فرنسا: فرض العقوبات على إسرائيل لفتح المعابر ..وحماس تدرس مقترحا للتهدئة في غزة
تاريخ النشر: 9th, April 2024 GMT
قطاع غزة - عواصم «وكالات»: تدرس حركة المقاومة (حماس) مقترحا للهدنة تلقته من الوسطاء في القاهرة قالت: إنه لا يستجيب لمطالبها، ويتضمن تبادلا بين سجناء تعتقلهم إسرائيل ورهائن محتجزين في قطاع غزة حيث تحدث العائدون إلى خان يونس عن فقدان كل شيء وسط «الخراب».
ومع مرور ستة أشهر على اندلاع الحرب التي تستمر في حصد الأرواح في القطاع المدمر والخاضع لحصار إسرائيلي مُطبق، طرحت الدول الوسيطة وهي قطر ومصر والولايات المتحدة اقتراحا على ثلاث مراحل، تنص الأولى على هدنة لمدة ستة أسابيع، حسبما أفاد مصدر داخل حماس.
وبعد أن تضاءلت الآمال في أن تؤدي المفاوضات بين إسرائيل وحماس إلى وقف إطلاق النار في غزة، قالت حماس في بيان اليوم الثلاثاء: إنها «وإذ تُقدر الجهود الكبيرة التي بذلها الوسطاء، ومع حرص الحركة على التوصل لاتفاق يضع حدا للعدوان على شعبنا، إلا أن الموقف (الإسرائيلي) لا يزال متعنتاً ولم يستجب لأيٍ من مطالب شعبنا ومقاومتنا. ورغم ذلك فإن قيادة الحركة تدرس المقترح المقدم بكل مسؤولية وطنية، وستبلغ الوسطاء بردّها حال الانتهاء من ذلك».
وبالإضافة إلى وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع، ينص المقترح في البداية على إطلاق سراح 42 رهينة إسرائيلية في مقابل إطلاق سراح 800 إلى 900 فلسطيني تعتقلهم إسرائيل، ودخول 400 إلى 500 شاحنة من المساعدات الغذائية يوميًا وعودة النازحين من شمال غزة إلى بلداتهم، بحسب مصدر في حماس.
وتطالب حماس بوقف نهائي لإطلاق النار وسحب إسرائيل قواتها من كل أنحاء قطاع غزة وزيادة تدفق المساعدات في وقت تقول فيه الأمم المتحدة: إن كل سكان القطاع وعددهم نحو 2,4 مليون شخص يتضورون جوعا.
فرض عقوبات على إسرائيل
من جانبه، قال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه اليوم الثلاثاء: إنه يجب ممارسة ضغوط وربما فرض عقوبات على إسرائيل كي تفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في قطاع غزة.
وقال سيجورنيه لإذاعة آر.إف.آي وقناة فرانس 24 التلفزيونية: «يجب أن تكون هناك وسائل ضغط، وهناك وسائل متعددة تصل إلى العقوبات للسماح بعبور المساعدات الإنسانية من نقاط التفتيش».
وأضاف: «فرنسا من أوائل الدول التي اقترحت أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين الذين يرتكبون أعمال عنف في الضفة الغربية. وسنستمر إذا لزم الأمر حتى نتمكن من إدخال المساعدات الإنسانية».
من جهتها، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة القصف الإسرائيلي إلى 33 ألفا و360 شهيدا و75 ألفا و993 مصابا منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وقالت الوزارة، في منشور على حسابها بموقع «فيسبوك» اليوم: إن المستشفيات استقبلت 153 شهيدا و60 مصابا خلال الـ 24 ساعة الماضية نتيجة «عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة».
وأضافت: إنه في «اليوم الـ 186 للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة ما زال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم».
انتشال جثامين 409 شهيدا
وفي سياق آخر، أعلن الدفاع المدني الفلسطيني في غزة، اليوم، انتشال جثامين 409 شهداء حتى الآن من مجمع الشفاء الطبي ومحيطه بمدينة غزة، ومحافظة خان يونس منذ انسحاب القوات الإسرائيلية من كلا المنطقتين.
وأضاف، في بيان صحفي اليوم أوردته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا). أن «العمل ما زال جاريا حتى اللحظة في انتشال جثامين الشهداء من مجمع الشفاء الطبي ومحيطه، ومحافظة خان يونس، بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي».
