا ولا معلومات كافية حول إمكانية حدوث هذا التغيير العميق في سوريا.

وبالنسبة للباحث الجورشي، فقد عكس البيان الرسمي تجاه سقوط الأسد على يد هيئة تحرير الشام "موقفا باهتا وباردا لأن السلطة السياسية التونسية كانت تحت وقع الصدمة ومتفاجئة من وقوع السلطة في دمشق بيد مجموعات كان يعتبرها الموقف الرسمي "إرهابية ومارقة عن القانون".

بدوره، يُفسّر الصحفي التونسي رياض ساكمة هذا الموقف بأنه نابع من حرص تونس على ثوابت سياستها الخارجية، التي تأسست منذ الاستقلال على عدم التدخل وتجنّب التسرع والحفاظ على لغة دبلوماسية متوازنة.

إعلان

وينوه سكمة في حديثه للجزيرة نت أن تغيّرا مفاجئا مثل الذي حدث في سوريا يدفع تونس إلى التريث، تفاديا لأي موقف قد يضر بمصالحها أو علاقاتها المستقبلية، خاصة في ظل استمرار الصراع وغموض المشهد على حد قوله.

وكانت الخارجية التونسية أكدت في بيانها الصادر في التاسع من ديسمبر/كانون الأول على ضرورة التفريق بين الدولة من جهة والنظام السياسي القائم داخلها من جهة أخرى، فالنظام السياسي هو شأن سوري خالص يختاره الشعب السوري صاحب السيادة، فهو وحده الذي له الحقّ في تقرير مصيره بنفسه بمنأى عن أي شكل من أشكال التدخل الخارجي.

هاجس الجهاديين التونسيين

ويمثّل ملف المقاتلين التونسيين الذين التحقوا ببعض المجموعات المسلحة في سوريا أحد أكثر الملفات حساسية بين دمشق وتونس.

فقد شكّل التونسيون النسبة الأعلى من المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات أخرى، وهو ما جعل -بحسب مراقبين- أي حديث عن تقارب تونسي مع الإدارة السورية الجديدة محاطا بأسئلة صعبة تتعلق بالمحاسبة والتسليم والموقف من العائدين.

ومع انهيار نظام الأسد، وتحرر بعض المعتقلين من السجون، برزت مخاوف في تونس من عودة هؤلاء "المقاتلين" إلى البلاد دون رقابة أو محاسبة، بحسب ما أشار إليه الصحفي التونسي رياض ساكمة، الذي يرى أن هذا التطور يزيد من تعقيد المشهد الأمني، رغم تأكيده على جاهزية الجيش والأمن التونسي للتعامل مع أي تهديد محتمل، سواء أكان فرديا أو جماعيا.

في المقابل، يقلل الباحث التونسي الطيب غيلوفي من حجم هذا التهديد، ويرى أن الملف لا يشكل عائقا جوهريا أمام إعادة تطبيع العلاقات. ويشير إلى أن معظم المقاتلين التونسيين كانوا ضمن تنظيم الدولة، ويقبعون حاليا في سجون قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بينما لا يشكّل من قاتل مع هيئة تحرير الشام عددا ذا شأن.

ويضيف أن قبول الولايات المتحدة بدمج فصائل المعارضة في ترتيبات أمنية مع الحكومة السورية الجديدة يُسقط أي حجة تونسية لتأجيل الانفتاح.

إعلان

ويرى مراقبون أن السلطات التونسية التي تواجه تحديا داخليا بشأن هذا الملف تخشى أن يؤدي تقارب سريع مع السلطة الجديدة في دمشق إلى مطالب مباشرة بالتعاون الأمني، أو حتى تسليم المطلوبين.

كما أن دمشق الجديدة، التي تسعى لإعادة بناء شرعيتها، قد تستخدم هذا الملف للضغط السياسي أو للمطالبة بمواقف واضحة من الدول التي جاء منها المقاتلون.

وتشير مجموعة سوفان -وهي منظمة بحثية مقرها في نيويورك تقدم خدمات أمن إستراتيجية للحكومات والمنظمات المتعددة الجنسيات- إلى أن تونس تأتي في المرتبة الأولى بعدد المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق، إذ بلغ عددهم 6500 مقاتل، أغلبهم انضم إلى صفوف تنظيم الدولة.

يشار إلى أن السلطات التونسية قد أقرت مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، إجراءات جديدة تقضي بتحويل الرحلات القادمة من تركيا إلى محطة منفصلة عن مطار قرطاج الرئيسي، في خطوة يرى مراقبون أنها ذات صبغة أمنية بالأساس، وتهدف إلى قطع الطريق أمام إمكانية عودة عناصر كانت تقاتل في سوريا، خصوصا بعد سقوط نظام الأسد المخلوع.

مقالات مشابهة

  • لماذا لم تتفاعل تونس مع التغيير السياسي في سوريا؟
  • تفعيل العمل لتسجيل البروكار في التراث السوري خلال محاضرة في ثقافي أبو رمانة
  • أعضاء في غرفة تجارة دمشق يؤكدون أن الاتفاقيات التي وقعتها وزارة الطاقة ومجموعة شركات دولية ستخلق بيئة استثمارية خصبة في سوريا
  • الخطوط السورية: تأمين ركاب رحلة الشارقة دمشق بعد هبوطها في مطار تبوك
  • الخطوط الجوية السورية تعدل مواعيد رحلتيها اليوم بين دمشق وإسطنبول وتؤكد سلامة الأجواء التي تمران بها
  • تقرير يكشف كيف نجا الرئيس السوري من محاولتي اغتيال في قلب دمشق؟
  • وزير خارجية السعودية ومبعوث واشنطن إلى دمشق يبحثان دعم سوريا
  • فيديو: صواريخ إسرائيل وإيران في سماء السويداء السورية
  • الهيئة العامة للطيران المدني السوري تعلن فتح الأجواء السورية بشكل كامل
  • رئيس هيئة الطيران المدني السوري أشهد الصليبي لـ سانا: تقرر الاستمرار في إغلاق الممرات الجوية التي قد تتأثر بالتوترات القائمة في المنطقة، وذلك حتى الساعة 20:00 بتوقيت دمشق، حرصاً على ضمان أعلى معايير السلامة للطيران المدني