ياكوب مولوجيتا ـ دين بيكوموزي ـ نيكلاس هالستروم -

خلال أحدث اجتماعات جمعية الأمم المتحدة للبيئة، التي انعقدت في نيروبي، اتخذت البلدان الإفريقية موقفًا قويًا إزاء التكنولوجيات الجديدة المحتملة، التي قد تفاقم حالة الفوضى ويتسم بها المناخ بالفعل.

وقد ساعد زعماء القارة، بدعم من بلدان نامية أخرى، في إسقاط القرار الذي يدعو إلى إجراء المزيد من البحوث فيما يتعلق بفوائد تعديل الإشعاع الشمسي ومخاطره.

وتُعرف عملية تعديل الإشعاع الشمسي أيضًا باسم الهندسة الجيولوجية الشمسية، وهي فكرة مثيرة للجدل مفادها أن التعديل المتعمد للغلاف الجوي لعكس بعض أشعة الشمس حتى تعود إلى الفضاء يمكن أن يساعد في خفض حرارة كوكب دافئ. ودعم صانعو السياسات الاتفاقية الدولية لعدم استخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية، وشددوا على الحاجة إلى حلول مناخية فعّالة وعادلة. وتشمل الهندسة الجيولوجية مجموعة من التقنيات التخمينية، بما فيها تقنية تعديل الإشعاع الشمسي، التي تهدف إلى معالجة تأثيرات تغير المناخ وليس أسبابه الجذرية. وقد اقتُرحت العديد من تقنيات الهندسة الجيولوجية الشمسية، ولكن أكثرها تداولا هي حقن الهباء الجوي الستراتوسفيري، التي تتناول فرضية مفادها أن أساطيل من الطائرات ستحلق على ارتفاعات عالية، وستطلق على نحو مستمر كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكبريت في الستراتوسفير، لتحاكي تأثير التبريد المؤقت الذي تحدثه الانفجارات البركانية.

وفي الواقع، من المرجح أن تؤدي مثل هذه التدابير إلى زعزعة استقرار المناخ الذي يعاني أصلا من اضطرابات شديدة. ضع في اعتبارك أن الانفجارات البركانية قد أثارت في الماضي أحداثا مناخية متطرفة ومجاعات. وفضلا على ذلك، لطالما أشارت النماذج المناخية إلى أن حقن الهباء الجوي الستراتوسفيري يمكن أن يغير الرياح الموسمية الهندية، ويسبب المزيد من حالات الجفاف المتكررة والمستمرة في منطقة الساحل المضطربة.

ووفقًا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فإن الهندسة الجيولوجية الشمسية قد «تؤثر سلبا على قدرة الملايين وربما المليارات من البشر على التمتع بحقوقهم». ويزعم بعض أنصار تعديل الإشعاع الشمسي أنه إذا لم يحقق رش الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير النتيجة المرجوة، فمن الممكن وقف هذه العملية. ولكن هذا يمكن أن يكون خطيرا: إذ سيختفي تأثير التخفيف الذي تُحدثه الجزيئات المحقونة، مما يسبب ارتفاعا سريعا في درجات الحرارة. وسيكون هذا السيناريو الذي يسمى بصدمة الإنهاء كابوسا. ويرى الأفارقة كيف تُستخدم قارتهم كأرضية اختبار لهذه التقنيات الخطيرة. ويُدَّعى أن أفريقيا هي القارة الأكثر عرضة لتغير المناخ، لذا فهي ستحصل على أقصى قدر من الاستفادة من الهندسة الجيولوجية. والواقع هو أن الأفارقة هم أكبر الخاسرين جراء تكنولوجيات الهندسة الجيولوجية الفاشلة.

وفضلا على ذلك، يمكن للخلافات بخصوص استخدام تعديل الإشعاع الشمسي أن تؤدي إلى تفاقم الصراعات الجيوسياسية، بل إلى إشعال فتيل الحروب. ونظرا لأن جزءا كبيرا من تكنولوجيات الهندسة الجيولوجية تروِّج لها مصالح ومؤسسات مقرها الولايات المتحدة، ويمولها مليارديرات التكنولوجيا، فإن الدول الأفريقية لديها سبب وجيه لتقلق من أنه لن يكون لها أي رأي يذكر في القرارات المتعلقة بنشرها.

وبالإضافة إلى المخاوف بشأن الأمن والعدالة، تثير الهندسة الجيولوجية مسائل أخلاقية خطيرة. إن تعديل الإشعاع الشمسي وغيرها من التقنيات ذات الصلة تحظى بقبول أولئك الذين ينكرون الحاجة إلى التغيير المجتمعي السريع والتحويلي للحد من ظاهرة الانحباس الحراري العالمي.

