عام يمر على جريمة تصفية الشيخ الباني: لا عدالة حتى الآن.

المصدر: المشهد اليمني

إقرأ أيضاً:

سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة

 

في السادس عشر من مايو 1916م، تم التصديق على أكثر الاتفاقات التي قلبت العالم العربي، ولا تزال الشعوب العربية تجني ثمارها المرّة حتى يومنا هذا. إنها «اتفاقية سايكس بيكو» التي قسمت العالم العربي وكأنّه مجرد قطعة أرض تُوزّع بين القوى الاستعمارية، دون أدنى احترام لشعوبها أو تاريخها. وقّعت بريطانيا وفرنسا وروسيا اتفاقًا في الخفاء لتقاسم الميراث العثماني، دون أن يكون للعرب أي صوت في تحديد مصيرهم، ليبدأ بذلك فصل جديد من التبعية والتفكك.

فلسطين، الأردن، العراق، سوريا، لبنان، وحتى المضائق التركية، قُسّمت وكأنها غنائم تُوزّع بين الجلادين، ليبدأ الانقسام الذي لم يتوقف. لم يُستشر العرب في هذه الاتفاقات، بل وُجدوا أسرى لخرائط وصفتهم المستعمرات بها، والتي رسمها أعداء الأمة في خيانات معترف بها. لكن ما هو أشد مرارة من خيانة المستعمر هو صمت المتواطئين وتخاذل أولئك الذين كان من المفترض أن يكونوا حماة الأمة.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: بعد أكثر من قرن من الزمن، هل تغيّر شيء؟ وهل استفاقت الأمة من غيبوبة سايكس بيكو؟

للأسف، ما بدأه سايكس وبيكو من تقسيم على الورق، استمر الحكام العرب في ترسيخه في الواقع. بدلاً من إزالة الأسلاك الشائكة بين الأقطار العربية، تحولت الحدود إلى خطوط حمراء تُرفع عليها البنادق في وجه الأخوة. بدلًا من بناء مشروع عربي موحّد، أُقيمت مشاريع قطرية تابعة، تفتقر إلى أي رؤية سيادية، وتكتفي بالعجز، والتطبيع، والاستنجاد بالغرب في كل أزمة.

قادة العرب – إلا من رحم ربي – لم يستخلصوا العبرة. بل أصبح البعض منهم حراسًا أمينين على إرث سايكس بيكو، يتفاخرون بسيادة وهمية داخل حدود رسمها الاستعمار، ويقمعون كل محاولة لتجاوز هذه القوالب المصطنعة. بعضهم فرط في القدس، وبعضهم باع ثروات بلاده، وبعضهم ما زال ينتظر الإذن للوقوف مع شعبه، أو حتى ليغضب.

مايو ليس مجرد ذكرى خيانة، بل مرآة نرى فيها تخاذلنا المستمر. إنها لحظة يجب أن يُحاسب فيها القادة قبل الشعوب: إلى متى سنظل أسرى خريطة صنعها أعداؤنا؟ إلى متى يظل الانقسام قدرًا والتبعية خيارًا؟

سايكس بيكو لا تزال حية، لأن أدواتها باقية: أنظمة تابعة، نخب خانعة، وصمت عربي يشرعن الجريمة. أما التحرر الحقيقي، فلن يبدأ إلا عندما نكسر جدران الصمت، ونكفّ عن استجداء من قسمونا، ونستعيد قرارنا بأيدينا.

في مايو، لا نحتاج خطبًا ولا بيانات، بل نحتاج صحوة تخلع شرعية التبعية وتعلن بوضوح: هذه الأمة تستحق أن تحكم نفسها، لا أن تبقى رهينة اتفاقية خائنة وقيادات عاجزة.

