شبيبة التلال مجموعات شبابية يهودية تهاجم الفلسطينيين وتسلب أراضيهم
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
مجموعة شبابية استيطانية ذات توجه يميني متطرف، نشأت عام 1998، بتشجيع من وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون. تؤمن بوجوب إقامة "دولة يهودية" على "أرض إسرائيل الكبرى" بعد طرد الفلسطينيين جميعا منها. وتمثل سلاح الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ اعتداءات ضد الفلسطينيين وإجبارهم على الهجرة القسرية من مناطقهم وقراهم، بهدف إقامة بؤر استيطانية عليها.
ويستوطن عناصر الشبيبة رؤوس تلال الضفة الغربية، على أراض تابعة لملكيات فلسطينية خاصة، ويقيمون في مساكن مؤقتة وخيام، في ظل ظروف معيشية قاسية تعتمد غالبا على الرعي والتنقل، مع عزلة عن المجتمع، وعزوف عن وسائل التمدن الحديثة.
النشأةنشأت عصابة "شبيبة التلال" عام 1998 بتشجيع من وزير الأمن آنذاك شارون، الذي حث المستوطنين في 16 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه على الاستيلاء على قمم الجبال بالضفة، وفرض سياسة الأمر الواقع، بهدف إحباط محادثات السلام، ومنع أي انسحاب إسرائيلي من الضفة.
واستجابت للدعوة جماعات من الشباب اليهود، الذين بدؤوا نشاطهم الاستيطاني على رؤوس تلال الضفة، لذا أُطلق عليهم "شبيبة التلال" أو "فتية التلال" وقد توسع نطاق نشاطهم لاحقا، ليشمل جانبي الخط الأخضر.
تضم "شبيبة التلال" -حسب التقديرات الإسرائيلية- مئات العناصر من الجنسين، من فئتي المراهقين والشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم 26 عاما، ممن تسربوا من المدارس وهجروا عائلاتهم والأطر التقليدية للمجتمع، ويعيشون حياة التشرد والتنقل على تلال الضفة، دون ضوابط اجتماعية أو قانونية تحدد نظام حياتهم، وأصبحت مناطقهم بؤرا ينطلقون منها لتنفيذ أعمال الشغب والاعتداءات المستمرة ضد الفلسطينيين.
وغالبا ما ينضم الشباب إلى هذه الجماعة في سن المراهقة، وبعضهم يلتحق بعد التخرج من الثانوية أو بعد الانتهاء من الخدمة العسكرية، ويقيمون في البؤر الاستيطانية ما بين بضعة أشهر إلى عدة سنوات، ويتزوج البعض منهم ويبنون منازلهم هناك.
ويقيم عناصر "شبيبة التلال" في ظروف معيشية صعبة مليئة بالتحديات، تعتمد على الأعمال الشاقة، مثل: البناء والرعي والزراعة والحراسة، ويسكنون في مآوٍ مؤقتة وخيام على مساحات مفتوحة وأراض تابعة لملكيات فلسطينية خاصة، مع شبه انقطاع عن المجتمع، وغالبا ما يعزفون عن استخدام الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي.
الفكر والأيديولوجياتعتبر مجموعة "شبيبة التلال" جزءا من مشروع اليمين الإسرائيلي المتطرف، وهي تتبنى نشاطات قائمة على العنف والتخريب بناء على أُسس عقدية وسياسية، وتؤمن بوجوب إقامة "دولة يهودية" على "أرض إسرائيل الكبرى" بعد طرد الفلسطينيين جميعا من كافة أراضيها.
وتعتني عناصر "شبيبة التلال" بدراسة التوراة والمقررات الدينية اليهودية، وتُعد مدرسة "عود يوسف خي" -ذات التوجه الديني المتطرف- من أهم المراكز الدينية التي يلتحقون بها، ويمثل الحاخام المتطرف يتسحاق غينزبيرغ، الذي يدرس أخلاقيات العنف اليهودي ضد غير اليهود، زعيما روحيا لهم، ويستقون من كتاب "تورات هميلخ" ليوسف شبيرا أبرز ملامح سلوكهم الاستيطاني.