وناشد المجتمع الدولي والجهات ذات العلاقة بـ «العمل على توفير وإدخال معدات وآليات مخصصة لأعمال الحفر للمساعدة في استخراج جثامين الشهداء من تحت أنقاض المنازل المهدمة نظرا للعدد الكبير من الإشارات التي تلقتها الطواقم من الأهالي بفقدان أبنائهم خلال فترة وجود قوات الاحتلال»، مؤكدا أن «عشرات الجثامين لا تزال تحت الرمال والأنقاض».
إلى ذلك، ومن دون الإعلان عن الالتزام بوقف إطلاق النار، سحبت إسرائيل في وقت سابق قواتها من منطقة خان يونس في الجنوب حيث نفذت عمليات كثيفة في الأسابيع الأخيرة. كذلك قالت: إنها سمحت بدخول 419 شاحنة مساعدات إلى القطاع أمس، وهو العدد الأعلى منذ اندلاع الحرب.
وقال المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري لهيئة بي بي سي: إنه أكثر «تفاؤلا» مما كان عليه قبل أيام قليلة، لكن المفاوضات ما زالت بعيدة عن الوصول إلى خط النهاية.
وعلى الرغم من قول وزير الدفاع الإسرائيلي: إن التوقيت مناسب لإبرام هدنة، لم يُترجم ذلك إلى وقف القصف المدفعي والغارات الجوية على القطاع. وقال الجيش الإسرائيلي اليوم في بيان: إنه شن غارات في جميع أنحاء قطاع غزة أمس، و«دمر عدة مجمعات عسكرية».
وأضاف: إن قواته «تواصل عملياتها في وسط قطاع غزة»، متحدثا عن معارك مع المقاومة الفلسطينية .
تسببت الحرب في دمار هائل، وشردت ما لا يقل عن 1.7 مليون شخص وخلفت كارثة إنسانية.
وكتبت رئيسة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) كاثرين راسل اليوم الذي دخلت فيه الحرب الأحد الماضي شهرها السابع: «المنازل والمدارس والمستشفيات تحولت إلى أنقاض. المعلمون والأطباء والعاملون في المجال الإنساني قُتلوا. المجاعة وشيكة».
معاناة إنسانية كارثية
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو: إنه حدد موعدًا لم يكشف عنه للهجوم على رفح التي يقول: إنها المعقل الأخير لحركة حماس في غزة. وجددت حليفته الوثقى واشنطن التعبير عن تحفظها على شن هجوم بري واسع النطاق على المدينة، لأن ذلك سيوقع أعدادا كبيرة من الضحايا المدنيين.
كذلك، حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من «العواقب الخطيرة» لمثل هذا الهجوم، في مقال نشر في أربع صحف من بينها لوموند.
وكتبوا في المقال: إن «الحرب في غزة والمعاناة الإنسانية الكارثية التي تتسبب فيها يجب أن تنتهي الآن... على ضوء الخسائر البشرية التي لا تطاق، ندعو إلى التنفيذ الفوري وغير المشروط لقرار مجلس الأمن رقم 2728»، مع الدعوة إلى إطلاق سراح «جميع الرهائن».
منظومة «القبة الحديدية البحرية»
من جانب آخر، نشرت إسرائيل للمرة الأولى منظومتها الدفاعية الصاروخية الجديدة المحمولة على متن سفينة حربية والمسماة «سي دوم» (القبة سي)، وذلك بهدف التصدي لهدف «مشبوه» اخترق المجال الجوي لإسرائيل قرب مدينة إيلات في أقصى الجنوب، وفق ما أفاد الجيش الإسرائيلي اليوم الثلاثاء.
ومنظومة «سي دوم» هي النسخة البحرية من منظومة القبة الحديدية للدفاع الجوي التي تُستخدم للحماية من الهجمات بالقذائف والصواريخ.
ومساء أمس، أبلغ الجيش عن إنذار في منطقة إيلات التي جرى استهدافها في فبراير الماضي بواسطة صواريخ بالستية أطلقها جماعة أنصار الله من اليمن لكن تم اعتراضها.
وقال الجيش في وقت مبكر اليوم في بيان: «بعد انطلاق صفارات الإنذار في منطقة إيلات اثر تسلل جسم طائر معاد، حددت القوات البحرية هدفا جويا مشبوها يعبر نحو الأراضي الإسرائيلية».
