ماذا يحتاج الشعب في سنواته المقبلة؟
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
على رأس قائمة طموحات أي شعب يحتل الاستقرار قمة احتياجاته.
ليس المراد بالاستقرار توافر الأمن والأمان في مواجهة شبح الحروب التي تفرض نفسها عند الاعتداء على حدود الوطن أو السطو على مقدراته وموارده فقط، ولكن في واقع الأمر- كما أراه - فهناك أيضا الاستقرار الاجتماعي والمعيشي المتمثل في نمط الحياة ومستوى معيشة الفرد الذي يحقق له الرفاهية التي تتناسب مع موارد وثروات الوطن وقوة اقتصاده.
فهذا الشعب العظيم وارث أقدم حضارة إنسانية هو الآن في أمَسِّ الحاجة إلى نهضة إنسانية ترقىٰ به إلى أعلىٰ مراتب التَحضُّر، تتمثل في حفر قنوات الوعي الديني والسياسي والاجتماعي والى إنشاء طرق العلم الحديث واقتباس أساليب البحث والمعرفة التي تصله بمصادر القوة اقتصاديا وعسكريا. كما يلزمه إقامة كباري وجسور الثقة بحكومته وسلطاتها القضائية والتشريعية والتنفيذية، وشق أنفاق التواصل والانتماء القوي للوطن، مع زراعة أشجار الالتحام والبناء والإنتاج بروح الفريق تدعمها عدالة في التقييم بمبدأ الثواب والعقاب بلا مجاملة ولا محاباة، ورعاية زهور التسامح والمحبة بين أبنائه باختلاف شرائحهم ومعتقداتهم و سن قوانين السلوكيات الرَّاقية النّابعة من التعاليم السماوية.
ولا شك أن ما يحقق ذلك يلزمه إعلام وطني واعٍ يتبنى أهدافا سامية بكل وسائلهِ المَرئيةِ والمسموعة والمقروءة يعاونها مسجد يُدرِّسُ و يُطبِّقُ الشرائع الدينية الوسطية السَمْحَة، وكنيسة معتدلةٌ غير مُتعصِّبة ولا مُتطرِّفة. وهذه المؤسسات إذا ما قامت بدورها جيدا أفرزت أسرة واعية منضبطة أخلاقيا واجتماعيا.
والأسرة الواعية بمشاركة المدرسة والجامعة يُخرِّجون جيلا نابغا تصقله المؤسسات العسكرية ( بالتجنيد أو التَّطوُّع ) ليُصبِحَ رجلا نافعا منتجا ماهرا ومدافعا قويا.
ومع الثقافة الجيدة الملازمة لكل ما تقدم يخرج مواطن واعٍ عاشق لتراب أرضه. ومن جموع هذا الشعب الواعي القوي في بنيانه وعقيدته وباصطفافه وتكاتفه على قلب رجل واحد إذا ما تحققت له العدالة الاجتماعية الحقيقية يمكنه وبكل تأكيد أن يصنع آماله بفكره ووعيه، ويحققها بعقول وسواعد أبنائه.
ومن عوامل تحقيق الاستقرار الشامل أيضا إحساس المواطن أنه المُسْتَهْدَف بكل ما تبذله الدولة مِن بناءٍ وإعمار. بمعنى أن يلمس ويرى أن لرأيه قيمة باعتباره شريكا أساسيا في رسم السياسات عن طريق ممثليه في مجلسيْ الشيوخ والنواب ولا يُعامَل كمتلقٍ فقط. لا سِيَّما إذا أَحسَن اختيار نوابه و من يُمثِّلُ الحكومة ليعمل الجميع على ما يَكْفُل له أمنه و راحته وييُسِّرُ أموره في الإجراءات الإدارية والخدمية والتَّغلُب على مشكلاته البيئية التي تُهَدِّدُ صِحَّتهُ وحياته، ويوفر له احتياجاته من السِلع الغذائية وتحميه مِن جَشَع التجار والانتهازيين.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
التفاوت في الرواتب بين المؤسسات الحكومية.. إلى متى؟
حمود بن سعيد البطاشي
لا شك أن العدالة في الرواتب والمزايا بين الموظفين الحكوميين تُعدّ أحد ركائز الاستقرار الوظيفي والإنتاجية العالية. ولكن ما نراه على أرض الواقع في مؤسساتنا ويلاحظه الجميع، هو وجود فارق شاسع وغير مُبرَّر في الرواتب بين مؤسسات الدولة الحكومية، رغم أن الوظيفة واحدة، والمؤهلات متماثلة، والتدريب متقارب!
مثلًا: تجد موظفًا في وزارة يعمل بمسمى "أخصائي موارد بشرية" يحصل على راتب أساسي لا يتجاوز 700 ريال، في حين أن زميله في جهة حكومية أخرى (هيئة أو شركة حكومية) يتقاضى ضعف هذا الراتب أو أكثر، مع نفس المؤهل، ونفس المهام تقريبًا. ما الرسالة التي توصلها هذه الفجوة للعاملين في القطاع العام؟ إنها ببساطة تقول: "العدالة ليست أولوية".
هذا التفاوت لا يُضعف فقط من الروح المعنوية للموظف؛ بل يُغريه لترك موقعه والبحث عن فرص في الجهات الأعلى دخلًا؛ مما يخلق حالة من النزيف الوظيفي، والتكدّس في جهات معينة، وندرة الكفاءات في أخرى.
ويرجع سبب هذا التفاوت إلى غياب إستراتيجية وطنية موحدة للرواتب والمزايا في القطاع الحكومي؛ حيث تتبع كل جهة جدولها الخاص، بناءً على وضعها القانوني أو استقلالها المالي. وبعض الهيئات تستند إلى أنظمتها الخاصة، وشركات حكومية أخرى تعتمد على لوائح مُنفصلة تشبه القطاع الخاص، في حين تبقى الوزارات الخدمية مقيدة بنظام الخدمة المدنية الموحد.
لكن السؤال: هل من العدالة أن يعمل موظفان لنفس الحكومة، ويحملان نفس الشهادة، ويؤديان نفس المهمة، ويتقاضيان راتبين مختلفين؟ بالطبع لا!
وهذا التفاوت في الرواتب يؤثر سلبًا على الإنتاجية، ويخلق شعورًا بالغبن والإجحاف. فالموظف الأقل راتبًا قد يشعر بعدم التقدير، مما ينعكس على أدائه. كما أنه يقوّض الجهود الحكومية لتحفيز الشباب على الانخراط في الوظائف العامة، ويشجع على التسرب إلى القطاع الخاص أو الهجرة الخارجية.
المطلوب اليوم من الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة العمل، إجراء مراجعة شاملة لهيكل الرواتب في القطاع الحكومي، ووضع إطار عادل ومنصف يراعي المؤهل، وسنوات الخبرة، والمهام الفعلية. كما يجب إنشاء قاعدة بيانات مركزية لمقارنة الرواتب، ونشرها بشفافية لتوضيح الفوارق، ومعالجتها تدريجيًا.
وفي الختام.. العدالة في الرواتب ليست رفاهية؛ بل ضرورة لخلق بيئة عمل صحية، ورفع الإنتاجية، وتحقيق الرضا الوظيفي، ولا يمكن لحكومة أن تُطالب موظفيها بالولاء والانضباط، بينما تُفرّق بينهم في الأجور لأسباب غير منطقية.. وقد آن الأوان لردم الفجوة، وإعادة بناء الثقة في هذا الجانب.