وينتمي أفراد المجموعة إلى تيارات وحركات عنصرية متطرفة مختلفة، مثل حركة "أرض إسرائيل" و"درب الحياة" و"نواة المدينة العبرية" وتجمعهم روابط وثيقة بأحزاب يمينية، تتمتع بنفوذ داخل دوائر السلطة الرسمية، ويمتلكون صلات قوية مع أعضاء في الكنيست ومسؤولين حكوميين ووزراء متطرفين، مثل: وزير الأمن إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
ويصف المعهد الإسرائيلي للديمقراطية -التابع للكنيست- "شبيبة التلال" بأنها ظاهرة اجتماعية إشكالية، أكثر مما هي مجموعة ذات تصور عقدي، ويشير إلى أنها مجموعة شباب منفصلة عن مجتمعاتها، طُرد عناصرها من مجالات الحياة المنظمة كالمنازل والمدارس والحركات الشبابية، قبل ظهور نزعة التطرف الأيديولوجي عندهم، فهم يمثلون الشباب الساخط على آبائهم ومعلميهم وحاخاماتهم "البرجوازيين" ويعبرون عن هذا الانفصال والسخط من خلال العنف السياسي والأيديولوجية المتطرفة.
ويصنفهم برنامج "تحدي بيت إيل" المدعوم من قبل وزارة التربية والتعليم على أنهم "شباب معرضون للخطر" و"ليسوا مجرمين" ويحاول القائمون على البرنامج الوصول إليهم وإعادة تأهيلهم.
نشاط استيطانييعتمد أسلوب "شبيبة التلال" على توطيد شكل خاص من الاستيطان، وذلك باحتلال مساحات مفتوحة وأراض رعوية في أعالي التلال، تقع معظمها ضمن المنطقة (ج) وتأسيس بؤر استيطانية ومشاريع استيطان رعوي غير قانونية عليها.
ويختارون الأراضي المرتفعة، نتيجة السياسة الاستيطانية العامة لدولة الاحتلال، حيث تؤدي المناطق المختارة وظائف أمنية وإستراتيجية، تهدف لإحكام السيطرة على المناطق المحتلة، وتمزيق الامتداد الجغرافي الفلسطيني، ومنع التواصل بين القرى والبلدات العربية.
ويعتبر إقامة بؤر استيطانية محدودة بالقرب من التجمعات الفلسطينية خطوة للتمدد لاحقا بشكل أكبر في أراضي وممتلكات الفلسطينيين والاستيلاء عليها، بعد طرد أصحابها، لإعاقة أي انسحاب من الضفة، تمهيدا لإقامة دولتهم المزعومة على "أرض إسرائيل الكبرى".
وقد تمكنت مجموعات "شبيبة التلال" حتى أواخر عام 2020 من إقامة نحو 170 بؤرة استيطانية، والمساهمة في الاستيلاء على عشرات آلاف الدونمات التي تعود ملكيتها لفلسطينيين.
وتعمل جهات عديدة على مساندة الجهود الاستيطانية لعصابات "شبيبة التلال" أهمها حركة "غوش إيمونيم" التي تمثل رأس عمليات الاستيطان في الضفة، وذلك من خلال أذرعها، كمنظمة "أمانا" وحركة "نحالا" عبر توفير المواد والمعدات اللازمة لبناء البؤر، وتقديم ميزانيات لتمويل المشاريع الرعوية.
وتدعم السلطات الإسرائيلية الرسمية النشاط الاستيطاني للشبيبة، من خلال شرعنة كثير من البؤر الاستيطانية وتوفير الحماية لها، بتسيير دوريات منتظمة تقوم بها وحدات الجيش في المنطقة.
وتقدم المجالس الإقليمية للمستوطنات ومؤسسات حكومية ووزارات الدعم المادي لأعمال البناء والخدمات الأساسية للبؤر، كما تقدم شخصيات دينية بارزة التمويل والمؤازرة المعنوية لنشاطات الشبيبة.
اعتداءات منظمةتمارس "شبيبة التلال" كافة أنواع العنف والتخريب ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في أنحاء الضفة والقدس وأراضي عام 1948. وتعد خلايا المجموعة الأوسع امتدادا والأكثر نشاطا بين المجموعات الاستيطانية في هذا المضمار.
وقد نفذت أكثر من 4 آلاف اعتداء بين عامي 2017 و2022، وتتحمل المسؤولية عن أكثر العمليات إجراما، مثل إحراق عائلة دوابشة في قرية دوما عام 2015، وإحراق الطفل محمد أبو خضير في القدس.