إن مجرد التفكير في هذا الأمر قد يعدّ صرفا خطيرا للانتباه، لاسيما وأنه يكتسب زخما متزايدا باعتباره مناورة للمماطلة في صناعة الوقود الأحفوري. ولهذا السبب، عارضت الدول الأفريقية ـ بِمعية المكسيك، وكولومبيا، وفيجي، وفانواتو-بقوة قرار سويسرا بشأن الهندسة الجيولوجية الشمسية بجمعية الأمم المتحدة للبيئة، بحجة أن الأبحاث أثبتت بالفعل المخاطر الكارثية التي تنطوي عليها. ودعت هذه الدول جمعية الأمم المتحدة للبيئة إلى إعادة التأكيد على اتباع نهج احترازي في التعامل مع هذه التقنيات التخمينية، والاعتراف بدعوة المؤتمر الوزاري الأفريقي المعني بالبيئة إلى إبرام اتفاقية عدم الاستخدام- وهو قرار رائد اتُخذ في أغسطس 2023. ولكن الولايات المتحدة، ودول أخرى عارضت هذه الدعوة. ونظرًا لعدم وجود توافق في الآراء، اضطرت سويسرا إلى سحب قرارها. وقد سلطت المفاوضات الضوء على أهمية الدعوة إلى إبرام اتفاقية دولية لعدم استخدام الهندسة الجيولوجية الشمسية، وهي المبادرة التي أقرها أكثر من خمسمائة باحث، ودعمها ما يقرب من ألفي مجموعة من منظمات المجتمع المدني. ويخلص الاتفاق إلى أنه نظرا لأن الهندسة الجيولوجية الشمسية تشكل مخاطر غير مقبولة، وأنه بحكم طبيعتها يتعذر السيطرة عليها، فيتعين على البلدان أن ترفض كل ما يتعلق بهذه التكنولوجيا بما في ذلك، إجراء تجارب خارجية، منح براءات اختراع، توفير تمويل عام، وأن تحظر نشرها.

ويتعين على المجتمع الدولي أن يفرض حظرًا صارمًا على الهندسة الجيولوجية الشمسية، كما فعل مع الاستنساخ البشري والأسلحة الكيميائية، ويتعين عليه أن يفعل ذلك قبل أن يُسوَّق لهذه التكنولوجيا. والواقع أن الحكومات وافقت على الوقف الفعلي للهندسة الجيولوجية بموجب اتفاقية التنوع البيولوجي، قبل أكثر من عقد من الزمان. ومن شأن اتفاقية عدم الاستخدام أن تعزز هذا الحظر بقدر أكبر. ولكن لا يكفي مقاومة الانحرافات الخطيرة مثل تعديل الإشعاع الشمسي. وتتطلب معالجة أزمة المناخ التركيز الشديد على الحلول الحقيقية والتعاون بين بلدان الجنوب.

وفي الآونة الأخيرة، حدد اثنان منا، بصفتنا عضوين في فريق الخبراء المستقل المعني بالتحول العادل والتنمية، كيف يمكن للبلدان الأفريقية أن تتبع أجندة فعّالة للمناخ والتنمية وكيف يمكن لجهود مثل مبادرة الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في البلدان الأقل نموا أن تدعم هذه الجهود. وعلى نحو مماثل، بدأت معاهدة منع انتشار الوقود الأحفوري المقترحة، وهي خطة ملزمة للتخلص التدريجي من النفط والغاز والفحم بوتيرة سريعة وعلى نحو عادل، تكتسب زخمًا. ونحن نتوقع أن تنضم قائمة أخرى من البلدان إلى كولومبيا، وفيجي، وفانواتو في مناصرة الاتفاقية الدولية لعدم استخدام تعديل الإشعاع الشمسي، ومعاهدة منع انتشار الوقود الأحفوري في آن واحد. ونحن نرحب بهذه الخطوة. وقد عبرت سوزانا محمد، وزيرة البيئة الكولومبية، عن هذا الأمر بإيجاز في بيانها الختامي القوي في جمعية الأمم المتحدة للبيئة، حيث قالت: «إن التلوث ليس هو الحل للتلوث». وقد حذر الزعماء الأفارقة من أن العالم لا ينبغي له أن ينخدع ويجد نفسه على منحدر زلق في اتجاه الهندسة الجيولوجية الكارثية. لقد حان الوقت أن يستمع المجتمع الدولي لآرائنا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأمم المتحدة للبیئة

إقرأ أيضاً:

اكتشاف سحابة نجمية ضخمة لم تكن مرئية بالقرب من نظامنا الشمسي

اكتشف فريق دولي من العلماء، بقيادة جامعة روتجرز في ولاية نيوجيرسي الأميركية، سحابة هيدروجينية جزيئية يُحتمل أن تكون مُشكّلة للنجوم، وهي واحدة من أكبر الهياكل المنفردة في السماء، ومن بين أقربها إلى الشمس، والأرض بالتبعية، على الإطلاق.

وتقول الدكتورة بليكسلي بوركهارت، الأستاذة المشاركة في قسم الفيزياء والفلك بجامعة روتجرز والتي ساهمت في إعداد الدراسة، في تصريحاتها للجزيرة نت: "يفتح هذا الاكتشاف آفاقا جديدة لدراسة الكون في نطاق السحب الجزيئية، ولمزيد من الاستكشافات التي كنا غافلين عنها، كما يفتح نافذة جديدة على كيفية تشكل النجوم والكواكب، وكيف تتكوّن مجرتنا".