أضاف: «تم اعتراض الهدف بنجاح بواسطة منظومة الدفاع البحرية سي دوم»، مشيرا إلى أنه «لم تقع إصابات ولا أضرار».
ولم يؤكد متحدث باسم الجيش الإسرائيلي ما إذا كان الهدف «المشبوه» طائرة مسيّرة، لكنه أفاد لوكالة فرانس برس بأن هذا كان أول استخدام عملي لـ«سي دوم».
وتستخدم منظومة «سي دوم» التي تم نصبها على متن سفينة ساعر الحربية الألمانية الصنع من الفئة 6، نفس نظام اعتراض القبة الحديدية الأرضية، وفق شركة «رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة» الحكومية المشغلة للمنظومة.
والنظام الأرضي من «القبة الحديدية» مستخدم منذ أكثر من عقد في إسرائيل لاعتراض الصواريخ التي تطلقها حماس والجهاد الإسلامي من قطاع غزة.
واستثمر الجيش الإسرائيلي في هذه التكنولوجيا الجديدة في السنوات الأخيرة بشكل خاص لحماية احتياطاته من الغاز في شرق المتوسط.
وتبلغ تكلفة كل عملية إطلاق من منظومة القبة البحرية نحو 50 ألف دولار.
ألمانيا تنفي ضلوعها في الإبادة
من جهة أخرى، نفت ألمانيا اليوم أنها تساعد في جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة من خلال بيع أسلحة لإسرائيل في دعوى رفعتها نيكاراجوا أمام محكمة العدل الدولية، أعلى محاكم الأمم المتحدة، مما يسلط الضوء على الإجراءات القانونية المتزايدة لدعم الفلسطينيين.
وتعد ألمانيا أحد أقوى حلفاء إسرائيل منذ هجمات السابع من أكتوبر التي شنها مقاتلو حركة المقاومة (حماس) والهجوم الذي أعقب ذلك على قطاع غزة. وهي واحدة من أكبر موردي الأسلحة لإسرائيل، إذ أرسلت معدات عسكرية وأسلحة بقيمة 326.5 مليون يورو (353.70 مليون دولار) في عام 2023، وفقا لبيانات وزارة الاقتصاد.
وتواجه ألمانيا ودول غربية أخرى احتجاجات في الشوارع وقضايا قانونية مختلفة واتهامات بالنفاق من جانب جماعات الحملات التي تقول: إن إسرائيل قتلت عددا كبيرا جدا من المدنيين الفلسطينيين في هجومها العسكري المستمر منذ ستة أشهر.
لكن المحامية تانيا فون أوسلار-جلايشن، مفوضة القانون الدولي بوزارة الخارجية الألمانية، قالت لقضاة محكمة العدل الدولية: إن قضية نيكاراجوا متسرعة واستندت إلى أدلة واهية. وأضافت: إنه يتم فحص صادرات الأسلحة لضمان الالتزام بالقانون الدولي.
وتابعت قائلة: «ألمانيا تبذل قصارى جهدها للوفاء بمسؤوليتها تجاه الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني»، إذ تعد ألمانيا أكبر مانح فردي للمساعدات الإنسانية للفلسطينيين.
وقالت فون أوسلار-جلايشن: إن أمن إسرائيل يمثل أولوية بالنسبة لألمانيا بسبب تاريخ الإبادة النازية لليهود في المحرقة. وأضافت: «تعلمت ألمانيا من ماضيها، الماضي الذي يتضمن المسؤولية عن واحدة من أفظع الجرائم في تاريخ البشرية، المحرقة». واستخدمت الكلمة العبرية التي ترادف المحرقة.
ومن المتوقع أن تصدر محكمة العدل الدولية إجراءات مؤقتة بشأن قضية نيكاراجوا في غضون أسابيع، لكن الحكم النهائي قد يستغرق سنوات. وعلى الرغم من أن الأحكام من المفترض أن تكون ملزمة قانونا، إلا أن المحكمة ليس لديها آلية لتنفيذها.
وفي يناير قضت محكمة العدل الدولية، ردا على اتهام من جنوب إفريقيا، بأن المزاعم بانتهاك إسرائيل بعض الحقوق المكفولة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية مقبولة وأمرت باتخاذ إجراءات طارئة بما في ذلك دعوتها إلى وقف أي أعمال إبادة جماعية محتملة.
في غضون ذلك، أظهر استطلاع للرأي أن غالبية الألمان يؤيدون أن توجه الحكومة الألمانية انتقادات أكثر حدة من ذي قبل لإسرائيل بسبب تصرفاتها في قطاع غزة.