وقد أصبحت "شبيبة التلال" سلاح الاحتلال لتنفيذ اعتداءات ضد الفلسطينيين وإجبارهم على الهجرة من أراضيهم وقراهم قسرا، وباتت الجرائم التي ترتكبها عناصرها تأخذ شكلا منظما أشبه بنشاط العصابات أو المليشيات.
وتتضمن جرائمهم ارتكاب مئات حالات القتل والاعتداء الجسدي والضرب المبرح بحق الفلسطينيين، كما تشمل الاعتداء على ممتلكاتهم، عن طريق تدميرها، ومهاجمة القرى وسرقة الممتلكات الشخصية، وإحراق المنازل، وتدنيس المساجد والكنائس، وقطع الطرق، وإحراق السيارات، ومصادرة مفاتيح المركبات والهواتف النقالة وترك الفلسطينيين وسط الصحراء بدون وسيلة تواصل أو مواصلات.
ومن تلك الجرائم التي يقوم بها "شبيبة التلال" إشعال النار في الحقول، وقطع أشجار الزيتون، وتدمير المزروعات، والحيلولة دون وصول المزارعين إلى أراضيهم، ومصادرة الماشية، والاعتداء على الرعاة، وإجبار التجمعات البدوية على الرحيل من أرضها، والتخلي عن هويتها الاجتماعية وحياتها البدوية، مما أدى إلى إضعاف النشاط الرعوي والزراعي الفلسطيني.
وتعتبر خلايا "شبيبة التلال" المشتبه بها الرئيسي في تنفيذ عمليات الثأر، أو ما يُعرف بعمليات "تدفيع الثمن" التي بدأت بالظهور عام 2008، للحيلولة دون دفاع الفلسطينيين عن أرضهم أو قيامهم بمقاومة الاحتلال.
وتتكثف هذه الهجمات، التي تخطط لها العصابات اليهودية مسبقا، عقب العمليات الفدائية التي ينفذها فلسطينيون ضد أهداف إسرائيلية، ويترك المستوطنون خلفهم شعارات تعبر عن مقاصدهم، مثل "الموتُ للعرب"، و"إما الطرد أو الموت".
وقد أسس جيش الاحتلال عام 2020 وحدة خاصة أطلق عليها اسم "كتائب الصحراء" مهمتها تنفيذ جولات في منطقة غور الأردن وبراري الضفة، وضُمّ إليها عناصر من "شبيبة التلال" للاستفادة من خبراتهم في تضاريس المنطقة، وقد أخذت الوحدة التي أسسها الجيش بذريعة الإسهام في إعادة تأهيل الشباب تمارس أعمال عنف منظمة ضد الفلسطينيين.
وبعد معركة "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أقيمت نحو 10 بؤر استيطانية، وصُعّدت أعمال العنف والهجمات ضد الفلسطينيين.
ووفق تصريحات رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، فإن أغلبية الضحايا الفلسطينيين في الضفة منذ أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول لم يقتلوا بالضرورة لأسباب مقنعة من قبل قوات الأمن الإسرائيلية، ولكن من قبل أفراد مثل "شبيبة التلال".
يعتبر جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" عصابة "شبيبة التلال" جماعة خارجة عن القانون، وتعتبرهم جهات إسرائيلية متشردين وخارج الأطر السليمة للمجتمع، في حين تنظر إليهم فئات إسرائيلية أخرى بعين التقدير، ويرى بن غفير مثلا أنهم مجموعات طلائعية، ويرفض وصفهم بالمتشردين أو الخارجين عن القانون، ويتهم "الشاباك" بقمعهم ومنعهم من حقوقهم القانونية.
ومن جهة أخرى، فرضت الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية، بما فيها بريطانيا وفرنسا، مطلع عام 2024 عقوبات على جماعة من المستوطنين الإسرائيليين، من ضمنهم أعضاء ينتمون إلى "شبيبة التلال" على خلفية ممارستهم أعمال عنف ضد فلسطينيي الضفة ونشاطات تخريبية طالت ممتلكات الفلسطينيين ومنازلهم وأراضيهم.
ولا تبدي السلطات الإسرائيلية أي جدية في الحد من العنف الذي تقوم به عصابات "شبيبة التلال" وغالبا ما يتم تنميق مجموعة من الإدانات التي تبث في أعقاب أعمالهم الأكثر فظاعة، لحجب مدى الدعم الرسمي لمثل هذا النوع من الجرائم.