ما سايكس بيكو إلا البداية في سلسلة طويلة من المؤامرات والمؤتمرات التي ما تزال تُحاك ضد الأمة حتى اليوم. كما عبّر عن ذلك بوضوح السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في إحدى كلماته بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد عام 1443هـ، حين قال: « هي أيضًا استراتيجية وسياسة يبنون عليها مخططاتهم، ولهم في ذلك مؤتمرات، في مراحل ماضية، ومراحل متعددة من التاريخ، هناك مؤتمرات غربية يحرِّكها اللوبي اليهودي الصهيوني من زمان، مؤتمرات تنعقد وتخرج باتفاقيات ومقررات معينة، هي عدائية بكل وضوح ضد هذه الأمة، هناك مثلاً اتفاقيات، مثل اتفاقية سايكس بيكو… واتفاقيات أخرى، ونقاط ومخرجات لمؤتمرات عقدت في المراحل الماضية، في مراحل متعددة، وإلى اليوم، الأمر مستمر إلى اليوم، مخرجات تلك المؤتمرات، تلك المناسبات، تلك الفعاليات، مخرجاتها من اتفاقيات ومقررات عدائية بكل وضوح لأمتنا الإسلامية، تضمَّنت: تقسيم العالم الإسلامي، العمل على منع توحده، إثارة النزاعات بين أبنائه تحت مختلف العناوين: العناوين الطائفية، العناوين السياسية، العناوين المناطقية، العناوين العرقية… تحت مختلف العناوين،…. « كلمات السيد القائد لم تكن مجرد توصيف عابر، بل تشريح دقيق لطبيعة المشروع الاستعماري الذي لم يتوقف عند سايكس وبيكو، بل امتد وتطور وتجدّد، تحت عناوين جديدة ومظاهر خادعة، لكنه لا يزال يستهدف الأمة في هويتها ووحدتها ونهضتها.

فهل يدرك قادة العرب اليوم أن بقاءهم أسرى سايكس بيكو هو قبول طوعي بالذل، وشهادة زور على استمرار المؤامرة؟ أم أن الخنوع أصبح سياسة رسمية تُدار بها العواصم تحت الرعاية الغربية؟

إن لم تكن ذكرى «سايكس بيكو» جرس إنذار، فهي شهادة جديدة على أننا نعيش في زمن الاستسلام المغلّف بالكذب الرسمي. العدو لم يعد يخطط في الخفاء، بل ينفذ جهارًا، والحكام – إلا من ثبتت مقاومتهم – لم يعودوا عاجزين فقط، بل مشاركين في اغتيال الكرامة.

لكن في قلب هذا الركام، ينهض أحرار الأمة ومعهم أحرار العالم، أولئك الذين لم تلوثهم اتفاقيات الذل، ولم تنكسر إرادتهم تحت وقع الهزائم. أحرار يصرخون في وجه الاستعمار الحديث: لن تمرّوا، ولن ننسى، ولن نبقى أسرى خرائط صنعتها بنادق الغزاة وحبر الخونة.

لا خلاص للأمة إلا برفع راية الوعي والمقاومة، وبإسقاط أنظمة التبعية التي تحرس حدود الاستعمار، وتقدّم مفاتيح الأوطان لأعدائها. فإما أن يُكسر قلم سايكس ويُدفن حبر بيكو تحت أقدام الأحرار… أو نبقى شعوبًا تُدار كالخرائط، وتُساق كالغنائم.

الخيار واضح: إما مقاومة تُعيد للأمة سيادتها… أو خنوع يُبقيها بلا ملامح ولا مصير. ومع أحرار العالم، سنحطم خرائط العار، ونكتب بقبضات المقاومة خريطة جديدة… خريطة لا يخطّها الغزاة، بل تنحتها إرادة الشعوب، وتُعلن ولادة زمنٍ لا مكان فيه للهيمنة، ولا سيادة فيه إلا للكرامة والحرية.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • تصفية جريح بعد اختطافه.. مليشيا الحوثي تزعم مساندة أبناء حمة صرار لها
  • جريمة هزت سوهاج.. عز قُـ.تل على يد والده ودفن بالخرسانة
  • الحكومة السودانية تكشف عن جريمة حرب مكتملة الأركان
  • بسبب لعبة كرة قدم ومزحة.. جريمة قتل حصلت في لبنان
  • سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة
  • عصابة مسلحة تقتحم مستشفى لمحاولة تصفية أحد الجرحى
  • بعد 7 أشهر على وفاته.. بدء تصفية ثروة ليام باين
  • جريمة مروعة تهز تركيا: نحر شقيقين داخل منزلهما
  • تعز.. الشرطة تضبط متهم في جريمة قتل إثر خلافات أسرية
  • «تريندز» يؤكد دوره المعرفي ويدعو إلى تعاون عالمي لصياغة عدالة رقمية شاملة