وفي الاستطلاع الذي أجراه معهد «فورسا» لقياس مؤشرات الرأي بتكليف من مجلة «شتيرن» ومحطة «آر تي إل» الألمانيتين، أيد 57% من الألمان توجيه عبارات أكثر وضوحا لإسرائيل في هذا الشأن.
في المقابل رأى 36% من الألمان أنه يتعين على الحكومة الألمانية التحفظ خلال توجيه انتقادات لإسرائيل، بينما لم تحدد الـ7% المتبقية موقفها من الأمر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة الجیش الإسرائیلی الیوم الثلاثاء القبة الحدیدیة إطلاق النار فی قطاع غزة خان یونس إلى وقف فی غزة
إقرأ أيضاً:
«حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»
«حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»
محمد الحسن محمد نور
حين ننظر إلى المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط من منظور القرار الأمريكي في واشنطن، فإن السؤال الأكثر إلحاحًا لا يدور حول أخلاقية دعم هذا الطرف أو ذاك، بل حول حساب الربح والخسارة في معادلة معقدة. لماذا تظل الولايات المتحدة متمسكة بدعم إسرائيل دعمًا مطلقًا، حتى عندما تتجاوز تصرفاتها حدود القانون الدولي وتسبب إحراجًا دبلوماسيا لواشنطن؟
الجواب لا يكمن في نقطة واحدة، بل في شبكة من المصالح المتشابكة التي تشكل عقيدة استراتيجية راسخة. فإسرائيل، برغم مساحتها الصغيرة، هي أكثر من مجرد دولة حليفة؛ إنها حاملة طائرات غير قابلة للغرق، ومختبر ميداني للتكنولوجيا العسكرية المتطورة، ووكيل موثوق لتنفيذ عمليات تحفظ واشنطن لنفسها تبعاتها المباشرة. هذا الدور التشغيلي الفريد يعطي لإسرائيل قيمة لا تُقدَّر بثمن في منطقة يعتبر الاستقرار فيها شحيحًا والولاءات متقلبة. ولكن تبقى هذه العلاقة محكومة بحسابات البراغماتية الصرفة، فالدعم الأمريكي لا ينبع من عاطفة أبدية، بل من تقاطع مصالح يُعاد تقييمه باستمرار تحت ضوء المتغيرات الإقليمية.
وفي الجهة المقابلة من هذه المعادلة، تقف المملكة العربية السعودية كعملاق جيوسياسي يطرح نفسه بديلاً استراتيجيا جذابًا لأمريكا. وربما مرعبًا لإسرائيل. فبرغم أن مساحة إسرائيل لا تقارن بمساحة السعودية الشاسعة، وبرغم أن ثروة الأخيرة الهائلة تجعلها شريكًا اقتصاديًا لا يُستهان به كما أشار ترمب، إلا أن المقارنة الحقيقية ليست في الجغرافيا أو الثروة وحدهما.
فالسعودية تمتلك ما هو أثمن: نسبة عالية من الاستقرار الداخلي والإقليمي، وغياب الأعداء المباشرين الذين يحيطون بإسرائيل من كل حدب وصوب، ونفوذ ديني وثقافي يمتد لقلب العالم الإسلامي. والأهم من وجهة النظر الأمريكية، أن شراكة السعودية لا ترهق أمريكا بالحروب العديمة الجدوى، ولا تفرض عليها الدخول في صراعات مباشرة؛ بل تقدم نفسها كقوة مستقرة قادرة على إدارة ملفاتها الأمنية بنفسها، وتكون ركيزةً للاستقرار الإقليمي بدلاً من أن تكون بؤرة للصراع الدائم. هذا الواقع يطرح سؤالاً وجوديًا في أروقة تل أبيب: هل تخشى إسرائيل أن تكون السعودية بديلاً لها في يوم ما؟ الخشية حاضرة وبقوة، ولكنها ليست خشية من زوال، بل خشية من إعادة ترتيب للأولويات.
فالقلق الإسرائيلي العميق لا يتعلق باحتمال أن تتخلى واشنطن عن دعمها بين عشية وضحاها، بل بأن يتقلص دورها من حليف استراتيجي لا غنى عنه، إلى مجرد أداة واحدة ضمن عدة أدوات في صندوق أدوات السياسة الأمريكية. إن صعود التحالف الأمريكي-السعودي ليكون المحور المركزي في المنطقة يعني ببساطة أن القيمة التفاوضية لإسرائيل ستهبط، وأن قدرتها على الحصول على دعم غير مشروط لأجندتها الأمنية ستنخفض.