ويتم تصوير الجنود الإسرائيليين على أنهم هدف متكرر للمستوطنين، في حين أنهم يقفون في الواقع متفرجين بينما يهاجم المستوطنون القرى الفلسطينية ويعتدون على الأنفس والممتلكات، وتساعد بعض الجهات القضائية المستوطنين في التحايل على التحقيقات، والتملص من الأحكام القضائية المترتبة على الاعتداءات والجرائم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات ضد الفلسطینیین بؤر استیطانیة أرض إسرائیل
إقرأ أيضاً:
بين عرفة والمحرقة الصامتة.. قلوب الفلسطينيين معلّقة بالسماء
الثورة / متابعات
في التاسع من ذي الحجة، بينما يقف قرابة مليوني من الحجاج في صعيد عرفات ملبّين، رافعين أيديهم نحو السماء، كان لأهل غزة موقفٌ آخر؛ لا على جبل الرحمة، بل على جبالٍ من الركام والدمار، يرفعون دعاءهم في وجه الغياب، ويُنادون الله في زمنٍ عزّ فيه النصير.
من تحت الأنقاض، وفي خيامٍ مؤقتة نصبت على أطلال البيوت، تسري همسات الدعاء، تخترق أزيز الطائرات، وتتصاعد وسط أعمدة الدخان.
يوم عرفة الذي يعد من أعظم أيام العام في التقويم الإسلامي، تحوّل في غزة إلى لحظة وجودية: دعاء نجاة لا دعاء غفران فقط، وبكاء استغاثة لا بكاء خشوع فحسب.
“في كل قصف نقول: يا الله. واليوم نقولها ألف مرة”، بهذه الكلمات لخّصت أم نضال (42 عامًا)، الناجية من قصف استهدف منزلها في مخيم النصيرات، حالَ مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يصومون يوم عرفة بلا ماء، ويكبرّون في مساجد مهدّمة، وقلوبهم مملوءة بالخوف، لكنها مشدودة إلى السماء.
الدعاء في زمن العجز
بينما تتجه أنظار العالم الإسلامي نحو مكة، يعتلي الأنين في غزة صوت الأذان، الدعاء هنا ليس طقسًا روحيًا، بل فعل مقاومة، صرخة مكتومة تطلب رحمة عاجلة، ونصرةً مؤجلة، وعدلاً لم يأت بعد.
في أحياء الشجاعية وخان يونس وجباليا، يُسمع الدعاء أكثر من أي وقت مضى: “اللهم إنك ترى، وتعلم، وتقدر، فارحمنا”.
تكبيرات تُقارع الطائرات
تجلّت المفارقة الكبرى صباح هذا اليوم، حين ارتفعت تكبيرات المآذن في غزة في لحظةٍ تزامنت مع قصف جوي عنيف في مناطق قطاع غزة.
وكأنّ أرواح أهل غزة اختارت أن تعلو فوق دخان الحرب، رافعة صوتها بالتكبير، في تأكيد أن الإيمان باقٍ رغم كل محاولات الإبادة.
“أكبرنا والحيطان تهتز من حولنا، خفنا.. لكن كملنا”، قالها أحد الشبان، وهو يساعد جيرانه في إزالة الأنقاض في مكان استهداف غاشم.
صمت العالم.. وضجيج الدعاء
على وقع صمتٍ دوليٍ مطبق، يستمر النزيف الإنساني في غزة منذ عامين، ومعه تتآكل قدرة الأهالي على تحمّل المزيد.
لكن يوم عرفة، رغم قسوة الحرب، بعث شيئًا من الأمل، في مستشفيات تغصّ بالجرحى، وأفران شبه معطّلة، وأحياء تحوّلت إلى أطلال، ما زال الناس يدعون.
“من عرفات إلى غزة، اللهم كن معنا”، شعارٌ ردده نشطاء عبر مواقع التواصل، في حملات تضامن مع القطاع المنكوب، داعين إلى أن يكون يوم عرفة هذا العام موعدًا لاستيقاظ الضمير الإنساني العالمي، لا مجرّد يومٍ من العبادة الفردية في اليوم الذي يُقال فيه أن الله يعتق فيه عباده من النار، كانت غزة في قلب النار حقًا.
لكنّ أهلها لم يفقدوا الإيمان، ولم تنطفئ في عيونهم شرارة الرجاء، وبينما ينهي الحجيج وقوفهم على عرفات، يختم الغزّيون يومهم بدعاءٍ واحد: “اللهم أذِقنا طعم العيد، بلا فَقْد، بلا قصف، بلا خوف”.