السحب النجمية منتشرة في الفضاء بين النجوم (رويترز) السحابة الخفية

أطلق العلماء على سحابة الهيدروجين الجزيئية المكتشفة اسم "إيوس"، ويتعلق بإلهة في الأساطير اليونانية القديمة تُجسّد الفجر. ووفقا لبيان جامعة روتجرز، فقد تم الكشف عن تلك الكرة هلالية الشكل، التي ظلت غير مرئية للعلماء لفترة طويلة، من خلال البحث عن مُكوّنها الرئيسي وهو الهيدروجين الجزيئي.

وتقول الدكتورة بليكسلي بوركهارت في تصريحات خاصة للجزيرة نت: "ظلت سحابة إيوس مختبئة لفترة طويلة لأنها لا تظهر بالطريقة المعتادة التي يكتشف بها علماء الفلك السحب في الفضاء، حيث إنه في معظم الأحيان، يبحث العلماء عن غاز يُسمى أول أكسيد الكربون لرصد السحب المُشكّلة للنجوم".

إعلان

وتضيف "لكن سحابة إيوس مختلفة، فهي تتكون في الغالب من جزيئات هيدروجين لا تلمع بالطريقة المعتادة، وتحتوي على نسبة ضئيلة جدا من أول أكسيد الكربون، وبالتالي فإن هذا جعلها شبه غير مرئية للتلسكوبات التقليدية".

وتوضح بوركهارت -في تصريحها للجزيرة نت- أن ما تم الكشف عنه كذلك هو "طريقة جديدة ترصد وهجا فوق بنفسجي خافتا ينبعث من جزيئات الهيدروجين عند اصطدامها بضوء النجوم، ويبدو الأمر كما لو أن السحابة كانت تتوهج بهدوء في الظلام، لكننا لم نكن ننظر بالنوع المناسب من الضوء حتى الآن".

تقع السحابة على بُعد حوالي 300 سنة ضوئية من الأرض، وكتلتها حوالي 3400 ضعف كتلة الشمس، وقد نشر الفريق مقطعا مرئيا يوضح هيكليتها بدقة.

ما السحابة الجزئية؟

تتكون السحب الجزيئية من الغاز والغبار، والجزيء الأكثر شيوعا هو الهيدروجين، وهو اللبنة الأساسية للنجوم والكواكب، وهو ضروري للحياة.

وضمن تصريحاتها للجزيرة نت، تقول بوركهارت "السحابة الجزيئية أشبه بحضانة كونية، فهي سحب ضخمة مظلمة في الفضاء تتكون في معظمها من جزيئات الهيدروجين، وهي باردة للغاية، ببضع درجات فقط فوق الصفر المطلق، ومليئة بما يكفي من الغاز والغبار لتكوين نجوم وأنظمة كوكبية كاملة".

ونظرا لبرودة هذه السحب وكثافتها، يمكن للجاذبية أن تسيطر وتتسبب في انهيار أجزاء منها، مما يُشكّل نجوما جديدة على مدى ملايين السنين، وقد تُشكّل هذه النجوم كواكب، وفي النهاية أنظمة شمسية مثل نظامنا الشمسي.

وتقول بوركهارت "سحابة إيوس هي أقرب سحابة معروفة لمواد مُشكّلة للنجوم والكواكب إلى الأرض، وهي تبعد عن الأرض بحوالي 300 سنة ضوئية فقط. هذا وحده يجعلها حدثا مهما، فهي تقع في فنائنا الخلفي الكوني الذي لم نكن نعلم بوجوده".

وتضيف "وبالتالي فإن اكتشاف إيوس قد يُغير قواعد اللعبة، وهو ما يعني أن هناك العديد من السحب الخفية الأخرى، القريبة وحتى البعيدة عبر الكون، والتي كنا غافلين عنها، كما أن اكتشاف إيوس يعتبر بمثابة اكتشاف مثير للاهتمام، لأنه يُمكننا الآن قياس كيفية تشكل السحب الجزيئية وتفككها بشكل مباشر، وكيف تبدأ المجرة بتحويل الغاز والغبار البينجمي إلى نجوم وكواكب".

إعلان

مقالات مشابهة

  • الشمسي يتفقد أنشطة الدورات الصيفية في حيفان وصالة بتعز
  • انطلاق فعاليات المؤتمر النووي الإيراني الـ31 في مدينة مشهد
  • صور أقمار صناعية تكشف انتشارا خطيرا للنفايات في غزة
  • باحثة فلك: الطاقة الشمسية من الفضاء مفتاح مستقبل نظيف
  • سلاح المياه: لماذا يعتبر تعليق الهند لمعاهدة مياه السند تهديدا خطيرا؟
  • المساحة الجيولوجية.. انطلاق المجلس الاستشاري العلمي يوليو المقبل
  • «الختم الفلكي» يوثّق النشاط الشمسي من أبوظبي
  • تشكل عاصفة غبارية عند الحدود العراقية – السورية (فيديو)
  • السويداء السورية تشكل جيشها الخاص وتضع شروطا لـدمجه
  • اكتشاف سحابة نجمية ضخمة لم تكن مرئية بالقرب من نظامنا الشمسي