ولهذا، نرى أن إسرائيل تعمل جاهدة على إبقاء ملفات المنطقة ساخنة ومفتوحة، وتقاوم أي محاولة لترتيب الوضع الإقليمي على نحو يقلل من أهميتها العسكرية والاستخباراتية لواشنطن – من مقاومة الاتفاق النووي الإيراني 2015، مرورًا بالضغط لإفشال انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وصولاً إلى عرقلة أي تقارب سعودي-إيراني حقيقي. إنها تدرك أن نفوذها مرتبط باستمرار حالة الطوارئ والصراع، فيما تقدم السعودية نفسها كضامن للاستقرار والطاقة والعلاقات الاقتصادية الواسعة، وهي سلع تزداد قيمتها في عالم تتزايد فيه المنافسة مع الصين وروسيا. وإذا حدث هذا التحول وأصبحت الرياض الشريك الأول لواشنطن، فإن المشهد سيتغير جذريًا.
فالسؤال المصيري هو: إذا تحول ميزان القوة لصالح السعودية، هل يزيد هذا من نفوذ أمريكا أم ينقصه؟ الإجابة معقدة وتحتوي على تناقضات.
على المدى القصير، قد يوسع هذا التحول من نفوذ أمريكا، إذ ستمتلك واشنطن بوابة مباشرة إلى قلب العالم العربي والإسلامي عبر شريك قوي ومستقر، قادر على تحقيق استقرار أوسع قد يخفف من حاجة الولايات المتحدة للتدخل المباشر المكلف.
لكن على المدى الطويل، قد تأتي الخسارة من حيث لا تُحتسب. فاستبدال حليف عسكري منضبط مثل إسرائيل، يتحرك كذراع تنفيذي سريع وحاد، بشريك كبير ذي أجندة وطنية مستقلة مثل السعودية، يعني أن واشنطن قد تفقد السيطرة على تفاصيل المشهد. قد تتبع الرياض سياسات اقتصادية أو تقاربًا مع منافسي أمريكا مثل الصين، أو تتبنى مواقف متصلبة في ملفات مثل إيران أو اليمن تتعارض مع الحسابات الأمريكية الدقيقة.
والأخطر من ذلك داخليًا، أن أي تحول في الدعم التاريخي لإسرائيل سيشعل حربًا سياسية ضارية داخل الولايات المتحدة بين المحافظين الإنجيليين والليبراليين وأصحاب المصالح، مما يُضعف قدرة واشنطن على تطبيق سياسة خارجية متسقة وقوية، وهو أكبر هدية يمكن تقديمها لمنافسيها على الساحة العالمية.
في الختام، إن اللعبة الكبرى التي تدور رحاها في الشرق الأوسط اليوم ليست بين السعودية وإسرائيل فحسب، بل هي اختبار حقيقي لذكاء الاستراتيجية الأمريكية نفسها. فالنفوذ الحقيقي لا يكمن في الانحياز الأعمى لحليف واحد، مهما بلغت قوته، بل في الفن الدقيق لإدارة التوازن بين جميع القوى في الساحة، وجعل كل طرف يشعر أنه في حاجة إلى الوسيط الأمريكي بطريقة مختلفة. المصلحة الأمريكية العليا ليست في دعم إسرائيل لأنها الأقوى عسكريًا، ولا في التحول إلى السعودية لأنها الأغنى، بل في منع أي منهما من أن تصبح قويةً لدرجة الاستغناء عن واشنطن، أو أن تشعر بالأمان لدرجة السير في طريق مستقل. الخطر الذي يتهدد النفوذ الأمريكي ليس من منافس خارجي يظهر فجأة، بل من تحول التنافس الخفي بين حلفائه إلى صراع مفتوح، يُجبر واشنطن على الاختيار فتخسر أحد رهاناتها.
وفي النهاية، الولايات المتحدة لا تخسر عندما يتقاتل أعداؤها… بل عندما يتصالح حلفاؤها.
الوسومأمريكا إسرائيل إيران الشرق الأوسط الصين الملف النووي الإيراني دونالد ترامب روسيا سوريا محمد الحسن محمد نور واشنطن